موسوعة الآداب الشرعية

أولًا: المبادَرةُ بكِتابةِ الوَصيَّةِ


يَنبَغي للمُسلمِ إذا كان عنده ما يوصِي به أن تَكونَ وصيَّتُه مَكتوبةً عِندَه [145] وتَثبُتُ الوَصيَّةُ بالكِتابةِ إذا وُجِد خَطُّه وعُرِف، ولا يُشترَطُ الإشهادُ، وكذا تَثبُتُ الأموالُ -ومنها الوَصيَّةُ بالمالِ- بشَهادةِ رَجُلَينِ عَدلَينِ، وبشَهادةِ رجُلٍ وامرَأتَينِ، واختُلِف في حُكمِ شَهادةِ امرَأتَينِ مع يَمينِ المُوصَى له. ينظر بيان ذلك مع أدلته في كتاب الوصايا من: ((الموسوعة الفقهية بموقع الدرر السَّنية))  ، ويَجِبُ عليه الوصيَّةُ فيما عليه مِن دَينٍ وغَيرِه مِمَّا يَجِبُ أداؤُه [146] فتَجِبُ الوصيَّةُ بحَقٍّ لآدَميٍّ؛ كالدَّينِ ونَحوِه، ويُخرَجُ مِن رَأسِ المالِ، لا مِنَ الثُّلُثِ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى أوجَبَ أداءَ الأماناتِ، ومَن عليه حَقٌّ لآدَميٍّ يَجِبُ أن يوصيَ به. يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (6/137). وقد نُقِلَ الإجماعُ على ذلك. قال ابنُ تَيميَّةَ: (فالرَّجُلُ الذي قد عَلِمَ أنَّ بَينَه وبَينَ النَّاسِ مُعامَلاتٍ مُتَعَدِّدةً، مِنها ما هو بغَيرٍ بَيِّنةٍ، وعليه حُقوقٌ قد لا يُعلَمُ أربابُها ولا مِقدارُها- لا تَكونُ مِثلَ هذه الصِّفةِ مِنه تَبَرُّعًا، بَل تَكونُ وصيَّةً بواجِبٍ، والوصيَّةُ بواجِبٍ لآدَميٍّ تَكونُ مِن رَأسِ المالِ باتِّفاقِ المُسلِمينَ). ((مجموع الفتاوى)) (31/321). .
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ما حَقُّ امرِئٍ مُسلمٍ له شَيءٌ يوصي فيه، يَبيتُ ليلتَينِ إلَّا ووصيَّتُه مَكتوبةٌ عِندَهـ)) [147] أخرجه البخاري (2738) واللَّفظُ له، ومسلم (1627). .
أي: ما الحَزمُ أو ما المَعروفُ مِنَ الأخلاقِ إلَّا هذا، فقدَ يَفجَؤُه المَوتُ [148] يُنظر: ((مختصر المزني)) (8/ 243)، ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (4/ 2). .
قال الخَطَّابيُّ: (قَولُه: «ما حَقُّ امرِئٍ مُسلمٍ» مَعناه: ما حَقُّه مِن جِهةِ الحَزمِ والاحتياطِ إلَّا أن تَكونَ وصيَّتُه مَكتوبةً عِندَه إذا كان له شَيءٌ يُريدُ أن يوصيَ فيه؛ فإنَّه لا يَدري مَتى توافيه مَنيَّتُه، فتَحولُ بَينَه وبَينَ ما يُريدُ مِن ذلك...وفيه أنَّ الوصيَّةَ إنَّما تُستَحَبُّ لِمَن له مالٌ يُريدُ أن يوصيَ فيه دونَ مَن ليسَ له فَضلُ مالٍ، وهذا في الوصيَّةِ التي هو مُتَبَرِّعٌ بها مِن نَحوِ صَدَقةٍ وبِرٍّ وصِلةٍ، دونَ الدُّيونِ والمَظالِمِ التي يَلزَمُه الخُروجُ عنها؛ فإنَّ مَن عليه دَينٌ أو قِبَلَه تَبِعةٌ لأحَدٍ مِنَ النَّاسِ فالواجِبُ عليه أن يوصيَ فيه، وأن يَتَقدَّمَ إلى أوليائِه فيه؛ لأنَّ أداءَ الأمانةِ فَرضٌ واجِبٌ عليهـ) [149] ((معالم السنن)) (4/ 82). .

انظر أيضا: