موسوعة الأخلاق والسلوك

ثانيًا: الفَرْق بَيْنَ الكَذِبِ وبعضِ الصِّفاتِ


الفَرْقُ بَيْنَ الخَرْصِ والكَذِبِ:
(أنَّ الخَرْصَ هو الحَزْرُ، وليس من الكَذِبِ في شيءٍ، والخَرْصُ ما يُحزَرُ من الشَّيءِ، يقالُ: كم خَرْصُ نَخلِك؟ أي: كم يجيءُ من ثمَرتِه، وإنما استُعمِلَ الخَرصُ في موضعِ الكَذِبِ؛ لأنَّ الخَرصَ يجري على غيرِ تحقيقٍ، فشُبِّه بالكَذِبِ، واستُعمِلَ في مَوضِعِه) [6048] يُنظَر: ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص: 45). .
الفَرْقُ بَيْنَ الكَذِبِ والافتراءِ والبُهتانِ:
(الكَذِبُ: هو عدَمُ مطابقةِ الخبرِ للواقِعِ، أو لاعتقادِ المُخبَرِ لهما، على خلافٍ في ذلك.
والافتراءُ: أخَصُّ منه؛ لأنَّه الكَذِبُ في حَقِّ الغيرِ بما لا يرتضيه، بخِلافِ الكَذِبِ؛ فإنَّه قد يكونُ في حَقِّ المتكَلِّمِ نفسِه؛ ولذا يقالُ لمن قال: فعلتُ كذا ولم أفعَلْ كذا، مع عدَمِ صِدقِه في ذلك: هو كاذِبٌ، ولا يقالُ: هو مُفتَرٍ، وكذا مَن مدَح أحدًا بما ليس فيه، يقالُ: إنَّه كاذِبٌ في وَصفِه، ولا يقالُ: هو مُفتَرٍ؛ لأنَّ في ذلك ممَّا يرتضيه المقولُ فيه غالبًا.
وقال سُبحانَه حكايةً عن الكُفَّارِ: افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [الأنعام: 93] ؛ لزعِمهم أنَّه أتاهم بما لا يرتضيه اللهُ سُبحانَه مع نِسبتِه إليه.
وأيضًا قد يحسُنُ الكَذِبُ على بعضِ الوجوهِ، كالكَذِبِ في الحَربِ، وإصلاحِ ذاتِ البَينِ، وعِدَةِ الزَّوجةِ... بخلافِ الافتراءِ.
وأمَّا البُهتانُ: فهو الكَذِبُ الذي يواجِهُ به صاحِبُه على وَجهِ المكابَرةِ له بما لم يُحِبَّه) [6049] يُنظَر: ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص: 47)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 154). .
الفَرْقُ بَيْنَ الزُّورِ والكَذِبِ:
 أنَّ الزُّورَ هو الكَذِبُ الذي قد سُوِّيَ وحُسِّن في الظَّاهِرِ ليُحسَبَ أنَّه صِدقٌ، وهو من قولِك: زَوَّرْتُ الشَّيءَ: إذا سوَّيْتَه وحَسَّنْتَه، وقيل: أصلُه فارسيٌّ من قولِهم: زورٌ، وهو القُوَّةُ، وزوَّرْتُه: قوَّيتُه [6050] يُنظَر: ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري، (ص: 47). .
الفَرْقُ بَيْنَ الكَذِبِ والإفكِ:
(أنَّ الكَذِبَ: اسمٌ موضوعٌ للخبَرِ الذي لا مُخبَرَ له على ما هو به، وأصلُه في العربيَّةِ التَّقصيرُ، ومنه قولُهم: كَذَب عن قِرنِه في الحَربِ: إذا ترَك الحملةَ عليه، وسواءٌ كان الكَذِبُ فاحِشَ القُبحِ أو غيرَ فاحشِ القُبحِ.
والإفكُ: هو الكَذِبُ الفاحِشُ القُبحِ، مِثلُ الكَذِبِ على اللهِ ورسولِه، أو على القرآنِ، ومِثلُ قَذفِ المحصَنةِ، وغيرِ ذلك ممَّا يفحُشُ قُبحهُ، وأصلُه في العربيَّةِ الصَّرفُ، وتُسَمَّى الرِّياحُ المُؤتَفِكاتِ؛ لأنَّها تقلِبُ الأرضَ فتَصرِفُها عمَّا عُهِدَت عليه، وسُمِّيَت ديارُ قومِ لُوطٍ المؤتَفِكاتِ؛ لأنَّها قُلِبَت بهم [6051] يُنظَر: ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري، (ص: 45، 46). .
الفَرْقُ بَيْنَ الخُلفِ والإخلافِ والكَذِبِ:
الخُلفُ والإخلافُ والكَذِبُ: لا يكادُ النَّاسُ يُفَرِّقون بَيْنَهما، والكَذِبُ فيما مضى، وهو أن تقولَ: فعَلْتُ كذا، ولم تفعَلْه، والخُلفُ والإخلافُ لِما يُستقبَلُ، وهو أن تقولَ: سأفعلُ كذا، ولا تفعَلُه، ويرشِدُ إليه قولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا وعَد أخلَفَ)) [6052] أخرجه البخاري (33)، ومسلم (59) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، وأخرجه البخاري (2459)، ومسلم (58) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما. ، وقولُه تعالى: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون: 1] أي: فيما أخبروا به من إيمانِهم فيما مضى، وقولُه تعالى: فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ [إبراهيم: 47] أي: فيما وعدَهم بالنَّصرِ وإهلاكِ أعدائِهم في المُستقبَلِ [6053] يُنظَر: ((أدب الكاتب)) لابن قتيبة (ص: 33)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 428)، ((فيض الباري على صحيح البخاري)) لمحمد أنور شاه (1/ 199). .
الفَرْقُ بَيْنَ الكَذِبِ والمُحالِ:
(أنَّ المُحالَ ما أُحيلَ من الخَبَرِ عن حَقِّه حتى لا يَصِحَّ اعتقادُه، ويُعلَمَ بُطلانُه اضطِرارًا، مِثلُ قولِك: سأقومُ أمسِ، وشَرِبتُ غدًا، والجِسمُ أسوَدُ أبيَضُ في حالٍ واحدةٍ، والكَذِبُ هو الخبَرُ الذي يكونُ مُخبَرُه على خلافِ ما هو عليه، ويَصِحُّ اعتقادُ ذلك ويُعلَمُ بطلانُه استدلالًا، والمحالُ ليس بصِدقٍ ولا كَذِبٍ، ولا يقعُ الكَذِبُ إلَّا في الخبرِ، وقد يكونُ المُحالُ ليس بصِدقٍ ولا كَذِبٍ، ولا يقَعُ الكَذِبُ إلَّا في الخبرِ، وقد يكونُ المحالُ في صورةِ الخبرِ، مِثلُ قولِك: هو حَسَنٌ قبيحٌ من وجهٍ واحدٍ، وفي صورةِ الاستخبارِ، مِثلُ قولِك: أقدِمَ زيدٌ غدًا؟ وفي صورةِ التَّمنِّي، كقولِك: ليتني في هذا الحالِ بالبَصرةِ ومكَّةَ، وفي صورةِ الأمرِ، مِثلُ قولِك: اتَّقِ زيدًا أمسِ، وفي صورةِ النَّهيِ، كقولِك: لا تَلْقَ زيدًا في السَّنةِ الماضيةِ، ويقعُ في النِّداءِ، كقولِك: يا زيدُ بَكْر؛ على أن تجعَلَ زيدًا بَكرًا، وخِلافُ المحالِ المُستقيمُ، وخِلافُ الكَذِبِ الصِّدقُ) [6054] يُنظَر: ((الفروق اللغوية)) للعسكري (ص: 43، 44). .
الفَرْقُ بَيْنَ الجَحدِ والكَذِبِ:
(أنَّ الكَذِبَ هو الخبرُ الذي لا مُخبَرَ له على ما هو به، والجَحدُ إنكارُك الشَّيءَ الظَّاهرَ، أو إنكارُك الشَّيءَ مع عِلمِك به؛ فليس الجَحدُ له إلَّا الإنكارَ الواقِعَ على هذا الوجهِ، والكَذِبُ يكونُ في إنكارٍ وغيرِ إنكارٍ) [6055] يُنظَر: ((الفروق اللغوية)) للعسكري (ص: 46، 47). ، (فالجَحدُ نفيُ ما في القَلبِ ثباتُه، وإثباتُ ما في القلبِ نفيُه، وليس بمرادِفٍ للنَّفيِ من كُلِّ وجهٍ) [6056] يُنظَر: ((الكليات)) للكفوي (ص: 356). .

انظر أيضا: