موسوعة الآداب الشرعية

خامسًا: الوَصيَّةُ بحَقِّ اللهِ عزَّ وجَلَّ (العباداتِ)


الوَصيَّةُ بالصَّومِ الواجِبِ [167] كقضاءِ رمضانَ، وصَومِ النَّذرِ، والكَفَّاراتِ، وذلك فيما إذا زال عُذرُه وتمكَّنَ مِنَ القَضاءِ ثمَّ تُوُفِّيَ قبْلَ أن يَصومَ.
يجبُ الإيصاءُ بالوَفاءِ عنِ الصَّومِ الواجِبِ [168] نصَّ عليه الحَنفيَّةُ، والمالِكيَّةُ. يُنظر: ((شرح مختصر الطحاوي)) للجَصَّاص (2/446)، ((الكافي)) لابن عبد البر (1/338). ؛ وذلك لأنَّه لم يَصُمْ بعْدَ وُجوبِه عليه؛ فيَلزَمُه أن يُوصِيَ [169] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/104). .
الوَصيَّةُ بإخراجِ الزَّكاةِ
مَن ماتَ وعليه زَكاةٌ واجِبةٌ، تُخرَجُ عنه، سواءٌ أوصَى بذلك أو لم يُوصِ [170] وهذا مَذهبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ -ونَصُّوا على أنَّه إنْ مات بعْدَ إفراكِ الحَبِّ وطِيبِ الثَّمرِ ومَجيءِ السَّاعي فيَجِبُ إخراجُها، سواءٌ أَوْصى بذلك أو لم يُوصِ-، والشَّافعيَّةِ، والحَنابِلةِ. يُنظر: ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/441)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/67)، ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/164، 165). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء: 11] .
ب- مِن السُّنَّةِ
عن ابنِ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما، قالَ: ((جاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالَ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ أُمِّي ماتَت وعلَيها صَومُ شَهرٍ، أَفَأَقضِيهِ عنهَا؟ قالَ: نَعَمْ؛ قالَ: فدَيْنُ اللهِ أحَقُّ أن يُقضَى)) [171] أخرجه البخاريُّ (1953) واللفظُ له، ومسلمٌ (1148). .
وجهُ الدَّلالةِ في الآيةِ والحَديثِ:
أنَّ الزَّكاةَ حقٌّ للهِ تعالَى؛ فهِيَ بمَنزلةِ الدَّيْنِ على المُوصِي، وحقُّ الوَرثةِ إنَّما هو بعْدَ أداءِ الدَّيْنِ [172] يُنظر: ((الكافي)) لابن قُدامة (2/484). .
الوَصيَّةُ بالحَجِّ
1-تصِحُّ الوَصيَّةُ بالحجِّ الواجِبِ بأصلِ الشَّرعِ، ويجِبُ تَنفيذُ الوَصيَّةِ به [173] وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والشَّافعيَّةِ -وعندَهم أنَّ مَن تمكَّنَ مِنَ الحجِّ فمات، يَجِبُ الإحجاجُ مِن تَرِكَتِه، سواءٌ أَوْصى به أمْ لا- والحَنابِلةِ. يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزَّيْلَعي (2/85)، ((منح الجليل)) لعُلَيْش (2/215)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/468)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (2/393). ؛ وذلك لأنَّه حقٌّ واجِبٌ تَصِحُّ الوَصيَّةُ به، فلمْ يَسقُطْ بالمَوتِ، كالدَّيْنِ [174] يُنظر: ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلِح (2/279) و(3/38، 39). .
2-يَجِبُ الحَجُّ عمَّن نَذَرَه إذا أوصَى به [175] وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّةِ ، والمالِكيَّةِ ، والشَّافعيَّةِ ، والحَنابِلةِ. يُنظر: ((العناية)) للبابَرْتي (10/470)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدَّرْدِير)) (2/19)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (4/28)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (2/393). على أنَّ الحنفيَّةَ قد نصُّوا على وُجوبِ الوفاءِ به مِن الثُّلثِ إن أَوْصى به، ونصَّ المالكيَّةُ على تنفيذِ الوَصيَّةِ، سواءٌ كانت الوَصيَّةُ بحجِّ الفَريضةِ أو غيرِ الفريضةِ، ونصَّ الشَّافعيَّةُ على أنَّه يجبُ الإحجاجُ عنه مُطْلَقًا، دونَ اشتِراطِ وصيَّتِه بالحجِّ، نصَّ الحنابلةُ على أنَّ مَن وجَب عليه الحجُّ -وجَب عليه بأصلِ الشَّرعِ، أو أَوْجَبَه على نفْسِه- فتُوفِّيَ قبْلَه؛ وجَب قضاؤُه، وأُخرِج عنه مِن جميعِ مالِه وإن لم يُوصِ به. ؛ وذلك لأنَّه حقٌّ واجِبٌ تَصِحُّ الوَصيَّةُ به؛ فلمْ يَسقُطْ بالمَوتِ، كدَيْنِ الآدمِيِّ [176] يُنظر: ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلِح (2/279). .
3-تصِحُّ الوَصيَّةُ بحَجِّ التَّطوُّعِ [177] وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والشَّافعيَّةِ -في الأظهَرِ عِندَهُم-، والحَنابِلةِ. يُنظر: ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (4/135)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدَّرْدِير)) (2/19)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/69)، ((الإنصاف)) للمَرْداوي (3/291). ؛ وذلك لأنَّه تَصِحُّ النِّيابةُ فيه، فيَصِحُّ الإيصاءُ به [178] يُنظر: ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/69)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (6/89). .
الوَصيَّةُ بالأُضحِيَّةِ
تصِحُّ الوَصيَّةُ بالأُضحِيَّةِ [179] وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والشَّافعيَّةِ، والحَنابِلةِ. يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (8/302)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/226)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/368)، ((مطالب أولي النهى)) للرُّحَيْباني (4/365). ؛ وذلك قِياسًا على الحجِّ؛ فإنَّه إذا أوصَى أن يُضحَّى عنه كان كما لو أوصَى أن يُحَجَّ عنه؛ فإنَّ الأُضحِيَةَ عِبادةٌ بَدَنيَّةٌ مالِيَّةٌ، كالحَجِّ عنه [180] يُنظر: ((جامع المسائل- المجموعة الرابعة)) لابن تيميَّة (ص: 255). .
الوَصيَّةُ بإخراجِ الكفَّاراتِ المالِيَّةِ
تَصِحُّ الوَصيَّةُ بإخراجِ الكفَّاراتِ الماليَّةِ [181] وهذا باتِّفاقِ المَذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والشَّافعيَّةِ، والحَنابِلةِ. على أنَّه عندَ الحنفيَّةِ والمالكيَّةِ والشافعيَّةِ تُخرَجُ مِن الثُّلثِ، وعندَ الحنابلةِ تُخرَجُ مِن رأسِ المالِ، أَوْصى بها أو لم يُوصِ. يُنظر: ((تبيين الحقائق للزَّيْلَعي وحاشية الشلبي)) (6/199)، ((التاج والإكليل)) للمَوَّاق (2/450)، ((روضة الطالبين)) للنووي (6/200) و(11/25)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (2/463). ؛ وذلك لأنَّه حقٌّ واجِبٌ تَصِحُّ الوَصيَّةُ به، فلمْ يَسقُطْ بالمَوتِ، كدَيْنِ الآدمِيِّ [182] يُنظر: ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلِح (2/279). .

انظر أيضا: