موسوعة التفسير

سورةُ العَنكَبوتِ
الآيات (31-35)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ

غَريبُ الكَلِماتِ:

الْغَابِرِينَ: أي: الباقينَ في عذابِ اللهِ، والغابرُ مِن الأضْدادِ؛ يُرادُ به الباقي والماضي، وأصلُ (غبر): يدُلُّ على البقاءِ [396] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 170)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 350)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/408)، ((المفردات)) للراغب (ص: 601)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 113). .
سِيءَ بِهِمْ: أي: ساءَه مُجيئُهم، والسُّوءُ: كلُّ ما يَغُمُّ الإنسانَ مِن الأمورِ الدُّنيويَّةِ والأُخرويَّةِ [397] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/494)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 280)، ((المفردات)) للراغب (ص: 441)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 164)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 236). .
ذَرْعًا: أي: صدرًا أو طاقةً، وأصلُه: يدُلُّ على امتدادٍ، وتحرُّكٍ إلى قُدُمٍ [398] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/350)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 236)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 463). .
رِجْزًا: أي: عذابًا، وأصلُ المعنى: الاضْطِرابُ، والحركةُ العنيفةُ، والارتعاشُ، ويُطلَقُ على العذابِ؛ لإزعاجِه النَّاسَ [399] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/729)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/490)، ((المفردات)) للراغب (ص: 341)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 76)، ((مفردات القرآن)) للفراهي (ص: 355). .

المعنى الإجماليُّ:

يقولُ تعالى: ولَمَّا جاءت رُسُلُنا مِن الملائكةِ إلى إبراهيمَ بالبِشارةِ بإسحاقَ ويعقوبَ، قالوا لإبراهيمَ: إنَّ اللهَ أرسَلَنا لِنُهلِكَ أهلَ قريةِ لُوطٍ؛ لأنَّهم كانوا ظالِمينَ. قال إبراهيمُ للمَلائكةِ: إنَّ في تلك القريةِ لُوطًا. قالت الملائكةُ: نحن أعلَمُ بمَن فيها، لَنُنَجِّينَّ لُوطًا وأهلَه إلَّا امرأتَه؛ فهي مِن الباقينَ في العذابِ.
ولَمَّا جاءت الملائِكةُ إلى لوطٍ ساءَه مجيئُهم، واغتمَّ بقُدومِهم؛ خَوفًا عليهم مِن قَومِه، فقالت له الملائكةُ: لا تخَفْ ولا تحزَنْ، إنَّا سنُنَجِّيك وأهلَك مِن العذابِ إلَّا امرأتَك؛ فهي مِن الباقينَ مع قَومِها في العذابِ، إنَّا مُنزِلونَ على أهلِ هذه القريةِ حِجارةً من السَّماءِ؛ بسبَبِ فِسْقِهم.
ثمَّ يُبيِّنُ سبحانَه أنَّ حِكْمتَه اقتضَتْ أن يجعَلَ آثارَهم باقيةً بعْدَهم، فيقولُ: ولقد أبقَيْنا مِن قريةِ قَومِ لُوطٍ عَلامةً ظاهِرةً لِقَومٍ يَعقِلونَ ويَتفكَّرونَ.

تَفسيرُ الآياتِ:

وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا دعا لوطٌ على قَومِه بِقَولِه: رَبِّ انْصُرْنِي، استجابَ اللهُ دُعاءَه، وأمَرَ ملائكَتَه بإهلاكِهم، وأرسَلَهم مُنذِرينَ ومُبَشِّرينَ بذُرِّيَّةٍ طَيِّبةٍ [400] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/50). .
وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى.
أي: ولَمَّا جاءَتْ رُسلُنا مِنَ الملائِكةِ إلى إبراهيمَ بالبِشارةِ بإسحاقَ وَلَدًا له، وبيَعقوبَ وَلَدًا لإسحاقَ [401] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/393)، ((الوسيط)) للواحدي (3/419)، ((تفسير ابن كثير)) (6/277)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/429). .
كما قال تعالى: وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ * وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ [هود: 69 - 71] .
قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ .
أي: قالت الملائكةُ لإبراهيمَ: إنَّ اللهَ أرسَلَنا؛ لِنُهلِكَ أهلَ قَريةِ لُوطٍ [402] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/393)، ((الوسيط)) للواحدي (3/419)، ((تفسير ابن كثير)) (6/277)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/242). .
إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ.
أي: لأنَّ أهلَها كانوا ظالِمينَ بالكُفرِ والمعاصي [403] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/393)، ((الوسيط)) للواحدي (3/419)، ((تفسير الشوكاني)) (4/233). .
قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32).
قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا.
أي: قال إبراهيمُ للمَلائكةِ: إنَّ في تلك القَريةِ لُوطًا، وليس مِنَ الظَّالِمينَ كقَومِه [404] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/394)، ((تفسير ابن جزي)) (2/125)، ((تفسير الشوكاني)) (4/233). !
قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا.
أي: قالت الملائِكةُ: نحن أعلَمُ بمَن في تلك القَريةِ مِن المُؤمِنينَ والظَّالِمينَ [405] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/394)، ((تفسير السمعاني)) (4/178)، ((تفسير الشوكاني)) (4/233)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/243). .
لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ.
أي: لَنُنَجِّينَّ لوطًا وأهلَه إلَّا امرأتَه؛ فهي مِنَ الباقينَ في العَذابِ [406] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/394)، ((تفسير ابن كثير)) (6/277)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/429)، ((تفسير أبي السعود)) (7/38)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/244)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 158، 159). ممَّن اختار المعنى المذكورَ للغابِرينَ: مقاتلُ بنُ سُليمانَ، ومكِّي، والسمعاني، والبغوي، وابن عطية، والنسفي، والخازن، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/381)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (9/5626)، ((تفسير السمعاني)) (4/178)، ((تفسير البغوي)) (3/556)، ((تفسير ابن عطية)) (4/316)، ((تفسير النسفي)) (2/675)، ((تفسير الخازن)) (3/380)، ((تفسير الشوكاني)) (4/233). قال الشنقيطيُّ: (الْغَابِرِينَ: جمعُ الغابرِ، والغابرُ اسمٌ مشتركٌ مِنَ الأضْدادِ؛ يُطلَقُ على الماضي وعلى الباقي، يُقالُ الغابرُ للماضي، والغابرُ للباقي. والمرادُ بها هنا: الباقين. مِنَ الْغَابِرِينَ أي: مِنَ الباقينَ في الهلاكِ. فعلى القولِ بأنَّه لم يَسْرِ بها فالكلامُ ظاهرٌ، وعلى القولِ بأنَّه أَسْرى بها: عندَما خرَج بها التفَتَتْ فهلَكَتْ، فكأنَّها بَقِيَتْ معهم، فهي باقيةٌ معهم في الهلاكِ). ((العذب النمير)) (3/566). قال النحاسُ: (والأكثَرُ في اللُّغةِ أن يكونَ الغابرُ الباقي). ((معاني القرآن)) (3/51). .
وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) .
وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا .
أي: ولَمَّا جاء رُسلُ اللهِ مِنَ الملائكةِ إلى لُوطٍ، ساءَه مجيئُهم إليه، واغتمَّ بقُدومِهم؛ لخَوفِه عليهم مِن قَومِه، وعَجزِه عن حِفظِهم منهم [407] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/395)، ((تفسير السمرقندي)) (2/632)، ((تفسير ابن كثير)) (6/277)، ((تفسير الشوكاني)) (4/233)، ((تفسير السعدي)) (ص: 630). !
وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ.
أي: وقالت الملائِكةُ لِلُوطٍ: لا تخَفْ ولا تحزَنْ [408] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/395)، ((تفسير السمعاني)) (4/179)، ((تفسير الألوسي)) (10/360). قيل: معنى لَا تَخَفْ أي: علينا أن يَصِلَ إلينا قَومُك ويَتمكَّنوا مِنَّا. وممَّن قال بذلك في الجملةِ: ابنُ جرير، والسمرقندي، والسمعاني، والبغوي، والخازن، والعليمي، والألوسي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/395، 396)، ((تفسير السمرقندي)) (2/632)، ((تفسير السمعاني)) (4/179)، ((تفسير البغوي)) (3/556)، ((تفسير الخازن)) (3/380)، ((تفسير العليمي)) (5/246)، ((تفسير الألوسي)) (10/360). وقيل: معنى وَلَا تَحْزَنْ أي: ممَّا أخبَرْناك مِن أنَّا مُهلِكوهم، أو بإهلاكِنا إيَّاهم. وممَّن قال بذلك في الجملةِ: ابنُ جرير، والسمعاني، والبغوي، والعليمي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/395، 396)، ((تفسير السمعاني)) (4/179)، ((تفسير البغوي)) (3/556)، ((تفسير العليمي)) (5/246). وقيل: المرادُ: ولا تَحزَنْ علينا بسببِ التَّفكُّرِ في أمْرِنا؛ فإنَّهم لا يَقدِرون علينا. وممَّن قال بذلك في الجملةِ: الخازنُ، والنَّيسابوريُّ، والشَّوكانيُّ. يُنظر: ((تفسير الخازن)) (3/380)، ((تفسير النيسابوري)) (5/384)، ((تفسير الشوكاني)) (4/233). وقال الألوسي: (ولا تحزَنْ على قَصدِهم إيَّانا وعَدَمِ اكتراثِهم بك). ((تفسير الألوسي)) (10/360). .
كما قال تعالى: قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ [هود: 81] .
إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ.
أي: إنَّا سنُنَجِّيك -يا لُوطُ- وأهلَك مِنَ العذابِ النَّازِلِ بقَومِك إلَّا امرأتَك؛ فهي مِنَ الباقينَ معهم في العَذابِ [409] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/395)، ((تفسير ابن عطية)) (4/316)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/473)، ((تفسير الشوكاني)) (4/233). وكانت امرأةُ لوطٍ في الظاهرِ مسلمةً على دينِ زوجِها لوطٍ، وفي الباطنِ منافقةً على دينِ قومِها؛ ردءًا لهم على دينِهم، وعلى طريقتِهم في رضاها بأفعالِهم القبيحةِ، والمعاونةِ عليها، فكانت تدلُّهم على ضيفانِ لوطٍ، ليأتوا إليهم، لا أنَّها كانت تفعلُ الفواحشَ. يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (15/288)، ((تفسير ابن كثير)) (6/200). .
إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34).
إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ.
أي: قالت الملائِكةُ لِلُوطٍ: إنَّا مُنزِلونَ على أهلِ هذه القَريةِ عَذابًا، وهو حِجارةٌ تَنزِلُ عليهم مِن السَّماءِ [410] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/396)، ((تفسير السمرقندي)) (2/632)، ((تفسير ابن كثير)) (6/277)، ((تفسير السعدي)) (ص: 630)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/246). .
كما قال تعالى: فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ [هود: 82] .
بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ.
أي: وذلك العَذابُ واقِعٌ بهم؛ بسَبَبِ ما كانوا عليه مِنَ الكُفرِ، وفِعْلِ الفاحِشةِ والمُنكَرِ [411] يُنظر: ((تفسير يحيى بن سلام)) (2/628)، ((تفسير ابن جرير)) (18/396)، ((تفسير ابن عطية)) (4/316)، ((تفسير الشوكاني)) (4/233). .
وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35).
أي: ولقد أبقَيْنا مِن قَريةِ قومِ لُوطٍ علامةً ظاهِرةً واضِحةً [412] قال القرطبي: (قال قتادةُ: هي الحِجارةُ الَّتي أُبقِيَت. وقاله أبو العاليةِ. وقيل: إنَّه يُرجَمُ بها قَومٌ مِن هذه الأمَّةِ. وقال ابنُ عبَّاسٍ: هي آثارُ مَنازلِهم الخَرِبةِ. وقال مجاهدٌ: هو الماءُ الأسوَدُ على وجهِ الأرضِ. وكُلُّ ذلك باقٍ، فلا تَعارُضَ). ((تفسير القرطبي)) (13/343). ويُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (4/233). لِقَومٍ يَعقِلونَ عن اللهِ حُجَجَه، ويَتفكَّرونَ في مَواعِظِه [413] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/396)، ((تفسير ابن عطية)) (4/316)، ((تفسير القرطبي)) (13/343)، ((تفسير ابن كثير)) (6/277)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/246)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 176، 177). .
كما قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ [الحجر: 75 - 77] .
وقال سُبحانَه: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [الصافات: 137، 138].

الفَوائِدُ التَّربَويَّةُ:

1- في قَولِه تعالى: لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ أنَّ الاتِّصالَ بالصَّالحِ لا يَستلزِمُ أنْ يكونَ المتَّصِلُ صالحًا، وإنْ كان الاتِّصالُ بالصَّالحِ مِن أسبابِ الصَّلاحِ، لكنَّه ليس بلازمٍ؛ لِقَولِه تعالى: إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ، فهلَكَتْ مع الهالكينَ، مع أنَّها امرأةُ رجُلٍ صالحٍ؛ نبيٍّ مِن الأنبياءِ [414] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 162). .
2- في قَولِه تعالى: وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ إزالةُ المؤذِي قبْلَ حُصولِ السَّارِّ؛ لِقَولِه: إِنَّا مُنَجُّوكَ، فبَدَؤوا بنَفْيِ الخَوفِ والحزنِ، ثُمَّ أعقَبوه بالبِشارةِ؛ ولهذا مِن الكَلِماتِ المشهورةِ عندَ أهلِ العلمِ يقولون: «التَّخليةُ قبْلَ التَّحليةِ»، يعني: جَرِّدِ الشَّيءَ ممَّا يَشوبُه مِن النَّقصِ، ثُمَّ بعدَ ذلك كَمِّلْه بالتَّحليةِ [415] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 170). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- قَولُ الله تعالى: وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ، جعَلَهم اللهُ مُبَشِّرينَ ومُنذِرينَ، لكِنِ البِشارةُ أثَرُ الرَّحمةِ، والإنذارُ بالإهلاكِ أثَرُ الغَضَبِ، ورَحمتُه سبَقَتْ غضَبَه؛ فقدَّم البِشارةَ على الإنذارِ، وقال: جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى، ثمَّ قال: إِنَّا مُهْلِكُو [416] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/51). .
2- في قَولِه تعالى: وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إثباتُ أنَّ الملائكةَ أجسامٌ وليسوا أرواحًا أو عُقولًا -كما ادَّعاه بعضُهم- كيف نقولُ: إنَّهم أرواحٌ ومَعانٍ وعُقولٌ، وهم لهم أجنِحةٌ، ويأتون ويَذهَبون ويَتكَلَّمونَ؟! فجِبريلُ عليه السَّلامُ رآه النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وله سِتُّمئةِ جَناحٍ قد سَدَّ الأفُقَ [417] يُنظر: ما أخرجه البخاري (4856-4858) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. ! لكنَّ هذه الأجسامَ ليست كأجسامِ بني آدمَ؛ فإنَّ فيها مِن الخِفَّةِ والقُوَّةِ ما ليس لبني آدمَ، واللهُ عزَّ وجلَّ قد يَجعلُهم على صورةٍ غيرِ الصُّورةِ الأصليَّةِ، مثلُ: مجيءِ جبريلَ بصورةِ دِحْيَةَ الكَلْبيِّ [418] يُنظر ما أخرجه البخاري (3634)، ومسلم (2451) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما. ، وبصورةِ رجُلٍ شديدِ بَياضِ الثِّيابِ، شَديدِ سوادِ الشَّعرِ [419] يُنظر ما أخرجه مسلم (8) من حديث عمر رضي الله عنه. ... إلخ [420] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 155). .
3- قَولُ الله تعالى: وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ حينَ ذَكَروا البُشرى ما عَلَّلوا وقالوا: إنا نُبَشِّرُك؛ لأنَّك رسولٌ، أو لأنَّك مُؤمِنٌ، أو لأنَّك عادِلٌ، وحينَ ذكَروا الإهلاكَ عَلَّلوا وقالوا: إنَّ أهلَها كانوا ظالِمينَ؛ وذلك لأنَّ ذا الفَضلِ لا يكونُ فَضلُه بعِوَضٍ، والعادِلَ لا يكونُ عذابُه إلَّا على جُرمٍ [421] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/51). .
4- في قَولِه تعالى: وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى أنَّ الفرحَ بالولدِ لا يُنافي كمالَ المرتبةِ؛ فإبراهيمُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ مِن الكُمَّلِ مِن الرُّسُلِ، ومع ذلك استبشَرَ بالأولادِ، وفَرِحَ بهم، فلا يقالُ: الفرَحُ بالأولادِ ينافي الكمالَ [422] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 155). !
5- قولُه: وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى مِن لُطْفِ اللهِ بإبراهيمَ أنْ قدَّمَ له البُشرى قبْلَ إعلامِه بإهلاكِ قومِ لُوطٍ؛ لعِلْمِه تعالى بحِلْمِ إبراهيمَ [423] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/242). .
6- قال الله تعالى: وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ، لَمَّا كان المَقامُ للابتلاءِ والامتحانِ، أجمَلَ البُشْرَى، وفصَّل النُّذْرَى [424] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/430). .
7- في قَولِه تعالى: قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا أنَّ الهلاكَ في الأصلِ إذا جاء يَشمَلُ الصَّالحَ وغيرَ الصَّالحِ؛ فلولا أنَّه يَشمَلُ الجَميعَ ما نَبَّهَهُم على هذا، بل إنَّ اللهَ ذَكَر ما يدُلُّ على ذلك صريحًا؛ قال تعالى: قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [425] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 156). [المؤمنون: 93، 94]، وفي الحديثِ عن زينبَ بنتِ جحشٍ زَوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالت: ((خرَج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا فَزِعًا مُحْمَرًّا وجْهُه، يقولُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، وَيْلٌ للعرَبِ، مِن شرٍّ قدِ اقترَبَ! فُتِح اليَومَ مِن رَدمِ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مِثلُ هذِه، وحلَّقَ بإِصبَعِه الإبهامِ والَّتي تَليها. قالت: فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، أنَهلِكُ وفينا الصَّالحونَ؟ قال: نعَمْ، إذا كَثُرَ الخَبَثُ )) [426] أخرجه البخاري (3346)، ومسلم (2880). .
8- عن قَتادةَ رَضِيَ الله عنه في قَولِه تعالى: قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا قال: (لا تلقَى المؤمِنَ إلَّا يرحَمُ المؤمِنَ، ويَحوطُه حيثُما كان) [427] أخرجه عبد الرزاق في ((تفسيره)) (3/5)، وابن جرير في ((تفسيره)) (9/3056)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (50/310)، ويُنظر: ((الدر المنثور)) للسيوطي (6/461). .
9- في قَولِه تعالى: قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا إثباتُ القَولِ والعِلْمِ للمَلائكةِ؛ ممَّا يدُلُّ على أنَّهم ذَوو عُقولٍ، وذَوو نُطقٍ، خلافًا لِمَن قال: إنَّهم لا عُقولَ لهم! وهذا مِن أغرَبِ ما يكونُ؛ أن يكونَ هؤلاءِ الملائكةُ الَّذين يُسَبِّحون اللَّيلَ والنَّهارَ لا يَفتُرونَ، والَّذين وَصَفَهم الله تعالى بأنَّهم عِبادٌ مُكرَمونَ؛ أن يَكونوا لا عُقولَ لهم، فمَن له عقلٌ بعدَ ذلك [428] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 160). ؟!
10- في قَولِه تعالى: لَنُنَجِّيَنَّهُ اعتبارُ القَسَمِ المُقَدَّرِ، بمعنى أنَّه لا يُشترَطُ في القَسَمِ أنْ تَنْطِقَ به، فلو قال قائلٌ: «لَأَفعَلَنَّ كذا» يكونُ مُقْسِمًا؛ لأنَّ هذه الجملةَ تكونُ جوابًا لقَسَمٍ مُقَدَّرٍ، ولو قال: «لَئِنْ آتانيَ اللهُ مِن فَضْلِه لَأَتَصَدَّقَنَّ» يكونُ نَذْرًا، قال اللهُ سبحانه وتعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [التوبة: 75، 76]، فجَعَلَ هذا نذرًا؛ لأنَّ النَّذْرَ ليس له صيغةٌ مُعَيَّنةٌ، بل كلُّ ما دلَّ على الالتزامِ فهو نَذْرٌ -بأيِّ صيغةٍ-، وقد يكونُ نذرًا مقرونًا بالقَسَمِ فيُفيدُ التَّوكيدَ [429] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 163). .
11- قَولُ الله تعالى: لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ فيه سؤالٌ: القَومُ عُذِّبوا بسبَبِ ما صدَرَ منهم مِنَ الفاحِشةِ، وامرأتُه لم يَصدُرْ منها تلك، فكيف كانت مِنَ الغابِرينَ معهم؟
الجواب: أنَّ الدَّالَّ على الشَّرِّ له نصيبٌ، كفاعِلِ الشَّرِّ، كما أنَّ الدَّالَّ على الخيرِ كفاعِلِه، وهي كانت تدُلُّ القومَ على ضيوفِ لوطٍ، حتَّى كانوا يَقصِدونَهم؛ فبِالدَّلالةِ صارت واحِدةً منهم [430] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/53). .
12- في قَولِه تعالى: لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ أنَّ الزَّوجةَ داخِلةٌ في الأهلِ؛ لأنَّهم استَثْنَوا مِن ذلك امرأتَه، والأصلُ في الاستثناءِ الاتِّصالُ؛ لأنَّه لولا أنَّها مِن المُستثنَى ما احتِيجَ إلى إخراجِها، وينبني على هذه الفائِدةِ أنَّ أزواجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هم مِن أهلِ بيتِه ولا شكَّ، خلافًا للرَّافضةِ الَّذين يُخرِجونَ زَوجاتِه مِن أهلِ بَيتِه، وفي القرآنِ ما يَدُلُّ على ذلك صَريحًا؛ قال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [431] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 162). [الأحزاب: 33].
13- في قَولِه تعالى: سِيءَ بِهِمْ أنَّ الأنبياءَ كغيرِهم مِن البَشَرِ؛ تَلْحَقُهم المَساءةُ والأحزانُ والسُّرورُ؛ فالعوارِضُ البَشَريةُ لا تُنافي كمالَ الرِّسالاتِ؛ ولهذا قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما أنا بَشَرٌ مِثْلُكم؛ أَنسَى كما تَنسَونَ )) [432] أخرجه البخاري (401)، ومسلم (572) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. ، وكذلك يَعتري الأنبياءَ البَردُ والحَرُّ، والجوعُ والعَطَشُ [433] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 169). .
14- في قَولِه تعالى: وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ الاستِدلالُ على الأحوالِ بالملامِحِ؛ لأنَّهم رَأوْا مِن العلاماتِ الظَّاهرةِ على ملامحِه ما يدُلُّ على خَوفِه. وفيها أيضًا: العملُ بالقرائنِ، والعملُ بالقرائنِ ثابتٌ في القرآنِ، ودليلُه مِن قصَّةِ يوسُفَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في قَولِ اللهِ سُبحانَه وتعالى: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ [يوسف: 26، 27]؛ فهذه قَرينةٌ [434] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 169). .
15- قال تعالى: وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ استِثناءُ امرأتِه مِن عُمومِ أهلِه استثناءٌ مِن التَّعليلِ لا مِنَ النَّهيِ؛ ففي ذلك مَعذِرةٌ له بما عسى أن يحصُلَ له مِن الحُزنِ على هلاكِ امرأتِه مع أنَّه كان يحسَبُها مُخلِصةً له [435] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/245). .
16- قَولُ الله تعالى: وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فيه إشارةٌ إلى غَفلةِ المُخاطَبينَ بهذه القِصَّةِ مِنَ العَرَبِ وغَيرِهم، وأنَّه ليس بيْنَهم وبيْنَ الهُدى إلَّا تفَكُّرُهم في أمْرِهم، مع الانخلاعِ مِن الهَوى، وإنَّما يكونُ ذلك لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، أي: يَتدَبَّرونَ؛ فعَدَّ مَن لم يَستبصِرْ بذلك غيرَ عاقِلٍ [436] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/434)، ((تفسير الشربيني)) (3/138). .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قولُه تعالى: وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ
- أُضيفَ الإهلاكُ والإنجاءُ إليهم، وإنَّما سُبحانَه هو المُهلِكُ والمُنَجِّي، ولكنْ لَمَّا كانوا هم الجائينَ به مِن عِندِه بهذا الإهلاكِ والإنجاءِ أُضيفَ إليهم [437] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (1/128). .
- قولُه: إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ تَعليلٌ لإِهلاكِهم لهم بإصرارِهم وتَماديهم في ظُلْمِهم الَّذي هو الكفرُ وأنواعُ المعاصي [438] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/193)، ((تفسير أبي السعود)) (7/38). . وقُصِدَ به استِئْناسُ إبراهيمَ لقَبولِ هذا الخبرِ المُحزِنِ، وأيضًا لأنَّ العدْلَ يَقْتضي ألَّا يكونَ العِقابُ إلَّا على ذنْبٍ يَقْتضيهِ [439] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/242). .
2- قوله تعالى: قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ
- قولُه: قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا خبرٌ مُستعمَلٌ في التَّذكيرِ بسُنَّةِ اللهِ مع رُسلِه مِن الإنجاءِ مِن العذابِ الَّذي يحُلُّ بأقوامِهم؛ فهو مِن التَّعريضِ للملائكةِ بتَخصيصِ لُوطٍ ممَّن شمِلَتْهم القريةُ في حُكْمِ الإهلاكِ، ولُوطٌ وإنْ لم يكُنْ مِن أهْلِ القريةِ بالأصالةِ فإنَّ كَوْنَه بيْنَهم يَقْتضي الخَشيةَ عليه مِن أنْ يَشمَلَه الإهلاكُ؛ ولهذا قال: إِنَّ فِيهَا لُوطًا بحرْفِ الظَّرفيَّةِ (في)، ولم يقُلْ: إنَّ منها [440] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/243). .
- قولُه: لَنُنَجِّيَنَّهُ بَيانٌ لجُملةِ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا؛ فلذلك لم تُعطَفْ عليها وفُصِلَت [441] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/244). .
- قولُه: إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ فِعْلُ (كانت) مُستعمَلٌ في معنى (تكونُ)، فعبَّرَ بصِيغةِ الماضي؛ تَشبيهًا للفِعلِ المُحقَّقِ وُقوعُه بالفِعلِ الَّذي مضَى، مِثْلُ قولِه: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ [النحل: 1] . ويجوزُ أنْ يكونَ مُرادًا به الكَوْنُ في عِلْمِ اللهِ وتقديرِه، كما في قولِه: قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ [النمل: 57] ، فتكونَ صِيغةُ الماضي حقيقةً [442] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/244). . وقيل: (كان) هنا مَسلوبةُ الزَّمنِ، والمرادُ اتِّصافُ اسمِها بخبرِها، أي: اتَّصفَتْ بكَونِها مِن الغابِرينَ [443] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة العنكبوت)) (ص: 158، 159). .
3- قوله تعالى: وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ
- قولُه: وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا (أَنْ) صِلَةٌ أكَّدَتْ وُجودَ الفِعلَينِ جَاءَتْ وسِيءَ، مُترتِّبًا أحدُهما على الآخَرِ في وَقتينِ مُتجاوِرَينِ لا فاصِلَ بيْنَهما، كأنَّهما وُجِدَا في جُزءٍ واحدٍ مِن الزَّمانِ؛ كأنَّه قِيل: لَمَّا أحَسَّ بمَجِيئهم فاجأَتْه المَساءةُ مِن غيرِ رَيثٍ؛ خِيفةً عليهم مِن قَومِه [444] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/453)، ((تفسير أبي حيان)) (8/355)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/244). .
- وفيه مُناسَبةٌ حَسَنةٌ، حيث قال هنا: وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا، وقال مِن قبْلُ في السُّورةِ نفْسِها: وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ [العنكبوت: 31] ؛ وذلك لحِكمةٍ بالغةٍ، وهي أنَّ الواقعَ في وقْتِ المجيءِ هناك قولُ الملائكةِ: إِنَّا مُهْلِكُو، وهو لم يكُنْ مُتَّصِلًا بمَجيئِهم؛ لأنَّهم بشَّروا أوَّلًا ولَبِثوا، ثمَّ قالوا: إِنَّا مُهْلِكُو، وأيضًا فالتَّأنِّي واللُّبثُ بعدَ المَجيءِ، ثمَّ الإخبارُ بالإهلاكِ حَسَنٌ؛ فإنَّ مَن جاء ومعه خبرٌ هائلٌ يَحسُنُ منه ألَّا يُفاجِئَ به، والواقعُ هاهنا هو خَوفُ لُوطٍ عليهم، والمُؤمِنُ حينَما يَشعُرُ بمَضرَّةٍ تصِلُ بريئًا مِن الجِنايةِ، يَنْبغي أنْ يَحزَنَ ويَخافَ عليه مِن غيرِ تأْخيرٍ، إذا عُلِمَ هذا فقولُه هاهنا: وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا يُفِيدُ الاتِّصالَ، يعني: خاف حِينَ المَجيءِ [445] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/52). .
- ومِن المُناسَبةِ أيضًا: أنَّ قولَه: وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا وقَعَ في (هودٍ): وَلَمَّا جَاءَتْ [هود: 77] بغيرِ (أنْ)؛ وذلك لأنَّ (لَمَّا) يَقْتضي جوابًا، وإذا اتَّصلَ به (أنْ) دلَّ على أنَّ الجوابَ وقَعَ في الحالِ مِن غيرِ تَراخٍ، كما في هذه السُّورةِ، وهو قولُه: سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا، وفي (هُودٍ) اتَّصلَ به كلامٌ بعدَ كلامٍ، إلى قولِه: قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ [هود: 81] ، فلمَّا طال لم يَحسُنْ دُخولُ (أنْ) [446] يُنظر: ((درة التنزيل وغرة التأويل)) للإسكافي (ص: 1029-1033)، ((أسرار التكرار في القرآن)) للكرماني (ص: 199)، ((بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز)) للفيروزابادي (1/362). . وقيل: لم تقَعْ (أنْ) المُؤكِّدةُ في آيةِ سُورةِ (هودٍ)؛ لأنَّ في تلك السُّورةِ تَفصيلًا لسَببِ إساءتِه، وضِيقِ ذَرْعِه؛ فكان ذلك مُغْنِيًا عن التَّنبيهِ عليه في هذه الآيةِ، فكان التَّأكيدُ هنا ضرْبًا مِن الإطنابِ [447] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/244، 245). .
- وبِناءُ فِعلِ سِيءَ للمَجهولِ؛ لأنَّ المقصودَ حُصولُ المفعولِ دونَ فاعِلِه. وعُطِفَتْ عليه جُملةُ وَقَالُوا لَا تَخَفْ؛ لأنَّها مِن جُملةِ ما وقَعَ عقِبَ مَجِيءِ الرُّسلِ لُوطًا [448] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/245). .
- وهاهنا إيجازٌ؛ فقد طُوِيَت جُمَلٌ دلَّ عليها قولُه: إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ، وهي الجُمَلُ الَّتي ذُكِرَت مَعانيها في قولِه تعالى: وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ، إلى قولِه: قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ في سُورةِ (هُودٍ) [449] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/245). [78 - 81].
- قولُه: وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ قدَّموا تأْمينَه قبْلَ إعلامِه بأنَّهم مُنزِلون العذابَ على أهْلِ القريةِ؛ تَعجيلًا بتَطْمينِه. وعطْفُ وَلَا تَحْزَنْ على لَا تَخَفْ جمْعٌ بيْنَ تأْمينِه مِن ضُرِّ العذابِ وبيْن إعلامِه بأنَّ الَّذين سيُهْلَكون لَيسوا أهْلًا لِأَنْ يَحزَنَ عليهم [450] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/245). ، وذلك على أحدِ الأقوالِ في التَّفسيرِ.
- قولُه: إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ تَعليلٌ للنَّهيِ عن الأمْرينِ [451] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/245). .
- فإنْ قِيل: قولُهم: لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ لا يُناسِبُه إِنَّا مُنَجُّوكَ؛ لأنَّ خَوْفَه ما كان على نفْسِه!
فالجوابُ: أنَّ بيْنَهما مُناسبةً في غايةِ الحُسنِ؛ وهي أنَّ لُوطًا عليه السَّلامُ لَمَّا خاف عليهم، وحَزِنَ لِأجْلِهم -على قولٍ في التفسيرِ-، قالوا له: لا تخَفْ علينا ولا تَحزَنْ لأجْلِنا؛ فإنَّا ملائكةٌ، ثمَّ قالوا له: يا لوطُ، خِفْتَ علينا، وحَزِنْتَ لأجْلِنا؛ ففي مُقابَلةِ خوفِك وقتَ الخوفِ نُزِيلُ خوفَك ونُنجِّيك، وفي مُقابَلةِ حُزْنِك نُزِيلُ حُزْنَك، ولا نَتركُك تُفجَعُ في أهْلِك، فقالوا: إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ [452] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/53). .
- وفيه مُناسَبةٌ حَسَنةٌ، حيثُ قال هنا: إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ، وقال لإبراهيمَ: لَنُنَجِّيَنَّهُ [العنكبوت: 32] بصِيغةِ الفِعلِ؛ وذلك أنَّ هناك لَمَّا قال لهم إبراهيمُ: إِنَّ فِيهَا لُوطًا، وعَدُوه بالتَّنجيةِ، ووعْدُ الكريمِ حتْمٌ، وهاهنا لَمَّا قالوا لِلُوطٍ -وكان ذلك بعدَ سبْقِ الوعْدِ مرَّةً أُخرى- قالوا: إِنَّا مُنَجُّوكَ، أي: ذلك واقعٌ مِنَّا، كقولِه تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ [الزمر: 30] ؛ لِضَرورةِ وُقوعِه [453] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/53). .
4- قوله تعالى: إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
- قولُه: إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا جُملةٌ مُستأنَفةٌ، وقَعَتْ بَيانًا لِمَا في جُملةِ لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ [العنكبوت: 33] مِن الإيذانِ بأنَّ ثمَّةَ حادِثًا يُخافُ منه، ويُحزَنُ له [454] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/245). . وقيل: هي استئنافٌ مَسُوقٌ لبَيانِ ما أُشِيرَ إليه بوَعدِ التَّنجيةِ مِن نُزولِ العذابِ عليهم [455] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/39). .
5- قوله تعالى: وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ عطْفٌ على جُملةِ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ... [العنكبوت: 28] عطْفَ آيةٍ على آيةٍ؛ لأنَّ قِصَّةَ لُوطٍ آيةٌ بما تضمَّنَتْه مِن الخبرِ، وآثارَ قَريةِ قومِه آيةٌ أُخرى بما يُمكِنُ مُشاهَدتُه لأهْلِ البصرِ. ويجوزُ أنْ تكونَ جُملةً مُعترِضةً في آخرِ القصَّةِ. وعلى كِلَا الوجهَينِ فهو مِن كلامِ اللهِ تعالى [456] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/246). .
- ومَفعولُ تَرَكْنَا يجوزُ أنْ يكونَ آَيَةً، فيُجعَلُ (مِن) حرْفَ جرٍّ، وهو مَجرورٌ وصْفًا لـ آَيَةً؛ قُدِّمَ على مَوصوفِه للاهتمامِ، فيُجعَلُ حالًا مِن آَيَةً. ويجوزُ أنْ تكونَ (مِن) للابتداءِ، أي: ترَكْنا آيةً صادرةً مِن آثارِها، ومَعرفةِ خَبرِها. ويجوزُ جَعلُ (مِن) اسمًا بمعنى (بعضٍ)؛ فتكونُ (مِن) مفعولًا مُضافًا إلى ضَميرِ (قرية) [457] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/246). .
- وفيه مُناسَبةٌ حَسَنةٌ، حيثُ قال في السَّفينةِ: وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ [العنكبوت: 15] ، ولم يقُلْ: (بيِّنة)، وقال هاهنا: آَيَةً بَيِّنَةً؛ وذلك لأنَّ الإنجاءَ بالسَّفينةِ أمْرٌ يتَّسِعُ له كلُّ عقْلٍ، وقد يقَعُ في وهْمِ جاهلٍ أنَّ الإنجاءَ بالسَّفينةِ لا يَفتقِرُ إلى أمْرٍ آخَرَ، وأمَّا الآيةُ هاهنا الخسْفُ، وجعْلُ دِيارٍ مَعمورةٍ عالِيَها سافلَها، وهو ليس بمُعتادٍ، وإنَّما ذلك بإرادةِ قادرٍ يُخصِّصُه بمكانٍ دونَ مكانٍ، وفي زمانٍ دونَ زمانٍ؛ فهي بيِّنةٌ لا يُمكِنُ لجاهلٍ أنْ يقولَ: هذا أمرٌ يكونُ كذلك، وكان له أنْ يقولَ في السَّفينةِ: النَّجاةُ بها أمْرٌ يكونُ كذلك، إلى أنْ يُقالَ له: فمِن أين عَلِمَ أنَّه يَحتاجُ إليها، ولو دام الماءُ حتَّى يَنفَدَ زادُهم كيف كان يَحصُلُ لهم النَّجاةُ؟ ولو سلَّطَ اللهُ عليهم الرِّيحَ العاصفةَ كيف يكونُ أحوالُهم [458] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/53، 54). ؟
وفيه وجْهٌ آخرُ: أنَّها آيةٌ واضحةٌ دائمةٌ على طُولِ الزَّمانِ إلى الآنَ؛ ولذلك وُصِفَت بـ بَيِّنَةً، ولم تُوصَفْ آيةُ السَّفينةِ بـ (بَيِّنِة) في قولِه: وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ [العنكبوت: 15] ؛ لأنَّ السَّفينةَ قد بَلِيَت ألْواحُها وحديدُها، أو بقِيَ منها ما لا يَظهَرُ إلَّا بعدَ تَفتيشٍ إنْ كان [459] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/246). .
- ومِن المُناسَبةِ أيضًا قولُه هاهنا: لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، وقال هناك: لِلْعَالِمِينَ [العنكبوت: 15] ؛ وذلك لأنَّ السَّفينةَ مَوجودةٌ في جميعِ أقطارِ العالَمِ، فعندَ كلِّ قومٍ مِثالٌ لسَفينةِ نُوحٍ يَتذكَّرون بها حالَه، وإذا رَكِبوها يَطلُبون مِن اللهِ النَّجاةَ، ولا يثِقُ أحدٌ بمُجرَّدِ السَّفينةِ، بلْ يكونُ دائمًا مُرتجِفَ القلْبِ، مُتضَرِّعًا إلى اللهِ تعالى؛ طلَبًا للنَّجاةِ، وأمَّا أثَرُ الهلاكِ في بِلادِ لُوطٍ ففي مَوضعٍ مَخصوصٍ لا يطَّلِعُ عليه إلَّا مَن يمُرُّ بها ويصِلُ إليها، ويكونُ له عقْلٌ يَعلَمُ أنَّ ذلك مِن اللهِ المُريدِ؛ بسَببِ اختِصاصِه بمكانٍ دونَ مكانٍ، ووُجودِه في زمانٍ بعدَ زمانٍ [460] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (25/54). .