موسوعة الأخلاق والسلوك

تاسِعًا: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


المَنَّانُ من أسماءِ اللهِ تعالى:
(المَنُّ والمِنَّةُ صِفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ بالكتابِ والسُّنَّةِ، والمَنَّانُ: من أسماءِ اللهِ الثَّابتةِ بالحديثِ الصَّحيحِ) [6799] يُنظَر: ((صفات الله عزَّ وجَلَّ الواردة في الكتاب والسنة)) لعلوي بن عبد القادر السقاف (ص: 331). .
قال ابنُ الأثيرِ: (في أسماءِ اللهِ تعالى «المَنَّانُ» هو المُنعِمُ المُعطي، من المَنِّ: العطاءُ، لا من المِنَّةِ) [6800] ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) (4/ 365). .
قال ابنُ هُبَيرةَ: (المَنَّانُ: الذي يتابِعُ عطاياه) [6801] ((الإفصاح عن معاني الصحاح)) (6/ 319). ، (فاللهُ عزَّ وجَلَّ منَّانٌ على عبادِه بإحسانِه وإنعامِه ورِزقِه إيَّاهم) [6802] ((اشتقاق أسماء الله)) للزجاجي (ص: 164). .
وقال الرَّاغِبُ الأصفهانيُّ: (المِنَّةُ: النِّعمةُ الثَّقيلةُ، ويقالُ ذلك على وجهَينِ؛ أحَدُهما: أن يكونَ ذلك بالفِعلِ، فيُقالَ: مَنَّ فلانٌ على فلانٍ: إذا أثقَلَه بالنِّعمةِ، وعلى ذلك قولُه: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:164] ، كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [النساء:94] ، وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ [الصافات: 114] ، يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ [إبراهيم: 11] ، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا [القصص: 5] ، وذلك على الحقيقةِ لا يكونُ إلَّا للهِ تعالى.
والثَّاني: أن يكونَ ذلك بالقولِ، وذلك مستقبَحٌ فيما بَيْنَ النَّاسِ إلَّا عِندَ كُفرانِ النِّعمةِ) [6803] ((المفردات في غريب القرآن)) (ص: 777). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (ليست المِنَّةُ في الحقيقةِ إلَّا للهِ فهو المانُّ بفَضلِه، وأهلُ سَمواتِه وأهلُ أرضِه في محضِ مِنَّتِه عليهم؛ قال تعالى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، وقال تعالى لكليمِه موسى: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى، وقال: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ، وقال: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ [القصص: 5] ، ولمَّا قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للأنصارِ: ((ألم أجِدْكم ضُلَّاًلا فهداكم اللهُ بي، وعالةً فأغناكم اللهُ بي؟ قالوا: اللهُ ورَسولُه أَمَنُّ)) [6804] أخرجه مطوَّلًا البخاري (4330) باختلاف يسير، ومسلم (1061) واللفظ له من حديثِ عبدِ اللهِ بن زيدِ بنِ عاصمٍ رَضِيَ اللهُ عنه. ، وقال الرُّسُلُ لقومِهم: قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ [إبراهيم: 11] ، فمَنُّه سُبحانَه وتعالى محضُ إحسانِه وفَضلِه ورحمتِه، وما طاب عيشُ أهلِ الجنَّةِ فيها إلَّا بمِنَّتِه عليهم؛ ولهذا قال أهلُها وقد أقبل بعضُهم على بعضٍ يتساءَلون: إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ [الطور: 26 - 27]، فأخبروا لمعرفتِهم بربِّهم وحَقِّه عليهم أن نجاهم من عذابِ السَّمومِ بمَحضِ مِنَّتِه عليهم. وقد قال أعلَمُ الخلقِ باللهِ وأحبُّهم إليه وأقرَبُهم منه وأطوَعُهم له: ((لن يدخُلَ أحدٌ منكم الجنَّةَ بعَمَلِه، قالوا: ولا أنت يا رسولَ اللهِ؟ قال: ولا أنا إلَّا أن يتغَمَّدَني اللهُ برحمةٍ منه وفَضلٍ)) [6805] أخرجه البخاري (6463) بنحوه، ومسلم (2816) واللفظ له من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. ... فلو أتى العبادُ بكُلِّ طاعةٍ وكانت أنفاسُهم كُلُّها طاعاتٍ للهِ لكانوا في محضِ مِنَّتِه وفَضلِه، وكانت له المِنَّةُ عليهم، وكلَّما عَظُمت طاعةُ العبدِ كانت منَّةُ اللهِ عليه أعظَمَ، فهو المانُّ بفَضلِه، فمن أنكَر مِنَّتَه فقد أنكَر إحسانَه) [6806] ((شفاء العليل)) (1/58). .
الفَرْقُ بَيْنَ المَنِّ والأذى:
قال ابنُ عطيَّةَ في الفَرْقِ بَيْنَ المَنِّ والأذى في قَولِه تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 262] : (المَنُّ: ذِكرُ النِّعمةِ على معنى التَّعديدِ لها، والتَّقريعِ بها، والأذى: السَّبُّ والتَّشَكِّي، وهو أعَمُّ من المَنِّ؛ لأنَّ المَنَّ جزءٌ من الأذى) [6807] ((المحرر الوجيز)) (1/ 356). .
وقيل: المَنُّ أن يذكُرَ النِّعمةَ، والأذى أن يُظهِرَها. وقيل: المَنُّ هو أن يستخدِمَه بالعطاءِ، والأذى أن يُعَيِّرَه بالفَقرِ. وقيل: المَنُّ أن يتكبَّرَ عليه من أجْلِ أن يُعطيَه، والأذى أن يَنهَرَه أو يوبِّخَه بالمسألةِ [6808] يُنظَر: ((قوت القلوب)) لأبي طالب المكي (2/ 177). .
لماذا كان المَنُّ والأذى مانعَينِ للأجرِ؟
والجوابُ عن ذلك: (لأنَّ الأجرَ هو جزاءٌ من اللهِ، فمَن تصَدَّق يبتغي وجهَ اللهِ فله ثوابُه، ومَن مَنَّ أو آذى فقد قصَد غيرَ وَجهِ اللهِ، فليس له أن يَطلُبَ ثوابَه.
ولقد قال في ذلك ابنُ جريرٍ الطَّبَريُّ: أوجَب الأجرَ لِمن كان غيرَ مانٍّ ولا مؤذٍ لِمَن أنفَق عليه في سبيلِ اللهِ؛ لأنَّ النَّفَقةَ في سبيلِ اللهِ ممَّا ابتُغيَ به وجهُ اللهِ وطُلِب به ما عندَه، فإذا كان معنى النَّفَقةِ في سبيلِ اللهِ هو ما وصَفْنا، فلا وجهَ لِمَنِّ المُنفِقِ على مَن أنفَقَ عليه؛ لأنَّه لا يَدَ له قِبَلَه، ولا صنيعةَ يَستحِقُّ بها عليه -إنْ لم يكافِئْه عليها- المَنَّ والأذى؛ إذ كانت نفقةُ ما أنفَق عليه احتِسابًا، وابتغاءَ ثوابِ اللهِ، وطَلَبَ مَرضاتِه، وعلى اللهِ مثوبتُه دونَ مَن أنفَق عليه) [6809] ((زهرة التفاسير)) (2/ 975). ويُنظَر: ((جامع البيان)) لابن جرير الطبري (4/ 655). .
وقال ابنُ هُبَيرةَ: (إنَّ المَنَّ لا يحتَمِلُ غَضاضتَه إلَّا محتاجٌ، واللهُ سُبحانَه هو الغَنيُّ؛ ولذلك كان المَنُّ عندَه مُبطِلًا للعَمَلِ. وكيف لا؟ وفيه جَحدٌ للحَقِّ؛ فإنَّ المُؤمِنَ باللهِ يلزَمُه أن يعتَرِفَ بأنَّ توفيقَ اللهِ تعالى له هو الذي كانت الأعمالُ الصَّالحةُ عنه، فإذا مَنَّ بذلك فقد جَحَد للهِ سُبحانَه وتعالى كَرَمَ صُنعِه) [6810] ((الإفصاح عن معاني الصحاح)) (2/ 175، 176). .
الوَصيَّةُ بتَركِ نِكاحِ المَنَّانةِ:
وأوصى بعضُ العَرَبِ بنيه فقال: (لا تَنكِحوا من النِّساءِ سِتَّةً: أنَّانةً، ولا منَّانةً، ولا حنَّانةً، ولا حدَّاقةً، ولا برَّاقةً، ولا شدَّاقةً... والمَنَّانةُ: التي تمُنُّ على زوجِها، تقولُ: فعَلْتُ بك وفعَلْتُ، فأنا أفعَلُ وأفعَلُ) [6811] ((قوت القلوب)) لأبي طالب المكي (2/ 421). ويُنظَر: ((الأمالي)) لأبي علي القالي (2/ 256)، ((محاضرات الأدباء)) للراغب (2/ 224)، ((رياض النفوس)) لأبي بكر المالكي (1/ 297). .

انظر أيضا: