سابعَ عشرَ: الدُّعاءُ لهم
يُستَحَبُّ الدُّعاءُ للأولادِ بخَيرَيِ الدُّنيا والآخِرةِ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ:أ-مِنَ الكِتابِ1- قال تعالى في صِفاتِ عبادِ الرَّحمنِ:
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان: 74] .
أي: ربَّنا أصلِحْ أزواجَنا وأولادَنا وأحفادَنا، فنُسَرَّ في الدُّنيا برُؤيتِهم على طاعتِك، وفي الآخرةِ بدُخولِ جَنَّتِك، واجعَلْنا قُدوةً للذين يمتَثِلونَ أوامِرَك، ويجتَنِبونَ نواهيَك، فيَقتَدون بنا في الخَيرِ
[260] يُنظر: ((التفسير المحرر- الدرر السنية)) (20/ 372، 373). .
وقال عِكرِمةُ في قولِه تعالى:
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ: (لم يُريدوا بذلك صَباحةً ولا جمالًا، ولكنْ أرادوا أن يكونوا مُطيعينَ)
[261] أخرجه عبد بن حميد، كما في ((الدر المنثور)) للسيوطي (6/284). .
وقال الحَسَنُ في قُرَّةِ الأعيُنِ: (واللهِ ما شيءٌ أحبَّ إلى المرءِ المسلمِ مِن أنْ يرَى والدًا أو وَلَدًا أو حميمًا أو أخًا مُطيعًا للهِ عزَّ وجلَّ)
[262] أخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (8301). ويُنظر: ((الدر المنثور)) للسيوطي (6/284). .
2-قال تعالى:
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [الأحقاف: 15 - 16] .
قال الطَّبَريُّ: (قَولُه:
وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي يَقولُ: وأصلِحْ لي أُموري في ذُرِّيَّتي الذينَ وهَبتَهم، بأن تَجعَلَهم هُداةً للإيمانِ بك، واتِّباعِ مَرضاتِك، والعَمَلِ بطاعَتِك، فوصَفه جَلَّ ثَناؤُه بالبرِّ بالآباءِ والأُمَّهاتِ والبَنينَ والبَناتِ)
[263] ((جامع البيان)) (21/ 141). .
وقال السَّعديُّ: (
حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ أي: نِهايةَ قوَّتِه وشَبابِه وكَمالَ عَقَلِه،
وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أي: ألهِمْني ووفِّقْني
أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ أي: نِعَمَ الدِّينِ ونِعَمَ الدُّنيا، وشُكرُه بصَرفِ النِّعَمِ في طاعةِ مُسديها ومُولِيها، ومُقابَلتِه مِنَّتَه بالاعتِرافِ والعَجزِ عنِ الشُّكرِ، والاجتِهادِ في الثَّناءِ بها على اللهِ، والنِّعَمُ على الوالِدَينِ نِعَمٌ على أولادِهم وذُرِّيَّتِهم؛ لأنَّهم لا بُدَّ أن ينالَهم مِنها ومِن أسبابها وآثارِها، خُصوصًا نِعَمَ الدِّينِ؛ فإنَّ صَلاحَ الوالدَينِ بالعِلمِ والعَمَلِ مِن أعظَمِ الأسبابِ لصَلاحِ أولادِهم.
وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ بأن يَكونَ جامِعًا لِما يُصلِحُه، سالِمًا مِمَّا يُفسِدُه، فهذا العَمَلُ الذي يَرضاه اللهُ ويَقبَلُه ويُثيبُ عليه.
وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي لمَّا دَعا لنَفسِه بالصَّلاحِ دَعا لذُرِّيَّتِه أن يُصلِحَ اللَّهُ أحوالَهم، وذَكَرَ أنَّ صَلاحَهم يَعودُ نَفعُه على والِديهم؛ لقَولِه:
وَأَصْلِحْ لِي)
[264] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 781). .
3- قال تعالى:
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [البقرة: 127 - 129] .
4- قال تعالى:
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ [إبراهيم: 35 - 41] .
ب-مِنَ السُّنَّةِ1-عن أُسامةَ بنِ زَيدٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، حَدَّثَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
((أنَّه كان يَأخُذُه والحَسَنَ، فيَقولُ: اللهُمَّ أحِبَّهما؛ فإنِّي أُحِبُّهما)).
[265] أخرجه البخاري (3735). وفي رِوايةٍ عن أُسامةَ بنِ زَيدٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال:
((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَأخُذُني فيُقعِدُني على فَخِذِه، ويُقعِدُ الحَسَنَ على فَخِذِه الأُخرى، ثُمَّ يَضُمُّهما، ثُمَّ يَقولُ: اللهُمَّ ارحَمْهما؛ فإنِّي أرحَمُهما)).
[266] أخرجها البخاري (6003). 2- عَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((خَرَجتُ مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في طائِفةٍ مِنَ النَّهارِ، لا يُكلِّمُني ولا أكلِّمُه، حتَّى جاءَ سوقَ بَني قَينُقاعَ، ثُمَّ انصَرَف، حتَّى أتى خِباءَ فاطِمةَ [267] أي: بَيتَها، وأصلُ الخِباءِ: ما يُخَبَّأُ فيه، وقد صارَ بحُكمِ العُرفِ العَرَبيِّ عِبارةً عَن بُيوتِ الأعرابِ. يُنظر: ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (6/ 299). ، فقال: أثَمَّ لُكَعُ [268] أي: أثَمَّ صَغيرٌ؟ يُريدُ الصَّغيرَ في السِّنِّ، فإذا قيل للكبيرِ أُريدَ الصَّغيرُ في العِلمِ والمَعرِفةِ. يُنظر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (2/ 1037، 1038)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (2/ 598). قال عياضٌ: (يحتَمِلُ أن يَكونَ على بابِه في الاستِصغارِ، على طَريقِ التَّعليلِ له والرَّحمةِ). ((مشارق الأنوار)) (1/ 358). ويُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (6/ 250). ؟ أثَمَّ لُكَعُ؟ يَعني حَسَنًا، فظَنَنَّا أنَّه إنَّما تَحبِسُه أمُّه لأن تُغَسِّلَه وتُلبِسَه سِخابًا [269] السِّخابُ: خيطٌ فيه خَرَزٌ، يُنظَمُ في أعناقِ الصِّبيانِ والجَواري، وقيل: هو مِنَ العودِ، وقيل: سُمِّيَ سِخابًا لصَوتِ خَرَزِه عِندَ حَرَكتِها واصطِكاكِها، مِنَ الصَّخَبِ، وهو اختِلاطُ الأصواتِ، يُقالُ بالسِّينِ والصَّادِ. قيل: ولهذا يَلبَسُه الصِّبيانُ الصِّغارُ، يشغَلُهم صَوتُها وتُلهيهمُ اللعبُ بها عَن غيرِه، وقيل: السِّخابُ: ما اتُّخِذَ مِنَ القَلائِدِ مِنَ القَرَنفُلِ والمِسكِ دونَ الجَواهرِ. يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (7/ 433). ، فلم يَلبَثْ أن جاءَ يَسعى، حتَّى اعتَنَقَ كُلُّ واحِدٍ مِنهما صاحِبَه، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اللهُمَّ إنِّي أحِبُّه، فأحِبَّه وأحبِبْ مَن يُحِبُّهـ)) [270] أخرجه مسلم (2421). .
وفي رِوايةٍ:
((... فجَلسَ بفِناءِ بيتِ فاطِمةَ [271] الفِناءُ: ما حَولَ الدَّارِ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 440). ، فقال: أثَمَّ لُكَعُ، أثَمَّ لُكَعُ؟ فحَبَسَتْه شيئًا، فظَنَنتُ أنَّها تُلبِسُه سِخابًا، أو تُغَسِّلُه، فجاءَ يَشتَدُّ حتَّى عانَقَه وقَبَّله، وقال: اللهُمَّ أحبِبْه وأحِبَّ مَن يُحِبُّهـ)) [272] أخرجها البخاري (2122). .
وفي رِوايةٍ أُخرى عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((كُنتُ مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سوقٍ مِن أسواقِ المَدينةِ، فانصَرَف فانصَرَفتُ، فقال: «أينَ لُكَعُ -ثَلاثًا- ادعُ الحَسَنَ بنَ عَليٍّ. فقامَ الحَسَنُ بنُ عليٍّ يَمشي وفي عُنُقِه السِّخابُ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيَدِه هَكذا، فقال الحَسَنُ بيَدِه هَكذا، فالتَزَمَه، فقال: اللهُمَّ إنِّي أُحِبُّه فأحِبَّه، وأحِبَّ مَن يُحِبُّه. قال أبو هُرَيرةَ: فما كان أحَدٌ أحَبَّ إليَّ مِنَ الحَسَنِ بنِ عليٍّ، بَعدَ ما قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما قال)) [273] أخرجه البخاري (5884) واللفظ له، ومسلم (2421). .
3- عنِ البَراءِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((رَأيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والحَسَنُ على عاتِقِه، يَقولُ: اللهُمَّ إنِّي أُحِبُّه فأحِبَّهـ)) [274] أخرجه البخاري (3749) واللَّفظُ له، ومسلم (2422). .
4-عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما
((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دَخَل الخَلاءَ، فوضَعتُ له وَضوءًا، قال: مَن وضَعَ هذا؟ فأُخبِرَ، فقال: اللهُمَّ فَقِّهْه في الدِّينِ)) [275] أخرجه البخاري (143) واللَّفظُ له، ومسلم (2477). .
وفي رِواية:
((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بَيتِ مَيمونةَ، فوضَعتُ له وَضوءًا مِنَ اللَّيلِ، فقالت له مَيمونةُ: وضَعَ لك هذا عَبدُ اللَّهِ بنُ عبَّاسٍ. فقال: "اللهُمَّ فَقِّهْه في الدِّينِ، وعَلِّمْه التَّأويلَ)) [276] أخرجه أحمَد (3102) واللَّفظُ له، وابن حبان (7055)، والطبراني (10/293) (10587). صَحَّحه ابنُ حُبَّانِ، وابن عبد البر في ((الاستيعاب)) (3/67)، وابن الملقن في ((شرح البخاري)) (2/339)، والألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (2589)، والوادعي في ((صحيح دلائل النبوة)) (245). .
5- عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((دَخَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على أُمِّ سُلَيمٍ، فأتَته بتَمرٍ وسَمنٍ، قال: أعيدوا سَمنَكُم في سِقائِه، وتَمرَكُم في وِعائِه؛ فإنِّي صائِمٌ، ثُمَّ قامَ إلى ناحيةٍ مِنَ البَيتِ، فصَلَّى غَيرَ المَكتوبةِ، فدَعا لأُمِّ سُلَيمٍ وأهلِ بَيتِها، فقالت أمُّ سُلَيمٍ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ لي خُوَيصَّةً [277] خُوَيصَّةً: أي: حاجةً تَخُصُّني. يُنظر: ((الإفصاح عن معاني الصحاح)) لابن هبيرة (5/ 186). ، قال: ما هيَ؟ قالت: خادِمُك أنَسٌ، فما تَرَكَ خَيرَ آخِرةٍ ولا دُنيا إلَّا دَعا لي به، قال: اللهُمَّ ارزُقْه مالًا وولدًا، وبارِكْ له فيه. فإنِّي لمن أكثَرِ الأنصارِ مالًا، وحَدَّثَتني ابنَتي أُمَينةُ: أنَّه دُفِنَ لصُلبي مَقدَمَ حَجَّاجٍ البَصرةَ بِضعٌ وعِشرونَ ومِائةٌ)) [278] أخرجه البخاري (1982). .
وفي رِوايةٍ عن سُليمانَ، عن ثابتٍ، عن أنَسٍ، قال:
((دَخل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم علينا، وما هو إلَّا أنا وأُمِّي، وأُمُّ حَرامٍ خالتي، فقال: قوموا فلِأُصَلِّيَ بكُم، في غَيرِ وقتِ صَلاةٍ، فصَلَّى بنا، فقال رَجُلٌ لثابتٍ: أينَ جَعَل أنسًا مِنه؟ قال: جَعَله على يَمينِه، ثُمَّ دَعا لنا -أهلَ البَيتِ- بكُلّ خَيرٍ مِن خَيرِ الدُّنيا والآخِرةِ، فقالت أُمِّي: يا رَسولَ اللهِ، خُوَيدِمُك ادعُ اللَّهَ له، قال: فدَعا لي بكُلِّ خَيرٍ، وكان في آخِرِ ما دَعا لي به أن قال: اللهُمَّ أكثِرْ مالَه وولدَه، وبارِكْ له فيهـ)) [279] أخرجها مسلم (2481). .
6- عن عُروةَ بنِ الزُّبَيرِ، وفاطِمةَ بنتِ المُنذِرِ بنِ الزُّبيرِ، أنَّهما قالا:
((خرجَت أسماءُ بنتُ أبي بكرٍ حينَ هاجرَت وهي حُبلى بعبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ، فقدِمَت قُباءً، فنُفِسَت [280] نُفِسَت المرأةُ، بضمِّ النُّونِ وفَتحِها: إذا وَلَدَت. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (9/ 69). بعبدِ اللهِ بقُباءٍ، ثُمَّ خرجَت حينَ نُفِسَت إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليُحنِّكَه، فأخَذه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منها، فوضَعه في حِجرِه، ثُمَّ دعا بتَمْرةٍ -قال: قالت عائِشةُ: فمكَثْنا ساعةً نلتَمِسُها قَبلَ أن نجِدَها- فمضَغَها، ثُمَّ بصَقَها في فيه؛ فإنَّ أوَّلَ شيءٍ دخَل بَطنَه لَريقُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثُمَّ قالت أسماءُ: ثُمَّ مسَحه وصلَّى عليه [281] صَلَّى عليه: أي: دعا له، ومسَحَه تبرُّكًا. يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (14/ 126). ، وسمَّاه عبدَ اللهِ، ثُمَّ جاء وهو ابنُ سَبعِ سنينَ أو ثمانٍ ليُبايِعَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأمَره بذلك الزُّبَيرُ، فتبسَّم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ رآه مُقبِلًا إليه، ثُمَّ بايَعَهـ)) [282] أخرجه البخاري (3909)، ومسلم (2146) واللَّفظُ له. .
7-عن أُمِّ خالدٍ بنتِ خالدٍ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت:
((أُتيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بثيابٍ فيها خَميصةٌ [283] الخَميصةُ: هيَ ثيابٌ تَكونُ مِن خَزٍّ أو صوفٍ مُعَلَّمةٌ. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 189). سَوداءُ صَغيرةٌ، فقال: مَن تَرَونَ نَكسو هذه؟ فسَكَتَ القَومُ، قال: ائتوني بأُمِّ خالدٍ، فأُتيَ بها تُحمَلُ، فأخَذَ الخَميصةَ بيَدِه فألبَسَها، وقال: أبلي وأخلِقي [284] أبلِي وأخلِقي: هو كَلامٌ مَعروفٌ عِندَ العَرَبِ، مَعناه الدُّعاءُ بطُولِ البَقاءِ، يُقالُ: أبْلِ. وأخلِقْه: أي: عِشْ فخَرِّقْ ثيابَك وارقَعْها. وخَلقتُ الثَّوبَ: أي: أخرجتُ باليَه ولفَّقتُه، فقَولُه: ((أبلِي)): أمرُ مُخاطَبةٍ مِنَ الإبلاءِ، وهو جَعلُ الثَّوبِ خَلَقًا، وكذلك و ((أخلِقي)): أمرُ مُخاطَبةٍ مِنَ الإخلاقِ، وهو أيضًا بمَعنى الإبلاءِ، وهذا التَّكرارُ دُعاءٌ لها مِن عِندِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في طولِ العُمرِ، كَأنَّه قال لها: عَمَّرَك اللهُ تَعميرًا في حالةِ إلباسِه إيَّاها. يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (5/ 232)، ((المفاتيح في شرح المصابيح)) للمظهري (6/ 122). . وكان فيها عَلَمٌ أخضَرُ أو أصفَرُ، فقال: يا أُمَّ خالدٍ، هذا سَناهـ)). وسَناه بالحَبَشيَّةِ: حَسَنٌ
[285] أخرجه البخاري (5823). .
وفي رِوايةٍ عن عَبدِ اللَّهِ، عن خالِدِ بنِ سَعيدٍ، عن أبيه، عن أُمِّ خالِدٍ بنتِ خالِدِ بنِ سَعيدٍ، قالت:
((أتَيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَعَ أبي وعَلَيَّ قَميصٌ أصفرُ، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: سَنَهْ سَنَهْ، قال عَبدُ اللَّهِ: وهيَ بالحَبَشيَّةِ: حَسَنةٌ، قالت: فذَهَبَت ألعَبُ بخاتَمِ النُّبوَّةِ فزَبَرَني [286] فزَبَرني: أي: انتَهَرَني. يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (5/ 232). أبي، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: دَعْها، ثُمَّ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أبلي وأخلِقي، ثُمَّ أبلي وأخلِقي، ثُمَّ أبلي وأخلِقي. قال عَبدُ اللَّهِ: فبَقِيَت حتَّى ذَكَرَ [287] فبَقِيَت حتَّى ذَكَرَ: أي ذَكَر الرَّاوي مِن بَقائِها أمَدًا طَويلًا. يُنظر: ((فتح البارِّي)) لابن حجر (6/ 184). ، يَعني مِن بَقائِها)) [288] أخرجها البخاري (5993). .
8-عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنه:
((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُؤتى بالصِّبيانِ، فيُبَرِّكُ عليهم [289] فيُبَرِّكُ عليهم: أي يَدعو لهم ويَمسَحُ عليهم، يُقالُ: بَرَّكتُ على آلِ فُلانٍ: إذا دَعَوتَ لهم بالبَرَكةِ، وقُلتَ: بارَكَ اللَّهُ لكُم وفيكُم، ونَحوَ ذلك، وأصلُ البَرَكةِ ثُبوتُ الخَيرِ وكَثرَتُه. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (7/ 81)، ((شرح مسلم)) للنووي (3/ 194). ويُحَنِّكُهم [290] تَحنيكُ الصَّبيّ عِندَ الوِلادةِ: هو أن يَمضُغَ تَمرةً يَدلُكُ بها حَنَكَه، ويوضَعُ مِنها في فمِه. ((جامع الأصول)) لابن الأثير (7/ 81). ).
[291] أخرجه مسلم (2147).