موسوعة التفسير

سورةُ الصَّافَّاتِ
الآيات (123-132)

ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ

غَريبُ الكَلِماتِ:

بَعْلًا: أي: رَبًّا، أو: هو اسمُ صنمٍ، والبَعْلُ: المالِكُ والسَّيِّدُ والرَّبُّ، ومنه سُمِّيَ الزَّوجُ بَعلًا، وأصلُ (بعل) هنا: يدُلُّ على الصَّاحِبِ [850] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 374)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 122)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/264)، ((البسيط)) للواحدي (19/99)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 322). .
وَتَذَرُونَ: أي: تَترُكونَ، وتَدَعُونَ، يُقالُ: فُلانٌ يَذَرُ الشَّيءَ، أي: يَقذِفُه؛ لقِلَّةِ اعتِدادِه به [851] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/630)، ((المفردات)) للراغب (ص: 862)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 989). .

المعنى الإجماليُّ:

يقولُ تعالى: وإنَّ إلياسَ لَمِن جُملةِ المُرسَلينَ، إذ قال لِقَومِه: ألا تتَّقونَ اللهَ تعالى؟! أتَعْبُدونَ صنمًا، وتَجعلونه ربًّا، وتَترُكونَ عِبادةَ اللهِ أحسَنِ الخالِقينَ؛ رَبِّكم ورَبِّ آبائِكم الأوَّلينَ؟! فكذَّبَه قَومُه فإنَّهم لَمُحضَرونَ العذابَ، إلَّا عِبادَ اللهِ الَّذين أخلَصَهم اللهُ تعالى له؛ فإنَّهم ناجونَ مِن العَذابِ. وأثنَيْنا على إلياسَ بالذِّكرِ الجَميلِ الباقي فيمَن يأتي مِن بَعدِه؛ سَلامٌ عـلى «إل ياسين»، مِثلَ ذلك الجزاءِ الَّذي جزَينا به «إل ياسينَ» نَجزي كلَّ مَن كان مُحسِنًا. إنَّ إلياسَ مِن عِبادِنا المؤمِنينَ.

تَفسيرُ الآياتِ:

وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أُتْبِعَ الكلامُ على رُسلٍ ثلاثةٍ أصحابِ الشَّرائعِ: نوحٍ، وإبراهيمَ، ومُوسى؛ بالخبَرِ عن ثلاثةِ أنبياءَ: إلياسَ، ولُوطٍ، ويُونسَ، وما لَقُوه مِن قَومِهم؛ وذلك كلُّه شَواهدُ لِتَسليةِ الرَّسولِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقَوارعُ مِن الموعظةِ لِكُفَّارِ قُريشٍ [852] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/165، 166). .
وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123).
أي: وإنَّ إلياسَ لَرَسولٌ مِن جُملةِ رُسُلِ الله تعالى [853] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/612)، ((تفسير القرطبي)) (15/115)، ((تفسير السعدي)) (ص: 707). قال الرسعني: (قال عامةُ المفسرينَ وأهلِ العلمِ بالتاريخِ: هو نبيٌّ مِن أنبياءِ بني إسرائيلَ). ((تفسير الرسعني)) (6/416). وقال البِقاعي: (كان أحدَ بني إسرائيلَ عندَ جميعِ المفَسِّرينَ إلَّا ابنَ مَسعودٍ وعِكْرِمةَ، وهو مِن سِبْطِ لاوِي، ومِن أولادِ هارونَ عليه السَّلامُ). ((نظم الدرر)) (16/283). وقال ابنُ عاشور: (إلياسُ هو إيلياءُ، مِن أنبياءِ بني إسرائيلَ التَّابِعينَ لِشَريعةِ التَّوراةِ). ((تفسير ابن عاشور)) (23/166). ورُويَ عن ابنِ مَسعودٍ أنَّ إلياسَ هو إدريسُ، وقاله عِكرَمةُ. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (15/115). .
إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124).
أي: حينَ قال لِقَومِه: ألا تَجعَلونَ بيْنَكم وبيْنَ سَخَطِ اللهِ وعَذابِه حاجِزًا، بعبادتِه وَحْدَه لا شريكَ له [854] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/612)، ((تفسير القرطبي)) (15/116)، ((تفسير ابن كثير)) (7/37)، ((تفسير السعدي)) (ص: 707)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/166)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصافات)) (ص: 273). قيل: إِذْ ظَرفٌ مُتعَلِّقٌ بـ الْمُرْسَلِينَ، أي: حِينَ قالَ لقومِه... وممَّن قال بذلك: ابنُ جرير، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/612)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/166). قال ابن عاشور: (أي: إنَّه مِن حينِ ذلك القَولِ كان مُبَلِّغًا رِسالةَ اللهِ تعالى إلى قَومِه). ((تفسير ابن عاشور)) (23/166). وقيل: إِذْ ظَرفٌ لفِعلٍ محذوفٍ تَقديرُه: اذكُرْ. أي: اذكُرْ يا محمَّدُ. وممَّن قال بهذا: الواحديُّ، والرازي، والنيسابوري. يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (19/97)، ((تفسير الرازي)) (26/353)، ((تفسير النيسابوري)) (5/574). ممن اختار أنَّ المعنى: ألا تَتَّقون الله: ابنُ جرير، وجلال الدين المحلي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/612)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 595). وقال السمرقندي: (اللفظُ لفظُ الاستفهامِ، والمرادُ به الأمرُ. يعني: اتَّقوا الله تعالى). ((تفسير السمرقندي)) (3/151). وممن اختار أنَّ المعنى: ألا تَتَّقون عذابَ الله: البيضاوي، وأبو السعود، والشوكاني، والقاسمي. يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/17)، ((تفسير أبي السعود)) (7/203)، ((تفسير الشوكاني)) (4/469)، ((تفسير القاسمي)) (8/225). وممن اختار أنَّ المعنى ألا تخافونَ الله: الواحدي، والسمعاني، وابن الجوزي، والرازي، والنسفي، وابن كثير، والشربيني. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (3/531)، ((تفسير السمعاني)) (4/411)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/550)، ((تفسير الرازي)) (26/353)، ((تفسير النسفي)) (3/135)، ((تفسير ابن كثير)) (7/37)، ((تفسير الشربيني)) (3/392). واختار ابنُ عثيمينَ أنَّه حُذِف مفعولُ تَتَّقُونَ ليعمَّ، فيشملَ المعنى: ألا تَتَّقونَ الله، ألا تَتَّقونَ النار، ألا تَتَّقونَ يومَ الحسابِ. يُنظر: ((تفسيرابن عثيمين- الصافات)) (ص:273). ؟!
أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا خَوَّفَهم أوَّلًا على سَبيلِ الإجمالِ؛ ذكَرَ ما هو السَّبَبُ لذلك الخَوفِ، فقال [855] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/353). :
أَتَدْعُونَ بَعْلًا.
أي: أتَعْبُدون صنمًا مِن دونِ الله، وتَجعلونه رَبًّا [856] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/612)، ((إعراب القرآن)) للنحاس (3/294)، ((تفسير القرطبي)) (15/116)، ((تفسير ابن كثير)) (7/37)، ((تفسير السعدي)) (ص: 707)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/166). قيل: بَعْلًا أي: ربًّا. وممَّن اختاره: ابنُ جُزَي، وابن عادل، ونسَبَه الواحديُّ للأكثَرينَ مِن المفسِّرينَ. يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/197)، ((تفسير ابن عادل)) (16/340)، ((البسيط)) للواحدي (19/98). وممَّن قال مِن السَّلفِ بهذا القولِ: ابنُ عبَّاسٍ في روايةٍ عنه، وقَتادةُ، والسُّدِّيُّ، وعِكْرِمةُ، ومجاهدٌ. يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (2/840)، ((تفسير ابن جرير)) (19/612)، ((الدر المنثور)) للسيوطي (7/119). قال البِقاعي: (أَتَدْعُونَ بَعْلًا أي: إلهًا وربًّا، وهو صنمٌ كان لهم في مدينةِ بَعْلَبَكَّ... ويحتملُ أن يكونَ علَمًا على الصَّنمِ المذكورِ، فيكونَ المفعولَ الثَّانيَ مَنْويًّا، وحُذِف لِيُفهِمَ الدُّعاءَ الَّذي لا دُعاءَ يُشبِهُه، وهو الدُّعاءُ بالإلهيَّةِ). ((نظم الدرر)) (16/284). وقيل: هو اسمُ صَنَمٍ لهم كانوا يَعبُدونَه. وممَّن قال بهذا القَولِ: القرطبي، وجلال الدين المحلي، والعُلَيمي، والشوكاني، والسعدي، وابن عاشور. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (15/116)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 595)، ((تفسير العليمي)) (5/542)، ((تفسير الشوكاني)) (4/469)، ((تفسير السعدي)) (ص: 707)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/166). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاسٍ في روايةٍ عنه، والحسَنُ، والضَّحَّاكُ، وزَيدُ بنُ أسْلَمَ، وابنُ زَيدٍ. يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (2/840)، ((تفسير ابن جرير)) (19/614)، ((تفسير ابن كثير)) (7/37)، ((الدر المنثور)) للسيوطي (7/119). قال القرطبي: (وبذلك سُمِّيَت مَدينتُهم: بَعلَبَكَّ). ((تفسير القرطبي)) (15/116). وقال مقاتل: (أَتَدْعُونَ بَعْلًا أتَعْبُدون ربًّا، بِلُغةِ اليمَنِ الإلهُ يُسمَّى بعلًا، وكان صنَمًا مِن ذهبٍ ببَعْلَبَكَّ بأرضِ الشَّامِ، فكسَرَه إلياسُ). ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/617). وقال النَّحَّاسُ: (عن ابنِ عبَّاسٍ: أَتَدْعُونَ بَعْلًا قال: صنَمًا. وروَى عطاءُ بنُ السَّائبِ عن عِكْرِمةَ عن ابنِ عبَّاسٍ: أَتَدْعُونَ بَعْلًا قال: ربًّا. قال أبو جعفرٍ: [أي: النَّحَّاسُ]: القولانِ صَحيحانِ، أي: تَدْعون صنَمًا عَمِلْتُموه ربًّا). ((إعراب القرآن)) (3/294). ؟!
وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ.
أي: وتَترُكونَ عِبادةَ اللهِ أحسَنِ الخالِقينَ، المُستَحِقِّ للعِبادةِ وَحْدَه لا شَريكَ له [857] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/612)، ((تفسير السمرقندي)) (3/151)، ((تفسير ابن كثير)) (7/37)، ((تفسير السعدي)) (ص: 707). قال الماوَرْدي: (فيه وَجْهانِ؛ أحدُهما: مَن قيلَ له: خالِقٌ. الثَّاني: أحسَنُ الصَّانِعينَ؛ لأنَّ النَّاسَ يَصنَعونَ ولا يَخلُقونَ). ((تفسير الماوردي)) (5/65). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/612)، ((الهداية)) لمكِّي (9/6155)، ((المفردات)) للراغب (ص: 296)، ((تفسير ابن عطية)) (4/484)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/258)، ((تفسير القرطبي)) (15/117)، ((تفسير ابن جزي)) (2/49). ؟!
اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا عابَهم على عبادةِ غيرِ اللهِ؛ صرَّحَ بالتَّوحيدِ، ونَفيِ الشُّرَكاءِ [858] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/354). .
اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126).
أي: أتَترُكونَ عِبادةَ رَبِّكم المحسِنِ إليكم، ورَبِّ آبائِكم الَّذين مِن قَبلِكم [859] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/618)، ((تفسير السمرقندي)) (3/151)، ((البسيط)) للواحدي (19/99)، ((تفسير ابن كثير)) (7/37)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/285، 286). ؟!
فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127).
أي: فكذَّب قَومُ إلياسَ رَسولَهم، فهم مُحضَرونَ في العَذابِ قَهرًا وكَرهًا [860] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/618)، ((تفسير القرطبي)) (15/118)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/286)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/169). .
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128).
أي: إلَّا عِبادَ اللهِ مِن قَومِ إلياسَ ممَّن أخلَصَهم اللهُ له، واستخلَصَهم مِنَ الكُفرِ، واختارَهم لخاصَّةِ رَحمتِه، فآمَنوا باللهِ ورَسولِه، وأخلَصوا له أعمالَهم؛ فإنَّهم مُنجَّونَ مِن العَذابِ [861] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/618)، ((الهداية)) لمكِّي (9/6155)، ((تفسير القرطبي)) (15/118)، ((تفسير السعدي)) (ص: 707)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/129)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصافات)) (ص: 278). .
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (129).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا جاهَدَ في اللهِ تعالى، وقام بما يجِبُ عليه مِن حُسنِ الثَّناءِ؛ جازاه سُبحانَه [862] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/286). .
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (129).
أي: وأثنَيْنا على إلياسَ وأنعَمْنا عليه بالذِّكرِ الجَميلِ والثَّناءِ الباقي في الَّذين يَأتُونَ مِن بَعدِه [863] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/618)، ((الوسيط)) للواحدي (3/527)، ((تفسير الزمخشري)) (4/48)، ((تفسير القرطبي)) (15/112)، ((الجواب الصحيح)) لابن تيمية (6/388)، ((جلاء الأفهام)) لابن القيم (ص: 457 - 462)، ((تفسير ابن كثير)) (7/37)، ((تفسير السعدي)) (ص: 707). .
سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130).
القِراءاتُ ذاتُ الأثَرِ في التَّفسيرِ:
1- قِراءةُ آلِ يَاسِينَ بفَتحِ الهَمزةِ ومَدِّها، وبَعْدَها لامٌ مَكسورةٌ، فتكونُ (آل) كَلِمةً مضافةً إلى (ياسين)، والمرادُ آلُ إلياسَ: وهم أتْباعُه. وقيل: أهلُه [864] قرأ بها نافِعٌ، وابنُ عامرٍ، ويَعقوبُ. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/360). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((معاني القراءات)) للأزهري (2/322)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 610)، ((جلاء الأفهام)) لابن القيم (ص: 208)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/170). وقيل: المرادُ بآلِ ياسينَ: آلُ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلم. وقد ردَّ هذا القولَ وضَعَّفه: ابنُ جرير، والسُّهَيليُّ، وابنُ القيِّم، والفيروزابادي، وغيرُهم. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/621)، ((غوامض الأسماء المبهمة)) للسهيلي (ص: 158)، ((جلاء الأفهام)) لابن القيم (ص: 208)، ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (6/78). . وهو داخلٌ فيهم [865] فالرَّجُلُ حيثُ أُضيفَ إلى آلِه دخَل فيه هو، كقولِه تعالى: أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر: 46]، وقولِه تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ [آل عمرَان: 33]، وقولِه تعالى: إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ [القمر: 34]، وقولِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((اللَّهُمَّ صَلِّ على آلِ أبي أَوْفَى)). وهذا إِذا لم يُذكَرْ معه مَن أُضيفَ إليه الآلُ. يُنظر: ((جلاء الأفهام)) لابن القيم (ص: 204). قال ابنُ عاشور: (والأظهرُ أنَّ المرادَ بـ إِلْ يَاسِينَ أنصارُه الذين اتَّبعوه وأعانوه... فيكون المعنى: سلامٌ على ياسينَ وآلِه؛ لأنَّه إذا حصَلت لهم الكرامةُ؛ لأنَّهم آلُه فهو بالكرامةِ أولَى). ((تفسير ابن عاشور)) (23/170). .
2- قِراءةُ إِلْ يَاسِينَ بكَسرِ الهَمزةِ، وبعدَها لامٌ ساكِنةٌ. قيل: هو اسمُ إلياسَ، كان يُسمَّى باسمَينِ: إلياسَ، وإلياسينَ، مِثلُ: إبراهيمَ، وإبراهامَ، وميكالَ وميكائيلَ. وقيل: هو جمْعُ إلياسَ، والمرادُ: إلياسُ وأمَّتُه المؤمِنونَ [866] قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/360). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((تفسير ابن جرير)) (19/619)، ((معاني القراءات)) للأزهري (2/322)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 611)، ((جلاء الأفهام)) لابن القيم (ص: 207)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/170). قال ابن القيِّم: (والصَّوابُ -واللهُ أعلَمُ- في ذلك: أنَّ أصلَ الكَلِمةِ (آل ياسين) كآلِ إبراهيمَ، فحُذِفَت الألفُ واللَّامُ مِن أوَّلِه؛ لاجتماعِ الأمثالِ، ودَلالةِ الاسمِ على موضِعِ المحذوفِ، وهذا كثيرٌ في كلامِهم: إذا اجتمَعَت الأمثالُ كَرِهوا النُّطقَ بها كُلِّها، فحذَفوا منها ما لا إلباسَ في حَذفِه، وإن كانوا لا يَحذِفونَه في موضِعٍ لا تجتمِعُ فيه الأمثالُ... ولا سيَّما عادةُ العربِ في استِعمالِها للاسمِ الأعجميِّ، وتغييرُها له؛ فيقولون مرَّةً: إلياسينَ، ومرةً إلياسَ، ومرَّةً ياسين، ورُبَّما قالوا: ياس، ويكونُ على إحدى القراءتَينِ قد وقَع على المُسَلَّمِ عليه، وعلى القراءةِ الأُخرى على آلِه). ((جلاء الأفهام)) (ص: 208). وقال ابن كثير: (سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ أي: سلامٌ على إلياسَ، والعربُ تُلحِقُ النُّونَ في أسماءٍ كثيرةٍ، وتُبدِلُها مِن غيرِها، كما قالوا: إسماعيلُ وإسماعينُ، وإسرائيلُ وإسرائينُ، وإلياسُ وإلياسينُ). ((البداية والنهاية)) (2/278). .
سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130).      
أي: سلامٌ على إلْ ياسينَ وثَناءٌ حسنٌ، فلا يُذكَرُ بسُوءٍ [867] يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (3/527)، ((جلاء الأفهام)) لابن القيم (ص: 207، 208، 461، 462)، ((تفسير ابن كثير)) (7/23، 37)، ((تفسير السعدي)) (ص: 707)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/133، 134). .
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا أظهَرَ اللهُ سُبحانَه شَرَفَ إلياسَ عليه السَّلامُ، أو الأنبياءِ الَّذين هو أحَدُهم؛ عَلَّله مُؤَكِّدًا له، تَنبيهًا على أنَّه لا بُدَّ مِن إعلاءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأتْباعِه على كُلِّ مَن يُناوِئُهم وإن كَذَّبَت بذلك قُرَيشٌ، فقال [868] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/288). :
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131).
أي: مِثلَ هذا الجزاءِ الَّذي جزَيْنا به إلْ ياسينَ نَجزي أيضًا كُلَّ مَن كان مُحسِنًا [869] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/622)، ((تفسير ابن عطية)) (4/477)، ((تفسير القرطبي))(15/90)، ((تفسير ابن كثير)) (7/23)، ((تفسير السعدي)) (ص: 706)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/134). .
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه تعالى علَّلَ الحُكمَ بإحسانِه، مُؤكِّدًا لِما مضى في مِثلِه، بقَولِه [870] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/288). :
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132).
أي: إنَّ إلياسَ مِن عِبادِنا المُؤمِنينَ باللهِ؛ الموحِّدينَ الَّذين أخْلَصوا العِبادةَ لله وَحْدَه لا شَريكَ له [871] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/622)، ((تفسير ابن كثير)) (7/23)، ((تفسير السعدي)) (ص: 706، 707). .

الفَوائِدُ التَّربَويَّةُ:

1- قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. في قَولِه تعالى: فَكَذَّبُوهُ دَليلٌ على أنَّ الإنسانَ مهما بَلَغ في عَرْضِ الدَّعوةِ إلى اللهِ وبَيانِها والبَلاغةِ في العِظةِ؛ فإنَّه لا يَستَلزِمُ أنْ يُؤَثِّرَ فيمَن وَجَّهَ الخِطابَ إليه؛ لأنَّ إلياسَ عليه السَّلامُ عَرَض الدَّعوةَ عليهم عَرضًا رَقيقًا، وبَيَّنَ لهم الأدِلَّةَ على أنَّ اللهَ وَحْدَه المُستَحِقُّ للعبادةِ، ومع ذلك كَذَّبوه! ويَتفرَّعُ على هذه الفائِدةِ: أنَّه ينبغي للدَّاعيةِ إذا رُدَّ قولُه ألَّا يَعتبِرَ نَفْسَه مُقَصِّرًا أو فاشِلًا؛ لأنَّه أدَّى ما عليه، وهو البَلاغُ، والهدايةُ على اللهِ عزَّ وجلَّ: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة: 272] ، فلو أراد اللهُ بهؤلاء خَيرًا لَانقادوا للهُدى، أمَّا أنت فقد أرادَ اللهُ بك خيرًا؛ لأنَّك بَلَّغتَ ما عليك [872] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصافات)) (ص: 283). .
2- في قَولِه تعالى: اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ أنَّه ينبغي للدَّاعيةِ أنْ يُذَكِّرَ النَّاسَ بما يكونُ سَببًا لاتِّعاظِهم، فيُذَكِّرهم بأنَّ آباءَهم قد فَنُوا وذَهَبوا، وأنَّكم أنتم سوف تَذهَبونَ كما ذَهَبَ الآباءُ [873] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصافات)) (ص: 283). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- في قَولِه تعالى: وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُثْني على عِبادِه بما يَستَحِقُّونَ مِن الأوصافِ في الآخِرينَ؛ لِيبقَى ذِكرُهم مُخَلَّدًا؛ فإنَّه لولا أنَّ اللهَ ذَكَر هؤلاء الأنبياءَ لَطُوِيَت صَحائِفُهم، وما عُلِمَ عنهم شَيءٌ [874] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصافات)) (ص: 280). .
2- في قَولِه تعالى: إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ بيانُ تَلَطُّفِ الأنبياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ في دَعوةِ قَومِهم؛ لأنَّه قال: أَلَا تَتَّقُونَ، وهذا للعَرضِ والحَثِّ -على قولٍ-، ولم يَقُلْ لهم: اتَّقوا اللهَ، مع أنَّ الرُّسُلَ قد يَقولون: اتَّقوا اللهَ، لكِنْ يُنَزَّلُ كلُّ مُخاطَبٍ مَنزِلتَه بما يَليقُ به [875] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصافات)) (ص: 281). .
3- إنْ قيلَ: كيف الجَمعُ بيْنَ قَولِه: أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ، وقَولِه: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ؟ فالجوابُ: أنَّ الخَلقَ يكونُ بمعنى الإيجادِ -ولا مُوجِدَ سِوى اللهِ-، ويكونُ بمعنى التَّقديرِ، كقَولِ زُهَيرٍ [876] يُنظر: ((ديوان زهير بن أبي سُلْمى)) (ص: 56). :
ولَأنتَ تَفْري ما خَلَقْتَ وبعـــ     ـضُ القَومِ يَخلُقُ ثمَّ لا يَفْري [877] يَخلُقُ: أي: يُقَدِّرُ الأديمَ ويُهَيِّئُه للقَطعِ. ويَفْري: أي: يَشُقُّه كما قَدَّر. ومعنى البيتِ: أنت إذا قدَّرْتَ أمرًا وتهَيَّأْتَ له أمضَيْتَه وأنفَذْتَه بعَزمِك وقدرتِك ولم تَعجزْ عنه، بخِلافِ غيرِك؛ فإنَّ بعضَ القومِ يُقَدِّرُ ثمَّ لا قوَّةَ له ولا عزيمةَ على إنفاذِ ما قدَّره وإمضائِه، فالخَلْقُ: التَّقديرُ، والفَرْيُ: التَّنفيذُ. يُنظر: ((شرح ديوان زهير)) لثعلب (ص: 94)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (7/381)، ((شفاء العليل)) لابن القيِّم (ص: 53)، ((معارج القبول)) لحافظ حكمي (1/132).
فهذا المرادُ هاهنا: أنَّ بني آدَمَ قد يُصَوِّرونَ ويُقَدِّرونَ ويَصنَعونَ الشَّيءَ؛ فاللهُ خَيرُ المصَوِّرينَ والمقَدِّرينَ. وقال الأخفَشُ: (الخالِقونَ هاهنا هم الصَّانِعونَ، فاللهُ خيرُ الخالِقينَ) [878] يُنظر: ((معاني القرآن)) للأخفش (2/454)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/258). ، فخَلْقُ الخالقِ إيجادٌ مِن عدَمٍ على ما يُريد اللهُ عزَّ وجلَّ؛ قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ [آل عمران: 6] ، أمَّا خَلْقُ المخلوقِ: فهو تحويلُ مخلوقِ الله إلى صِفةٍ أخرى [879] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/511). .
4- تَرَتُّبُ الجَزاءِ على العَمَلِ، وتُؤخَذُ مِن الفاءِ الدَّالَّةِ على السَّبَبيَّةِ: فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ؛ فالجَزاءُ مُترتِّبٌ على العَمَلِ [880] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصافات)) (ص: 284). .
5- في قَولِه تعالى: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ زِيادةٌ مِنَ اللهِ في عِدادِ كَرامةِ نبيِّه عليه السَّلامُ؛ فتلك نِعمةٌ وشرَفٌ مِنَ اللهِ؛ بأنْ أَبْقَى نِعَمَه عليه في أُمَمٍ بعْدَه [881] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/132). . وفيه بيانُ أنَّ اللهَ تعالى يُجازِي المُحسِنَ بالإحسانِ حتَّى بعدَ مَوتِه؛ لِقَولِه: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ، والواقِعُ شاهِدٌ بذلك؛ فإنَّ أئمَّةَ الإسلامِ أبقَى اللهُ عليهم ثَناءً حَسَنًا في الآخِرينَ، وصَدَّ كلَّ لسانٍ يَقدَحُ فيهم؛ فجَعَلَ فيهم الثَّناءَ، وسَلَّمَهم مِن القَدْحِ [882] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصافات)) (ص: 284). .
6- لَفظُ «آلِ فُلانٍ» إذا أُطلِقَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ، دَخَلَ فيه فُلانٌ، كما في قَولِه تعالى: سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ [883] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (22/462)، ويُنظر ما تقدَّم (ص: 578). على إحدي القراءتينِ.
7- في قَولِه: إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ مدَحَ اللهُ تعالى نَبيَّه بالإيمانِ، مع أنَّ مَرتبةَ الرُّسلِ فَوقَ مَرتبةِ المؤمِنينَ؛ تنبيهًا لنا على جَلالةِ محلِّ الإيمانِ وشَرَفِه، وترغيبًا في تحصيلِه، والثَّباتِ عليه، والازديادِ منه [884] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/48)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 479). .
8- في قِصَّةِ إلياسَ عليه السَّلامُ إنباءٌ بأنَّ الرَّسولَ عليه أداءُ الرِّسالةِ، ولا يَلزَمُ مِن ذلك أنْ يُشاهِدَ عِقابَ المكذِّبينَ ولا هَلاكَهم؛ للرَّدِّ على المشْرِكينَ الَّذين قالوا: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [يونس: 48] ، قال تعالى: قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ [المؤمنون: 93- 95] ، وقال تعالى: فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [غافر: 77] ، وفي الآيةِ الأُخرى: وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [885] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/170). [مريم: 40] .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قولُه تعالَى: وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ
- ابتُدِئَ ذِكرُ هؤلاء الثَّلاثةِ (إلياسَ، ولُوطٍ، ويُونسَ) بجُملةِ وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ؛ لأنَّهم سَواءٌ في مَرْتبةِ الدَّعوةِ إلى دِينِ اللهِ، وفي أنَّهم لا شَرائعَ لهم. وتأْكيدُ إرسالِهم بحَرْفِ التَّأكيدِ (إنَّ)؛ للاهتمامِ بالخبَرِ؛ لأنَّه قد يُغفَلُ عنه؛ إذ لمْ تكُنْ لهؤلاء الثَّلاثةِ شَريعةٌ خاصَّةٌ [886] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/165، 166). .
2- قولُه تعالَى: إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ
- قَولُه: أَلَا كَلمتانِ: همْزةُ الاستِفهامِ للإنكارِ، و(لا) النَّافيةُ -على قولٍ-، إنكارٌ لِعَدَمِ تَقْواهم [887] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/166). .
- وحُذِفَ مَفعولُ تَتَّقُونَ؛ لِدَلالةِ ما بعْدَه عليه [888] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/166). .
3- قولُه تعالَى: أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ
- الهمْزةُ في قَولِه: أَتَدْعُونَ بَعْلًا ... للاستفهامِ الإنكاريِّ [889] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/17)، ((تفسير أبي السعود)) (7/204)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (8/306). .
- وجِيءَ في قَولِهِ: وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ بذِكرِ صِفَةِ اللهِ دونَ اسْمِه العَلَمِ؛ تَعريضًا بتَسفيهِ عُقولِ الَّذين عَبَدوا بَعْلًا؛ بأنَّهم تَرَكوا عِبادةَ الرَّبِّ المتَّصِفِ بأحسَنِ الصِّفاتِ وأكمَلِها، وعَبَدوا صَنَمًا ذاتُه وَخْشٌ -وهو الرَّديءُ من كُلِّ شيءٍ- فكأنَّه قال: أتَدْعُون صَنَمًا بَشِعًا جمَعَ عُنْصرَيِ الضَّعفِ -وهُما: المَخْلوقيَّةُ، وقُبْحُ الصُّورةِ- وتَتْرُكون مَن له صِفةُ الخالقيَّةِ والصِّفاتُ الحُسْنى [890] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/167). ؟! فالنُّكتةُ في العُدولِ عن اسمِ اللهِ الَّذي يَختَصُّ به، وهو «الله»: هي إقامةُ الحُجَّةِ عليهم بعدَمِ صَلاحيةِ مَعبودِهم للعبادةِ؛ لأنَّه لا يَستطيعُ الخَلْقَ، واللهُ وَحْدَه هو الَّذي يَقدِرُ على الخَلْقِ، وعلى أحسَنِ الخَلْقِ [891] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الصافات)) (ص: 274). .
- ولم يقُلْ: (وتَدَعون أحسَنَ الخالقينَ)؛ لأنَّ فِعلَ (يَدَعُ) قَليلُ الاستِعمالِ في كَلامِ العرَبِ؛ ولذلك لم يقَعْ في القرآنِ إلَّا في قِراءةٍ شاذَّةٍ لا سنَدَ لها، خِلافًا لِفِعلِ (يَذَرُ)، وسبَبُ ذلك: أنَّ فِعلَ (يَذَرُ) يَدلُّ على تَرْكٍ مع إعراضٍ عن المتْروكِ، بخِلافِ (يَدَعُ)؛ فإنَّه يَقْتضي تَرْكًا مُؤقَّتًا [892] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/169). .
4- قولُه تعالَى: اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ
- قُرِئَ برَفْعِ اسمِ الجَلالةِ وما عُطِفَ عليه [893] قرأ يعقوبُ وحمزةُ والكِسائيُّ وخلَفٌ وحفصٌ بالنَّصبِ في الأسماء الثَّلاثةِ اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ، وقرأ الباقون برفعِها. يُنظر: ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 610)، ((النشر في القراءات العشر)) لابن الجزري (2/360). ، فهو مُبتدَأٌ، والجُملةُ مُستأنَفةٌ استئنافًا ابتدائيًّا، والخبَرُ مُستعمَلٌ في التَّنبيهِ على الخطَأِ بأنْ عَبَدوا بَعْلًا. وقُرِئَ بنَصْبِ اسمِ الجلالةِ على عَطْفِ البَيانِ لـ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ، والمقصودُ مِن البَيانِ زِيادةُ التَّصريحِ؛ لأنَّ المقامَ مَقامُ إيضاحٍ لأصْلِ الدِّيانةِ. وعلى كِلْتا القِراءتينِ فالكلامُ مَسوقٌ لِتَذْكيرِهم بأنَّ مِن أُصولِ دِينِهم أنَّه لا ربَّ لهم إلَّا اللهُ، وهذا أوَّلُ أُصولِ الدِّينِ؛ فإنَّه ربُّ آبائِهم؛ فإنَّ آباءَهم لمْ يَعبُدوا غيرَ اللهِ مِن عهْدِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ، وهو الأبُ الأوَّلُ مِن حيثُ تَميَّزَتْ أُمَّتُهم عن غَيرِهم، أو هو يَعقوبُ عليه السَّلامُ. وجمَعَ هذا الخبَرُ تَحريضًا على إبطالِ عِبادةِ الصَّنمِ (بَعْل) -على قولٍ-؛ لأنَّ في الطَّبْعِ مَحبَّةَ الاقتداءِ بالسَّلفِ في الخيْرِ [894] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/167، 168). .
- والتَّعرُّضُ لِذِكْرِ رُبوبيَّتهِ تعالى لِآبائهم في قَولِه: وَرَبَّ آَبَائِكُمُ؛ لِتَأْكيدِ إنكارِ تَرْكهِم عِبادتَه تعالى، والإشعارِ ببُطلانِ آراءِ آبائِهم أيضًا [895] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/204). .
5- قولُه تعالَى: فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ
- قولُه: لَمُحْضَرُونَ أي: مُحْضَرون في العذابِ، وإنَّما أطْلَقَه؛ اكتِفاءً منه بالقَرينةِ، أو لأنَّ الإحضارَ المُطلَقَ مَخصوصٌ بالشَّرِّ عُرْفًا [896] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/17)، ((تفسير أبي السعود)) (7/204). . وقد كثُرَ إطلاقُ المُحضَرِ ونَحوِه على الَّذي يُحضَرُ لأجْلِ العِقابِ، وإحضارِ السُّوءِ؛ ولذلك حذَفَ مُتعلَّقُ (مُحْضَرُونَ) [897] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/17)، ((تفسير أبي السعود)) (7/204)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/118، 169، 187). .
6- قولُه تعالَى: إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ
- قوله: إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ استِثناءٌ يدُلُّ على أنَّ مِن قَومِه مُخلَصينَ لم يُكَذِّبوه، فهو استِثناءٌ مُتَّصِلٌ مِن ضميرِ فَكَذَّبُوهُ. ولا يَجوزُ أنْ يَكونَ استِثناءً مِن فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ؛ لأنَّه يَلْزَمُ أنْ يكونوا مُندرِجينَ فيمَن كذَّبَ، لكنَّهم لم يُحْضَروا لكونِهم عبادَ اللَّهِ المُخْلِصين! وهو بَيِّنُ الفسادِ. ولا يُناسِبُ أنْ يَكونَ استِثناءً مُنقطِعًا؛ إذْ يصيرُ المعنى: لكنَّ عِبادَ اللهِ المُخلَصينَ مِن غيرِ قَومِه لا يُحضَرونَ للعَذابِ! ولا حاجةَ إلى هذا بوجهٍ، إذ به يَفْسُدُ نَظْمُ الكلامِ [898] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/122)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (9/328). .
7- قولُه تعالَى: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ
- قَولُه: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ يَتعلَّقُ لفظُ عَلَيْهِ بفِعلِ وَتَرَكْنَا، بتَضمينِ هذا الفِعلِ معنَى (أَنعَمْنا)، فأَفادَ بمادَّتِه معنَى الإبقاءِ له، أي: إعطاءِ شَيءٍ مِنَ الفضائلِ المُدَّخَرةِ الَّتي يُشبِهُ إعطاؤُها تَرْكَ أحَدٍ مَتاعًا نفيسًا لِمَن يُخَلِّيه هو له ويَخلُفُه فيه، وشأنُ التَّضمينِ أنْ يُفيدَ المُضَمَّنُ مُفادَ كَلِمتَينِ، فهو مِن ألْطَفِ الإيجازِ [899] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/133). .
- في قَولِه: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ لَمَّا كان مفعولُ (تَرَكْنَا) مَحذوفًا، وكان فِعلُ (أنعَمْنا) الَّذي ضُمِّنَه فِعلُ (تَرَكْنَا) ممَّا يَحتاجُ إلى مُتعلِّقِ معنَى المفعولِ، كان محذوفًا أيضًا مع عامِلِه؛ فكان التَّقديرُ: (وتَرَكْنا له ثَناءً وأنعَمْنا عليه)؛ فحصَلَ في قَولِه: (تَرَكْنَا عَلَيْهِ) حذْفُ خَمسِ كَلِماتٍ، وهو إيجازٌ بديعٌ [900] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/133). .
- قَولُه: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ فيه مُناسَبةٌ حسَنةٌ، حيثُ قال عَقِبَه سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ [الصافات: 79] ، وبعدَه سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الصافات: 109] ، ثمَّ سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ [الصافات: 120] ، وكذلك سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ [الصافات: 130] فيمَن جعَله لغةً فى إِلياسَ، ولم يقُلْ فى قصَّةِ لوطٍ ولا يونسَ: سَلَامٌ؛ لأنَّه لما قالَ: وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ فقد قال: سَلامٌ على كلِّ واحِدٍ مِنْهم؛ لقولِه في آخرِ السُّورةِ: وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ [901] يُنظر: ((أسرار التكرار في القرآن)) للكرماني (ص: 214)، ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (1/396). ويُنظر أيضًا: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 479). .
8- قولُه تعالَى: إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ
- في قَولِه: إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ تَعليلٌ لمُجازاةِ إلياسَ عليه السَّلامُ بتلك التَّكْرِمةِ السَّنيَّةِ مِن تَبقيةِ ذِكرِه، وتَسليمِ العالَمينَ عليه إلى آخِرِ الدَّهرِ بأنَّه كان مُحسِنًا، ثمَّ علَّلَ كَونَه مُحسِنًا بأنَّه كان عبدًا مؤمنًا؛ ليُريَك جَلالةَ محلِّ الإيمانِ، وأنَّه القُصارَى مِن صِفاتِ المدحِ والتَّعظيمِ، ويُرَغِّبَك في تَحصيلِه والازديادِ منه [902] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/48). .