موسوعة التفسير

سورةُ غافِرٍ
الآيات (82-85)

ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ

غريب الكلمات:

عَاقِبَةُ: عاقبةُ كلِّ شَيءٍ: آخِرُه، أو: ما يُؤدِّي إليه السَّببُ المتقدِّمُ، والعاقبةُ تَختصُّ بالثَّوابِ إذا أُطْلِقتْ، وقدْ تُستعمَلُ في العقوبةِ إذا أُضيفَتْ، وأصلُ (عقب): تَأخيرُ شَيءٍ، وإتيانُه بعْدَ غيرِه .
سُنَّةَ اللَّهِ: السُّنَّةُ: هي الطَّريقةُ المَسلوكةُ والمِنهاجُ المتَّبَعُ، وأصلُ (سنن): يدُلُّ على جَرَيانِ الشَّيءِ، واطِّرادِه في سُهولةٍ .
خَلَتْ: أي: مَضَتْ وذَهبَتْ، مِن خَلا الزَّمانُ: إذا مَضَى وذهَبَ .

المعنى الإجمالي:

يُخبِرُ اللهُ تعالَى عن الأُممِ السَّابقةِ المُكذِّبةِ بالرُّسلِ، وماذا حَلَّ بهم مِن العذابِ، مُوبِّخًا المشركينَ لعدَمِ اعتِبارِهم واتِّعاظِهم، فيَقولُ: أفلَمْ يَسِرْ أولئك المُشرِكونَ مِن قَومِك -يا مُحمَّدُ- في الأرضِ، فيَنظُروا كيْف كانتْ عاقِبةُ الكُفَّارِ مِن قَبْلِهم، فيَعتَبِروا؟! كان كُفَّارُ تلك الأُمَمِ السَّابِقةِ أكثَرَ عَددًا مِن كُفَّارِ قُرَيشٍ، وأشَدَّ قُوَّةً منهم، وأعظَمَ آثارًا في الأرضِ، فما دَفَع عنهم العَذابَ كَثرةُ عَددِهم، ولا شِدَّةُ قُوَّتِهم ولا عِظَمُ آثارِهم!
ثمَّ يَذكُرُ اللهُ تعالَى جُرمَهم الكبيرَ، فيَقولُ: فلمَّا جاءت تلك الأُمَمَ الماضيةَ رُسُلُهم بآياتِ اللهِ الواضِحاتِ فَرِحوا بما عِندَهم مِنَ العِلمِ، ونَزَل بهم عَذابُ اللهِ الذي كانوا يُكذِّبونَ بوُقوعِه ويَسخَرونَ منه، فلمَّا رأَوا عَذابَ اللهِ نازِلًا بهم قالوا: آمَنَّا باللهِ وَحْدَه، وكفَرْنا بالآلِهةِ التي كُنَّا نَعبُدُها مع اللهِ!
ثمَّ يُبيِّنُ تعالَى أنَّ الإيمانَ لا يَنفَعُ إذا نزَل العذابُ، فيقولُ: فلمْ يَنفَعْهم إيمانُهم حينَ رأَوا عَذابَ اللهِ نازِلًا بهم؛ سَنَّ اللهُ عَزَّ وجَلَّ في الكُفَّارِ سُنَّةً: أنَّه لا يَنفَعُهم الإيمانُ إذا رأَوُا العَذابَ، وأنَّ التَّوبةَ لا تُقبَلُ بعْدَ رُؤيةِ العذابِ، وخَسِرَ عندَ مَجيءِ عَذابِ اللهِ الكافِرونَ برَبِّهم!

تفسير الآيات:

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
رَاعَى اللهُ تعالَى تَرْتِيبًا لَطِيفًا فِي آخِرِ هذِه السُّورَةِ؛ وذلك أنَّه ذَكَر فصْلًا في دَلائلِ الإلهِيَّةِ وكَمالِ القُدرةِ والرَّحمةِ والحِكمةِ، ثمَّ أردَفه بفصْلٍ في التَّهديدِ والوَعيدِ، وهذا الفصلُ الَّذي وَقَع عليه خَتْمُ هذه السُّورةِ هو الفصلُ المشتمِلُ على الوَعيدِ .
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.
أي: أفَلَم يَسِرْ أولئك المُشرِكونَ مِن قَومِك -يا مُحمَّدُ- في الأرضِ، فيَنظُروا بأعيُنِهم، ويَتفَكَّروا بقُلوبِهم: كيف كانتْ خاتِمةُ أمرِ الكُفَّارِ الذين مِن قَبْلِهم، فيَعتَبِروا لِرُؤيتِهم آثارَ إهلاكِ اللهِ لهم؛ لِتَكذيبِهم رُسُلَهم ؟!
كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ.
أي: كان كُفَّارُ الأُمَمِ السَّابِقةِ الذين أهلَكَهم اللهُ أكثَرَ عَددًا مِن كُفَّارِ قُرَيشٍ .
وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ.
أي: وكانوا أشَدَّ قُوَّةً مِنهم، وأعظَمَ آثارًا في الأرضِ .
فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ.
أي: فما دَفَع عنهم العَذابَ كَثرةُ عَدَدِهم، ولا شِدَّةُ قُوَّتِهم، ولا عِظَمُ آثارِهم .
فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83).
فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ.
أي: فلَمَّا جاءتْ أولئك الأُمَمَ الماضيةَ رُسُلُهم بآياتِ اللهِ الواضِحاتِ، والبراهينِ القاطِعاتِ، لم يُؤمِنوا بها، وفَرِح هؤلاء الكافِرونَ بما عِندَهم مِنَ العِلمِ، ورضُوا به .
وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ.
أي: ونَزَل وأحاطَ بالكافِرينَ عَذابُ اللهِ الذي كانوا يَسخَرونَ منه ويُكَذِّبونَ بوُقوعِه .
فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84).
فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ.
أي: فلَمَّا رأَوا عَذابَ اللهِ نازِلًا بهم قالوا: آمَنَّا بوَحدانيَّةِ اللهِ، فلا مَعبودَ بحَقٍّ سِواه .
وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ.
أي: وكفَرْنا بالآلِهةِ التي كُنَّا نَعبُدُها، وتبَرَّأْنا منها .
كما قال تعالَى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ * فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [الأعراف: 4، 5].
وقال سُبحانَه: فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ * قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ [الأنبياء: 12 - 15].
فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85).
فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا.
أي: فلمْ يَنفَعْهم إيمانُهم بتَوحيدِ اللهِ حِينَ رأَوْا عذابَه نازِلًا بهم !
كما قال تعالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ [الأنعام: 158] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [النساء: 18] .
سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ.
أي: سَنَّ اللهُ تعالى أنَّه لا يَقبَلُ تَوبةَ الكافِرينَ حينَ نُزولِ العَذابِ، ولا يَنفَعُهم إيمانُهم في تِلك الحالِ، وقدْ مَضَت هذه السُّنةُ والطريقةُ في عِبادِه .
وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ.
أي: وهلَكَ عِندَ مَجيءِ عَذابِ اللهِ الكافِرونَ برَبِّهم، المُشرِكونَ في عِبادتِه، فما رَبِحَت تجارتُهم .

الفوائد التربوية:

1- مَن تَرَك الانقيادَ للحَقِّ لأجْلِ طَلَبِ الرِّياسةِ، والتَّقَدُّمِ على الغيرِ في المالِ والجاهِ؛ فقدْ باع الآخِرةَ بالدُّنيا، فبَيَّنَ اللهُ تعالَى أنَّ هذه الطَّريقةَ فاسِدةٌ؛ لأنَّ الدُّنيا فانيةٌ ذاهِبةٌ، واحتَجَّ عليه بقَولِه تعالَى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ .
2- قولُه تعالَى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فيه الحَثُّ على النَّظرِ في أحوالِ الأُممِ السابقةِ؛ وجْهُ الدَّلالةِ: أنَّ اللهَ وَبَّخَهُم على عدَمِ السَّيرِ، والسَّيرُ في الأرضِ لا بدَّ أنْ يَصحَبَه النَّظرُ والاعتبارُ؛ وإلَّا فإنَّه لا يَنفَعُ، ويَتفرَّعُ على هذا ما يَفعَلُه كَثيرٌ مِن النَّاسِ اليومَ مِن السَّيرِ إلى دِيارِ ثَمودَ للاطِّلاعِ على آثارِ القومِ الدَّالَّةِ على قُوَّتِهم! أو يَذهَبون للفُرجةِ والنُّزهةِ فقطْ دونَ أنْ يعتَبِروا، وهذا لا يَجوزُ، فالواجبُ على مَن سار إلى تلك الدِّيارِ أنْ يَدْخُلَها وهو باكٍ؛ لقولِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((فإنْ لم تَكونوا باكِينَ فلا تَدخُلوا عليهم )) ، ولا يَنفَعُ التَّباكي؛ فإنَّه لم يَقُلْ: (فتَبَاكَوْا)! ومَن لم يُوَطِّنْ نفْسَه على هذا الوَصفِ فإنَّه لا يَجوزُ له أنْ يَدخُلَ .
3- قال اللهُ تعالَى: فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ، هذه الآيةُ مُرشِدةٌ إلى أنَّه لا يَتعَلَّمُ إلَّا مَن ظَنَّ مِن نَفسِه القُصورَ؛ ولهذا كان أقبَلَ شَيءٍ على العِلمِ الصِّغارُ .
4- قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ في قولِه تعالى: بِالْبَيِّنَاتِ أنَّ آياتِ الرُّسُلِ بَيِّنَةٌ لا تَحْتَمِلُ الشَّكَّ، ويَتَفَرَّعُ على ذلك أنَّه يَنْبغي للعالِمِ الذي يَنْشُرُ شَريعةَ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ إذا نَشَرَها بيْنَ الناسِ أنْ يكونَ نَشْرُه إيَّاها على وجْهٍ بَيِّنٍ لا اشتباهَ فيه؛ أوَّلًا: اقتداءً بالرُّسُلِ، وثانيًا: لِيزدادَ المخاطَبُ طُمأنينةً؛ لأنَّ الطُّمأنينةَ لها أثَرٌ في قَبولِ ما يُلْقَى وفي القيامِ به؛ فإنَّ الإنسانَ إذا لم يُبَيَّنْ له الحقُّ على وجْهٍ تَحْصُلُ به الطُّمأنينةُ قدْ يَحصُلُ له تردُّدٌ؛ لكنْ إذا زِيدَ طُمأنينةً انْتَفَع بذلك .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- في قولِه تعالَى: فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ أنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالَى أرْسَلَ الرُّسلَ بالآياتِ البيِّناتِ الدَّالَّةِ على صِدْقِهم، ويَتَفَرَّعُ على هذا فائدتانِ؛ وهما: رَحمةُ اللهِ بالعِبادِ، وحِكمةُ اللهِ تعالَى في فِعْلِه؛ أمَّا رَحمةُ اللهِ بالعِبادِ فلأنَّ اللهَ تعالَى لوْ أرسَلَ إليهم رُسلًا بدونِ آياتٍ، لكان في ذلك تَكليفٌ بما لا يُطاقُ؛ لأنَّ الإنسانَ لا يُمكِنُ أنْ يُصَدِّقَ برَسولٍ بدونِ آياتٍ تدُلُّ على صِدْقِه، وإلَّا لأمْكَنَ كلَّ كاذبٍ أنْ يقولَ: إنَّه رسولٌ! وأمَّا الحِكمةُ فظاهرةٌ أنَّ اللهَ سُبحانه وتعالَى لمّا أَرْسَلَ الرُّسُلَ لم يَتْرُكْهم هَمَلًا! بلْ أعطاهم ما على مثلِه يُؤمِنُ البشرُ، كما أخبَرَ بذلك نَبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((ما مِن الأنبياءِ مِن نَبيٍّ إلَّا قدْ أُعطِيَ مِن الآياتِ ما مِثلُه آمَنَ عليه البشرُ ))، والذي أُوْتِيَه الرَّسولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ هو الوحيُ؛ القرآنُ؛ ولهذا قال: ((فأرْجو أنْ أكونَ أكثَرَهم تابِعًا يومَ القيامةِ )) ؛ لأنَّ القرآنَ آيةٌ باقيةٌ إلى يومِ القِيامةِ، أو إلى أنْ يَأْذَنَ اللهُ تعالى بفَسَادِ العالَمِ، أمَّا آياتُ الرُّسُلِ فغالِبُها تَنْقضي في زمانِها .
2- في قولِه تعالَى: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا أنَّ التَّوبةَ مَقْبولةٌ -ولو في شِدَّةِ مَرضِ الموتِ- حتَّى يَصِلَ الإنسانُ إلى المعايَنةِ؛ فلا تُقبَلُ توبتُه ؛ فقدْ بيَّن تعالَى أنَّ التَّوبةَ بعْدَ رُؤيةِ البَأْسِ لا تَنْفَعُ، وأنَّ هذه سُنَّةُ اللهِ التي قدْ خَلَتْ في عِبادِه ، وبيَّن أنَّ الإيمانَ النَّافِعَ الذي يُنَجِّي صاحِبَه هو الإيمانُ الاختياريُّ الذي يكونُ إيمانًا بالغَيبِ، وذلك قبْلَ وُجودِ قَرائنِ العَذابِ ، وفيه حَضٌّ على المبادَرةِ إلى الإيمانِ، وتَخويفٌ مِن التَّأنِّي .
3- في قولِه تعالَى: وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ مع ما سَبَقَ: وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ [غافر: 78] بَيانُ أنَّ كلَّ كافرٍ فهو مُبْطِلٌ ليْس معه حقٌّ، وكلَّ مُبْطِلٍ -لا يَقولُ إلَّا الباطِلَ- فهو كافِرٌ، أي: أنَّ المُبْطِلَ في كلِّ أحْوالِه كافرٌ ليْس معه شَيءٌ مِن الحقِّ؛ فاختلافُ التَّعبيرِ لزِيادةِ المعنى .
4- في قولِه تعالَى: وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ظُهورُ الخُسرانِ لهؤلاء المُكَذِّبِينَ قبْلَ أنْ يَموتوا؛ لقولِه: وَخَسِرَ هُنَالِكَ، أي: حينَ جاءَهم البأسُ تَبَيَّنَ لهم الخُسرانُ .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
- قولُه: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَلامٌ مُستأنفٌ مَسوقٌ للشُّروعِ في تَوبيخِهم، والهَمزةُ في أَفَلَمْ للاستِفهامِ الإنكاريِّ التَّوبيخيِّ .
- وتَفريعُ هذا الاستِفهامِ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ عقِبَ قولِه: وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ [غافر: 81] ؛ يَقْتضي أنَّه مُساوِقٌ للتَّفريعِ الذي قبْلَه، وهو فَأَيَّ آَيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ [غافر: 81] ؛ فيَقْتضي أنَّ السَّيرَ المُستفهَمَ عنه بالإنكارِ على تَرْكِه هو سيْرٌ تَحصُلُ فيه آياتٌ ودَلائلُ على وُجودِ اللهِ ووَحْدانيَّتِه، وكِلَا التَّفريعينِ مُتَّصِلٌ بقولِه: وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ [غافر: 80] ، فذلك هو مُناسَبةُ الانتقالِ إلى التَّذكيرِ بعِبرةِ آثارِ الأُمَمِ التي استأْصَلَها اللهُ تعالَى لَمَّا كذَّبَت رُسلَه، وجَحَدتْ آياتِه ونِعَمَه. وحصَلَ بذلك تَكريرُ الإنكارِ الذي في قولِه قبْلَ هذا: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا ... [غافر: 21] الآيةَ؛ فكان ما تَقدَّمَ انتقالًا عقِبَ آياتِ الإنذارِ والتَّهديدِ، وكان هذا انتقالًا عَقِبَ آياتِ الامتنانِ والاستدلالِ، وفي كِلا الانتقالَينِ تَذكيرٌ وتَهديدٌ ووَعيدٌ، وهو يُشِيرُ إلى أنَّهم إنْ لم يَكونوا ممَّن تَكُفُّهم النِّعَمُ عن كُفرانِ مُسْدِيها، كشأْنِ أهلِ النُّفوسِ الكريمةِ، فلْيَكونوا ممَّن يَردَعُهم الخوفُ مِن البطْشِ كشأْنِ أهلِ النُّفوسِ اللَّئيمةِ، فلْيَضَعوا أنفُسَهم حيثُ يَختارون مِن إحْدى الخُطَّتَينِ .
- وفيه مُناسَبةٌ حَسَنةٌ، حيثُ قال هنا: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ...، وقال قبْلُ في نفْسِ السُّورةِ: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ... [غافر: 21] ؛ فخُولِفَ في عَطْفِ جُملةِ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ...، فعُطِفَت بالفاءِ للتَّفريعِ؛ لِوُقوعِها بعْدَما يَصلُحُ لأنْ يُفرَّعَ عنه إنكارُ عَدَمِ النَّظرِ في عاقبةِ الذين مِن قبْلِهم، بخِلافِ نَظيرتِها التي قبْلَها؛ فقدْ وقَعَتْ بعْدَ إنذارِهم بيَومِ الآزفةِ .
- وقولُه: كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً ... إلخ، استِئنافٌ مَسوقٌ لِبَيانِ مَبادِي أحوالِ الأُمَمِ السَّابقةِ وعَواقِبِها .
- وجُملةُ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ مُعترِضةٌ، والفاءُ للتَّفريعِ على قولِه: كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ، وفائدةُ هذا الاعتراضِ التَّعجيلُ بإفادةِ أنَّ كَثرتَهم وقُوَّتَهم، وحُصونَهم وجنَّاتِهم؛ لم تُغْنِ عنهم مِن بأْسِ اللهِ شيئًا .
- وأيضًا في قولِه: فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ... [غافر: 82- 85] جاءتِ الفاءُ، ثمَّ تَرادَفَت بعْدَها فاءاتٌ؛ فأمَّا قولُه تعالى: فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ فهو نَتيجةُ قولِه: كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ، وأمَّا قولُه: فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فجارٍ مَجْرى البَيانِ والتَّفسيرِ لقولِه تعالَى: فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ، كقولِك: رُزِقَ زيْدٌ المالَ، فمنَعَ المعروفَ، فلمْ يُحسِنْ إلى الفُقراءِ، وقولُه: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا تابعٌ لِقولِه: فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ؛ كأنَّه قال: فكَفَروا، فلمَّا رَأَوا بأْسَنا آمَنوا، وكذلك فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ تابعٌ لإيمانِهم لَمَّا رَأَوا بأْسَ اللهِ .
2- قولُه تعالَى: فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
- جُملةُ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ... الآيةَ، مُفرَّعةٌ على جُملةِ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ، أي: كانوا كذلك إلى أنْ جاءتْهم رُسلُ اللهِ إليهم بالبيِّناتِ، فلمْ يُصدِّقوهم فرَأَوا بأْسَنا .
- وأفادَتْ (لَمَّا) في قولِه: فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ معنى أنَّ اللهَ لم يُغيِّرْ ما بهم مِن النِّعَمِ العُظْمى حتَّى كذَّبوا رُسلَه؛ لِما فيها مِن معنَى التَّوقيتِ .
- والفرَحُ هنا مُكنًّى به عن آثارِه، وهي الازدهاءُ، كما في قولِه تعالَى: إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ [القصص: 76] ، أي: بما أنْت فيه، مُكنًّى به هنا عن تَمسُّكِهم بما همْ عليه؛ فالمعنَى: أنَّهم جادَلوا الرُّسلَ، وكابَروا الأدلَّةَ .
- وفي قولِه: فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ما يُعرَفُ في البَلاغةِ بالتَّهكُّمِ، وهو الاستِهزاءُ والسُّخريةِ مِن المتكبِّرينَ لِمُخاطَبتِهم بلَفظِ الإجلالِ في مَوضعِ التَّحقيرِ، والبِشارةِ في مَوضعِ التَّحذيرِ، والوَعدِ في مَوضعِ الوَعيدِ، والعِلمِ في مَوضعِ الجَهلِ؛ تَهاوُنًا مِن القائلِ بالمقولِ له، واستِهزاءً به .
- وقولُه: وَحَاقَ بِهِمْ أي: أحاطَ، وهو هنا مُعبَّرٌ به عن الشِّدَّةِ الَّتي لا تَنْفيسَ بها؛ لأنَّ المُحِيطَ بشَيءٍ لا يَدَعُ له مَفْرَجًا .
- وفي ذِكرِ فِعلِ الكونِ في قولِه: وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ تَنبيهٌ على أنَّ الاستهزاءَ بوَعيدِ الرُّسلِ كان شِنْشنةً -أي: عادةً مُستقِرَّةً- لهم. وفي الإتيانِ بالفِعلِ يَسْتَهْزِئُونَ مُضارِعًا إفادةٌ لِتَكرُّرِ استِهزائِهم .
- وهذِه الآيةُ مِن الاحتِباكِ: إثباتُ الفَرَحِ أولًا دَليلٌ على حذْفِ ضِدِّه ثانيًا، وإثباتُ الاستهزاءِ ثانيًا دليلٌ على حذْفِ مِثلِه أولًا .
3- قولُه تعالَى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ
- مَوقعُ جُملةِ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا مِن قولِه: فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ [غافر: 83] كمَوقعِ جُملةِ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِن قولِه: كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ [غافر: 82] ، وهو التَّفريعُ عليها؛ لأنَّ إفادةَ (لَمَّا) معْنى التَّوقيتِ يُثِيرُ معْنى تَوقيتِ انتِهاءِ ما قبْلَها، أي: دامَ دُعاءُ الرُّسلِ إيَّاهم، ودامَ تَكذيبُهم واستِهْزاؤهم إلى أنْ رَأَوا بأْسَنا، فلمَّا رَأَوا بأْسَنا قالوا: آمنَّا باللهِ وحْدَه .
- والبأْسُ في قولِه: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ هو العذابُ الخارقُ للعادةِ المنذِرُ بالفَناءِ؛ فإنَّهم لَمَّا رَأَوه عَلِموا أنَّه العذابُ الذي أُنذِروه، وفُرِّعَ عليه قولُه: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا، أي: حِين شاهَدوا العذابَ لم يَنفَعْهم الإيمانُ؛ لأنَّ اللهَ لا يَقبَلُ الإيمانَ عندَ نُزولِ عَذابِه، وعُدِلَ عن أنْ يُقالَ: (فلمْ يَنفَعْهم)، إلى قولِه: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ؛ لِدَلالةِ فِعلِ الكونِ على أنَّ خبَرَه مُقرَّرُ الثُّبوتِ لاسْمِه، فلمَّا أُرِيدَ نفْيُ ثُبوتِ النَّفعِ إيَّاهم بعْدَ فَواتِ وَقتِه، اجتُلِبَ لذلك نَفْيُ فِعلِ الكونِ الذي خبَرُه يَنْفَعُهُمْ، والمعنَى: أنَّ الإيمانَ بعْدَ رُؤيةِ بَوارقِ العذابِ لا يُفِيدُ صاحبَه، مِثلُ الإيمانِ عندَ الغَرْغرةِ، ومِثلُ الإيمانِ عندَ طُلوعِ الشَّمْسِ مِن مَغرِبِها .
- وجُملةُ سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ مُستأنفةٌ استِئنافًا بَيانيًّا جَوابًا لِسُؤالِ مَن يَسأَلُ: لماذا لم يَنفَعْهم الإيمانُ وقدْ آمَنوا؟ فالجوابُ: أنَّ ذلك تَقديرٌ قدَّرَه اللهُ للأُمَمِ السَّالفةِ، أعْلَمَهم به وشرَطَهُ عليهم؛ فهي قَديمةٌ في عِبادِه، لا يَنفَعُ الكافرَ الإيمانُ إلَّا قبْلَ ظُهورِ البأْسِ .
- وجُملةُ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ كالفَذْلكةِ لقولِه: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا، وبذلك آذنَتْ بانتهاءِ الغرَضِ مِن السُّورةِ .
- وهُنَالِكَ اسمُ إشارةٍ إلى مَكانٍ، عُبِّرَ به عن الإشارةِ إلى الزَّمانِ، أي: خَسِروا وقْتَ رُؤيتِهم بأْسَنا؛ إذ انقضَتْ حياتُهم وسُلطانُهم، وصاروا إلى تَرقُّب عَذابٍ خالدٍ مُستقبَلٍ .
- والعُدولُ عن ضَميرِ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً [غافر: 21] إلى الاسمِ الظَّاهرِ -وهو الْكَافِرُونَ- إيماءٌ إلى أنَّ سَببَ خُسرانِهم هو الكفْرُ باللهِ، وذلك إعذارٌ للمُشركينَ مِن قُريشٍ .
- وقد الْتَفَّ آخرُ هذه السُّورةِ -بما بُيِّن مِن كمالِ العِزَّةِ، وتمامِ القدرةِ، وشُمولِ العِلمِ ممَّا رتِّب مِن أسبابِ الهداية والإضلالِ، والإشقاءِ والإسعادِ، والنَّجاةِ والإهلاكِ- بأوَّلِها أيَّ التفافٍ، واكتَنَفت البدايةُ والنِّهايةُ بيانَ ذلك معَ ما اشْتَمل عليه الوسطُ أيضًا منه أعظمَ اكتنافٍ؛ فسبحانَ مَن هذا إنزالُه، وتبارَك اسمُه، وجل جلاله .