أ- من القُرآنِ الكريمِ
1- قال اللهُ تعالى:
إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النحل: 105] . (
إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ على اللهِ وعلى رسولِه شِرارُ الخَلقِ،
الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ من الكَفَرةِ والمُلحِدين المعروفين بالكَذِبِ عِندَ النَّاسِ)
، فالذين لا يؤمنون بآياتِ اللهِ هم المعتادون للكَذِبِ، وهو منحَصِرٌ فيهم، وفي هذا تحذيرٌ وزجرٌ من الوقوعِ في الكَذِبِ واختلاقِه؛ لأنَّ اللهَ سُبحانَه أخبر أنَّه إنما يفتري الكَذِبَ من لا يؤمِنُ، ومن اعتاد ذلك من المُسلِمين فإنَّه على خَطَرٍ
.
2- وقال سُبحانَه:
وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الجاثية: 7] . الوَيلُ: كَلِمةُ دُعاءٍ بالهلاكِ والعَذابِ
، و
أَفَّاكٍ (أي: كذَّابٍ في مقالِه، أثيمٍ في فِعالِه. وأخبر أنَّ له عذابًا أليمًا، وأنَّ
مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ [الجاثية: 10] تكفي في عقوبتِهم البليغةِ)
، فالمعنى: أنَّه مُلاقٍ جهنَّمَ بعد موتِه، فهي مِن بَعدِه، أي: بعدَ مفارقتِه الدُّنيا، فهي لمَّا كانت بعدَ حياتِه كانت وراءَه
.
3- وقال عزَّ وجَلَّ:
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ [الشعراء: 221-223] . يقولُ اللهُ سُبحانَه: هل أخبركم بالذين تتنزَّلُ عليهم الشَّياطينُ؟ تتنَزَّلُ بكثرةٍ على كُلِّ كثيرِ الكَذِبِ في أقوالِه، كثيرِ الآثامِ في أفعالِه، يَسترِقُ هؤلاء الشَّياطينُ ما يسمعونَه في السَّماءِ، ثمَّ يُلقونَه إلى أوليائِهم من الكَهَنةِ، وأكثَرُ هؤلاء الكُهَّانِ كاذِبون فيما يخبِرون به
، كما يُبَيِّنُه حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: إنَّ نبيَّ اللهَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إذا قَضى اللهُ الأمرَ في السَّماءِ ضَرَبَتِ المَلائِكةُ بأجنِحَتِها خُضعانًا لقَولِه، كأنَّه سِلسِلةٌ على صَفْوانٍ، فإذا فُزِّعَ عَن قُلوبِهم قالوا: ماذا قال رَبُّكُم؟ قالوا للَّذي قال: الحَقُّ، وهوَ العَلِيُّ الكَبيرُ، فيَسمَعُها مُستَرِقُ السَّمعِ، ومُستَرِقُ السَّمعِ هَكَذا بَعضُه فوقَ بَعضٍ -ووَصفَ سُفيانُ
بكَفِّه فحَرفَها، وبَدَّدَ بَينَ أصابِعِه- فيَسمَعُ الكَلِمةَ فيُلقيها إلى من تَحتَه، ثُمَّ يُلقيها الآخَرُ إلى من تَحتَه، حَتَّى يُلقِيَها على لسانِ السَّاحِرِ أوِ الكاهِنِ، فرُبَّما أدرَكَ الشِّهابُ قَبلَ أن يُلقِيَها، ورُبَّما ألقاها قَبلَ أن يُدرِكَه، فيَكذِبُ مَعَها مِائةَ كَذْبةٍ، فيُقالُ: ألَيسَ قد قال لنا يَومَ كذا: كذا وكذا؟! فيُصَدَّقُ بتِلكَ الكَلِمةِ الَّتي سَمِعَ مِنَ السَّماءِ))
.
4- وقال سُبحانَه:
إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النور: 11 - 13] . يقولُ اللهُ تعالى: إنَّ الذين قذَفوا
أمَّ المُؤمِنين عائشةَ كَذِبا وباطِلًا جماعةٌ منكم -أيُّها المُسلِمونَ- لا تحسَبوا قَذْفَهم لها شَرًّا لكم، بل هو خيرٌ لكم؛ لكُلِّ فَردٍ من أولئك القاذفين حَظُّه من العذابِ بقَدْرِ جُرمِه
، وقَولُه تعالى:
لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ... فيه توبيخٌ وتعنيفٌ للذين سَمِعوا الإفكَ فلم يجِدُّوا في دفعِه وإنكارِه، واحتجاجٌ عليهم بما هو ظاهرٌ مكشوفٌ في الشَّرعِ من وجوبِ تكذيبِ القاذِفِ بغيرِ بيِّنةٍ، والتَّنكيلِ به إذا قذَف امرأةً محصَنةً من عُرْضِ نِساءِ المُسلِمين؛ فكيف ب
أمِّ المُؤمِنين الصِّدِّيقةِ بنتِ الصِّدِّيقِ، حُرمةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وحبيبةِ حَبيبِ اللهِ
؟! وصيغةُ الحصرِ في قولِه:
فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ للمبالغةِ؛ كأنَّ كَذِبَهم لقُوَّتِه وشناعتِه لا يُعَدُّ غيرُهم من الكاذِبين كاذِبًا؛ فكأنَّهم انحصرت فيهم ماهيَّةُ الموصوفين بالكَذِبِ، والتَّقييدُ بقولِه:
عِنْدَ اللَّهِ لزيادةِ تحقيقِ كَذِبِهم، أي: هو كَذِبٌ في عِلمِ اللهِ؛ فإنَّ عِلمَ اللهِ لا يكونُ إلَّا موافقًا لنفسِ الأمرِ، واسمُ الإشارةِ لزيادةِ تمييزِهم بهذه الصِّفةِ؛ ليَحذَرَ النَّاسُ أمثالَهم
.
5 - وقال تعالى في وَصفِ المُنافِقين:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ [الحشر: 11-12] . قال
السَّعديُّ في قولِه:
وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ: (في هذا الوعدِ الذي غرُّوا به إخوانَهم، ولا يُستكثَرُ هذا عليهم؛ فإنَّ الكَذِبَ وصفُهم، والغُرورَ والخِداعَ مقارِنُهم، والنِّفاقَ والجُبنَ يَصحَبُهم؛ ولهذا كَذَّبَهم اللهُ بقولِه الذي وُجِد مُخبَرُه كما أخبَرَ اللهُ به، ووقع طِبقَ ما قال، فقال:
لَئِنْ أُخْرِجُوا من ديارِهم جلاءً ونفيًا
لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ لمحبَّتِهم للأوطانِ، وعدَمِ صَبرِهم على القتالِ، وعدَمِ وفائِهم بوعدِهم)
.