موسوعة الآداب الشرعية

سادسا: عَدَمُ الإضرارِ في الوصيَّةِ:


يَحرُمُ الإضرارُ في الوصيَّةِ، كَأن يوصيَ بحِرمانِ بَعضِ المُستَحِقِّينَ، أو يُفضِّلَ بَعضَهم على بَعضٍ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ والآثارِ:
أ- مِنَ الكتابِ
قَولُه تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ [النساء: 12] .
قَولُه: غَيْرَ مُضَارٍّ أي: غير مقصودٍ بها الإضرارُ بالوَرَثة بأيِّ وجهٍ من الوجوه، كأنْ يَحرِمَ بعضَ الورثة حقَّهم، أو يَنقُصه، أو يزيدَ عليه [196] ((التفسير المحرر- الدرر السنية)) (3/ 82). .
قال الرَّازيُّ: (اعلَمْ أنَّ قَولَه تعالى: غَيْرَ مُضَارٍّ نَصبٌ على الحالِ، أي: يوصي بها وهو غَيرُ مُضارٍّ لورَثَتِه.
واعلَمْ أنَّ الضِّرارَ في الوصيَّةِ يَقَعُ على وُجوهٍ:
أحَدُها: أن يوصيَ بأكثرَ مِنَ الثُّلثِ.
وثانيها: أن يُقِرَّ بكُلِّ مالِه أو ببَعضِه لأجنَبيٍّ.
وثالِثُها: أن يُقِرَّ على نَفسِه بدَينٍ لا حَقيقةَ له؛ دَفعًا للميراثِ عنِ الورَثةِ.
ورابِعُها: أن يُقِرَّ بأنَّ الدَّينَ الذي كان له على غَيرِه قدِ استَوفاه ووصَلَ إليه.
وخامِسُها: أن يَبيعَ شَيئًا بثَمَنٍ بَخسٍ، أو يَشتَريَ شَيئًا بثَمَنٍ غالٍ، كُلُّ ذلك لغَرَضِ أن لا يَصِلَ المالُ إلى الورَثةِ.
وسادِسُها: أن يوصيَ بالثُّلُثِ لا لوَجهِ اللهِ، لكِن لغَرَضِ تَنقيصِ حُقوقِ الورَثةِ، فهذا هو وَجهُ الإضرارِ في الوصيَّةِ...
واعلَم أنَّ العُلَماءَ قالوا: الأَولى أن يوصيَ بأقَلَّ مِنَ الثُّلثِ) [197] ((مفاتيح الغيب)) (9/ 524). .
ب-مِنَ السُّنَّةِ
1-قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ)) [198] أخرجه ابنُ ماجه (2340)، وعبد الله بن أحمد في ((زوائد المسند)) (22778) من حديثِ عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه ابنُ رجب في ((جامع العلوم والحكم)) (2/211)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجهـ)) (2340)، وحَسَّنَه النَّوويّ في ((الأذكار)) (502)، وقال الشَّوكانيُّ في ((الدراري المضية)) (285): مَشهورٌ. .
2-عن أبي صِرمةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((مَن ضارَّ أضَرَّ اللَّهُ به، ومَن شاقَّ شَقَّ اللَّهُ عليهـ)) [199] أخرجه أبو داود (3635) واللَّفظُ له، والترمذي (1940)، وابن ماجه (2342). حَسَّنَه ابنُ تيميَّة في ((بيان الدليل)) (608)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3635)، وقال البيهقي في ((السنن الكبرى)) (10/133): مَوصولٌ. وذهب إلى تصحيحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3635). .
ج- مِنَ الآثارِ
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: (الإضرارُ في الوصيَّةِ مِنَ الكَبائِرِ). [200] أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (11026) واللفظ له، وعبد الرزاق (16456)، والبيهقي (12713). صحَّحه ابنُ أبي حاتم كما في ((التفسير)) لابن كثير (2/244)، وصحَّح إسنادَه ابن حجر في ((فتح الباري)) (12/190)، والصنعاني في ((العدة على الإحكام)) (4/43)، والشوكاني في ((نيل الأوطار)) (6/144)، وقال البَيهَقيُّ: مَوقوفٌ، وهو الصَّحيحُ، وقال أبو الفتح الأزدي كما في ((تهذيب التهذيب)) لابن حجر (1/220): المَحفوظُ مِن قَولِ ابنِ عبَّاسٍ، وقال الذَّهَبيُّ في ((ميزان الاعتدال)) (3/224): المَحفوظُ مَوقوفٌ، وقال أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/472): الصَّحيحُ أنَّه مَوقوفٌ على ابنِ عبَّاسٍ.

انظر أيضا: