الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: اشتِراطُ الإسلامِ


يُشتَرَطُ في القاضي أن يَكونَ مُسلِمًا [28] وذلك إذا كانَ أحَدُ الخُصومِ مُسلِمًا أو كِلاهما. .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
1- قَولُه تعالى: وَلَن يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ سَبِيلًا [النساء: 141] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّتِ الآيةُ على انتِفاءِ تَسَلُّطِ الكُفَّارِ على المُؤمِنينَ، ولا سُلطانَ في الدُّنيا أعظَمُ مِن سُلطانِ القَضاءِ، فلا يَصِحُّ القَضاءُ إلَّا مِن مُسلِمٍ [29] يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (6/262). .
2- قَولُه تعالى: يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوٓاْ [الحجرات: 6] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّتِ الآيةُ على أنَّه لا يُقبَلُ قَولُ الفاسِقِ -والكافِرُ مِن بابِ أَولى- حَتَّى يتَبَيَّنَ مِن صِحَّةِ قَولِه؛ فدَلَّ ذلك على أنَّه لا يَجوزُ أن يَكونَ القاضي مِمَّن لا يُقبَلُ قَولُه، ويَجِبُ التَّبَيُّنُ عِندَ حُكمِه [30] يُنظر: ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/492). .
ثانيًا: من الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: الشَّافِعيُّ [31] قال الشَّافِعيُّ: (الذي أحفَظُ مِن قَولِ أصحابِنا وقياسِه أنَّهم لا يَنظُرونَ فيما بَينَ أهلِ الكِتابِ ولا يَكشِفونَهم عَن شَيءٍ مِن أحكامِهم فيما بَينَهم، وأنَّهم لا يُلزِمونَ أنفُسَهم الحُكمَ بَينَهم إلَّا أن يَتَدارَؤوا هُم والمُسلِمونَ، فإن فعَلوا فلا يَجوزُ أن يَحكُمَ لمُسلِمٍ ولا عليه إلَّا مُسلِمٌ، فهذا المَوضِعُ الذي يُلزِمونَ أنفُسَهم النَّظَرَ بَينَهم فيه، فإذا نَظَروا بَينَهم وبَينَ مُسلِمٍ حَكَموا بحُكمِ المُسلِمينَ لا خِلافَ في شَيءٍ مِنهُ بحالٍ). ((الأم)) (7/44). ، والباجيُّ [32] قال الباجيُّ: (وأمَّا اعتِبارُ إسلامِه فلا خِلافَ بَينَ المُسلِمينَ في ذلك). ((المنتقى)) (5/183). ، وابنُ فَرْحونَ [33] قال ابنُ فَرْحون: (قال القاضي عياضٌ رَحِمَه اللهُ: "التَّنبيهاتُ": وشُروطُ القَضاءِ التي لا يَتِمُّ القَضاءُ إلَّا بها ولا تَنعَقِدُ الوِلايةُ ولا يُستَدامُ عَقدُها إلَّا مَعَها عَشَرةٌ: الإسلامُ، والعَقلُ، والذُّكوريَّةُ، والحُرِّيَّةُ، والبُلوغُ، والعَدالةُ، والعِلمُ، وكَونُه واحِدًا، وسَلامةُ حاسَّةِ السَّمعِ والبَصَرِ مِنَ العَمى والصَّمَمِ، وسَلامةُ اللِّسانِ مِنَ البَكَمِ -هُنا يَنتَهي كَلامُ القاضي-، فالثَّمانيةُ الأُوَلُ هيَ المَشروطةُ في صِحَّةِ الوِلايةِ، والثَّلاثةُ الأُخَرُ ليست بشَرطٍ في الصِّحَّةِ، لَكِن عَدَمُها يوجِبُ العَزلَ، فلا تَصِحُّ مِنَ الكافِرِ اتِّفاقًا، ولا المَجنونِ)) ((تبصرة الحكام)) (1/26). .
ثالثًا: قياسُ القَضاءِ على الشَّهادةِ في اشتِراطِ الإسلامِ، بجامِعِ كَونِ اشتِراطِه في القَضاءِ أَولى [34] يُنظر: ((الممتع في شرح المقنع)) لابن المنجى (4/517). .
رابعًا: أنَّ الإسلامَ شَرطٌ للعَدالةِ، فالأَولى أن يَكونَ شَرطًا للقَضاءِ [35] يُنظر: ((منتهى الإرادات)) لابن النجار (11/202). .
خامِسًا: أنَّ الكُفرَ يَقتَضي إذلالَ صاحِبِه، ومَنصِبُ القَضاءِ يَقتَضي احتِرامَه، وبَينَهما مُنافاةٌ [36] يُنظر: ((الممتع في شرح المقنع)) لابن المنجى (4/517). .

انظر أيضا: