المَبحَثُ الثَّاني: ادِّعاءُ النُّبُوَّة
قال اللهُ تعالى:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ [الأنعام: 93] .
قال
ابنُ جريرٍ: (يعني جَلَّ ذِكْرُه بقَولِه:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا: ومَن أخطَأُ قَولًا وأجهَلُ فِعلًا ممَّن افترى على اللهِ كَذِبًا، يعني: ممَّن اختلق على اللهِ كَذِبًا، فادَّعى عليه أنَّه بعثه نبيًّا وأرسله نذيرًا، وهو في دَعواه مُبطِلٌ وفي قِيلِه كاذِبٌ)
.
وقال
السَّعديُّ: (يقولُ تعالى: لا أحَدَ أعظَمُ ظُلمًا، ولا أكبَرُ جُرمًا، ممَّن كَذَب على اللهِ، بأن نَسَبَ إلى اللهِ قَولًا أو حُكمًا، وهو تعالى بريءٌ منه، وإنَّما كان هذا أظلَمَ الخَلْقِ؛ لأنَّ فيه من الكَذِبِ، وتغييرِ الأديانِ أصولِها وفُروعِها، ونسبةِ ذلك إلى اللهِ؛ ما هو من أكبَرِ المفاسِدِ، ويدخُلُ في ذلك ادِّعاءُ النُّبُوَّةِ، وأنَّ اللهَ يُوحي إليه، وهو كاذِبٌ في ذلك؛ فإنَّه مع كَذِبِه على اللهِ وجُرأتِه على عَظَمتِه وسُلطانِه، يوجِبُ على الخَلْقِ أن يتَّبِعوه، ويجاهِدُهم على ذلك، ويستحِلُّ دِماءَ من خالفَه وأموالَهم، ويدخُلُ في هذه الآيةِ كُلُّ من ادَّعى النُّبُوَّةَ، كمُسَيلِمةَ الكَذَّابِ، والأسوَدِ العَنْسيِّ، والمختارِ، وغيرِهم ممَّن اتَّصف بهذا الوَصْفِ)
.
وعن ثَوبانَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((وإنَّه سيَكونُ من أمَّتي كَذَّابون ثلاثون ))
.
قال
ابنُ عثيمين: (حَصَرَهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَدَدٍ، وكُلُّهم يزعُمُ أنَّه نبيٌّ أُوحِيَ إليه، وهم كذَّابون؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاتَمُ النَّبيِّين، ولا نبيَّ بَعْدَه، فمن زعم أنَّه نبيٌّ بعد الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فهو كاذِبٌ كافِرٌ حلالُ الدَّمِ والمالِ، ومن صَدَّقه في ذلك فهو كافِرٌ حلالُ الدَّمِ والمالِ، وليس من المُسلِمين ولا من أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومن زعم أنَّه أفضَلُ مِن مُحَمَّدٍ، وأنَّه يتلقَّى من اللهِ مُباشرةً، ومُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يتلقَّى منه بواسطةِ الملَكِ؛ فهو كاذِبٌ كافِرٌ حلالُ الدَّمِ والمالِ)
.
فادِّعاءُ النُّبُوَّةِ كَذِبًا وزُورًا من أشنَعِ الكَذِبِ وأقبَحِه قال
ابنُ تَيميَّةَ: (من ادَّعى النُّبُوَّةَ وهو كاذِبٌ، فهو من أكفَرِ الكُفَّارِ، وأظلَمِ الظَّالِمين)
.
وقال أيضًا: (معلومٌ أنَّ مُدَّعي الرِّسالةِ إمَّا أن يكونَ من أفضَلِ الخَلْقِ وأكمَلِهم، وإمَّا أن يكونَ مِن أنقَصِ الخَلْقِ وأرذَلِهم،... وما من أحدٍ ادَّعى النُّبُوَّةَ من الكذَّابين إلَّا وقد ظَهَر عليه من الجَهلِ والكَذِبِ والفُجورِ واستِحواذِ الشَّياطينِ عليه؛ ما ظَهَر لِمن له أدنى تمييزٍ، وما من أحدٍ ادَّعى النُّبُوَّةَ من الصَّادِقينَ إلَّا وقد ظهر عليه من العِلْم والصِّدقِ والبِرِّ وأنواعِ الخيراتِ؛ ما ظَهَر لِمن له أدنى تمييزٍ)
.
وقال أيضًا: (النُّبُوَّةُ مُشتَمِلةٌ على عُلومٍ وأعمالٍ لا بدَّ أن يتَّصِفَ الرَّسولُ بها، وهي أشرَفُ العُلومِ وأشرَفُ الأعمالِ، فكيف يشتَبِهُ الصَّادِقُ فيها بالكاذِبِ، ولا يتبيَّنُ صِدقُ الصَّادِقِ، وكَذِبُ الكاذِبِ، من وجوهٍ كثيرةٍ، لا سِيَّما والعالَمُ لا يخلو من آثارِ نبيٍّ مِن لَدُنْ آدَمَ إلى زمانِنا، وقد عُلِمَ جِنسُ ما جاءت به الأنبياءُ والمرسَلون، وما كانوا يَدْعون إليه، ويأمُرون به، ولم تَزَلْ آثارُ المُرسَلين في الأرضِ، ولم يَزَلْ عند النَّاسِ من آثارِ الرُّسُلِ ما يَعرِفون به جِنسَ ما جاءت به الرُّسُلُ، ويُفَرِّقون بين الرُّسُلِ وغيرِ الرُّسُلِ)
.
وقال ابنُ أبي العِزِّ: (إنَّ النُّبُوَّةَ إنَّما يدَّعيها أصدَقُ الصَّادِقين، أو أكذَبُ الكاذِبين، ولا يلتَبِسُ هذا بهذا إلَّا على أجهَلِ الجاهِلين، بل قرائِنُ أحوالِهما تُعرِبُ عنهما، وتُعرَفُ بهما، والتمييزُ بين الصَّادِقِ والكاذِبِ له طرُقٌ كثيرةٌ فيما دونَ دعوى النُّبُوَّةِ، فكيف بدعوى النُّبُوَّةِ؟)
.
- وادِّعاءُ النُّبُوَّةِ قد يكونُ بأن يدَّعِيَ شَخصٌ النُّبُوَّةَ لنَفْسِه كَذِبًا وافتراءً، إمَّا استقلالًا، أو شَرِكةً مع نبيٍّ آخَرَ، وقد يكونُ بتصديقِ من ادَّعاها، أو القَولِ بتجويزِها بعد خَتْمِها بمُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو زعَمَ أنَّه يمكِنُ اكتِسابُها، أو ادَّعى أنَّه يوحَى إليه، أو يُنكِرُ خَتْمَ النُّبُوَّةِ بمُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فكُلُّ هذه الصُّوَرِ وما يَلحَقُ بها من أمثالِها من نواقِضِ الإيمانِ القَوليَّةِ في النُّبُوَّاتِ، وذلك لعِدَّةِ اعتباراتٍ؛ منها:
1- أنَّ ادِّعاءَ النُّبُوَّةِ مِن أظلَمِ الظُّلمِ، وأعظَمِ الافتراءِ والكَذِبِ على اللهِ تعالى؛ فلا أحَدَ أعظَمُ ظُلمًا، ولا أكبَرُ جُرمًا ممَّن افترى على اللهِ كَذِبًا، فزعم أنَّ الله أرسَلَه، وهو ليس كذلك.وقد قرَّر القرآنُ أنَّ هذا الافتراءَ مِن صِفاتِ الكافِرينَ المكَذِّبين، الذين لا يؤمِنون بآياتِ اللهِ، ومِن ثمَّ فلا أحَدَ أشَدُّ عُقوبةً منهم، فقد توعَّد اللهُ تعالى من ادَّعى النُّبُوَّةَ بالعذابِ المُهينِ.
وقد قال
ابنُ تَيميَّةَ: (لم يجِئْ إعدادُ العذابِ المُهينِ في القرآنِ إلَّا في حَقِّ الكُفَّارِ)
.
وقال
ابنُ كثيرٍ عند تفسيرِه لقَولِه تعالى:
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ [يونس: 17] : (يقولُ تعالى: لا أحَدَ أظلَمُ ولا أعتى ولا أشَدُّ إجرامًا ممَّن افترى على اللهِ كَذِبًا وتقوَّلَ على اللهِ، وزعم أنَّ اللهَ أرسلَه، ولم يكُنْ كذلك؛ فليس أحدٌ أكبَرَ جُرمًا، ولا أعظَمَ ظُلمًا من هذا، ومِثلُ هذا لا يخفى أمْرُه على الأغبياءِ، فكيف يَشتَبِهُ حالُ هذا بالأنبياءِ؟! فإنَّ من قال هذه المقالةَ صادِقًا أو كاذِبًا فلا بدَّ أنَّ اللهَ يَنصِبُ عليه من الأدِلَّةِ على بِرِّه أو فُجورِه ما هو أظهَرُ مِن الشَّمسِ؛ فإنَّ الفَرْقَ بين مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وبين مُسَيلِمةَ الكَذَّابِ لِمن شاهَدَهما: أظهَرُ مِن الفَرْقِ بين وقتِ الضُّحى، وبين نِصفِ اللَّيلِ في حِنْدِسِ الظَّلامِ)
.
وقد نُفِيَ الفَلاحُ عن هذا الصِّنفِ.قال
الشِّنقيطيُّ: (الفلاحُ لا يُنفى بالكُلِّيَّةِ نفيًا عامًّا إلَّا عمَّن لا خيرَ فيه، وهو الكافِرُ)
.
وقال اللهُ تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام:21] .قال
ابنُ كثيرٍ: (أي: لا أظلَمَ ممَّن تقوَّل على الله، فادَّعى أنَّ اللهَ أرسله، ولم يكُنْ أرسلَه، ثمَّ لا أظلَمَ ممَّن كَذَّب بآياتِ اللهِ وحُجَجِه وبراهينِه ودَلالاتِه
إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ أي: لا يُفلِحُ هذا ولا هذا، لا المفتري، ولا المكَذِّبُ)
.
وقال اللهُ سُبحانَه: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام:93] .قال ابنُ عَطِيَّةَ: (هذه ألفاظٌ عامَّةٌ، فكُلُّ من واقع شيئًا مِمَّا يدخُلُ تحت هذه الألفاظِ فهو داخِلٌ في الظُّلمِ الذي قد عَظَّمَه اللهُ تعالى بقَولِه:
وَمَنْ أَظْلَمُ أي: لا أحَدَ أظلَمُ... فخَصَّص المتأوِّلون في هذه الآياتِ ذِكرَ قَومٍ قد يمكِنُ أن كانوا أسبابَ نُزولِها، ثمَّ هي إلى يومِ القيامةِ تتناوَلُ من تعَرَّضَ شَيئًا من معانيها؛ كطُلَيحةَ الأسديِّ، والمختارِ بنِ أبي عُبَيدٍ، وسِواهما)
.
وقال
السَّعديُّ: (يقولُ تعالى: لا أحَدَ أعظَمُ ظُلمًا، ولا أكبَرُ جُرمًا، ممَّن كَذَب على اللهِ، بأن نَسَبَ إلى اللهِ قَولًا أو حُكمًا، وهو تعالى بريءٌ منه، وإنَّما كان هذا أظلَمَ الخَلْقِ؛ لأنَّ فيه من الكَذِبِ، وتغييرِ الأديانِ أصولِها وفُروعِها، ونسبةِ ذلك إلى اللهِ؛ ما هو من أكبَرِ المفاسِدِ، ويدخُلُ في ذلك ادِّعاءُ النُّبُوَّةِ، وأنَّ اللهَ يُوحي إليه، وهو كاذِبٌ في ذلك؛ فإنَّه مع كَذِبِه على اللهِ وجُرأتِه على عَظَمتِه وسُلطانِه، يوجِبُ على الخَلْقِ أن يتَّبِعوه، ويجاهِدُهم على ذلك، ويستحِلُّ دِماءَ من خالفَه وأموالَهم، ويدخُلُ في هذه الآيةِ كُلُّ من ادَّعى النُّبُوَّةَ، كمُسَيلِمةَ الكَذَّابِ، والأسوَدِ العَنْسيِّ، والمختارِ، وغيرِهم ممَّن اتَّصف بهذا الوَصْفِ)
.
وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ [الأنعام:124] .قال
ابنُ كثير: (هذا وعيدٌ شديدٌ من الله، وتهديدٌ أكيدٌ لِمن تكبَّرَ عن اتِّباعِ رُسُلِه، والانقيادِ له فيما جاؤوا به؛ فإنَّه سيُصيبُه يومَ القيامةِ بين يَدَيِ اللهِ صَغارٌ، وهو الذِّلَّةُ الدَّائمةُ)
.
وقال اللهُ تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ [يونس:17] .قال
ابنُ كثير: (يقولُ تعالى: لا أحَدَ أظلَمُ ولا أعتى ولا أشَدُّ إجرامًا ممَّن افترى على اللهِ كَذِبًا، وتقوَّلَ على اللهِ، وزعم أنَّ اللهَ أرسلَه، ولم يكُنْ كذلك؛ فليس أحَدٌ أكبَرَ إجرامًا ولا أعظَمَ ظُلمًا من هذا)
.
2- أنَّ ادِّعاءَ النُّبُوَّةِ تكذيبٌ لصَريحِ القُرآنِ الكريمِ؛ حيث نَصَّ القرآنُ نَصًّا قطعيًّا ظاهرًا على أنَّ مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاتَمُ النَّبيِّينَ، فلا نبيَّ بَعْدَه.قال اللهُ تعالى:
مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب:40] .
قال
ابنُ جريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه:... ولكِنَّه رَسولُ اللهِ وخاتَمُ النَّبيِّين، الذي ختم النُّبُوَّةَ، فطُبِعَ عليها، فلا تُفتَحُ لأحدٍ بَعْدَه إلى قيامِ السَّاعةِ)
.
وقال القُرطبي: (قال ابنُ عَطِيَّةَ: هذه الألفاظُ عند جماعةِ عُلَماءِ الأُمَّةِ خَلَفًا وسَلَفًا مُتلَقَّاةٌ على العمومِ التَّامِّ، مُقتَضِيةٌ نَصًّا أنَّه لا نبيَّ بَعْدَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
.
وقال
ابنُ كثيرٍ: (هذه الآيةُ نَصٌّ في أنَّه لا نبيَّ بَعْدَه، وإذا كان لا نبيَّ بَعْدَه، فلا رسولَ بالطَّريقِ الأَولى والأحرى؛ لأنَّ مقامَ الرِّسالةِ أخَصُّ من مقامِ النُّبُوَّةِ؛ فإنَّ كُلَّ رَسولٍ نبيٌّ، ولا ينعَكِسُ)
.
وقال الشربيني: (أي: آخِرُهم الذي ختَمَهم؛ لأنَّ رسالتَه عامَّةٌ، ومعها إعجازُ القُرآنِ، فلا حاجةَ مع ذلك إلى استنباءٍ ولا إرسالٍ،... والحاصِلُ أنَّه لا يأتي بعده نبيٌّ مطلقًا بشرعٍ جديدٍ، ولا يتجَدَّدُ بعده مُطلقًا استنباءٌ، وهذه الآيةُ مُثبِتةٌ لكَونِه خاتمًا على أبلَغِ وَجهٍ وأعظَمِه؛ وذلك أنَّها في سياقِ الإنكارِ بأن يكونَ بينه وبين أحدٍ مِن رجالِهم بُنُوَّةٌ حقيقيَّةٌ أو مجازيةٌ، ولو كانت بعده لأحَدٍ لم يكُنْ ذلك إلَّا لوَلَدِهـ)
.
وقال
الألوسي: (المرادُ بكونِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ خاتَمَهم انقطاعُ حُدوثِ وَصفِ النُّبُوَّةِ في أحَدٍ مِن الثَّقَلينِ بعد تحلِّيه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بها في هذه النَّشأةِ)
.
3- أنَّ ادِّعاءَ النُّبُوَّةِ تكذيبٌ وإنكارٌ لِما تواتر عـن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ النُّبُوَّةَ خُتِمَت بمُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومُنكِـُر هذا المتواترِ كافِرٌ، فخَتْمُ النُّبُوَّةِ بمُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمرٌ مَعلومٌ مِن الدِّينِ بالضَّرورةِ.قال عبدُ القاهر البغدادي: (كُلُّ من أقَرَّ بنُبُوَّةِ نبيِّنا مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أقَرَّ بأنَّه خاتَمُ الأنبياءِ والرُّسُلِ، وأقَرَّ بتأبيدِ شريعتِه، ومَنَع من نَسْخِها.... وقد تواترت الأخبارُ عنه بقَولِه:
((لا نبيَّ بعدي))
، ومن رَدَّ حُجَّةَ القُرآنِ والسُّنَّةِ فهو الكافِرُ)
.
وقال
ابنُ حزم: (قد صحَّ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بنَقْلِ الكَوافِ التي نَقَلت نُبُوَّتَه وأعلامَه وكِتابَه؛ أنَّه أخبَرَ أنَّه لا نبيَّ بَعْدَه،... فوجب الإقرارُ بهذه الجملةِ، وصحَّ أنَّ وُجودَ النُّبُوَّةِ بعده عليه السَّلامُ باطِلٌ لا يكونُ البتَّةَ)
.
وقال
ابنُ كثير: (أخبَرَ تعالى في كِتابِه ورَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في السُّنَّةِ المتواترةِ عنه أنَّه لا نبيَّ بعده؛ ليَعلَموا أنَّ كُلَّ من ادَّعى هذا المقامَ بعده فهو كذَّابٌ أفَّاكٌ دَجَّالٌ ضالٌّ مُضِلٌّ)
.
ومن الأحاديثِ الدَّالةِ على أنَّ مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاتَمُ النَّبيِّينَ:عن ثوبانَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((وإنَّه سيكونُ في أُمَّتي كَذَّابون ثلاثون كُلُّهم يَزعُمُ أنَّه نبيٌّ، وأنا خاتَمُ النَّبيِّينَ لا نبيَّ بعدي ))
.
قال عبدُ الحقِّ الدهلوي: (أي: يَدَّعون النُّبُوَّةَ، وقد وُجِد منهم كثيرون في الأمصارِ، فأهلكهم اللهُ تعالى، وكذلك يفعَلُ بمن بَقِيَ إن شاء الله تعالى، والدَّجَّالُ الأكبَرُ خارجٌ عن هذا العَدَدِ، وهو يدَّعي الأُلوهيَّةَ، وبه فارق الدَّجَّالينَ)
.
وعن
ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: كَشَف رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم السِّتارةَ، والنَّاسُ صُفوفٌ خَلْفَ
أبي بكرٍ، فقال:
((أيُّها النَّاسُ، إنَّه لم يَبْقَ من مُبَشِّراتِ النُّبُوَّةِ إلَّا الرُّؤيا الصَّالحةُ يراها المُسلِمُ أو تُرى له ))
.
قال العراقي: (سَمَّى ما يَقَعُ لغيرِ الأنبياءِ مِن الرُّؤيا مُبَشِّراتِ النُّبُوَّةِ على طريقِ التشبيهِ؛ فإنَّها ليست من النُّبُوَّة، لكِنَّها تُشبِهُها في صورتِها وصِحَّتِها)
.
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال:
((كانت بنو إسرائيلَ تَسُوسُهم الأنبياءُ، كُلَّما هَلَك نبيٌّ خَلَفَه نَبيٌّ، وإنَّه لا نبيَّ بَعْدي ))
.
قال القُرطبي: (قَولُه:
((وإنَّه لا نبيَّ بعدي))، هذا النَّفيُ عامٌّ في الأنبياءِ والرُّسُلِ؛ لأنَّ الرَّسولَ نبيٌّ وزيادةٌ، وقد جاء نَصًّا في كِتابِ
التِّرمذي قَولُه: لا نبيَّ بعدي ولا رَسُولَ
، وقد قال اللهُ تعالى:
وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ومن أسمائِه في الكُتُبِ القديمةِ وفيما أطلَقَتْه هذه الأُمَّةُ: خاتَمُ الأنبياءِ، وممَّا سَمَّى به نَفْسَه: العاقِبُ، والمقَفِّي؛ فالعاقِبُ: الذي يَعقُبُ الأنبياءَ، والمقَفِّي: الذي يقفوهم، أي: يكونُ بَعْدَهم.
وعلى الجُملةِ: هو أمرٌ مُجمَعٌ عليه معلومٌ مِن دينِ هذه الأُمَّةِ، فمن ادَّعى أنَّ بَعْدَه نبيًّا أو رسولًا، فإن كان مُسِرًّا لذلك واطُّلِع عليه بالشَّهادةِ المعتَبَرة، قُتِلَ قِتلةَ زِنديقٍ، فإن صَرَّح بذلك فهو مرتدٌّ يُستتابُ، فإن تاب وإلَّا قُتِلَ قِتلةَ مُرتَدٍّ فيُسبَى مالُهـ)
.
وعن
جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((مَثَلي ومَثَلُ الأنبياءِ كمَثَلِ رَجُلٍ بنى دارًا فأتَمَّها وأكمَلَها إلَّا مَوضِعَ لَبِنةٍ، فجعل النَّاسُ يَدخُلونَها ويتعَجَّبون منها، ويقولون: لولا مَوضِعُ اللَّبِنةِ ))، ثمَّ قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
((فأنا مَوضِعُ اللَّبِنةِ، جِئـتُ فخَتَمْتُ الأنبياءَ))
.
قال ابنُ هُبَيرةَ: (شَبَّههم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ببناءِ دارٍ بُنِيَت حتى لم يَبْقَ فيها إلَّا مَوضِعُ لَبِنةٍ، حتى إنَّ تلك اللَّبِنةَ إذا وُضِعَت لم يَبْقَ فيها محَلٌّ لأن يُعمَلَ فيها شيءٌ، فكان خَبَرُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا مُشعِرًا أنَّه ختم الأنبياءَ، كما خَتَمَت تلك اللَّبِنةُ ذلك البناءَ، فلم يَبْقَ بعده لبانٍ عَمَلٌ؛ لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تمَّم البناءَ)
.
4- أنَّ ادِّعاءَ النُّبُوَّةِ يتضَمَّنُ أنواعًا كثيرةً من المُخالفاتِ المُناقِضةِ لدِينِ اللهِ تعالى وآياتِه ورَسولِه، فادِّعاءُ النُّبُوَّةِ يناقِضُ حقيقةَ كَمالِ الدِّينِ وتَمامِه.قال اللهُ تعالى:
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا [المائدة: 3] .
قال
ابنُ كثيرٍ: (هذه أكبَرُ نِعَمِ الله عَزَّ وجَلَّ على هذه الأُمَّةِ؛ حيث أكمل تعالى لهم دينَهم، فلا يحتاجون إلى دينٍ غَيرِه، ولا إلى نبيٍّ غيرِ نَبيِّهم صلواتُ اللهِ وسَلامُه عليه؛ ولهذا جعلَه اللهُ تعالى خاتَمَ الأنبياءِ، وبعثه إلى الإنسِ و
الجِنِّ، فلا حلالَ إلَّا ما أحَلَّه، ولا حرامَ إلَّا ما حَرَّمهـ)
.
وقد اتَّفق المُسلِمون على أنَّ الإسلامَ ناسِخٌ لجميعِ الأديانِ.قال
ابنُ حزمٍ: (اتَّفَقوا... أنَّ دينَ الإسلامِ هو الدِّينُ الذي لا دينَ للهِ في الأرضِ سِواه، وأنَّه ناسِخٌ لجميع الأديانِ قَبْلَه، وأنَّه لا يَنسَخُه دينٌ بَعْدَه أبدًا، وأنَّ من خالفه ممَّن بلغه: كافِرٌ مُخلَّدٌ في النَّارِ أبدًا)
.
وادِّعاءُ النُّبُوَّةِ يُناقِضُ كَونَ القُرآنِ حُجَّةً على كُلِّ من بَلَغَه.قال اللهُ تعالى:
قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغ [الأنعام: 19] .
قال
ابنُ جريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه لنبيِّه مُحَمَّد صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قُلْ لهؤلاء المُشْرِكين الذين يكَذِّبونك:
اللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ عقابَه، وأُنذِرَ به من بلَغَه من سائِرِ النَّاسِ غيرِكم، إن لم يَنْتَهِ إلى العَمَل بما فيه وتحليلِ حَلالِه وتحريمِ حَرامِه والإيمانِ بجَميعِه، نزولَ نِقمةِ اللهِ بهـ)
.
كما أنَّ ادِّعاءَ النُّبُوَّةِ طَعنٌ في حِفظِ القرآنِ الكَريمِ عن الزِّيادةِ والنُّقصانِ.قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ:
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] .
قال
ابنُ جريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه:
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وهو القرآنُ
وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ من أن يُزادَ فيه باطِلٌ ما ليس منه، أو يُنقَصَ منه ما هو منه من أحكامِه وحُدودِه وفرائِضِهـ)
.
وادِّعاءُ النُّبُوَّةِ طَعنٌ في عُمومِ الرِّسالةِ المُحَمَّديَّةِ.قال اللهُ تعالى:
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158] .
قال
ابنُ جريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه لنَبيِّه مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قُلْ -يا مُحَمَّدُ- للنَّاسِ كُلِّهم:
إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا لا إلى بعضِكم دونَ بعضٍ، كما كان مَن قَبْلي من الرُّسُلِ مُرسَلًا إلى بَعْضِ النَّاسِ دونَ بَعضٍ، فمن كان منهم أُرسِلَ كذلك، فإنَّ رِسالتي ليست إلى بَعضِكم دونَ بَعْضٍ، ولكِنَّها إلى جميعِكم)
.
5- أنَّ ادِّعاءَ النُّبُوَّةِ تكذيبٌ للإجماعِ؛ فقد أجمع العُلَماءُ على أنَّ مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هو خاتَمُ الأنبياءِ والمُرسَلين، فلا نبيَّ بَعْدَه، كما أجمعوا على تكفيرِ من ادَّعى النُّبُوَّةَ لأحَدٍ بعد رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.قال عبدُ القاهِرِ البغدادي: (أجمع المُسلِمون وأهلُ الكِتابِ على أنَّ أوَّلَ مَن أُرسِلَ من النَّاسِ آدَمُ عليه السَّلامُ، وآخِرُهم عند المُسلِمين مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
.
وقال
ابنُ حزم: (اتَّفَقوا... أنَّه لا نبيَّ مع مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا بَعْدَه أبدًا)
.
وقال أيضًا: (أمَّا من قال... أنَّ بعد مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نبيًّا غيرَ عيسى بنِ مريمَ، فإنَّه لا يختَلِفُ اثنان في تكفيرِه؛ لصِحَّةِ قيامِ الحُجَّةِ بكُلِّ هذا على كُلِّ أحدٍ)
.
وقال أيضًا: (من ادَّعى إلِهيَّةَ إنسانٍ أو ادَّعى نُبُوَّةً لأحَدٍ بعد رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُحَمَّدٍ -حاشا عيسى بنَ مريمَ- فهو كافرٌ، لا خِلافَ في ذلك من أحَدٍ مِن أهلِ الإسلامِ؛ وذلك لخِلافِه القُرآنَ، والثَّابِتَ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
.
وقال
أبو يعلى: (نبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاتَمُ الأنبياءِ، ولا يَبعَثُ اللهُ نبيًّا بعد نبيِّنا، خِلافًا لأهلِ التَّناسُخِ، والخُرَّمِيَّةِ
في قَولِهم: يجوزُ أن يبعث اللهُ نبيًّا بعد نبيِّنا، وإنَّ الأنبياءَ لا ينقَطِعون عن الخَلْقِ أبدًا، والدَّلالةُ عليه إجماعُ الأُمَّةِ أنَّ نبيَّنا خاتَمُ النَّبيِّينَ، وقد قال اللهُ تعالى
وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40] .
وروى أبو هُرَيرةَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((مَثلي ومَثَلُ الأنبياءِ كمَثَلِ رَجُلٍ بنى بنيانًا فأحسَنَه وأكمَلَه إلَّا موضِعَ لَبِنةٍ مِن زاويةٍ، قال: فأنا اللِّبِنةُ، وأنا خاتَمُ النَّبيِّين ))
.)
.
وقال عِياض: (من ادَّعى نُبُوَّةَ أحدٍ مع نبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو بَعْدَه، كالعِيسَويَّة من اليهودِ، القائلينَ بتخصيصِ رسالتِه إلى العَرَبِ، وكالخُرَّمِيَّة القائلينَ بتواتُرِ الرُّسُلِ، وكأكثَرِ الرَّافِضةِ القائلين بمشاركةِ عليٍّ في الرِّسالةِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبَعْدَه، وكذلك كُلُّ إمامٍ عند هؤلاء يقومُ مَقامَه في النُّبُوَّةِ والرِّسالةِ، ... أو من ادَّعى النُّبُوَّةَ لنَفْسِه، أو جَوَّز اكتسابَها، والبلوغَ بصَفاءِ القَلْبِ إلى مرتَبَتِها كالفلاسِفةِ وغُلاةِ المتصَوِّفةِ، وكذلك من ادَّعى منهم أنَّه يُوحى إليه، وإن لم يَدَّعِ النُّبُوَّةَ، ... فهؤلاء كُلُّهم كُفَّارٌ مُكَذِّبون للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّه أخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه خاتَمُ النَّبيِّين، لا نبيَّ بَعْدَه، وأخبَرَ عن اللهِ تعالى أنَّه خاتَمُ النَّبيِّينَ، وأنَّه أرسِلَ كافَّةً للنَّاسِ، وأجمعت الأُمَّةُ على حَملِ هذا الكلامِ على ظاهِرِه، وأنَّ مَفهومَه المرادُ منه دونَ تأويلٍ ولا تخصيصٍ؛ فلا شَكَّ في كُفرِ هؤلاء الطَّوائِفِ كُلِّها قَطْعًا، إجماعًا وسَمعًا)
.
وقال ابنُ نجيم: (إذا لم يَعرِفْ أنَّ مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم آخِرُ الأنبياءِ، فليس بمُسلِمٍ؛ لأنَّه من الضَّروريَّاتِ)
.
وقال
علي القاري: (دعوى النُّبُوَّةِ بعد نبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كُفرٌ بالإجماعِ)
.
وقال
الألوسي: (كونُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاتَمَ النَّبيِّين مِمَّا نطق به الكِتابُ، وصدَعَت به السُّنَّةُ، وأجمعت عليه الأُمَّةُ، فيَكفُرُ مُدَّعي خِلافِه، ويُقتَلُ إن أصَرَّ)
.
وقد قَرَّر العُلَماءُ أنَّ ادِّعاءَ النُّبُوَّةِ ناقِضٌ من نواقِضِ الإيمانِ القَوليَّةِقال
ابنُ قُدامةَ: (من ادَّعى النُّبُوَّةَ، أو صدَّق من ادَّعاها فقد ارتَدَّ؛ لأنَّ مُسيلِمةَ لَمَّا ادَّعى النُّبُوَّةَ، فصَدَّقه قومُه، صاروا بذلك مرتَدِّين، وكذلك طُلَيحةُ الأسدي ومُصَدِّقوه، وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا تقومُ السَّاعةُ حتى يخرُجَ ثلاثون كذَّابًا، كُلُّهم يزعُمُ أنَّه رسولُ الل هِ))
.
وقال
النوويُّ: (إذا ادَّعى النُّبُوَّةَ بعد نَبِيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو صدَّق مُدَّعِيًا لها، ... فكُلُّ هذا كُفرٌ)
.
وقال
ابنُ تَيميَّةَ: (معلومٌ أنَّ من كَذَب على اللهِ بأن زَعَم أنَّه رسولُ اللهِ أو نبيُّه، أو أخبَرَ عن الله خبرًا كَذَب فيه، كمُسَيلِمة والعَنسيِّ ونحوِهما من المتنَبِّئين، فإنَّه كافِرٌ حلالُ الدَّمِ)
.
وقال أيضًا: (من اقتَرَن بسَبِّه أي: للصَّحابة دعوى أنَّ عَلِيًّا إلهٌ، أو أنَّه كان هو النَّبيَّ، وإنما غَلِطَ
جِبريلُ عليه السَّلامُ في الرِّسالةِ، فهذا لا شَكَّ في كُفْرِه، بل لا شَكَّ في كُفرِ من توقَّف في تكفيرِهـ)
.
وقال الشِّربينيُّ: (من نفى الرُّسُلَ، بأن قال: لم يرسِلْهم اللهُ، أو نفى نُبُوَّةَ نبيٍّ، أو ادَّعى نُبُوَّةً بعد نَبِيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو صدَّق مُدَّعيها، أو قال: النُّبُوَّةُ مُكتَسَبةٌ، أو تُنالُ رُتبتُها بصَفاءِ القُلوبِ، أو أُوحِيَ إليه ولم يَدَّعِ النُّبُوَّةَ، ... فقد كَفَر)
.
وقال البُهُوتيُّ: (من ادَّعى النُّبُوَّةَ، أو صدَّق من ادَّعاها كَفَر؛ لأنَّه مُكَذِّبٌ لله تعالى في قَولِه:
وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40] ، ولحديثِ:
((لا نبيَّ بعدي))
، وفي الخبر:
((لا تقومُ السَّاعةُ حتى يخرُجَ ثلاثون كَذَّابًا، كُلُّهم يَزعُمُ أنَّه رَسولُ الل هِ
)
.
وقال أحمد الدَّردِير: (يَكفُرُ إذا جَوَّز اكتسابَ النُّبُوَّةِ، أي: تحصيلَها بسَبَبٍ رياضةٍ؛ لأنَّه يَستلزِمُ جَوازَ وُقوعِها بعد النَّبيِّ)
.
وقال مُحَمَّد عليش: (يَكفُرُ بأن ادَّعى شِرْكًا، أي: شخصًا مُشارِكًا مع نُبُوَّةِ نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لِمُخالفتِه قَولَه تعالى:
وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40] ، ويَكفُرُ إن جوَّز اكتسابَ النُّبُوَّةِ بتصفيةِ القَلْبِ، وتهذيبِ النَّفسِ، والجِدِّ في العبادةِ؛ لاستلزامِه جوازَها بعد سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتوهينَ ما جاء به الأنبياءُ صَلَواتُ اللهِ وسَلامُه عليهم)
.
وقال
ابنُ باز: (هو عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ خاتَمُ الأنبياءِ والمُرسَلين، كما قال تعالى:
مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب: 40] ، وتواترت الأحاديثُ عن رَسولِ اللهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بأنَّه خاتَمُ النَّبيِّين، وهذا أمرٌ -بحمدِ اللهِ- مُجمَعٌ عليه، ومعلومٌ بالضَّرورةِ مِن دينِ الإسلامِ، وقد أجمع المُسلِمون على أنَّ من ادعى النُّبُوَّةَ بعده فهو كافِرٌ كاذِبٌ يُستتابُ، فإن تاب وإلَّا قُتِل كافِرًا)
.
وقال أيضًا: (اللهُ بعث رسولَه مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما بعث الرُّسُلَ قَبْلَه بالدَّعوةِ إلى هذه العبادةِ، والدَّعوةِ إلى هذا الدِّينِ، بعثه إلى الثَّقَلين
الجِنِّ والإنسِ رحمةً للعالَمين، كما قال سُبحانَه وبحَمْدِه:
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، بعثه مُعَلِّمًا ومُرشِدًا وهاديًا إلى طريقِ النَّجاةِ، مُعَلِّمًا لهم كُلَّ ما فيه صلاحُهم ونجاتُهم وسعادتُهم في الدُّنيا والآخرةِ، وجعله خاتَمَ الأنبياءِ ليس بعده نبيٌّ ولا رسولٌ، ومن ادَّعى النُّبُوَّةَ بعده فهو كاذِبٌ كافِرٌ بإجماعِ أهلِ العِلْمِ والإيمانِ، فمن ادَّعى أنَّه نبيٌّ أو أوحِيَ إليه بشيءٍ كالقاديانيَّةِ، فهو كافِرٌ باللهِ ضالٌّ مُضِلٌّ مُرتَدٌّ عن دينِ الإسلامِ)
.
وقال
ابنُ عثيمين: (نؤمِنُ بأنَّه لا نَبيَّ بعد مُحَمَّدٍ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومن ادَّعى النُّبُوَّةَ بَعْدَه أو صَدَّق من ادَّعاها، فهو كافِرٌ؛ لأنَّه مُكَذِّبٌ لله ورَسولِه، وإجماعِ المُسلِمين)
.