موسوعة الآداب الشرعية

رابعًا: لا وَصِيَّةَ لوارثٍ


لا تَصِحُّ الوصيَّةُ للوارِثِ إذا لم يُجِزْها الورَثةُ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والإجماعِ:
أ- مِن السُّنةِ
عن أبي أُمامةَ الباهِليِّ رضِيَ اللهُ عنه، قال: ((سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ في خُطبتِه عامَ حجَّةِ الوَداعِ: إنَّ اللهَ قد أعطَى كلَّ ذي حَقٍّ حقَّه؛ فلا وَصيَّةَ لوارِثٍ)) [159] أخرجه أبو داود (2870)، والترمذي (2120) واللفظ له، وابن ماجه (2713) صححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/432)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2120)، وأحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/215)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2870)، وحسنه الإمام أحمد كما في ((بلوغ المرام)) لابن حجر (286)، وابن عبدالبر في ((التمهيد)) (24/439)
ب- مِن الإجماعِ
نقَلَ الإجماعَ على ذلك: غيرُ واحدٍ [160] ممَّن نقَلَ الإجماعَ على ذلك: الإمامُ مالكٌ، وابنُ المنذِرِ، وابنُ رُشدٍ، وابنُ قُدامةَ، وابنُ تَيميَّةَ.  قال ابنُ عبد البَرِّ: (قال مالكٌ: السُّنةُ الَّتي لا اختلافَ فيها عندَنا: «أنَّها لا تجوزُ وَصيَّةٌ لوارثٍ»، وهذا كما قال مالكٌ رحِمَه اللهُ، وهي سُنَّةٌ مُجتمَعٌ عليها، لم يَختلِفِ العُلماءُ فيها إذا لم يُجِزْها الورثةُ). ((التمهيد)) (24/438). وقال ابنُ المُنذِرِ: (أجمَعَ كلُّ مَن نَحفَظُ عنه مِن عُلماءِ الأمصارِ؛ مِن أهلِ المدينةِ، وأهلِ مكَّةَ، وأهلِ الكوفةِ، والبصرةِ، وأهلِ الشَّامِ، ومِصرَ، وسائرِ العُلماء مِن أهلِ الحديثِ، وأهلِ الرأْيِ؛ على أنْ لا وَصيَّةَ لوارثٍ إلَّا أنْ يُجِيزَ ذلك الورَثةُ). ((الأوسط)) (8/22، 93). وقال ابنُ رُشدٍ: (أمَّا الموصَى له فإنَّهم اتَّفَقوا على أنَّ الوصِيَّةَ لا تَجوزُ لوارثٍ... وأجْمَعوا -كما قُلنا- أنَّها لا تَجوزُ لوارثٍ إذا لم يُجِزْها الورَثةُ). ((بداية المجتهد)) (4/119). وقال ابنُ قُدامةَ: (إذا وصَّى لوارِثِه بوَصِيَّةٍ فلمْ يُجِزْها سائِرُ الوَرَثةِ، لم تَصحَّ بغيرِ خِلافٍ بيْنَ العُلماءِ). ((المغني)) (6/141). وقال ابنُ تَيميَّةَ: (الوَصيَّةُ للوارِثِ لا تَلزَمُ بدونِ إجازةِ الورَثةِ باتِّفاقِ المسلمينَ). ((مجموع الفتاوى)) (35/424). وقال أيضًا: (لو أَوصى لوارثٍ أو لأجنبيٍّ بزائدٍ على الثُّلُثِ، فأجاز الورثةُ الوَصيَّةَ بعدَ مَوتِ الموصِي؛ صحَّت الإجازةُ بلا نِزاعٍ). ((المستدرك على مجموع الفتاوى)) (4/117). .
أمَّا التَّعليلُ فللآتي:
1- لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منَعَ مِن عطيَّةِ الإنسانِ بَعضَ ولَدِه، وتَفضيلِ بَعضِهم على بَعضٍ، في حالِ الصِّحَّةِ، وقُوَّةِ المِلكِ، وإمكانِ تَلافي وتدارُكِ العَدلِ بيْنَهم بإعطاءِ الَّذي لم يُعْطِه فيما بعْدَ ذلك؛ لِما فيه مِن إيقاعِ العَداوةِ والحَسَدِ بيْنهم؛ ففي حال مَوتِه أو مَرَضِه، وضَعفِ مِلكِه، وتعَلُّقِ الحُقوقِ به، وتعَذُّرِ تَلافي العَدلِ بيْنَهم؛ أَوْلى وأَحرى [161] يُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (6/141). .
2- لأنَّ الوصِيَّةَ للورَثةِ بَيعٌ لحَقِّ الورَثةِ، فإذا أجازوا الوصِيَّةَ فقدْ أجازوا حَقَّهم [162] يُنظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (4/119). .
فائدةٌ: في الوصيَّةِ للوارِثِ إذا أجازَها الورَثةُ
تَصِحُّ الوصيَّةُ للوارثِ إذا أجازَها [163] يُشترَطُ فيمَن يُجيزُ الوَصيَّةَ مِن الورثةِ أنْ يكونَ جائزَ التصرُّفِ. يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزَّيْلَعي (6/183)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/227)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (6/49)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (4/344) الورَثةُ [164] وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحنَفيَّةِ، والمالكيَّةِ، والشَّافعيَّةِ، والحنابلةِ. يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (8/460)، ((الشرح الكبير للدَّرْدِير وحاشية الدسوقي)) (4/427)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (6/49)، ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلِح (6/11). وقال ابنُ عبد البَرِّ: (اتَّفقَ الجمهورُ مِن فُقهاءِ الأمصارِ على أنَّ الوَصيَّةَ للوارثِ مَوقوفةٌ على إجازةِ الورثةِ؛ فإنْ أجازَهَا الورثةُ بعدَ الموتِ جازتْ، وإنْ ردُّوها فهي مَردودةٌ، ولهم في إجازتِها إذا أجازَها الورثةُ قولانِ؛ أحدُهما: أنَّ إجازتَهم لها تَنفيذٌ منهم لِما أَوصى به الميتُ، وحكْمُها حكْمُ وَصيَّةِ الميتِ، والأخرى: أنَّها لا تكونُ وَصيَّةً أبدًا، وإنَّما هي مِن قِبَلِ الورثةِ عطيَّةٌ وهِبةٌ للموصَى له، على حُكْمِ العطايا والهِباتِ عندَهم. وقدِ اختَلَفَ أصحابُ مالكٍ على هذَينِ القَولينِ أيضًا). ((الاستذكار)) (7/267). وقال: (فإنْ أجازَها الورَثةُ فقدِ اختُلِف في ذلك؛ فذهَبَ جُمهورُ الفقهاءِ المتقدِّمينَ إلى أنَّها جائزةٌ للوارثِ إذا أجازَها له الورثةُ بعدَ موتِ الموصِي، وذهَبَ داودُ بنُ عليٍّ، وأبو إبراهيمَ المُزَنيُّ، وطائفةٌ: إلى أنَّها لا تَجوزُ وإنْ أجازَها الورثةُ). ((التمهيد)) (24/438). .
وذلك للآتي:
1- لأنَّ المانعَ مِن الوَصيَّةِ للوارثِ حقُّ الورَثةِ؛ فإنْ أجازوا ذلك جازَ، وإنْ ردُّوا فهو مَردودٌ [165] يُنظر: ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (14/63). .
2- لأنَّ الورَثةَ إذا أجازوها جازتْ؛ قياسًا على إجازتِهم الزِّيادةَ على الثلُثِ لأجنبيٍّ [166] يُنظر: ((معالم السنن)) للخَطَّابي (4/85)، ((الاستذكار)) لابن عبد البر (7/267). .

انظر أيضا: