موسوعة التفسير

سورةُ الحَجِّ
الآيات (19-22)

ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ

غريب الكلمات :

الْحَمِيمُ: أي: الماءُ الشَّديدُ الحَرارةِ، وأصلُ (حمم): يَدُلُّ على الحَرارةِ .
يُصْهَرُ: أي: يُذابُ، والصَّهرُ: إذابةُ الشَّحمِ، وأصلُ (صهر): يدُلُّ على إذابةِ شَيءٍ .
مَقَامِعُ: أي: سياطٌ ومَطارِقُ ومَرازِبُ، مِن قَولِهم: قَمَعْتُ رأسَه: إذا ضَرَبْتَه ضَربًا عنيفًا، وأصلُ (قمع): يدُلُّ على إذلالٍ وقَهرٍ .

المعنى الإجمالي:

يقولُ تعالى: هذان فَريقانِ اختَلَفوا في شأنِ رَبِّهم وتوحيدِه: أهلُ الإيمانِ وأهلُ الكُفرِ؛ فالذين كَفَروا جُعِلَت لهم ثيابٌ مِن نارٍ يَلْبَسونَها، يُصَبُّ على رُؤوسِهم الماءُ المُتناهي في حَرِّه، يُذابُ بهذا الحَميمِ المصبوبِ فَوقَ رُؤوسِ الكُفَّارِ ما في بُطونِهم والجلودُ، وتَضرِبُهم الملائِكةُ على رُؤوسِهم بمَطارِقَ مِن حَديدٍ، كُلَّما حاولوا الخروجَ مِنَ النَّارِ؛ لشِدَّةِ غَمِّهم وكَرْبِهم، أُعيدُوا فيها، وقيلَ لهم: ذُوقُوا عذابَ النَّارِ المُحرِقةِ.

تفسير الآيات :

هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
لَمَّا ذكَر تعالى أهلَ السعادةِ وأهلَ الشقاوةِ؛ ذكَر ما دار بينَهم مِن الخصومةِ في دينِه .
وأيضًا لَمَّا كان قَولُه تعالى: وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ [الحج: ١٨] يُثيرُ سُؤالَ مَن يَسألُ عن بَعضِ تَفصيلِ صِفَةِ العَذابِ الذي حَقَّ على كثيرٍ مِنَ النَّاسِ الذين لم يَسجُدوا لله تعالى؛ جاءت هذه الجُملةُ لِتَفصيلِ ذلك .
هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ.
أي: هذان فَريقانِ اختَلَفوا في شأنِ رَبِّهم وتوحيدِه ودينِه، وتعادَوْا وتحارَبوا: المُؤمِنونَ والكافِرونَ؛ فالمُؤمِنونَ يُريدونَ نُصرةَ دينِ اللهِ، وإعلاءَ كَلِمتِه، والكافِرونَ يُريدونَ إطفاءَ نُورِ الإيمانِ، وقَمْعَ الحَقِّ، وإظهارَ الباطِلِ .
عن قَيسِ بنِ عَبَّادٍ، قال: (سَمِعْتُ أبا ذَرٍّ يُقسِمُ قَسَمًا: إنَّ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ إنَّها نَزَلت في الذين بَرَزوا يومَ بَدرٍ: حَمزةُ وعَلِيٌّ وعُبَيدةُ بنُ الحارِثِ، وعُتَبةُ وشَيبةُ ابنا ربيعةَ، والوليدُ بنُ عُتبةَ) .
وعن قَيسِ بنِ عَبَّادٍ، عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ الله عنه أنَّه قال: (أنا أوَّلُ مَن يجثو بينَ يدَيِ الرَّحمنِ للخُصومةِ يومَ القيامةِ)، وقال قيسُ بنُ عَبَّادٍ: وفيهم أُنزِلَت: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ، قال: (هم الذين تبارَزوا يومَ بَدرٍ: حمزةُ وعَليٌّ وعُبَيدةُ -أو أبو عبيدةَ بنُ الحارثِ-، وشَيبةُ بنُ رَبيعةَ، وعُتْبةُ بنُ رَبيعةَ، والوَليدُ بنُ عُتبةَ) .
فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ.
أي: فالذين كَفَروا بالله فُصِّلَت لهم ثِيابٌ مِن نارٍ، فيَعُمُّ العذابُ أجسادَهم .
كما قال تعالى: وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ [إبراهيم: 49-50].
يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ.
أي: يُصَبُّ على رُؤوسِ الكُفَّارِ الماءُ المُغْلَى الشَّديدُ الحَرارةِ .
كما قال تعالى: خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ [الدخان: 47-48] .
يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
لمَّا ذكَرَ ما يُعذَّبُ به الجَسدُ ظاهِرُه وما يُصَبُّ على الرَّأسِ؛ ذكَرَ ما يَصِلُ إلى باطنِ المُعذَّبِ .
يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20).
أي: يُذابُ بالحَميمِ المصبوبِ فَوقَ رُؤوسِ الكُفَّارِ ما في بُطونِهم -مِنَ اللَّحمِ والشَّحمِ، والأمعاءِ والأحشاءِ -، والجلودُ .
وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21).
أي: وللكُفَّارِ في جهَنَّمَ مَرازِبُ ومَطارِقُ مِن حَديدِ، تَضرِبُهم وتَدفَعُهم بها خَزَنةُ النَّارِ مِن الملائِكةِ .
كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22).
كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا.
أي: كُلَّما أراد هؤلاءِ الكُفَّارُ أن يَخرُجوا مِنَ النَّارِ بسَبَبِ ما نالهم فيها مِنْ غَمٍّ، أُعيدُوا في النَّارِ مرَّةً أُخرى .
كما قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فاطر: 36-37] .
وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ.
أي: ويُقالُ لهؤلاء الكافرينَ: ذوقوا عَذابَ النَّارِ المُحرِقَ للقُلوبِ والأبدانِ .
كما قال تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ [السجدة: 20] .

الفوائد التربوية :

حَذَّرَنا اللهُ تعالى في كتابِه مِن النَّارِ، وأخبَرَنا عن أنواعِ عَذابِها بما تتفَطَّرُ منه الأكبادُ، وتتفَجَّرُ منه القُلوبُ؛ حَذَّرَنا منها وأخبَرَنا عن أنواعِ عَذابِها؛ رحمةً بنا؛ لنزدادَ حَذَرًا وخَوفًا، ومن ذلك قولُه تعالى: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ .

الفوائد العلمية واللطائف:

قال تعالى: اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ والاختِصامُ يَشمَلُ ما وقع أحيانًا مِن التَّحاوُرِ الحقيقيِّ بين أهلِ الأديانِ المذكورةِ، والمعنويَّ؛ فإنَّ اعتِقادَ كُلٍّ مِن الفريقَينِ بحَقِّيَّةِ ما هو عليه وبُطلانِ ما عليه صاحِبُه، وبناءَ أقوالِه وأفعالِه عليه: خُصومةٌ للفَريقِ الآخَرِ، وإنْ لم يَجْرِ بينهما التَّحاوُرُ والِخصامُ .

بلاغة الآيات :

1- قَولُه تعالى: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ
- قولُه: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا استئنافٌ بَيانيٌّ؛ لأنَّ قولَه: وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ يُثِيرُ سُؤالَ مَن يسأَلُ عن بَعضِ تَفصيلِ صِفَةِ العذابِ الَّذي حَقَّ على كَثيرٍ مِن النَّاسِ الَّذينَ لم يَسْجُدوا للهِ تعالى؛ فجاءت هذه الجُملةُ لتَفصيلِ ذلك. واسمُ الإشارةِ هَذَانِ مُشيرٌ إلى ما يُفِيدُه قولُه تعالى: وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ، والإشارةُ إلى ما يُسْتَفادُ مِن الكلامِ بتَنزيلِه مَنزِلةَ ما يُشاهَدُ بالعينِ .
- قولُه: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا في قولِه: هَذَانِ تَعيينٌ لطَرَفيِ الخِصامِ، وإزاحةٌ لِمَا عسى يَتبادَرُ إلى الوهْمِ مِن كَونِه بينَ كلِّ واحدةٍ من الفِرَقِ السِّتِّ وبين البواقي، وتَحريرٌ لِمَحلِّه، أي: فريقُ المُؤمِنينَ وفريقُ الكَفَرةِ المُقسَّمِ إلى الفِرَقِ الخَمْسِ . وأُتِيَ باسمِ الإشارةِ الموضوعِ للمُثنَّى هَذَانِ؛ لمُراعاةِ تَثنيةِ اللَّفظِ، وأُتِيَ بضَميرِ الجماعةِ اخْتَصَمُوا؛ لِمُراعاةِ العدَدِ .
- قولُه: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ تَفصيلٌ لِمَا أُجْمِلَ في قولِه تعالى: يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
- قولُه: قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ تَعبيرٌ بَليغٌ، كأنَّ الله تعالى يُقدِّرُ لهم نِيرانًا على مقاديرِ جُثَثِهم، تَشتمِلُ عليهم كما تُقطَّعُ الثِّيابُ الملبوسةُ .
- وأيضًا قولُه: قُطِّعَتْ فيه مُبالغةُ القَطْعِ، وصِيغَت صِيغةَ الشِّدَّةِ في القَطْعِ؛ للإشارةِ إلى السُّرعةِ في إعدادِ ذلك لهم .
- جاء قولُه: قُطِّعَتْ بلفْظِ الماضي؛ لأنَّ ما كان مِن أخبارِ الآخرةِ؛ فالموعودُ منه كالواقِعِ المُحقَّقِ .
- قولُه: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ فيه مُناسَبةٌ حَسنةٌ؛ حيث إنَّه لمَّا ذكَرَ ما يُصَبُّ على رُؤوسِهم؛ إذ يَظهَرُ في المعروفِ أنَّ الثَّوبَ إنَّما يُغطَّى به الجسَدُ دونَ الرَّأسِ؛ فذكَرَ ما يُصِيبُ الرَّأسَ منَ العذابِ .
- وفائدةُ زِيادةِ (مِنْ) في قولِه تعالى: مِنْ فَوْقِ: أنَّها لابتِداءِ الغايةِ في أوَّلِ أمكنةِ الفوقيَّةِ، والحميمُ إذا صُبَّ فوقَهم عن بُعْدٍ، فإنَّه يُدرِكُه الهواءُ، فيَنقُصُ مِن حرارتِه، فإذا صُبَّ فوقَ رُؤوسِهم بالقُرْبِ نزَلَ كما هو؛ فأفادت زِيادةُ (مِن) أنَّه يُصَبُّ فوقَ رُؤوسِهم مِن أقرَبِ أمكنةِ الفوقيَّةِ إليهم حتَّى لَا يَنتقِصَ مِن حرارتِه شَيءٌ .
- وفي الكلامِ تَقسيمٌ وجَمْعٌ وتَفريقٌ؛ فالتَّقسيمُ: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ... إلى قولِه: وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا، والجَمْعُ: إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ إلى قولِه تعالى: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [الحج: 19] ، والتَّفريقُ: قولُه: فَالَّذِينَ كَفَرُوا إلى قولِه تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [الحج: 23] ، ورُوعِيَ فيه معنى قولِه تعالى: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة: 7] ؛ لأنَّه حينَ ذكَرَ فريقَ الكُفَّارِ ما أسنَدَ جزاءَهم إلى اللهِ تعالى، وحين ذكَرَ جزاءَ المُؤمِنينَ أتَى باسْمِه الجامِعِ (الله)، وصَدَّرَ الجُملةَ بـ (إنَّ)، وفصَلَها للاستئنافِ؛ ليكونَ أدَلَّ على التَّفخيمِ والتَّعظيمِ، وذيَّلَ الكلامَ بقولِه: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ. وأمَّا تَوسيطُ قولِه تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ ... الآيةَ؛ فلِلتَّفريعِ على اختلافِ الكَفرةِ، واستبعادِه معَ وُجودِ هذه الآياتِ الصَّارفةِ .
2- قولُه تعالى: يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ
- أُخِّرَ قولُه: وَالْجُلُودُ؛ إمَّا لمُراعاةِ الفواصلِ، أو للإشعارِ بغايةِ شِدَّةِ الحرارةِ، بإيهامِ أنَّ تأْثيرَها في الباطِنِ أقدَمُ مِن تأْثيرِها في الظَّاهرِ، مع أنَّ مُلابستَها على العكْسِ .
3- قَولُه تعالى: كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ
- قولُه: كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا فيه إيجازٌ بالحذْفِ؛ لأنَّ الإعادةَ والرَّدَّ لا يكونُ إلَّا بعْدَ الخُروجِ؛ فالتَّقديرُ: كلَّما أرادوا أنْ يَخرُجوا منها مِن غَمٍّ، فخَرَجوا؛ أُعِيدوا فيها . وفائدةُ الحذْفِ: الإشعارُ بسُرعةِ تَعلُّقِ الإرادةِ بالإعادةِ، وأنَّه حين تَعلَّقَت إرادتُهم بالخُروجِ، حصَلَ وتَرتَّبَ عليه الإعادةُ، كأنَّ إرادةَ الخُروجِ نفْسُ الخُروجِ، فأُعِيدوا بلا مُكْثٍ .
- قولُه: وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ هذا القولُ إهانةٌ لهم؛ فإنَّهم قد عَلِموا أنَّهم يَذوقونَه .
- قولُه: وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ فيه إيجازٌ بالحذْفِ؛ تَقديرُه: وقيل لهم: ذُوقُوا، كما في السَّجدةِ: وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ [السجدة: 20] .