الموسوعة العقدية

الفَرعُ الثَّاني: مِن صُوَرِ الشِّرْكِ في الأسماءِ والصِّفاتِ

1- اشتِقاقُ أسماءٍ للآلِهةِ الباطِلةِ مِن أسماءِ اللهِ تعالى:
كاشتِقاقِ اسمِ (اللَّاتِ) مِن (الإلهِ)، و(العُزَّى) من (العزيزِ) .
قال اللهُ تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف: 180] .
قال ابنُ جرير: (وأمَّا قَولُه: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ فإنَّه يعني به المُشرِكينَ، وكان إلحادُهم في أسماءِ اللهِ أنَّهم عَدَلوا بها عمَّا هي عليه، فسَمَّوا بها آلهتَهم وأوثانَهم، وزادوا فيها ونَقَصوا منها، فسَمَّوا بَعْضَها اللَّاتَ اشتِقاقًا منهم لها من اسمِ اللهِ، الذي هو اللهُ، وسَمَّوا بَعْضَها العُزى اشتِقاقًا لها من اسمِ اللهِ، الذي هو العزيزُ) .
2- شِرْكُ المُشَبِّهةِ:
وهو تَشبيهُ الخالِقِ بالمخلوقِ، كمَن يقولُ: (يَدُ اللهِ كيدي) أو (سَمْعُه كسَمْعي)، أو (استِواؤه كاستِوائي) .
وقد قال اللهُ تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] .
عن نعيمِ بنِ حمَّادٍ قال: (من شَبَّه اللهَ بخَلْقِه فقد كَفَر، ومن أنكَرَ ما وصَفَ به نَفْسَه فقد كَفَر، وليس ما وصَفَ اللهُ به نَفْسَه ولا رَسولُه تشبيهًا) .
وقال عبدُ الرَّحمنِ بنُ حَسَن آل الشَّيخِ: (الشِّرْكُ في أسمائِه وصِفاتِه: ومنه تشبيهُ الخالِقِ بالمخلوقِ؛ كمن يقولُ: يَدٌ كيدي، وهو شِرْكُ المشَبِّهةِ) .
3- الشِّرْكُ بدَعْوى عِلْمِ الغَيبِ الذي اختَصَّ اللهُ به:
فمن ادَّعى أنَّ أحدًا من الخَلْقِ يَعلَمُ الغَيبَ، فقد وقع في الشِّرْكِ الأكبَرِ المُخرِجِ مِن المِلَّةِ؛ لأنَّ في ذلك ادِّعاءَ مُشاركةِ اللهِ تعالى في صفةٍ من صِفاتِه الخاصَّةِ به، وهي (عِلمُ الغَيبِ).
قال اللهُ تعالى: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إلَّا اللهُ [النمل: 65] .
وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ لنبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ [الأعراف: 188] .
وقال أيضًا لنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ [الأنعام: 50] .
قال ابنُ العربي: (من ادَّعى عِلْمَ الكَسْبِ في مُستقبَلِ العُمُرِ، فهو كافِرٌ، أو أخبَرَ عن الكوائِنِ الجُمليَّةِ أو المفَصَّلةِ فيما يكونُ قبلَ أن يكونَ، فلا رِيبةَ في كُفْرِه أيضًا) .
وقال ابنُ كثيرٍ: (يقولُ تعالى لرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ أي: لسْتُ أملِكُها ولا أتصَرَّفُ فيها، وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ أي: ولا أقولُ: إنِّي أعلَمُ الغيبَ، إنَّما ذاك مِن عِلمِ اللهِ، عَزَّ وجَلَّ، لا أطَّلِعُ منه إلَّا على ما أطلَعَني عليه) .
وقال السعديُّ: (يخبِرُ تعالى أنَّه المنفَرِدُ بعِلْمِ غَيبِ السَّمَواتِ والأرضِ، كقَولِه تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام: 59] ، وكقَولِه: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ [لقمان: 34] إلى آخِرِ السُّورةِ.
فهذه الغُيوبُ ونَحْوُها اختَصَّ اللهُ بعِلْمِها، فلم يَعلَمْها مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولا نبيٌّ مُرسَلٌ، وإذا كان هو المنفَرِدَ بعِلمِ ذلك، المحيطَ عِلْمُه بالسَّرائِرِ والبواطِنِ والخفايا؛ فهو الذي لا تنبغي العبادةُ إلَّا له) .
وقال ابنُ باز: (الذي يدَّعي عِلمَ الغَيبِ، أو يُصَدِّقُ مَن يدَّعي عِلمَ الغَيبِ؛ يَكفُرُ كفرًا أكبَرَ. نعوذُ باللهِ. يُستتابُ، فإن تابَ وإلَّا قُتِلَ، يعني: يستتيبُه وَلِيُّ الأمرِ؛ السُّلطانُ أو نائِبُه مِن القُضاةِ، فإن تاب وإلَّا قُتِلَ كافِرًا) .
وقال ابنُ باز: (الذين يَدَّعونَ أمورَ الغَيْبِ، أو يَدَّعونَ أنَّ مَشايخَهم يُرشِدونَهم إلى أشياءَ تتعَلَّقُ بالغَيبِ، وأنَّ ما يقولُ مَشايخُهم صحيحٌ، وأنَّهم معصومون وأنَّ أخبارَهم لا بَدَّ أن تَقَع، وما أشبَهَ هذا ممَّا يَقَعُ لبَعضِ الصُّوفيَّةِ، أو يعتَقِدُ أنَّه يأتيه الوَحيُ مِن السَّماءِ... فكُلُّ هذه خُرافاتٌ، والذي يدَّعيها كافِرٌ؛ الذي يدَّعي أنَّه يَعلَمُ الغَيبَ، أو يأتيه الوَحْيُ مِنَ السَّماءِ ما عدا محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيما أطلَعَه اللهُ عليه؛ كل هذا كُفرٌ وضَلالٌ، وهكذا من يُصَدِّقُه بدَعوى عِلمِ الغَيبِ، مَن صَدَّقَه فهو مِثْلُه) .
وقال ابنُ عُثَيمين: (من ادَّعى عِلمَ الغَيبِ فهو كافِرٌ، ومن صَدَّق من يدَّعي عِلْمَ الغَيبِ فإنَّه كافِرٌ أيضًا؛ لِقَولِه تعالى: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل: 65] ؛ فلا يَعلَمُ غَيبَ السَّمَواتِ والأرضِ إلَّا اللهُ وَحْدَه) .
وقال أيضًا: (عِلْمُ النُّجومِ ينقَسِمُ إلى قِسمَينِ: 1- عِلمُ التأثيرِ. 2- عِلمُ التسييرِ.
فالأوَّلُ: عِلمُ التأثيرِ. وهذا ينقَسِمُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ:
1- أن يعتَقِدَ أنَّ هذه النُّجومَ مُؤثِّرةٌ فاعِلةٌ، بمعنى: أنَّها هي التي تخلُقُ الحوادِثَ والشُّرورَ، فهذا شِركٌ أكبَرُ؛ لأنَّ مَن ادَّعى أنَّ مع اللهِ خالِقًا، فهو مُشرِكٌ شِركًا أكبَرَ؛ فهذا جَعَل المخلوقَ المسَخَّرَ خالِقًا مُسَخِّرًا!
2- أن يجعَلَها سَبَبًا يدَّعي به عِلمَ الغَيبِ، فيَستَدِلُّ بحَرَكاتِها وتنَقُّلاتِها وتغَيُّراتِها على أنَّه سيكونُ كذا وكذا؛ لأنَّ النَّجمَ الفُلانيَّ صار كذا وكذا، مِثلُ أن يقولَ: هذا الإنسانُ ستكونُ حياتُه شَقاءً؛ لأنَّه وُلِدَ في النَّجمِ الفلانيِّ، وهذا حياتُه ستكونُ سعيدةً؛ لأنَّه وُلِدَ في النَّجمِ الفُلانيِّ! فهذا اتَّخَذ تعَلُّمَ النُّجومِ وَسيلةً لادِّعاءِ عِلمِ الغَيبِ، ودعوى عِلمِ الغَيبِ كُفرٌ مُخرِجٌ عن الملَّةِ؛ لأنَّ اللهَ يقولُ: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [سورة النمل: 65]، وهذا من أقوى أنواعِ الحَصْرِ؛ لأنَّه بالنَّفيِ والإثباتِ، فإذا ادَّعى أحَدٌ عِلمَ الغَيبِ فقد كَذَّب القُرآنَ.
3- أن يعتَقِدَها سَبَبًا لحُدوثِ الخَيرِ والشَّرِّ، أي: أنَّه إذا وقَعَ شَيءٌ، نَسَبَه إلى النُّجومِ، ولا يَنسُبُ إلى النُّجومِ شيئًا إلَّا بعد وُقوعِه، فهذا شِرْكٌ أصغَرُ...
الثَّاني: علمُ التَّسييرِ. وهذا ينقَسِمُ إلى قِسمَينِ:
الأوَّلُ: أن يستَدِلَّ بسَيْرِها على المصالِحِ الدِّينيَّةِ؛ فهذا مطلوبٌ...
الثَّاني: أن يَستَدِلَّ بسَيْرِها على المصالِحِ الدُّنيويَّةِ؛ فهذا لا بَأْسَ به) .
وسُئِلَت اللَّجنةُ الدَّائِمةُ للإفتاءِ بالسُّعوديَّةِ: (ما هو حُكمُ الشَّرعِ حَولَ الاعتِقادِ بصِدقِ أبراجِ الحَظِّ الموجودةِ في الجرائِدِ والمجلَّاتِ وقِراءتِها؟
فأجابت: تعليقُ النَّحسِ والسَّعدِ في الأفلاكِ والأبراجِ: مِن شِرْكِ الأوائِلِ مِنَ المجوسِ، والصَّابئةِ مِن الفلاسِفةِ، ونَحوِهم مِن طوائفِ الكُفرِ والشِّركِ، وادِّعاءُ عِلمِ ذلك هو في الظَّاهِرِ ادِّعاءٌ لعِلمِ الغَيبِ، وهذا منازَعةٌ للهِ في حُكْمِه، وهذا شِرْكٌ عظيمٌ، ثمَّ هو في حقيقتِه دَجَلٌ وكَذِبٌ وتلاعُبٌ بعُقولِ النَّاسِ، وأكلٌ لأموالِهم بالباطِلِ، وإدخالٌ للفَسادِ في عقائدِهم، والتَّلبيسِ عليهم.
وعليه فإنَّ «أبراجَ الحَظِّ» يَحرُمُ نَشْرُها والنَّظَرُ فيها وترويجُها بين النَّاسِ، ولا يجوزُ تصديقُهم، بل هو مِن شُعَبِ الكُفرِ والقَدْحِ في التوحيدِ، والواجِبُ الحَذَرُ مِن ذلك، والتَّواصي بتَرْكِه، والاعتِمادُ على اللهِ سُبحانَه وتعالى، والتوكُّلُ عليه في كُلِّ الأمورِ) .
ومِن أمثلةِ الشِّرْكِ بدَعْوى عِلْمِ الغَيبِ:
1- اعتِقادُ أنَّ الأنبياءَ أو بَعضَ الأولياءِ والصَّالحينَ يَعلَمونَ الغَيبَ: وهذا الاعتِقادُ موجودٌ عند غُلاةِ الرَّافِضةِ والصُّوفيَّةِ؛ فيستغيثونَ بالأنبياءِ والصَّالحينَ الميِّتينَ، أو الأحياءِ الغائبينَ عنهم، معتَقِدينَ أنَّهم يَعلَمونَ حالَهم، ويَسمَعونَ كَلامَهم .
2- اعتِقادُ أنَّ السَّحَرةَ أو الكُهَّانَ يَعلَمونَ الغَيْبَ .

انظر أيضا:

  1. (1) يُنظر: ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (1/298)، ((تيسير العزيز الحميد)) لسليمان آل الشيخ (ص: 27).
  2. (2) يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/ 596).
  3. (3) ينظر: ((بدائع الفوائد)) (1/299)، ((الروح)) (ص: 357) كلاهما لابن القيم، ((تيسير العزيز الحميد)) لسليمان آل الشيخ (ص: 27).
  4. (4) أخرجه الذهبي في ((العلو)) (ص: 172).
  5. (5) يُنظر: ((الدرر السنية)) (2/ 307).
  6. (6) يُنظر: ((أحكام القرآن)) (2/ 259).
  7. (7) يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (3/ 258).
  8. (8) يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 608).
  9. (9) يُنظر: ((فتاوى نور على الدرب)) (3/ 339).
  10. (10) يُنظر: ((فتاوى نور على الدرب)) (4/181).
  11. (11) يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (1/ 292).
  12. (12) يُنظر: ((القول المفيد)) (2/ 5 - 7).
  13. (13) يُنظر: ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية)) (1/203).
  14. (14) يُنظر: ((رسالة التوحيد)) للدهلوي (ص: 102)، ((تيسير العزيز الحميد)) لسليمان آل الشيخ (ص: 179).
  15. (15) يُنظر: ((الشيعة وأهل البيت)) لإحسان ظهير (ص: 242)، ((التصوف - المنشأ والمصادر)) لإحسان ظهير (ص: 159 - 185)، ((إعانة المستفيد)) للفوزان (1/ 370).