موسوعة الآداب الشرعية

فوائِدُ ومَسائِلُ مُتَفرِّقةٌ:


1-قال ابنُ حَجَرٍ: (نَقَل ابنُ المُنذِرِ عن أبي ثَورٍ أنَّ المُرادَ بوُجوبِ الوصيَّةِ في الآيةِ والحَديثِ يَختَصُّ بمَن عليه حَقٌّ شَرعيٌّ يخشى أن يَضيعَ على صاحِبِه إن لَم يوصِ به، كَوديعةٍ ودَينٍ للهِ أو لآدَميٍّ... وحاصِلُه يَرجِعُ إلى قَولِ الجُمهورِ: إنَّ الوصيَّةَ غَيرُ واجِبةٍ لعَينِها، وإنَّ الواجِبَ لعَينِه الخُروجُ مِنَ الحُقوقِ الواجِبةِ للغَيرِ، سَواءٌ كانت بتَنجيزٍ أو وصيَّةٍ، ومَحَلُّ وُجوبِ الوصيَّةِ إنَّما هو فيما إذا كان عاجِزًا عن تَنجيزِ ما عليه، وكان لم يَعلَمْ بذلك غَيرُه مِمَّن يَثبُتُ الحَقُّ بشَهادَتِه، فأمَّا إذا كان قادِرًا أو عَلِم بها غَيرُه فلا وُجوبَ.
وعُرِف مِن مَجموعِ ما ذَكَرنا أنَّ الوصيَّةَ قد تَكونُ واجِبةً، وقد تَكونُ مَندوبةً فيمَن رَجا مِنها كَثرةَ الأجرِ، ومَكروهةً في عَكسِه، ومُباحةً فيمَنِ استَوى الأمرانِ فيه، ومُحَرَّمةً فيما إذا كان فيها إضرارٌ) [201] ((فتح الباري)) (5/ 359). .
2-قال الألبانيُّ: (لمَّا كان الغالِبُ على كَثيرٍ مِنَ النَّاسِ في هذا الزَّمانِ الِابتِداعَ في دينِهم، ولا سيَّما فيما يَتَعَلَّقُ بالجَنائِزِ، كان [لا بدَّ] مِن أن يوصيَ المُسلِمُ بأن يُجَهَّزَ ويُدفَنَ على السُّنَّةِ عَمَلًا بقَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6].
ولِذلك كان أصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يوصونَ بذلك، والآثارُ عنهم بما ذَكَرنا كَثيرةٌ...
ولِما سَبَقَ قال النَّوويُّ رَحِمَه اللهُ تعالى في "الأذكارِ": "ويُستَحَبُّ لَه استِحبابًا مُؤَكَّدًا أن يوصيَهم باجتِنابِ ما جَرَتِ العادةُ به مِنَ البِدَعِ في الجَنائِزِ، ويُؤَكِّدَ العَهدَ بذلك") [202] ((أحكام الجنائز)) (ص: 8، 9). ويُنظر: ((الأذكار)) للنووي (ص: 142). .
3- عن عَمرِو بنِ مَيمونٍ، قال: (رَأيتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه قَبلَ أن يُصابَ بأيَّامٍ بالمَدينةِ، وقَف على حُذَيفةَ بنِ اليَمانِ، وعُثمانَ بنِ حُنَيفٍ، قال: كَيف فعَلتُما، أتخافانِ أن تَكونا قد حَمَّلتُما الأرضَ ما لا تُطيقُ؟ قالا: حَمَّلناها أمرًا هيَ لَه مُطيقةٌ، ما فيها كَبيرُ فَضلٍ، قال: انظُرا أن تَكونا حَمَّلتُما الأرضَ ما لا تُطيقُ، قال: قالا: لا، فقال عُمَرُ: لَئِن سَلَّمَني اللهُ لأدَعَنَّ أرامِلَ أهلِ العِراقِ لا يَحتَجنَ إلى رَجُلٍ بَعدي أبَدًا، قال: فما أتَت عليه إلَّا رابِعةٌ حتَّى أُصيبَ، قال: إنِّي لقائِمٌ ما بَيني وبَينَه إلَّا عَبدُ اللَّهِ بنُ عبَّاسٍ غَداةَ أُصيبَ، وكان إذا مَرَّ بَينَ الصَّفَّينِ قال: استَووا، حتَّى إذا لم يَرَ فيهنَّ خَلَلًا تَقَدَّم فكَبَّرَ، ورُبَّما قَرَأ سورةَ يوسُفَ أوِ النَّحلَ أو نَحوَ ذلك في الرَّكعةِ الأولى حتَّى يَجتَمِعَ النَّاسُ، فما هو إلَّا أن كبَّرَ، فسَمِعتُه يَقولُ: قَتَلَني -أو أكَلَني- الكَلبُ! حينَ طَعَنه، فطارَ العِلجُ بسِكِّينٍ ذاتِ طَرَفينِ، لا يَمُرُّ على أحَدٍ يَمينًا ولا شِمالًا إلَّا طَعَنه، حتَّى طَعَن ثَلاثةَ عَشَرَ رَجُلًا، ماتَ مِنهم سَبعةٌ، فلَمَّا رَأى ذلك رَجُلٌ مِنَ المُسلِمينَ طَرح عليه بُرنُسًا، فلَمَّا ظَنَّ العِلجُ أنَّه مَأخوذٌ نَحَر نَفسَه، وتَناوَلَ عُمَرُ يَدَ عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ عَوفٍ فقدَّمَه، فمَن يَلي عُمَرَ فقد رَأى الذي أرى، وأمَّا نَواحي المَسجِدِ فإنَّهم لا يَدرونَ، غَيرَ أنَّهم قد فَقَدوا صَوتَ عُمَرَ، وهم يَقولونَ: سُبحانَ اللَّهِ، سُبحانَ اللَّهِ، فصَلَّى بهم عَبدُ الرَّحمَنِ صَلاةً خَفيفةً، فلَمَّا انصَرَفوا قال: يا ابنَ عبَّاسٍ، انظُرْ مَن قَتَلَني، فجالَ ساعةً ثُمَّ جاءَ فقال: غُلامُ المُغيرةِ، قال: الصَّنَعُ؟! قال: نَعَم، قال: قاتَلَه اللهُ، لَقد أمَرتُ به مَعروفًا، الحَمدُ للهِ الذي لم يَجعَلْ مَيتَتي بيَدِ رَجُلٍ يَدَّعي الإسلامَ، قد كُنتَ أنتَ وأبوكَ تُحِبَّانِ أن تَكثُرَ العُلوجُ بالمَدينةِ -وكان العَبَّاسُ أكثَرَهم رَقيقًا- فقال: إن شِئتَ فَعَلتُ، أي: إن شِئتَ قَتَلْنا؟ قال: كَذَبتَ! بَعدَ ما تَكَلَّموا بلِسانِكُم، وصَلَّوا قِبلَتَكُم، وحَجُّوا حَجَّكُم. فاحتُمِلَ إلى بَيتِه فانطَلَقنا مَعَه، وكَأنَّ النَّاسَ لَم تُصِبْهم مُصيبةٌ قَبلَ يَومَئِذٍ، فقائِلٌ يَقولُ: لا بَأسَ، وقائِلٌ يَقولُ: أخافُ عليه، فأُتِيَ بنَبيذٍ فشَرِبَه، فخَرَجَ مِن جَوفِه، ثُمَّ أُتيَ بلَبَنٍ فشَرِبَه فخَرَجَ مِن جُرحِه! فعَلِموا أنَّه مَيِّتٌ، فدَخَلنا عليه، وجاءَ النَّاسُ، فجَعَلوا يُثنونَ عليه، وجاءَ رَجُلٌ شابٌّ، فقال: أبشِرْ يا أميرَ المُؤمِنينَ ببُشرى اللهِ لَك، مِن صُحبةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقَدَمٍ في الإسلامِ ما قد عَلِمتَ، ثُمَّ وَلِيتَ فعَدَلتَ، ثُمَّ شَهادةٌ، قال: وَدِدتُ أنَّ ذلك كَفافٌ لا عليَّ ولا لي، فلَمَّا أدبَرَ إذا إزارُه يَمَسُّ الأرضَ، قال: رُدُّوا عليَّ الغُلامَ، قال: يا ابنَ أخي، ارفَعْ ثَوبَك؛ فإنَّه أبقى لثَوبِك، وأتقى لرَبِّك، يا عَبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ، انظُرْ ما عليَّ مِنَ الدَّينِ، فحَسَبوه فوجَدوه سِتَّةً وثَمانينَ ألفًا أو نَحوَه، قال: إن وَفَى لَه مالُ آلِ عُمَرَ فأدِّه مِن أموالِهم، وإلَّا فسَلْ في بَني عَدِيِّ بنِ كَعبٍ، فإن لَم تَفِ أموالُهم فسَلْ في قُرَيشٍ، ولا تَعْدُهم إلى غَيرِهم، فأدِّ عنِّي هذا المالَ، انطَلِقْ إلى عائِشةَ أُمِّ المُؤمِنينَ، فقُلْ: يَقرَأُ عليكِ عُمَرُ السَّلامَ، ولا تَقُلْ: أميرُ المُؤمِنينَ؛ فإنِّي لَستُ اليَومَ للمُؤمِنينَ أميرًا! وقُلْ: يَستَأذِنُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ أن يُدفَنَ مَعَ صاحِبَيه، فسَلَّمَ واستَأذَنَ، ثُمَّ دَخَلَ عليها، فوجَدَها قاعِدةً تَبكي، فقال: يَقرَأُ عليكِ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ السَّلامَ، ويَستَأذِنُ أن يُدفَنَ مَعَ صاحِبَيه، فقالت: كُنتُ أُريدُه لنَفسي، ولأوثِرَنَّ به اليَومَ على نَفسي، فلَمَّا أقبَل قيلَ: هذا عَبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ قد جاءَ، قال: ارفَعوني، فأسنَدَه رَجُلٌ إليه، فقال: ما لَدَيك؟ قال: الذي تُحِبُّ يا أميرَ المُؤمِنينَ، أذِنَت، قال: الحَمدُ للَّهِ، ما كان مِن شَيءٍ أهَمُّ إليَّ مِن ذلك، فإذا أنا قَضَيتُ فاحمِلوني، ثُمَّ سَلِّمْ، فقُلْ: يَستَأذِنُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فإن أذِنَت لي فأدخِلوني، وإن رَدَّتني رُدُّوني إلى مَقابِرِ المُسلِمينَ، وجاءَت أُمُّ المُؤمِنينَ حَفصةُ والنِّساءُ تَسيرُ مَعَها، فلَمَّا رَأيناها قُمنا، فولَجَت عليه، فبَكَت عِندَه ساعةً، واستَأذَنَ الرِّجالُ، فولَجَت داخِلًا لَهم، فسَمِعنا بُكاءَها مِنَ الدَّاخِلِ، فقالوا: أوصِ يا أميرَ المُؤمِنينَ، استَخلِفْ، قال: ما أجِدُ أحَدًا أحَقَّ بهذا الأمرِ مِن هَؤُلاءِ النَّفرِ أوِ الرَّهطِ الذينَ توُفِّيَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو عنهم راضٍ، فسَمَّى عَليًّا، وعُثمانَ، والزُّبَيرَ، وطَلحةَ، وسَعدًا، وعَبدَ الرَّحمَنِ، وقال: يَشهَدُكُم عَبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ، ولَيسَ لَه مِنَ الأمرِ شَيءٌ -كَهَيئةِ التَّعزيةِ لَه- فإن أصابَتِ الإمرةُ سَعدًا فهو ذاكَ، وإلَّا فليَستَعِنْ به أيُّكُم ما أُمِّرَ، فإنِّي لَم أعزِلْه عن عَجزٍ ولا خيانةٍ، وقال: أوصي الخَليفةَ مِن بَعدي بالمُهاجِرينَ الأوَّلينَ أن يَعرِفَ لَهم حَقَّهم، ويَحفَظَ لَهم حُرمَتَهم، وأوصيه بالأنصارِ خَيرًا، الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ أن يُقبَلَ مِن مُحسِنِهم، وأن يُعفى عن مُسيئِهم، وأوصيه بأهلِ الأمصارِ خَيرًا؛ فإنَّهم رِدءُ الإسلامِ، وجُباةُ المالِ، وغَيظُ العَدوِّ، وأن لا يُؤخَذَ مِنهم إلَّا فَضلُهم عن رِضاهم. وأوصيه بالأعرابِ خَيرًا؛ فإنَّهم أصلُ العَرَبِ، ومادَّةُ الإسلامِ، أن يُؤخَذَ مِن حَواشي أموالِهم، ويُرَدَّ على فُقَرائِهم، وأوصيه بذِمَّةِ اللهِ، وذِمَّةِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أن يُوفَى لَهم بعَهدِهم، وأن يُقاتَلَ مِن ورائِهم، ولا يُكَلَّفوا إلَّا طاقَتَهم، فلَمَّا قُبِضَ خَرَجنا به، فانطَلَقنا نَمشي، فسَلَّمَ عَبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ، قال: يَستَأذِنُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، قالت: أدخِلوه، فأُدخِلَ، فوُضِعَ هنالِكَ مَعَ صاحِبَيهـ) [203] أخرجه البخاري (3700). .
4- عَن هشامِ بنِ عُروةَ، عَن أبيه، عَن عبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ رَضيَ اللهُ عنهما، قال: (لمَّا وقَف الزُّبَيرُ يَومَ الجَمَلِ دَعاني، فقُمتُ إلى جَنبِه، فقال: يا بُنَيَّ، إنَّه لا يُقتَلُ اليَومَ إلَّا ظالمٌ أو مَظلومٌ، وإنِّي لا أُراني إلَّا سأُقتَلُ اليَومَ مَظلومًا، وإنَّ مِن أكبَرِ هَمِّي لدَيني، أفتُرى يُبقي دَينُنا مِن مالِنا شَيئًا؟ فقال: يا بُنَيَّ بِعْ مالَنا، فاقضِ دَيني، وأوصى بالثُّلُثِ وثُلُثِه لبَنيه -يَعني بَني عبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ- يَقولُ: ثُلثُ الثُّلثِ، فإن فَضلَ مِن مالِنا فضلٌ بَعدَ قَضاءِ الدَّينِ شَيءٌ، فثُلُثُه لولَدِك " -قال هشامٌ: وكان بَعضُ وَلَدِ عَبدِ اللَّهِ قد وازى بَعضَ بَني الزُّبَيرِ، خُبَيبٌ، وعَبَّادٌ، ولَه يَومَئِذٍ تِسعةُ بَنينَ، وتِسعُ بَناتٍ-، قال عَبدُ اللَّهِ: فجَعَلَ يوصيني بدَينِه، ويَقولُ: يا بُنَيَّ إن عَجَزتَ عَنه في شَيءٍ فاستَعِنْ عليه مَولايَ، قال: فواللهِ ما دَرَيتُ ما أرادَ حَتَّى قُلتُ: يا أبَةِ مَن مَولاك؟ قال: اللهُ! قال: فواللهِ ما وقَعتُ في كُربةٍ مِن دَينِه إلَّا قُلتُ: يا مَولى الزُّبَيرِ اقضِ عَنه دَينَه، فيَقضيه، فقُتِل الزُّبَيرُ رَضيَ اللهُ عنه، ولَم يَدَعْ دينارًا ولا دِرهَمًا إلَّا أرَضينَ، مِنها الغابةُ، وإحدى عَشرةَ دارًا بالمَدينةِ، ودارَينِ بالبَصرةِ، ودارًا بالكوفةِ، ودارًا بمِصرَ، قال: وإنَّما كان دَينُه الذي عليه أنَّ الرَّجُلَ كان يَأتيه بالمالِ فيَستَودِعُه إيَّاه، فيَقولُ الزُّبَيرُ: لا، ولَكِنَّه سَلَفٌ؛ فإنِّي أخشى عليه الضَّيعةَ، وما وَليَ إمارةً قَطُّ ولا جِبايةَ خَراجٍ ولا شَيئًا إلَّا أن يَكونَ في غَزوةٍ مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو مَعَ أبي بَكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ رَضيَ اللهُ عنهم، قال عبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ: فحَسَبتُ ما عليه مِنَ الدَّينِ، فوجَدتُه ألْفَي ألفٍ ومِائَتَي ألفٍ! قال: فلَقِيَ حَكيمُ بنُ حِزامٍ عبدَ اللهِ بنَ الزُّبَيرِ، فقال: يا ابنَ أخي، كَم على أخي مِنَ الدَّينِ، فكَتَمَه؟ فقال: مِائةُ ألفٍ، فقال حَكيمٌ: واللهِ ما أُرى أموالَكم تَسَعُ لهذه! فقال له عَبدُ اللَّهِ: أفرَأيتَكَ إن كانت ألْفَي ألفٍ ومِائَتَي ألفٍ؟! قال: ما أُراكُم تُطيقونَ هذا، فإن عَجَزتُم عَن شَيءٍ مِنه فاستَعينوا بي، قال: وكان الزُّبَيرُ اشتَرى الغابةَ بسَبعينَ ومِائةَ ألفٍ، فباعَها عَبدُ اللَّهِ بألفِ ألفٍ وسِتِّمِائةِ ألفٍ! ثُمَّ قامَ فقال: مَن كان له على الزُّبَيرِ حَقٌّ فليُوافِنا بالغابةِ، فأتاه عبدُ اللهِ بنُ جَعفرٍ، وكان له على الزُّبَيرِ أربَعُمِائةِ ألفٍ، فقال لعَبدِ اللَّهِ: إن شِئتُم تَرَكتُها لَكُم، قال عَبدُ اللَّهِ: لا، قال: فإن شِئتُم جَعَلتُموها فيما تُؤَخِّرونَ إن أخَّرتُم؟ فقال عَبدُ اللَّهِ: لا، قال: قال: فاقطَعوا لي قِطعةً، فقال عَبدُ اللَّهِ: لَك مِن هاهنا إلى هاهنا، قال: فباعَ مِنها فقَضى دَينَه فأوفاه، وبَقيَ مِنها أربَعةُ أسهُمٍ ونِصفٌ، فقدِمَ على مُعاويةَ وعِندَه عَمرُو بنُ عُثمانَ، والمُنذِرُ بنُ الزُّبَيرِ، وابنُ زَمعةَ، فقال له مُعاويةُ: كَم قُوِّمَتِ الغابةُ؟ قال: كُلُّ سَهمٍ مِائةَ ألفٍ، قال: كَم بَقيَ؟ قال: أربَعةُ أسهُمٍ ونِصفٌ، قال المُنذِرُ بنُ الزُّبَيرِ: قد أخَذتُ سَهمًا بمِائةِ ألفٍ، قال عَمرُو بنُ عُثمانَ: قد أخَذتُ سَهمًا بمِائةِ ألفٍ، وقال ابنُ زَمعةَ: قد أخَذتُ سَهمًا بمِائةِ ألفٍ، فقال مُعاويةُ: كَم بَقيَ؟ فقال: سَهمٌ ونِصفٌ، قال: قد أخَذتُه بخَمسينَ ومِائةِ ألفٍ، قال: وباعَ عبدُ اللهِ بنُ جَعفَرٍ نَصيبَه مِن مُعاويةَ بسِتِّمِائةِ ألفٍ، فلَمَّا فرَغَ ابنُ الزُّبَيرِ مِن قَضاءِ دَينِه، قال بَنو الزُّبَيرِ: اقسِمْ بَينَنا ميراثَنا، قال: لا، واللَّهِ لا أقسِمُ بَينَكُم حَتَّى أُناديَ بالمَوسِمِ أربَعَ سِنينَ: ألا مَن كان له على الزُّبَيرِ دَينٌ فليَأتِنا فلنَقضِه، قال: فجَعَلَ كُلَّ سَنةٍ يُنادي بالمَوسِمِ، فلَمَّا مَضى أربَعُ سِنينَ قَسَم بَينَهم، قال: فكان للزُّبَيرِ أربَعُ نِسوةٍ، ورَفَعَ الثُّلثَ، فأصابَ كُلَّ امرَأةٍ ألفُ ألفٍ ومِائَتا ألفٍ! فجَميعُ مالِه خَمسونَ ألفَ ألفٍ، ومِائَتا ألفٍ) [204] أخرجه البخاري (3129). .

انظر أيضا: