الموسوعة الحديثية


- خَرَجَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في طَائِفَةِ النَّهَارِ، لا يُكَلِّمُنِي ولَا أُكَلِّمُهُ، حتَّى أتَى سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَجَلَسَ بفِنَاءِ بَيْتِ فَاطِمَةَ، فَقالَ: أثَمَّ لُكَعُ؟ أثَمَّ لُكَعُ؟ فَحَبَسَتْهُ شيئًا، فَظَنَنْتُ أنَّهَا تُلْبِسُهُ سِخَابًا، أوْ تُغَسِّلُهُ، فَجَاءَ يَشْتَدُّ حتَّى عَانَقَهُ وقَبَّلَهُ، وقالَ: اللَّهُمَّ أحْبِبْهُ وأَحِبَّ مَن يُحِبُّهُ.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 2122 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه البخاري (2122)، ومسلم (2421)
حُبُّ آلِ بَيتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومَودَّتُهم، وإجلالُهم، وتَوقيرُهم؛ واجبٌ على كلِّ مُسلمٍ.
وهذا الحديثُ في فَضلِ أَحدِ سِبْطَيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الحَسَنِ بنِ علِيٍّ رَضيَ اللهُ عنهما، كما في رِوايةٍ في الصَّحيحَينِ، وفيه يُخبِرُ أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه خَرَجَ معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في وَقتٍ منَ النَّهارِ، وأثناءَ سَيرِهما لم يُكلِّمِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أبا هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه بأيِّ كَلامٍ، ولم يُكلِّمْه أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه، ولعلَّ سَببَ هذا أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ مَشغولَ الفِكرِ بوَحيٍ أوْ غيرِهِ، وأمَّا مِنْ جانِبِ أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه فلِتَوقِيرِه، وكانَ ذلكَ مِن شَأنِ الصَّحابةِ إذا لم يَرَوْا مِنهُ نَشاطًا تَرَكوه.
حتى أَتَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سُوقَ بني قَيْنُقاعَ -وبَنو قَيْنُقاعَ قَبيلةٌ مِن اليهودِ سَكَنوا المدينةَ المُنوَّرةَ قبْلَ هِجرةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، واتَّخَذوا سُوقًا داخلَ حِصنِهم، عُرِفَ بسُوقِ بَني قَيْنُقاعَ- ثمَّ انصَرَفَ منْه -كما في الصَّحيحَينِ- فأَتى فِناءَ بَيتِ ابنتِه فاطِمةَ رَضيَ اللهُ عنها وجلَسَ فيه، والفِناءُ: المَوضِعُ المُتَّسِعُ أمامَ البيْتِ.
فلمَّا جلَسَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نادَى: «أَثَمَّ لُكَعُ؟ أَثَمَّ لُكَعُ؟»، و«ثَمَّ» ظَرْفٌ يُشارُ بهِ لِلمكانِ البعيدِ، أي: أَيوجدُ هناكَ في البيتِ؟ ولُكَعُ: قيلَ في إِحدى مَعانيهِ: الصَّغيرُ الَّذي لا يَهْتدي لمَنطِقٍ ولا غيرِهِ، وهذا حالُ الحَسنِ.
ثمَّ أخبَرَ أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ فاطمةَ رَضيَ اللهُ عنْها مَنَعَت الصَّغيرَ مِن المُبادَرةِ إلى الخُروجِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَليلًا، فظَنَّ أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ سَببَ تَأخيرِهِ في الخُروجِ أنَّ فاطمةَ رَضيَ اللهُ عنها تُلبِسُه سِخَابًا أو تُغَسِّلُه، والسِّخابُ: قِلادةٌ مِن القَرَنْفُلِ والمِسْكِ والعُودِ ونَحوِها مِن أَخلاطِ الطِّيبِ، يُعمَلُ على هَيئةِ السُّبْحةِ ويُجعَلُ قِلادةً للصِّبيانِ والجَواري، أو هُو خَيطٌ فيهِ خَرَزٌ، سُمِّيَ سِخابًا لصَوتِ خَرَزِهِ عندَ حَركتِهِ من السَّخَبِ، وهوَ اختِلاطُ الأصواتِ، فجاءَ الحَسنُ يَشتدُّ، أي: يُسرِعُ في المَشيِ؛ استِجابةً لِنداءِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَعانَقَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقبَّله؛ وذلك مِن الحُبِّ المُتبادَلِ بيْن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبيْن أحْفادِه، فدَعا له الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقَولِه: «اللَّهمَّ أَحبَّهُ وأحِبَّ مَن يُحِبُّه»، أي: إن جزاء وأجر محبتهما هو حب الله تعالَى له.
وفي الحديثِ: تَنظيفُ الصِّبيانِ وتَرْبِيتُهمْ، لا سيَّما عندَ مُلاقاةِ الكِبارِ.
وفيه: إرشادُ الكِبارِ إلى مُلاطَفةِ الصِّغارِ؛ لإدامةِ المحبَّةِ والمودَّةِ بيْنهما.
وفيه: فضل ومنقبة للحسن رَضيَ اللهُ عنه.