موسوعة الآداب الشرعية

فوائِدُ وَمسائِلُ:


1- الوَصيَّةُ بالصَّلاةِ
لا تَصِحُّ الوَصيَّةُ بأنْ يُصلِّيَ عنه أحدٌ؛ وذلك في الجُملةِ [183] وقد حُكيَ في الصَّلاةِ عن المَيتِ خِلافٌ وصَفَه بعضُ العُلماءِ بأنَّه شاذٌّ، قال الماوَرْديُّ: (فأمَّا الصَّلاةُ عن المَيتِ فقد حُكيَ عن عطاءِ بنِ أبي رباحٍ وإسحاقَ بنِ راهَوَيهِ جَوازُه، وهو قولٌ شاذٌّ، تفَرَّدا به عن الجماعةِ). ((الحاوي)) (15/313). ووقع أيضًا خِلافٌ في الصَّلاةِ المَنذورةِ؛ قال البُهُوتي: («إنْ كانت عليه صَلاةٌ مَنذورةٌ» ومات بعْدَ التمكُّنِ «فُعِلَتْ عنه» كالصَّومِ، وتصِحُّ وَصيَّتُه بها). ((كشاف القناع)) (2/336). وقال ابنُ حزمٍ: (فإن كان نَذَر صَلاةً صلَّاها عنه وليُّه، أو صَومًا كذلك، أو حجًّا كذلك، أو عُمرةً كذلك، أو اعتِكافًا كذلك، أو ذِكرًا كذلك، وكلّ برٍّ كذلك؛ فإنْ أبَى الوليُّ استُؤجِر مِن رأسِ مالِه مَن يؤدِّي دَيْنَ الله تعالى قِبَلَه، وهو قولُ أبي سُلَيمانَ وأصحابِنا). ((المحلَّى)) (6/277). ويُستثنَى مِن ذلك رَكْعَتا الطَّوافِ، قال ابنُ العربيِّ: (الصَّلاةُ... لا تَجوزُ النِّيابةُ فيها بحالٍ بإجماعٍ مِنَ الأمَّةِ... إلَّا في ركعتَيِ الطَّوافِ). ((أحكام القرآن)) (3/221). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم: 39] .
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ فِعلَ غَيرِه له ليس مِن سَعيِه؛ فلا يَنتفِعُ به [184] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/212). .
ب- مِن السُّنَّةِ
عن أبي هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ: ((إذا ماتَ الإنسانُ انقَطَع عنهُ عَمَلُه إلَّا مِنْ ثَلاثَةٍ: إلَّا منْ صَدَقةٍ جارِيةٍ، أو عِلمٍ يُنتفَعُ به، أو وَلدٍ صالِحٍ يَدعُو لهـ)) [185] أخرجه مسلم (1631). .
ج- نُقِل الإجماعُ على أنَّ النِّيابةَ لا تدخُلُ في الصَّلاةِ [186] ومِمَّن نَقَل الإجماعَ على ذلك: الطَّبَريُّ، وابنُ حزمٍ، وابنُ بطَّالٍ، وابنُ عبدِ البَرِّ، وابنُ العَربِيِّ، وعِياضٌ، وابنُ رُشدٍ، والقُرطُبيُّ، والقَرَافِيُّ، وابنُ تَيميَّةَ. ونَقَل النَّووِيُّ حِكايةَ الإجماعِ عنِ القاضي وأصحابِه مِنَ الشَّافعيَّةِ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (4/69)، ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 62)، ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (7/118)، ((الاستذكار)) لابن عبد البر (3/340)، ((التمهيد)) لابن عبد البر (9/29)، ((عارضة الأحوذي)) لابن العربي (3/240)، ((أحكام القرآن)) لابن العربي (3/221)، ((إكمال المُعْلِم)) لعياض (4/104)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (2/84)، ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (17/114)، ((الفروق)) للقرافي (2/502)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (30/203)، ((شرح مسلم)) للنووي (8/26). .
وأمَّا التَّعليلُ: فلأنَّها عِبادةٌ بدنيَّةٌ فلا تَقبَلُ النِّيابةُ، بخِلافِ الزَّكاةِ والحَجِّ ونَحوِهما [187] يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/219)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (4/12). ، ولم يَرِدْ دَليلٌ يدُلُّ على جَوازِ النِّيابةِ عنه فيها [188] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/212). .
2-الوَصيَّةُ بالمالِ لِمَن يَقرأُ له القُرآنَ
لا تَصِحُّ الوَصيَّةُ بالمالِ لِمَن يَقرأُ له القُرآنَ بعْدَ مَوتِه [189] وهذا مذهبُ الحَنفيَّةِ، والحَنابِلةِ -وهم يمنعُون الاستِئجارَ على القراءةِ للمَيتِ؛ لأنَّها قُربةٌ، وهذا يقتضي عدَمَ صحَّةِ الوَصيَّةِ به-، واختارَه ابنُ تَيميَّةَ،  والألبانيُّ،  وابنُ بازٍ، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ، وهو الظَّاهرُ مِن قَولِ ابنِ عُثَيمينَ. يُنظر: ((الفتاوى الهندية)) (6/96)، ((الفروع)) لابن مُفلِح (3/431)، ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (4/375)، ((أحكام الجنائز)) للألباني (ص: 256)، ((فتاوى نور على الدرب)) لابن باز (19/430)، ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (9/38)، ((فتاوى نور على الدرب)) لابن عثيمين (6/178)، ((فقه العبادات)) لابن عُثيمين (ص: 106). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيسَ عَليهِ أَمرُنا فهُوَ ردٌّ)) [190] أخرجه البخاريُّ معلَّقًا بصيغة الجَزمِ قبْلَ حديث (2142)، وأخرجه موصولًا مسلمٌ (1718). .
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الوَصيَّةَ بمالٍ لقِراءةِ القُرآنِ للمَيتِ ليس على أمْرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فهو بِدعةٌ، ولم يفعَلْها أحدٌ مِنَ الخُلَفاءِ [191] يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (8/518). .
أمَّا التَّعليلُ: فلأنَّ القارِئَ إذا قرأَ مِن أجْلِ المالِ فلا ثوابَ له؛ فلا شَيءَ له يُهديهِ إلى المَيتِ، وإنَّما يصِلُ إلى المَيتِ العملُ الصَّالِحُ [192] يُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (6/57). .

انظر أيضا: