الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الخامِسُ: اشتِراطُ الذُّكوريَّةِ


يُشتَرَطُ أن يَكونَ القاضي ذَكَرًا، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ [60] ((مختصر خليل)) (ص: 218)، ((منح الجليل)) لعليش (8/259). ، والشَّافِعيَّةِ [61] ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (12/415)، ((روضة الطالبين)) للنووي (11/94،95). ، والحَنابِلةِ [62] ((الإقناع)) للحجاوي (4/368)، ((منتهى الإرادات)) لابن النجار (5/268). ، وحُكِيَ الاتِّفاقُ على ذلك [63] قال البَغَويُّ: (اتَّفَقوا على أنَّ المَرأةَ لا تَصلُحُ أن تَكونَ إمامًا ولا قاضيًا). ((شرح السنة)) (10/77). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
1- قَولُه تعالى: ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ [النساء: 34] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
بَيَّنَت هذه الآيةُ أنَّ الرِّجالَ هُم أهلُ القَوامةِ والرِّئاسةِ والحُكمِ على النِّساءِ؛ لأنَّ اللهَ تَعالى فضَّلَ الرِّجالَ على النِّساءِ؛ فلذلك اختَصَّ الرِّجالُ بالنُّبوَّةِ والوِلايةِ العُظمى والقَضاءِ وسائِرِ الوِلاياتِ العامَّةِ [64] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/292). .
2- قَولُه تعالى: وَٱسۡتَشۡهِدُواْ شَهِيدَيۡنِ مِن رِّجَالِكُمۡۖ فَإِن لَّمۡ يَكُونَا رَجُلَيۡنِ فَرَجُلٞ وَٱمۡرَأَتَانِ مِمَّن تَرۡضَوۡنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحۡدَىٰهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحۡدَىٰهُمَا ٱلۡأُخۡرَىٰ [البقرة: 282] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
نَبَّهَ اللهُ تَعالى في هذه الآيةِ على ضَلالِ النِّساءِ ونِسيانِهنَّ؛ فلذلك لا تُقبَلُ شَهادةُ النِّساءِ ما لم يَكُنْ مَعَهنَّ رَجُلٌ، ولا تَصلُحُ المَرأةُ للإمامةِ العُظمى ونَحوِها؛ ولهذا لم يُوَلِّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا أحَدٌ مِن خُلَفائِه ولا مَن بَعدَهم امرَأةً قَضاءً ولا وِلايةَ بَلَدٍ، ولَو جازَ ذلك لم يَخلُ منه جَميعُ الزَّمانِ غالِبًا [65] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (10/36). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَن أبي بَكرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه سَمِعَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((لَن يُفلِحَ قَومٌ وَلَّوا أمرَهمُ امرَأةً)) [66] أخرجه البخاري (4425). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
بَيَّنَ هذا الحَديثُ أنَّ كُلَّ قَومٍ ولَّوا أمرَهمُ امرَأةً فإنَّهم لَن يُفلِحوا؛ فدَلَّ ذلك على أنَّ المَرأةَ إذا وَلِيَتِ القَضاءَ فسَدَ أمرُ مَن وَلِيَتْهم؛ لأنَّ القَضاءَ مِن أعظَمِ الوِلاياتِ [67] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (13/20)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (15/272). .
2- عَن بُرَيدةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((القُضاةُ ثَلاثةٌ: واحِدٌ في الجَنَّةِ، واثنانِ في النَّارِ؛ فأمَّا الذي في الجَنَّةِ فرَجُلٌ عَرَفَ الحَقَّ فقَضى به، ورَجُلٌ عَرَفَ الحَقَّ فجارَ في الحُكمِ فهو في النَّارِ، ورَجُلٌ قَضى للنَّاسِ على جَهلٍ فهو في النَّارِ)) [68] أخرجه أبو داود (3573) واللفظ له، والترمذي (1322)، وابن ماجه (2315). صحَّحه الطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (9/209)، وابن الملقن في ((شرح البخاري)) (32/493)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3573)، وقال محمَّدُ بنُ عبدِ الهادي في ((تنقيح التحقيق)) (5/61): حَسَنٌ أو صحيحٌ. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ هذا الحَديثُ على اشتِراطِ الذُّكوريَّةِ في القاضي، وذلك مِن مَفهومِ قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "رَجُلٌ...، ورَجُلٌ...، ورَجُلٌ" الدَّالِّ على خُروجِ المَرأةِ مِن هذه الوِلايةِ [69] يُنظر: ((نيل الأوطار)) للشوكاني (8/304). .
ثالثًا: مِنَ الآثارِ
عَن أبي مَعمَرٍ أنَّ ابنَ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه كانَ يَقولُ في النِّساءِ: (أخِّروهنَّ حَيثُ أخَّرَهنَّ اللهُ) [70] أخرجه عبد الرزاق (5115)، والطبراني (9/342) (9484). قال أحمد شاكر في تخريج ((المحلى)) (4/18): مَوقوفٌ مِن كَلامِ ابنِ مَسعودٍ. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ هذا الأثَرُ على أنَّ النِّساءَ لا يَتَقدَّمنَ على الرِّجالِ، فإذا وَليَتِ المَرأةُ القَضاءَ كانَت مُقدَّمةً، والرِّجالُ مُؤَخَّرينَ عَنها، فلا يَصِحُّ أن تَتَولَّى هذا المَنصِبَ [71] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (13/21). .
رابِعًا: قياسُ وِلايةِ القَضاءِ على إمامةِ الرِّجالِ في الصَّلاةِ في مَنعِ المَرأةِ مِن تَوليَتِها، بجامِعِ كَونِ وِلايةِ القَضاءِ أَولى بالمَنعِ مِن إمامةِ الصَّلاةِ [72] يُنظر: ((روضة القضاة)) لابن السمناني (1/63). .
خامِسًا: أنَّ القاضيَ يَحتاجُ إلى البُروزِ والخُروجِ لفَصلِ الخُصوماتِ، والمَرأةُ عَورةٌ لا تَصلُحُ لذلك، وتَعجِزُ لضَعفِها عِندَ القيامِ بأكثَرِ الأُمورِ [73] يُنظر: ((شرح السنة)) للبغوي (10/77). .
سادِسًا: أنَّ القَضاءَ يَتَطَلَّبُ الحُضورَ في مَحافِلِ الخُصومِ والرِّجالِ، ورَفعَ الصَّوتِ بَينَهم، ويَحتاجُ فيه إلى كَمالِ الرَّأيِ وتَمامِ العَقلِ والفِطنةِ، والمَرأةُ ناقِصةُ العَقلِ قَليلةُ الرَّأيِ، ليست أهلًا للحُضورِ في مَحافِلِ الرِّجالِ ولا يَليقُ ذلك بحالِها [74] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (10/32)، ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (12/415). .

انظر أيضا: