موسوعة التفسير

سورةُ الحَجِّ
الآيات (14-17)

ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ

غريب الكلمات :

بِسَبَبٍ: أي: بحَبلٍ، وأصلُ (سبب): يدُلُّ على طولٍ وامتِدادٍ [247]     يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 291)، ((تفسير ابن جرير)) (16/481)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 264)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/64)، ((المفردات)) للراغب (ص: 391)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 301). .
وَالصَّابِئِينَ: جمْعُ صابئٍ، ويُقالُ لكلِّ خارجٍ مِن دِينٍ إلى دينٍ آخرَ، والصابئونَ فِرقٌ؛ منها: الصابئةُ الحُنفاءُ، ومنها صابئةٌ مشركونَ، ومنها صابئةٌ فلاسفةٌ، إلى غيرِ ذلك، وأصلُ (صبأ): يدُلُّ على خروجٍ وبُروزٍ، يُقالُ: صبأَتِ النُّجُومُ؛ إذا خرَجتْ مِن مطالعِها [248]     يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/332)، ((البسيط)) للواحدي (2/618)، ((المفردات)) للراغب (ص: 475)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 18)، ((تفسير القرطبي)) (1/434)، ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (2/250، 251)، ((تفسير ابن كثير)) (1/287)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 79)، ((مفاتيح التفسير)) للخطيب (2/551). .
وَالْمَجُوسَ: هم أهلُ دينٍ يُثبِتُ إلَهَينِ: إلهًا للخَيرِ، وإلهًا للشَّرِّ، وهم أهلُ فارسَ [249]     يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/298)، ((البسيط)) للواحدي (15/319)، ((تاج العروس)) للزبيدي (16/495)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/223). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ الله تعالى: إنَّ اللهَ يُدخِلُ الذين آمَنوا باللهِ ورَسولِه، وعَمِلوا الصَّالحاتِ، جَنَّاتٍ تَجري مِن تَحتِ أشجارِها وقُصورِها الأنهارُ، إنَّ اللهَ يَفعَلُ ما يريدُ. مَن كان يعتَقِدُ أنَّ اللهَ تعالى لن ينصُرَ رَسولَه مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الدُّنيا وفي الآخرةِ، فلْيَمدُدْ حَبلًا إلى سَقفِ بَيتِه، ولْيَخنُقْ به نَفْسَه، ثمَّ لْيَنظُرْ: هل يُذْهِبنَّ ذلك ما يجِدُ في نَفسِه مِن الغَيظِ؛ فإنَّ اللهَ تعالى ناصِرٌ نبيَّه مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومُتِمُّ نُورِه لا محالةَ.
وكما بَيَّنَ اللهُ تعالى الآياتِ السَّابِقةَ وأوضَحَها، أنزَلَ القُرآنَ آياتُه واضِحةٌ في لَفظِها ومَعناها؛ ولأنَّ اللهَ يَهدي بهذا القُرآنِ إلى الحَقِّ مَن يريدُ هِدايَتَه، أنزَلَه آياتٍ بَيِّناتٍ.
إنَّ الذين آمَنوا باللهِ ورُسُلِه، واليَهودَ والصَّابئينَ والنَّصارى والمجوسَ والذين أشرَكوا؛ إنَّ الله يَفصِلُ بينهم جميعًا يومَ القيامةِ، فيُدخِلُ المُؤمِنينَ الجَنَّةَ، ويُدخِلُ الكافرينَ النَّارَ، إنَّ اللهَ على كُلِّ شَيءٍ شَهيدٌ، لا يخفى عليه شَيءٌ سُبحانَه.

تفسير الآيات:

إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
لَمَّا بيَّنَ اللهُ سُبحانَه في الآيةِ السَّابِقةِ حالَ عِبادةِ المُنافِقينَ وحالَ مَعبودِهم؛ بيَّنَ في هذه الآيةِ صِفةَ عِبادةِ المُؤمِنينَ وصِفةَ مَعبودِهم [250]     يُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/210). .
وأيضًا لَمَّا ذَكَر تعالى المجادِلَ بالباطِلِ، وأنَّه على قِسمَينِ: مُقلِّد، وداعٍ؛ ذَكَر أنَّ المُتسمِّيَ بالإيمانِ أيضًا على قِسمَينِ: قِسْمٌ لم يَدخُلِ الإيمانُ قلبَه. والقِسمُ الثاني: المؤمِنُ حقيقةً، وهو الذي صدَّق ما معه من الإيمانِ بالأعمالِ الصَّالحةِ، فأخْبَر تعالى أنَّه يُدخِلُ أصحابَ هذا القسمِ جَنَّاتٍ تَجري مِن تَحتِها الأنهارُ [251]     يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 535). .
وأيضًا لَمَّا ذَكَر أنَّ الأصنامَ لا تَنفَعُ مَن عبَدَها، قابَلَ ذلك بأنَّ اللهَ يَنفَعُ مَن عَبَدَه بأعظمِ النَّفعِ، وهو دُخولُ الجَنَّةِ [252]     يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/34). .
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ.
أي: إنَّ اللهَ يُدخِلُ يومَ القيامةِ الذين آمَنوا بكُلِّ ما وجَبَ عليهم الإيمانُ به، وعَمِلوا الأعمالَ الصَّالِحةَ- جَناتٍ تَجري الأنهارُ مِن تَحتِ أشجارِها وقُصورِها [253]     يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/478)، ((تفسير أبي السعود)) (6/98، 99)، ((البحر المديد)) لابن عجيبة (3/518)، ((تفسير الشوكاني)) (3/521)، ((تفسير السعدي)) (ص: 535). قال الشوكاني: (إنْ أُريد بها الأشجارُ المتكاثفةُ الساترةُ لِما تحتَها، فجريانُ الأنهارِ مِن تحتِها ظاهرٌ، وإنْ أُريد بها الأرضُ فلا بدَّ مِن تقديرِ مضافٍ، أي: مِن تحتِ أشجارِها). ((تفسير الشوكاني)) (3/522). .
إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ.
أي: إنَّ اللهَ يَفعَلُ كُلَّ ما يُريدُ فِعلَه مِن نَفعٍ أو ضُرٍّ دونَ مُمانِعٍ، ويَحكُمُ في خَلقِه في الدُّنيا والآخرةِ بما يَشاءُ، ومِن ذلك إيصالُ أهلِ الجَنَّةِ إليها [254]     يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/478)، ((تفسير السمرقندي)) (2/451)، ((تفسير القرطبي)) (12/21)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/21)، ((تفسير أبي السعود)) (6/99)، ((تفسير السعدي)) (ص: 535). .
مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15).
مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ.
أي: مَن كان يَظُنُّ [255]     قيل: المرادُ: الكافرُ الحاسدُ. وممن قال بذلك: الشنقيطي. يُنظر: ((أضواء البيان)) (4/287). وقيل: المرادُ مَن يعبدُ الله على حَرفٍ. وممن قال بذلك: ابنُ جرير، وابنُ عطية. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/483، 484)، ((تفسير ابن عطية)) (4/111). أنَّ اللهَ ليس بناصرٍ رَسولَه مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [256]     وممن قال بأنَّ الضميرَ في قولِه تعالى: يَنْصُرَهُ عائدٌ إلى محمَّدٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلام: ابنُ جرير، وابنُ عطيةَ، والسعدي، والشنقيطي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/483، 484)، ((تفسير ابن عطية (4/111)، ((تفسير السعدي)) (ص: 535)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/287). قال الواحدي: (أكثرُ أهلِ التفسيرِ على أنَّ الهاءَ في يَنْصُرَهُ كنايةٌ عن محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم). ((البسيط)) (15/307). وذكر القولَ الثاني، فقال أيضًا: (ومذهبُ مجاهدٍ والضحَّاكِ: أنَّ الهاءَ كنايةٌ عن مَنْ في قولِه مَنْ كَانَ). ((البسيط)) (15/314). وممن اختار هذا القولَ: ابنُ جُزي، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/35)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/219). قال ابنُ جزي: (القَولُ الثَّاني: أنَّ الضَّميرَ في يَنْصُرَهُ عائدٌ على مَنْ، والمعنى على هذا: مَن ظنَّ بسَبَبِ ضِيقِ صَدرِه وكَثرةِ غَمِّه أنْ لن يَنصُرَه اللهُ، فلْيَختَنِقْ ولْيَمُتْ بغَيظِه؛ فإنَّه لا يَقدِرُ على غيرِ ذلك، فمُوجبُ الاختناقِ على هذا القُنوطُ والسَّخَطُ من القَضاءِ، وسوءُ الظَّنِّ باللهِ حتى ييأسَ مِن نَصْرِه؛ ولذلك فَسَّر بعضُهم أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ بمعنى: أنْ لن يَرزُقَه. وهذا القَولُ أرجَحُ مِن الأوَّلِ؛ لِوَجهَينِ: أحَدُهما: أنَّ هذا القَولَ مُناسِبٌ لِـ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ؛ لأنَّه إذا أصابَتْه فِتنةٌ انقَلَب وقَنِطَ، حتى ظَنَّ أنَّ اللهَ لن يَنصُرَه، فيكونُ هذا الكلامُ مُتَّصِلًا بما قَبْلَه، ويدُلُّ على ذلك قَولُه قبلَ هذه الآيةِ: إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، أي: الأمورُ بيَدِ اللهِ؛ فلا ينبغي لأحَدٍ أن يتسَخَّطَ مِن قَضاءِ اللهِ، ولا ينقَلِبَ إذا أصابَتْه فِتنةٌ. والوَجهُ الثَّاني: أنَّ الضَّميرَ في يَنْصُرَهُ على هذا القَولِ يعودُ على ما تقدَّمَه، وأمَّا على القَولِ الأوَّلِ فلا يعودُ على مذكورٍ قَبْلَه؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يُذكَرْ قبلَ ذلك بحيثُ يعودُ الضَّميرُ عليه، ولا يدُلُّ سِياقُ الكلامِ عليه دَلالةً ظاهِرةً). ((تفسير ابن جزي)) (2/35). وذهب ابنُ جريرٍ إلى تفسيرِ النصرِ بالرزقِ. وضعَّفه ابنُ القيم، والشنقيطي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/483، 484)، ((الصواعق المرسلة)) لابن القيم (2/695)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/288). وقال ابنُ عطية: (أَبْيَنُ وجوهِ هذه الآيةِ أن تكونَ مثلًا، ويكونَ «النصرُ» المعروفَ، و«القطعُ»: الاختناقَ، و«السماءُ»: الارتفاعَ في الهواءِ بسقفٍ أو شجرةٍ ونحوِه، فتأمَّلْه). ((تفسير ابن عطية)) (4/112). في الدُّنيا والآخرةِ، فلْيُعَلِّقْ حَبلًا في سقفِ بيتِه، ويَشُدَّه في عُنُقِه [257]     يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/111، 112)، ((تفسير القرطبي)) (12/21)، ((تفسير ابن كثير)) (5/402)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/286، 287). قيل المراد: حَبْلٌ يُعلَّقُ في سَقفٍ بَيتٍ أو غيرِه، وكلُّ شَيءِ علاك وأظَلَّك فهو سماءٌ. وممن قال بذلك: ابن جرير، والسمعاني -ونسبه لجميعِ المفسرينَ-، وابن عطية، ونسبه ابنُ الجوزي إلى الأكثرين. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/483، 484)، ((تفسير السمعاني)) (3/427)، ((تفسير ابن عطية)) (4/112)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/227). ويُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/287). قال الشنقيطي: (وحاصِلُ هذا القَولِ: أنَّ اللهَ يَقولُ لحاسِدِيه صلَّى الله عليه وسلَّم، الذين يَتربَّصون به الدَّوائِرَ، ويَظُنُّونَ أنَّ رَبَّه لن يَنصُرَه: موتوا بغَيظِكم؛ فهو ناصِرُه لا محالةَ على رَغمِ أُنوفِكم. وممَّن قال بهذا القولِ: مجاهِدٌ، وقتادةُ، وعِكرمةُ، وعطاءٌ، وأبو الجوزاءِ، وغيرُهم. كما نقله عنهم ابنُ كثير، وهو أظهَرُها عندي. وممَّا يشهدُ لهذا المعنى من القرآنِ: قَولُه تعالى: وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ [آل عمران: 119] ). ((أضواء البيان)) (4/287). وقيل: المرادُ بالسماءِ: السماءُ المعروفةُ، ومعنى الآيةِ على ذلك: مَن كان يظنُّ أنْ لن ينصرَ اللهُ نبيَّه في أمرِه، فلْيَمْدُدْ ذلك الظانُّ بحَبلٍ إلى السماءِ، ولْيَرْقَ إليها، وليقطَعْ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم النصرَ النازِلَ عليه مِن السماءِ. قاله السعدي. يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 535). قال الشنقيطي: (والمعنى: أنَّه إنْ أعمَلَ كُلَّ ما في وُسْعِه مِن كَيدِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لِيَمنَعَ عنه نَصْرَ اللهِ، فإنَّه لا يَقدِرُ على ذلك، ولا يُذهِبُ كَيدُه ما يَغيظُه مِن نَصرِ اللهِ لِنَبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم. وممَّا يشهدُ لهذا القَولِ مِن القُرآنِ قَولُه تعالى: أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ * جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ [ص: 10، 11]). ((أضواء البيان)) (4/288). وممن قال بنحو ذلك من السلف: ابنُ زيد. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/479)، ((البسيط)) للواحدي (15/314). .
كما قال تعالى: وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ [آل عمران: 119] .
وقال سُبحانَه: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة: 33] .
ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ.
أي: ثُمَّ لْيَختَنِقْ بالحَبلِ، فلْيَنظُرْ حينَها: هل يُذهِبَنَّ صَنيعُه هذا ما يَغيظُه؟! كلَّا، لا يُغْني ذلك عنه شيئًا، وإنما يقَعُ ضَرَرُ كَيدِه على نفْسِه، واللهُ مُتِمُّ نُورِه، وناصرٌ نبيَّه [258]     يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/484)، ((الوسيط)) للواحدي (3/262)، ((تفسير الزمخشري)) (3/147)، ((تفسير البيضاوي)) (4/67). قال البغوي: (ليس هذا على سبيلِ الحَتمِ أن يفعَلَه؛ لأنَّه لا يمكِنُه القَطعُ والنَّظَرُ بعد الاختناقِ والموتِ، ولكنَّه كما يُقالُ للحاسِدِ: إن لم تَرْضَ هذا، فاختَنِقْ ومُتْ غَيظًا). ((تفسير البغوي)) (3/327). قال الزمخشري: (سمِّيَ الاختناقُ قطعًا؛ لأنَّ المختنقَ يقطعُ نفَسَه بحبسِ مجاريه... وسمِّي فعلُه كيدًا؛ لأنَّه وضَعه موضعَ الكيدِ، حيث لم يَقدِرْ على غيرِه. أو على سبيلِ الاستهزاءِ؛ لأنَّه لم يَكِدْ به محسودَه، إنَّما كاد به نفْسَه). ((تفسير الزمخشري)) (3/147، 148). وقال ابن عاشور: (المعنى: فلْيَنُطْ حَبلًا بالسَّماءِ مَربوطًا به، ثمَّ يَقطَعْه؛ فيَسقُطَ مِنَ السَّماءِ فيتَمَزَّقَ كُلَّ مُمزَّقٍ، فلا يُغنيَ عنه فِعلُه شَيئًا مِن إزالةِ غَيظِه). ((تفسير ابن عاشور)) (17/219). .
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16).
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ.
أي: وكما بَيَّنَّا لكم الآياتِ السَّابِقةَ وأوضَحْناها، كذلك أنزَلْنا القُرآنَ كُلَّه آياتٍ واضِحاتِ الدَّلالةِ [259]     يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/484)، ((الهداية)) لمكي (7/4858)، ((تفسير ابن جزي)) (2/35)، ((تفسير ابن كثير)) (5/402)، ((تفسير السعدي)) (ص: 535). .
وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ.
أي: ولأنَّ اللهَ يَهدي بهذا القُرآنِ إلى الحَقِّ مَن يريدُ هِدايَتَه، أنزَلَه آياتٍ بَيِّناتٍ [260]     يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/484)، ((تفسير السمرقندي)) (2/452)، ((تفسير البيضاوي)) (4/67)، ((تفسير السعدي)) (ص: 535)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/222). وممَّن قال بأنَّ المصدَرَ المُؤَوَّلَ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي على تقديرِ لامِ العِلَّةِ، وتعَلُّقِه بفِعلٍ مَحذوفٍ مؤَخَّرٍ: ابنُ جرير، والزمخشريُّ، والنَّسَفيُّ، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/484)، ((تفسير الزمخشري)) (3/148)، ((تفسير النسفي)) (2/432(، ((تفسير ابن عاشور)) (17/222). وذهب ابنُ جزي إلى أنَّ قولَه: وَأَنَّ اللَّهَ معطوفٌ على آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ؛ لأنَّه مقدَّرٌ بالمصدرِ، فالتقديرُ: أنزلناه آياتٍ بيناتٍ وهدًى لمن أراد الله أن يهديَه. يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/35). وقال ابنُ عطية: (وقَولُه تعالى: وَأَنَّ في مَوضِعِ خبرِ الابتِداءِ، والتَّقديرُ: والأمرُ أنَّ اللهَ يَهدي مَن يريدُ). ((تفسير ابن عطية)) (4/112). وقال السعديُّ: (أي: وكذلك لَمَّا فصَّلْنا في هذا القُرآنِ ما فصَّلْنا، جعَلْناه آياتٍ بيِّناتٍ واضِحاتٍ دالَّاتٍ على جميعِ المطالِبِ والمسائِلِ النَّافِعةِ، ولكِنَّ الهدايةَ بيَدِ اللهِ؛ فمَن أراد اللهُ هدايتَه اهتدَى بهذا القُرآنِ، وجعَله إمامًا له وقُدوةً، واستضاء بنُورهِ، ومَن لم يُرِدِ اللهُ هدايتَه فلو جاءته كلُّ آيةٍ ما آمَن، ولم يَنفَعْه القُرآنُ شَيئًا، بل يكونُ حُجَّةً عليه). ((تفسير السعدي)) (ص: 535). .
كما قال تعالى: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران: 103] .
وقال سُبحانه: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [النساء: 176] .
وقال عزَّ وجَلَّ: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [المائدة: 15-16] .
إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبْلَها:
لَمَّا ذَكَر قَبْلُ أنَّ اللهَ يَهدي مَن يُريدُ؛ عقَّبَ ذلك ببيانِ مَن يَهدِيه ومَن لا يَهديه؛ لأنَّ ما قَبْلَه يَقتضي أنَّ مَن لا يُريدُ هِدايتَه لا يَهديه، فدَلَّ إثباتُ الهِدايةِ لِمَن يُريدُ على نَفْيِها عمَّن لا يُريدُ [261]     يُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/212)، ((تفسير أبي حيان)) (7/493). .
وأيضًا لَمَّا اشتَمَلت الآياتُ السَّابِقةُ على بيانِ أحوالِ المترَدِّدينَ في قَبولِ الإسلامِ، كان ذلك مَثارًا لأنْ يُتساءَلَ عن أحوالِ الفِرَقِ بَعضِهم مع بَعضٍ في مُختَلفِ الأديانِ، وأن يُسألَ عن الدِّينِ الحَقِّ؛ لأنَّ كُلَّ أُمَّةٍ تَدَّعي أنَّها على الحَقِّ وغَيرَها على الباطِلِ، وتجادِلُ في ذلك، فبَيَّنَت هذه الآيةُ أنَّ الفَصلَ بينَ أهلِ الأديانِ فيما اختَصَموا فيه يكونُ يومَ القيامةِ؛ إذ لم تُفِدْهمُ الحُجَجُ في الدُّنيا [262]     يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/222). .
إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
أي: إنَّ المُؤمِنينَ باللهِ ورُسُلِه، واليَهودَ، والصَّابِئينَ [263]     الصابئةُ أمَّةٌ قديمةٌ قبلَ اليهودِ والنَّصارَى، وهم نوعان: صابئةٌ حنفاءُ موحِّدون، اتَّبَعوا مِلَّةَ إبراهيمَ، وصابئةٌ مشركون. يُنظر: ((الرد على المنطقيين)) لابن تيمية (ص: 288)، ((أحكام أهل الذمة)) لابن القيم (1/237)، ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (2/250)، ((مفاتيح التفسير)) للخطيب (2/551). ، والنَّصارى، والمجوسَ، والمُشرِكينَ باللهِ- إنَّ اللهَ يَحكُمُ بينهم يومَ القيامةِ، ويُجازي كُلًّا بعَمَلِه؛ فيُدخِلُ المُؤمِنينَ منهم الجنَّةَ، ويُدخِلُ الكافرينَ النَّارَ [264]     يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/485)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 730)، ((تفسير القرطبي)) (12/22، 23)، ((تفسير ابن كثير)) (5/402)، ((تفسير السعدي)) (ص: 536). المجوس: هم عبدةُ النيرانِ، القائلون: إنَّ للعالَمِ أصلينِ: النُّور والظُّلمة. وقيل: هم قومٌ عبَدوا الشَّمسَ والقمرَ. وقيل: هم الثنويةُ الذين يؤْمنون بوجودِ إلهينِ؛ أحدُهما للخيرِ، والآخرُ للشرِّ. يُنظر: ((الملل والنحل)) للشَّهْرَسْتاني (2/38)، ((تفسير القرطبي)) (12/23)، ((مفاتيح التفسير)) للخطيب (2/777). .
إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ.
أي: إنَّ اللهَ على كُلِّ شَيءٍ مِن أعمالِ هؤلاء الأصنافِ، وغَيرِ ذلك مِن الأشياءِ كُلِّها- شَهيدٌ لا يخفى عليه شَيءٌ [265]     يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/486)، ((تفسير القرطبي)) (12/23)، ((تفسير ابن كثير)) (5/402). .
كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ [آل عمران: 5] .

الفوائد التربوية :

1- قَولُ اللهِ تعالى: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ هذه الآيةُ الكَريمةُ فيها مِنَ الوَعدِ والبِشارةِ بنَصرِ اللهِ لدِينِه ولِرَسولِه وعبادِه المُؤمِنينَ ما لا يَخفَى، ومِن تَأيِيسِ الكافرينَ الذين يُريدونَ أن يُطفِئوا نورَ اللهِ بأفواهِهم، واللهُ مُتِمُّ نُورِه، ولو كَرِهَ الكافِرونَ [266]     يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 535). .
2-  قَولُ اللهِ تعالى: وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ فيه أنَّ اللهَ فَصَّلَ في هذا القُرآنِ ما فَصَّلَ، وجعَلَه آياتٍ بَيِّناتٍ واضحاتٍ، دالَّاتٍ على جَميعِ المطالِبِ والمسائِلِ النَّافِعةِ، ولكِنَّ الهِدايةَ بيَدِ اللهِ، فمَن أراد اللهُ هدايَتَه، اهتَدَى بهذا القُرآنِ، وجعَلَه إمامًا له وقُدوةً، واستضاءَ بنُورِه، ومَن لم يُرِدِ اللهُ هِدايَتَه، فلو جاءَتْه كُلُّ آيةٍ ما آمَنَ، ولم ينفَعْه القُرآنُ شَيئًا، بل يكونُ حُجَّةً عليه [267]     يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 535). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ الإرادةُ في هذه الآيةِ هي إرادةٌ كونيَّةٌ -وهي التي بمعنى المَشيئةِ-، ويُقابِلُها الإرادةُ الشَّرعيَّةُ -وهي التي بمعنى المحبَّةِ-، كما في قَولِه تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ [268]     يُنظر: ((شرح العقيدة السفارينية)) لابن عثيمين (1/188).  [البقرة: 185] .
2- قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، وفي سُورة (البَقرةِ) و(المائدةِ) ذكَرَ أربعةَ أصنافٍ: المُسلمينَ، والذين هادُوا، والنَّصارى، والصَّابئِينَ، ثمَّ قال: مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 62] ؛ فذَكَر سِتَّ أُممٍ، مِنهم: اثنتانِ شَقِيَّتانِ، وأربعٌ منهم مُنقسِمةٌ إلى شَقيٍّ وسعيدٍ، وحيثُ وعَدَ أهلَ الإيمانِ والعملِ الصَّالحِ منهم بالأجْرِ ذَكَرَهم أربعَ أُممٍ لَيس إلَّا؛ ففي آيةِ الفَصلِ بينَ الأممِ أَدخلَ معهم الأُمَّتَينِ، وفي آيةِ الوَعدِ بالجزاءِ لم يُدخِلْها معهم؛ فعُلِمَ أنَّ الصابئينَ فيهم المؤمنُ والكافرُ، والشَّقيُّ والسَّعيدُ [269]     يُنظر: ((أحكام أهل الذمة)) لابن القيم (1/236، 237). ويُنظر أيضًا: ((الرد على المنطقيين)) لابن تيمية (ص: 454-456). .
3- قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ذكَرَ المِلَلَ السِّتَّ؛ ليُبَيِّنَ أنَّه يَفصِلُ بيْنهم يومَ القيامةِ، ولم يُثْنِ عليهم، فلم يُثْنِ سُبحانَه على أحدٍ مِنَ المجوسِ والمُشرِكينَ، كما أثنى على بَعضِ الصَّابِئينَ واليَهودِ والنَّصارى في قَولِه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 62] ، وهذا مما استدَلَّ به جمهورُ العُلَماءِ على أنَّ المجوسَ لَيسُوا أهلَ كِتابٍ، فلا تُباحُ ذَبائِحُهم، ولا نِكاحُ نِسائِهم؛ إذ لو كانوا أهلَ كتابٍ لكان فيهم مَن يُثني اللهُ عليه، كما كان في اليَهودِ والنَّصارى [270]     يُنظر: ((الرَّدُّ على الشَّاذِليِّ)) لابن تيمية (ص: 137). .

بلاغة الآيات:

1- قَولُه تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ
- قولُه: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ استئنافٌ جِيءَ به لبَيانِ كَمالِ حُسْنِ حالِ المُؤمنينَ العابدينَ له تعالى، وأنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ يتفضَّلُ عليهم بما لا غايةَ وراءَهُ مِن أجَلِّ المنافعِ، وأعظمِ الخيراتِ [271]     يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/98). .
- قولُه: إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ تَذييلٌ للكلامِ المُتقدِّمِ، وهو اعتراضٌ بينَ الجُمَلِ المُلْتَئمِ منها الغرَضُ. وفي الجُملةِ أيضًا معنى التَّعليلِ الإجماليِّ لاختلافِ أحوالِ النَّاسِ في الدُّنيا والآخرةِ [272]     يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/99)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/217). .
2- قولُه تعالى: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ في الكلامِ اختصارٌ، والمعنى: إنَّ اللهَ ناصِرٌ رسولَه في الدُّنيا والآخرةِ؛ فمَن كان يَظُنُّ مِن حاسِديهِ وأعادِيهِ أنَّ اللهَ يَفعَلُ خِلافَ ذلك ويَطمَعُ فيه، ويَغِيظُه أنَّه يَظفَرُ بمَطلوبِه؛ فلْيستقْصِ وُسْعَه ولْيستفرِغْ مَجهودَه في إزالةِ ما يَغيظُه، بأنْ يَفعَلَ ما يفعَلُ مَن بلَغَ منه الغيظُ كلَّ مَبلغٍ، حتَّى مَدَّ حبْلًا إلى سماءِ بَيتِه فاخْتنَقَ، فلْينظُرْ ولْيصوِّرْ في نَفْسِه أنَّه إنْ فعَلَ ذلك، هل يُذهِبُ نَصْرَ اللهِ الَّذي يَغِيظُه [273]     يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/147، 148)، ((تفسير البيضاوي)) (4/67)، ((تفسير أبي حيان)) (7/492، 493)، ((تفسير أبي السعود)) (6/99)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (6/407). ؟
- وفي قولِه: فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ تَوبيخٌ، وهذا على جِهَةِ المثَلِ السَّائرِ: (دُونَك الحبْلَ فاختَنِقْ)، وسَمَّى الاختناقَ قطْعًا؛ لأنَّ المُختنِقَ يَقطَعُ نفَسَهُ بحبْسِ مَجاريه، أي: كَنَّى عن الاختناقِ بالقطْعِ؛ فإنَّه لازِمُه، كما تقولُ العربُ: قُطِعَ فُلانٌ؛ إذا اختنَقَ. ولأنَّ المُختنِقَ يمُدُّ السَّببَ إلى السَّقفِ، ثمَّ يَقطَعُ نفَسَهُ من الأرضِ حتَّى يَختنِقَ. وسَمَّى فِعْلَه كيدًا؛ لأنَّه وضَعَه مَوضِعَ الكيدِ، حيث لم يَقدِرْ على غيرِه. أو على سَبيلِ الاستهزاءِ؛ لأنَّه لم يَكِدْ به مَحسودَهُ، إنَّما كاد به نفْسَه [274]     يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/147، 148)، ((تفسير أبي حيان)) (7/492، 493)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (6/407). .
- وقد فُسِّرَ النَّصرُ بالرِّزقِ؛ فعلى هذا فالكلامُ تامٌّ ولم يَدخُلْه الاختصارُ، والضَّميرُ في يَنْصُرَهُ لكلِّ أحدٍ، وهو راجعٌ إلى (مَنْ)؛ وحينئذٍ تكونُ الآيةُ مُتَّصِلةً بقولِه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ، ويكونُ قولُه: يَدْعُو إلى آخِرِ الآياتِ مُعترِضةً مُؤكِّدةً لِمَعنى تَجهيلِهم، وأنَّ اللهَ هو القابِضُ الباسِطُ، وهو الضَّارُّ النَّافعُ وحْدَه [275]     يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (10/455، 456). ، وذلك على أحدِ الأوجُهِ في التفسيرِ.
- ويحتملُ أنْ يكونَ مَوقِعُ هذه الآيةِ استئنافًا ابتدائيًّا، أُرِيدَ به ذِكْرُ فَريقٍ ثالثٍ غيرِ الفريقينِ المُتقدِّمَينِ. ويحتملُ أنْ يكونَ مَوقِعُها تذييلًا لقولِه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ [الحج: 11] الآيةَ، بعْدَ أنِ اعتُرِضَ بين تلك الجُملةِ وبين هاتِه بجُمَلٍ أُخرى، فيكونُ المُرادُ: أنَّ الفريقَ الَّذين يَعبدونَ اللهَ على حَرفٍ والمُخبَرَ عنهم بقولِه: خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ [الحج: 11] ، هم قومٌ يَظنُّونَ أنَّ اللهَ لا يَنصُرُهم في الدُّنيا ولا في الآخرةِ إنْ بَقُوا على الإسلامِ. وعُلِّقَ فِعْلُ لَنْ يَنْصُرَهُ بالمجرورِ بقولِه: فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ؛ إيماءً إلى كَونِه مُتعلَّقَ الخُسرانِ في قولِه: خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ [الحج: 11] ، ولم تُورَدْ فيه جُملةُ (ومِن النَّاسِ) كما أُورِدَتْ في ذِكْرِ الفريقينِ السَّابقينِ، ويكونُ المقصودُ من الآيةِ تَهديدَ هذا الفريقِ؛ فيكونُ التَّعبيرُ عن هذا الفريقِ بقولِه: مَنْ كَانَ يَظُنُّ ... إلخ، إظهارًا في مَقامِ الإضمارِ؛ فإنَّ مُقْتضى الظَّاهرِ أنْ يُؤْتَى بضَميرِ ذلك الفريقِ، فيُقالُ بعْدَ قولِه: إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [الحج: 14] : فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ... إلخ، عائدًا الضَّميرُ المُستتِرُ في قولِه: فَلْيَمْدُدْ على مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ [الحج: 11] . والعُدولُ عن الإضمارِ إلى الإظهارِ لوَجْهينِ؛ أحدُهما: بُعْدُ مُعادِ الضَّميرِ، وثانيهما: التَّنبيهُ على أنَّ عِبادتَه اللهَ على حَرفٍ ناشئةٌ عن ظَنِّه أنْ لنْ يَنصُرَه اللهُ في الدُّنيا والآخرةِ إنْ صَمَّمَ على الاستمرارِ في اتِّباعِ الإسلامِ؛ لأنَّه غيرُ واثقٍ بوعْدِ النَّصرِ للمُسلمينَ. والآيةُ -على هذا المعنَى في التفسيرِ- فيها إيجازٌ بَديعٌ؛ شُبِّهَت حالةُ استبطانِ هذا الفريقِ الكُفْرَ وإظهارِهم الإسلامَ على حَنَقٍ، أو حالةُ تَردُّدِهم بين البَقاءِ في المُسلمينَ وبين الرُّجوعِ إلى الكُفَّارِ، بحالةِ المُغْتاظِ ممَّا صنَعَ، فقيل لهم: عليكم أنْ تَفْعلوا ما يَفعَلُه أمثالُكم ممَّن ملَأَهمُ الغيظُ، وضاقت عليهم سُبُلُ الانفراجِ، فامْدُدوا حبْلًا بأقْصى ما يُمَدُّ إليه حبْلٌ، وتَعلَّقوا به في أعْلى مكانٍ، ثمَّ قَطِّعُوهُ؛ تَخِرُّوا إلى الأرضِ -وذلك على قولٍ في التفسيرِ-، وذلك تَهكُّمٌ بهم في أنَّهم لا يَجِدون غِنًى في شَيءٍ مِن أفعالِهم، وإنذارٌ باستمرارِ فِتْنتِهم في الدُّنيا، مع الخُسرانِ في الآخرةِ [276]     يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/218، 219). .
- وقيل: مَفعولُ لِيَقْطَعْ مَحذوفٌ؛ لدَلالةِ المَقامِ عليه. والتَّقديرُ: ثمَّ لْيَقْطَعْه، أي: لِيَقطَعَ السَّببَ، وهو الحبلُ. والأمْرُ في قولِه: فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ للتَّعجيزِ؛ فيُعْلَمُ أنَّ تَعليقَ الجوابِ على حُصولِ شَرْطٍ لا يقَعُ [277]     يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/219). .
- والاستفهامُ في قولِه: هَلْ يُذْهِبَنَّ ... استفهامٌ إنكاريٌّ [278]     يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/221). .
3- قَولُه تعالى: وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ
- قولُه: وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ شَبَّهَ ذلك التَّبْيينَ بنفْسِه؛ كِنايةً عن بُلوغِه الغايةَ في جِنْسِه، بحيث لا يُلْحَقُ بأوضَحَ منه، والجُملةُ مَعطوفةٌ على الجُمَلِ الَّتي قبْلَها عطْفَ غرَضٍ على غرَضٍ، والمُناسَبةُ ظاهرةٌ؛ فهي استئنافٌ ابتدائيٌّ [279]     يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/221). .
- قولُه: وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ تَعليلٌ لكونِ القُرآنِ بَيانًا، ومُعَلَّلُه مَحذوفٌ يدُلُّ عليه المذكورُ [280]     يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (10/456)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/221). .
4- قولُه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ فَذلكةٌ [281]     تقدم تعريفه (ص: 54). لِمَا تقدَّمَ؛ حيث بيَّنَتْ هذه الآيةُ أنَّ الفصلَ بينَ أهْلِ الأديانِ فيما اختَصَموا فيه يكونُ يومَ القيامةِ؛ إذ لم تُفِدْهمُ الحُجَجُ في الدُّنيا. وهذا الكلامُ بما فيه مِن إجمالٍ هو جارٍ مَجْرى التَّفويضِ، ومِثْلُه يكونُ كِنايةً عن تَصويبِ المُتكلِّمِ طَريقتَه، وتَخْطئتِه طَريقةَ خَصْمِه؛ لأنَّ مثْلَ ذلك التَّفويضِ للهِ لا يكونُ إلَّا مِن الواثقِ بأنَّه على الحقِّ، وذلك مِن قَبِيلِ الكِنايةِ التَّعريضيَّةِ [282]     يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/222). تنقسمُ الكِناية باعتبارِ الوسائطِ (اللوازم) والسِّياق إلى أربعةِ أقسام: تعريض، وتلويح، ورمْز، وإيماء؛ فالتعريضُ لغة: خلافُ التصريح، واصطلاحًا: هو أنْ يُطلَقَ الكلامُ، ويُشارَ به إلى معنًى آخَرَ، يُفهَمُ مِن السِّياق، نحو قولك للمؤْذِي: «المسلمُ مَن سَلِمَ المسلمون مِن لِسانِه ويَدِه»؛ تعريضًا بنفيِ صِفةِ الإسلامِ عن المؤذِي. يُنظر: ((البرهان في علوم القرآن)) للزركشي (2/300)، ((مفتاح العلوم)) للسكاكي (ص: 402 وما بعدها)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 286- 290). .
- وفي قولِه: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا... إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُدْخِلَت (إنَّ) على كلِّ واحدٍ من جُزأيِ الجُملةِ؛ لزِيادةِ التَّقريرِ والتَّوكيدِ. وحسَّنَ دُخولَ (إنَّ) على الجُملةِ الواقعةِ خبرًا طولُ الفَصْلِ بينهما بالمعاطيفِ، وكونُ خبَرِها جُملةً [283]     يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/148)، ((تفسير أبي حيان)) (7/493، 494)، ((تفسير أبي السعود)) (6/100)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/224، 225)، ((إعراب القرآن وبيانه)) (6/408). .
- وقدَّمَ الصَّابئينَ على النَّصارى؛ لتَقدُّمِ زَمانِهم [284]     يُنظر: ((أسرار التكرار في القرآن)) للكرماني (ص: 180، 181)، ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (1/325). .
- قولُه: إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا... فيه مُناسبةٌ حَسَنةٌ؛ حيث زاد في هذه الآيةِ ذِكْرَ المجوسِ والمُشرِكينَ، ولم يذكُرْهما في آيةِ (البقرةِ): إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ [البقرة: 62] ، وآيةِ (المائدةِ): إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ [المائدة: 69] ؛ لأنَّ الآيتينِ المُتقدِّمتينِ كانتا في مَساقِ بَيانِ فضْلِ التَّوحيدِ والإيمانِ باللهِ واليومِ الآخرِ في كلِّ زمانٍ، وفي كلِّ أُمَّةٍ. وزِيدَ في هذه السُّورة ذِكْرُ المجوسِ والمُشرِكينَ؛ لأنَّ هذه الآيةَ مَسوقةٌ لبَيانِ التَّفويضِ إلى اللهِ في الحُكْمِ بين أهْلِ المِلَلِ، فالمجوسُ والمُشرِكونَ ليسوا من أهْلِ الإيمانِ باللهِ واليومِ الآخرِ [285]     يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/222، 223). ، فذكَر المللَ الستَّ هنا؛ ليبينَ أنَّه يفصلُ بينَهم يومَ القيامةِ، أما في سورة (البقرةِ) و(المائدةِ) فذكَرَ أربعةَ أصنافٍ: المُسلمينَ، والذين هادُوا، والنَّصارى، والصَّابئِينَ، ثمَّ قال: مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 62] ؛ فدَلَّ على أنَّ هذه الأربعةَ منهم مَن آمَنَ باللهِ واليَومِ الآخِرِ وعَمِلَ صالِحًا، وأولئك هم السُّعَداءُ في الآخرةِ، بخلافِ مَن لم يكُنْ مِن هؤلاء مؤمِنًا باللهِ واليومِ الآخِرِ وعَمِلَ صالِحًا، وبخلافِ مَن كان مِن المجوسِ والمُشرِكينَ؛ فهؤلاء كلُّهم لم يُذكَرْ منهم سعيدٌ في الآخرةِ [286]     يُنظر: ((الصفدية)) لابن تيمية (2/304)، ((الرد على الشاذلي)) لابن تيمية (ص: 136). .
- قولُه: إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ استئنافٌ ابتدائيٌّ؛ للإعلامِ بإحاطةِ عِلْمِ اللهِ بأحوالِهم واختلافِهم، والصَّحيحِ مِن أقوالِهم [287]     يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/225). ، وهو تَعليلٌ لِمَا قبْلَه [288]     يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/100). .
- وأيضًا في قولِه: إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ناسَبَ الخَتْمُ بقولِه: شَهِيدٌ الفصلَ بين الفِرَقِ [289]     يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/494). .