موسوعة التفسير

سورةُ مَريمَ
الآيات (59-63)

ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ

غريب الكلمات:

خَلْفٌ: الخَلْفُ: الرَّدِيءُ مِن الناسِ ومِن الكلامِ، والرَّديءُ مِن كلِّ شيءٍ، وأكثرُ ما يُستعمَلُ باللامِ الساكنةِ (خَلْفٌ) في الذمِّ، وبالفتحِ (خَلَف) في المدحِ، وأصلُه: مجيءُ شيءٍ بعدَ شيءٍ يقومُ مقامَه [614] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 174)، ((تفسير ابن جرير)) (10/534)، ((ياقوتة الصراط)) لغلام ثعلب (ص: 233)، (( مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/210)، ((المفردات)) للراغب (ص: 294)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 120)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 211). .
غَيًّا: أي: شرًّا، وخُسرانًا، وهَلاكًا. أو: هو وادٍ في جهنَّمَ، وأصلُه: يدُلُّ على خِلافِ الرُّشدِ، وإظلامِ الأمرِ [615] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/571)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/399)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 224)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 674). .
عَدْنٍ: أي: إقامَةٍ، واستقرارٍ، وثباتٍ، يُقال: عَدَن بالمكانِ، يَعْدِنُ عَدْنًا، إذا أقامَ به، واستقرَّ، وأصلُ (عدن): يدلُّ على الإقامةِ [616] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 334)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/248)، ((المفردات)) للراغب (ص: 553)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 142)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 227). .
مَأْتِيًّا: أي: يَأْتيه أولياءُ الله، أو مفعولٌ بمعنَى فاعلٍ، أي: آتيًا، وأصلُ الإتيانِ: مجيءٌ بسهولةٍ [617] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 274)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 421)، ((المفردات)) للراغب (ص: 60)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 224)، ((تفسير القرطبي)) (11/126)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 139). .
لَغْوًا: أي: باطلًا مِن الكلامِ، وفُحشًا، واللغوُ: هو فضولُ الكلامِ، ويدخلُ فيه فحشُ الكلامِ وباطِلُه، وأصلُه يدلُّ على الشَّيءِ لا يُعْتَدُّ به [618] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 85، 274)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 401)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/255)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 224)، ((تفسير القرطبي)) (11/126)، ((تفسير الخازن)) (3/192)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 249)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/466). .

المعنى الإجمالي:

يُبيِّنُ الله سبحانَه ما حدَث مِن الذين جاؤوا بعدَ هؤلاءِ المنعَمِ عليهم، فيقولُ: فأتى مِن بعدِ هؤلاء المنعَمِ عليهم عَقِبُ سَوءٍ أضاعوا الصَّلاةَ؛ بتركِها، أو التفريطِ في شروطِها أو أركانِها أو واجباتِها، واتَّبَعوا شَهواتِهم، مؤثرينَ لها على طاعةِ اللهِ، فسوف يَلقَونَ عذابًا شَديدًا في جهنَّمَ. لكِنْ مَن تاب منهم مِن ذَنبِه وآمَنَ برَبِّه وعَمِلَ صالِحًا، فأولئك يَدخُلونَ الجنَّةَ ولا يُنقَصونَ شَيئًا مِن حَسَناتِهم؛ يدخلونَ جناتِ خُلدٍ وإقامةٍ دائمةٍ، وهي التي وعد الرَّحمنُ بها عبادَه فآمَنوا بذلك، والحالُ أنَّهم لم يَرَوها في الدُّنيا، إنَّ وَعدَ الله لعبادِه بهذه الجنَّةِ يأتيه المؤمنون فيدخلون الجنةَ.
ثم يصِفُ الله سبحانه الجنةَ وأهلَها بما يَحْمِلُ على الاستعدادِ لها، فيقولُ: لا يَسمَعُ أهلُ الجنَّةِ فيها كلامًا باطلًا أو ساقطًا، لكن يَسمَعونَ ما يَسُرُّهم من الأقوالِ والأصواتِ السَّالمةِ مِن كُلِّ عَيبٍ، ولهم رِزقُهم فيها من الطَّعامِ والشَّرابِ وما يشتهونَ في كُلِّ يَومٍ في قَدرِ وَقتِ البُكرةِ ووَقتِ العَشيِّ مِن أيَّامِ الدُّنيا، تلك الجنَّةُ الموصوفةُ بتلك الصِّفاتِ هي التي يُعطيها اللهُ عبادَه المتَّقينَ له، بامتثالِ أوامِره واجتِنابِ نَواهيه.

تفسير الآيات:

فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا وصَفَ الأنبياءَ المذكورينَ في الآياتِ السَّابقةَ بصفاتِ المَدحِ؛ ترغيبًا لنا في التأسِّي بطريقتِهم؛ ذكَرَ بَعدَهم مَن هو بالضِّدِّ منهم [619] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (٢١/٥٥١). ، فقال:
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ.
أي: فجاء مِن بعدِ الذين أنعَم اللهُ عليهم مِن النبيِّينَ عَقِبُ سَوءٍ [620] يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (1/482)، ((تفسير الشوكاني)) (3/400)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/134). قال الشنقيطي: (الظاهِرُ أنَّهم اليهودُ والنَّصارى وغيرُهم مِن الكُفَّارِ الذين خَلَفوا أنبياءَهم وصالحيهم قبلَ نزولِ الآيةِ، فأضاعوا الصَّلاةَ، واتَّبَعوا الشهواتِ، وعلى كُلِّ حالٍ فالعبرةُ بعُمومِ اللَّفظِ لا بخصوصِ السَّبَبِ؛ فكُلُّ خَلْفٍ أضاعوا الصلاةَ واتَّبَعوا الشهواتِ يَدخُلونَ في الذمِّ والوعيدِ المذكورِ في هذه الآيةِ). ((أضواء البيان)) (3/445). أضاعُوا الصَّلاةَ؛ إمَّا بتَركِها بالكُليَّةِ، أو تَرْكِ بَعضِ أركانِها وشُروطِها، أو التَّفريطِ في واجباتِها، أو تأخيرِها عن مواقيتِها، وغير ذلك [621] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/567)، ((معاني القرآن)) للزجاج (3/335)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (15/234، 235) و (22/6)، ((تفسير ابن كثير)) (5/243)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/224)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/443، 444). وممَّن قال بأنَّ المرادَ بإضاعةِ الصَّلاةِ: تركُها: ابنُ جرير، والزجاج، والثعلبي، والواحدي، والرازي، والخازن، والعُليمي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/569)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (3/335)، ((تفسير الثعلبي)) (6/221)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 685)، ((تفسير الرازي)) (21/551)، ((تفسير الخازن)) (3/192)، ((تفسير العُليمي)) (4/263). وممن قال بذلك من السلف: محمدُ بنُ كعبٍ القُرَظي، وابنُ زيدِ بنِ أسلمَ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/569)، ((تفسير ابن كثير)) (5/243). وقيل: المرادُ بإضاعةِ الصَّلاةِ: إضاعةُ أوقاتِها، والإخلالُ بواجباتِها. وممن اختار ذلك في الجملةِ: السمرقندي، والقرطبي، وابن تيمية. يُنظر: ((تفسير السمرقندي)) (2/380)، ((تفسير القرطبي)) (11/123)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (15/234) و(22/6). وممن قال بنحو هذا القولِ مِن السلفِ: عبد الله بنُ مسعود، والنَّخَعيُّ، وسعيدُ بنُ المسيب، وعمرُ بنُ عبد العزيز، والقاسم بنُ مخيمرة. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/567)، ((البسيط)) للواحدي (14/270)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/137). وممن اختار العمومَ، وأنَّ ما سبَق وغيرَه يدخلُ في الإضاعةِ: الثعالبي، والبقاعي، والشوكاني، والشنقيطي. يُنظر: ((تفسير الثعالبي)) (4/25)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/224)، ((تفسير الشوكاني)) (3/400)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/444). قال الشنقيطي: (اختلف أهلُ العِلمِ في المرادِ بإضاعتِهم الصَّلاةَ، فقال بعضُهم: المرادُ بإضاعتِها: تأخيرُها عن وَقتِها... وقال بعضُهم: إضاعتُها: الإخلالُ بشُروطِها... وقال بعضُهم: المرادُ بإضاعتِها: جَحدُ وجوبِها... وقيل: إضاعتُها: إقامتُها في غيرِ الجَماعاتِ. وقيل: إضاعتُها: تعطيلُ المساجِدِ، والاشتِغالُ بالصَّنائِعِ والأسبابِ... وكلُّ هذه الأقوالِ تدخُلُ في الآيةِ؛ لأنَّ تأخيرَها عن وَقتِها، وعدمَ إقامتِها في الجماعةِ، والإخلالَ بشُروطِها، وجَحْدَ وجوبِها، وتعطيلَ المساجِدِ منها: كُلُّ ذلك إضاعةٌ لها، وإن كانت أنواعُ الإضاعةِ تتفاوتُ). ((أضواء البيان)) (3/444). وقال الشوكاني: (والظَّاهِرُ أنَّ مَن أخَّر الصَّلاةَ عن وَقْتِها، أو تَرَك فرضًا مِن فروضِها، أو شرطًا مِن شروطِها، أو ركنًا مِن أركانِها فقد أضاعَها، ويدخلُ تحتَ الإضاعةِ مَن تَرَكها بالمرَّةِ أو جَحَدها دُخولًا أَوَّلِيًّا). ((تفسير الشوكاني)) (3/400). .
وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ.
أي: وأقبلوا على شَهَواتِ أنفُسِهم، وانهَمَكوا في تحقيقِ رَغَباتِها الدُّنيويَّةِ، وآثَروها على طاعةِ اللهِ [622] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/569)، ((تفسير ابن كثير)) (5/243)، ((تفسير الألوسي)) (8/427). قال ابنُ تيمية: (قولُه: وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ يتناولُ كُلَّ مَن استعمَلَ ما يشتهيه عن المحافظةِ عليها في وَقتِها، سواءٌ كان المُشتَهى من جنسِ المحرَّماتِ؛ كالمأكولِ المحَرَّمِ، والمشروبِ المحَرَّمِ، والمنكوحِ المحَرَّمِ، والمسموعِ المحَرَّمِ؛ أو كان مِن جنسِ المباحاتِ لكِنَّ الإسرافَ فيه يُنهَى عنه؛ أو غيرَ ذلك. فمن اشتغل عن فِعلِها في الوَقتِ بلعبٍ، أو لهوٍ، أو حديثٍ مع أصحابِه، أو تنَزُّهٍ في بُستانِه، أو عِمارةِ عَقارِه، أو سعيٍ في تجارتِه، أو غيِر ذلك- فقد أضاع تلك الصَّلاةَ، واتَّبَع ما يشتهيه). ((مجموع الفتاوى)) (22/55). ويُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (3/400)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/445). .
فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا.
أي: فسوف يلقَونَ عذابًا شَديدًا يومَ القيامةِ [623] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/571، 574)، ((تفسير ابن كثير)) (5/243)، ((تفسير السعدي)) (ص: 496)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/446). قال ابنُ الجوزي: (ليس معنى هذا اللقاءِ مُجرَّدَ الرؤيةِ، وإنَّما المرادُ به: الاجتماعُ والملابسةُ مع الرؤيةِ). ((تفسير ابن الجوزي)) (3/138). وقال الشنقيطي: (في المرادِ بقَولِه: غَيًّا في الآيةِ أقوالٌ مُتقاربةٌ؛ منها أنَّ الكلامَ على حَذفِ مُضافٍ، أي: فسوف يلقَونَ جَزاءَ غَيٍّ، ولا شَكَّ أنَّهم سيلقَونَ جزاءَ ضلالِهم. وممن قال بهذا القول: الزجَّاج. ونظيرُ هذا التفسيرِ قَولُه تعالى: يَلْقَ أَثَامًا [الفرقان: 68] عند من يقولُ: إنَّ معناه: يلقَ مُجازاةَ آثامِه في الدنيا... ومنها: أنَّ الغَيَّ في الآيةِ: الخُسرانُ والحُصولُ في الوَرَطاتِ. وممَّن رُوِيَ عنه هذا القولُ: ابنُ عباس، وابنُ زيد. ورُوِيَ عن ابنِ زيدٍ أيضًا: غَيًّا أي: شَرًّا، أو ضلالًا، أو خَيبةً. وقال بعضُهم: إنَّ المرادَ بقَولِه: غَيًّا في الآيةِ: وادٍ في جهنَّمَ مِن قَيحٍ؛ لأنَّه يَسيلُ فيه قَيحُ أهلِ النَّارِ وصَديدُهم، وهو بعيدُ القعرِ، خَبيثُ الطَّعمِ. وممن قال بهذا: ابنُ مسعود، والبراء بن عازب، ورُوِيَ عن عائشة... وقيل: إنَّ المعنى: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا أي: ضلالًا في الآخرةِ عن طريقِ الجنَّةِ. ذكره الزمخشري. وفيه أقوالٌ أُخَرُ، ومدارُ جميعِ الأقوالِ في ذلك على شَيءٍ واحدٍ، وهو: أنَّ أولئك الخَلْفَ الذين أضاعوا الصَّلاةَ واتَّبَعوا الشَّهَواتِ سوف يَلقَونَ يومَ القيامةِ عذابًا عَظيمًا). ((أضواء البيان)) (3/445، 446). .
كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يونس: 7، 8].
وقال سُبحانَه: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ [محمد: 12].
وقال عزَّ وجلَّ: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون: 4- 5] .
إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60).
إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ.
أي: إلَّا الذين تابوا عن إضاعةِ الصَّلواتِ، واتِّباعِ الشَّهَواتِ، وآمنوا باللهِ وما جاءت به رسُلُه، وعَمِلوا الأعمالَ الصَّالحةَ المشروعةَ بإخلاصٍ لله، فأدَّوا فرائِضَه، واجتَنَبوا محارِمَه؛ فأولئك يدخُلونَ الجنَّةَ، ويَنجُونَ مِن النَّارِ [624] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/574)، ((تفسير القرطبي)) (11/126)، ((تفسير ابن كثير)) (5/246)، ((تفسير السعدي)) (ص: 497). .
كما قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان: 68 - 70] .
وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا.
أي: ولا يَنقُصُهم اللهُ شَيئًا مِن حَسَناتِهم [625] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/574)، ((تفسير ابن كثير)) (5/246)، ((تفسير السعدي)) (ص: 497). .
كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 40] .
جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61).
جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ.
أي: يدخُلُ أولئك التائبونَ بساتينَ إقامةٍ دائمةٍ قد وعد الرَّحمنُ عِبادَه المؤمنينَ أن يَدخُلوها في الآخرةِ، فآمنوا بذلك، والحالُ أنَّهم لم يَرَوها في الدُّنيا [626] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/575)، ((تفسير ابن كثير)) (5/246)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/226)، ((تفسير السعدي)) (ص: 497). قال الشوكاني: (بِالْغَيْبِ في محلِّ نَصْبٍ على الحالِ مِن «الجنَّاتِ»، أو مِن «عبادِه»، أي: مُتَلَبِّسةً، أو: مُتلبِّسينَ بالغيبِ). ((تفسير الشوكاني)) (3/401). وقال الرسعني: (الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ أي: وعَدهم بها، وهي غائبةٌ عنهم، أو: هم غائبونَ عنها). ((تفسير الرسعني)) (4/438). .
إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا.
مناسبتُها لما قبلَها:
لَمَّا كان مِن شأنِ الوُعودِ الغائبةِ -على ما يتعارَفُه النَّاسُ بينهم- احتِمالُ عَدَمِ الوُقوعِ؛ بَيَّن أنَّ وَعدَه ليس كذلك، بقَولِه [627] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/226). :
إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا.
أي: سيأتي المُؤمِنونَ المطيعونَ، ويَصيرونَ إلى اللهِ، وينالونَ ما وُعِدوا به، فيُدخِلُهم جنَّتَه؛ تحقيقًا لوَعدِه [628] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/575، 576)، ((تفسير ابن كثير)) (5/246)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/137)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/464، 465). قال ابنُ جرير: (وعدُه في هذا الموضعِ موعودُه، وهو الجنةُ). ((تفسير ابن جرير)) (15/575). وقال ابنُ جزي: (مَأْتِيًّا وزنُه مفعولٌ، فقيل: إنَّه بمعنى «فاعلٍ»؛ لأنَّ الوعدَ هو الذي يأتي، وقيل: إنَّه على بابِه؛ لأنَّ الوعدَ هو الجنةُ، وهم يأتونها). ((تفسير ابن جزي)) (1/483). وقال ابن كثير: (ومنهم مَن قالَ: مَأْتِيًّا بمعنَى: آتِيًا؛ لأنَّ كلَّ ما أتاكَ فقدْ أتيتَه، كما تقولُ العربُ: أتَتْ عليَّ خمسونَ سنةً، وأتيتُ على خمسينَ سنةً، كلاهما بمعنى واحدٍ). ((تفسير ابن كثير)) (5/246). .
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62).
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا.
أي: لا يَسمَعُ أهلُ الجنَّةِ فيها باطِلًا وفُحشًا وكَلامًا لا ينفَعُهم، ولكِنْ [629] ممن قال بأنَّ الاستثناءَ هنا منقطعٌ: ابنُ جرير، والبغوي، والقرطبي، وابنُ كثير، واستظهره الشنقيطي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/576)، ((تفسير البغوي)) (3/240)، ((تفسير القرطبي)) (11/126)، ((تفسير ابن كثير)) (5/247)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/466). وقال البقاعي: (ويَحسُنُ أن يُرادَ باللَّغوِ مُطلَقُ الكَلامِ؛ قال في «القاموس»: لغا لَغْوًا: تكلَّمَ. أي: لا يَسمَعونَ فيها كَلامًا إلَّا كلامًا يدُلُّ على السَّلامةِ، ولا يَسمَعونَ شيئًا يدُلُّ على عَطَبِ أحَدٍ منهم، ولا عَطَبِ شَيءٍ فيها). ((نظم الدرر)) (12/227). يَسمَعونَ فيها ما يَسُرُّهم مِن الأقوالِ والأصواتِ السَّالمةِ مِن كُلِّ عَيبٍ، مثل تحيَّةِ اللهِ وملائكتِه لهم، وتسليمِ بعضِهم على بعضٍ [630] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/576)، ((تفسير البغوي)) (3/240، 241)، ((تفسير القرطبي)) (11/126)، ((تفسير السعدي)) (ص: 497)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/466). قال السعدي: (إِلَّا سَلَامًا أي: إلَّا الأقوالَ السَّالِمةَ مِن كُلِّ عَيبٍ؛ مِن ذِكرٍ للهِ، وتحيةٍ، وكلامِ سُرورٍ، وبِشارةٍ، ومُطارحةِ الأحاديثِ الحَسَنةِ بين الإخوانِ، وسَماعِ خِطابِ الرَّحمنِ، والأصواتِ الشَّجيَّةِ مِن الحُورِ والملائِكةِ والوِلدانِ، والنَّغَماتِ المُطرِبةِ، والألفاظِ الرَّخيمةِ؛ لأنَّ الدَّارَ دارُ السَّلامِ، فليس فيها إلَّا السَّلامُ التامُّ في جميعِ الوُجوهِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 497). .
كما قال تعالى: دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [يونس: 10] .
وقال سُبحانَه: وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد: 23، 24].
وقال عزَّ وجلَّ: سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: 58].
وقال تبارك وتعالى: لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا [الواقعة: 25، 26].
وقال جلَّ جلالُه: لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا [النبأ: 35].
وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا.
أي: ولأهلِ الجنَّةِ رِزقُهم في الجنَّةِ مِن الطَّعامِ والشَّرابِ وما يَشتَهونَ [631] قال السعدي: (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا أي: أرزاقُهم مِن المآكِل والمشارِبِ، وأنواعِ اللَّذَّاتِ: مُستَمِرَّةٌ حيثما طَلَبوا، وفي أي وقتٍ رَغِبوا، ومِن تمامِها ولذَّاتِها وحُسنِها أن تكونَ في أوقاتٍ معلومةٍ بُكْرَةً وَعَشِيًّا؛ لِيَعظُمَ وَقعُها، ويَتِمَّ نَفعُها). ((تفسير السعدي)) (ص: 497). في كُلِّ يَومٍ في قَدرِ وَقتِ البُكرةِ ووَقتِ العَشيِّ مِن أيَّامِ الدُّنيا [632] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/576)، ((تفسير القرطبي)) (11/126)، ((تفسير ابن كثير)) (5/247، 248)، ((تفسير السعدي)) (ص: 497). قال ابنُ جرير: (وإنما يعني أنَّ الذي بين غدائِهم وعشائِهم في الجنَّةِ قَدرُ ما بين غداءِ أحدِنا في الدنيا وعشائه، وكذلك ما بين العَشاءِ والغَداءِ؛ وذلك لأنَّه لا ليلَ في الجنةِ ولا نهار). ((تفسير ابن جرير)) (15/576). قال الزجاج: (قيل: ليس ثَمَّ بكرةٌ ولا عَشِيٌّ، ولكنَّهم خُوطِبوا بما يَعقِلونَ في الدنيا. فالمعنَى لهم: رزقُهم في مقدارِ ما بينَ الغداةِ والعشيِّ). ((معاني القرآن وإعرابه)) (3/337). وقال الواحدي معلقًا على كلامِ الزجاجِ: (وهذا قَولُ جميعِ أهلِ التأويلِ). ((البسيط)) (14/277). وقال الزجَّاج أيضًا: (وإذا قيلَ: في مِقدارِ الغَداةِ والعَشِيِّ، فالذي يُقسَمُ في ذلك الوَقتِ يكونُ مِقدارَ ما يريدونَ في كُلِّ ساعةٍ إلى أن يأتيَ الوَقتُ الذي يتلوه). ((معاني القرآن وإعرابه)) (3/337). وقال ابنُ تيمية: (ليس في الجنَّةِ شَمسٌ ولا قمر، ولا هناك حركةُ فَلَك، بل ذلك الزمانُ مُقدَّرٌ بحركات، كما جاء في الآثار: أنهم يعرفون ذلك بأنوارٍ تظهَرُ مِن جهةِ العرشِ). ((شرح حديث النزول)) (ص: 178). وقال القرطبي: (وقال العلماءُ: ليس في الجنَّةِ ليلٌ ولا نهارٌ، وإنَّما هم في نورٍ أبدًا، إنَّما يعرفونَ مقدارَ اللَّيلِ مِن النَّهارِ بإرخاءِ الحجبِ، وإغلاقِ الأبوابِ، ويعرِفونَ مقدارَ النَّهارِ برفعِ الحجبِ، وفتحِ الأبوابِ. ذَكَره أبو الفرجِ الجوزيُّ والمهدَوِيُّ وغيرُهما). ((تفسير القرطبي)) (11/127). وقيل: المعنى: لهم رزقُهم فيها كلَّ سَاعةٍ، فالمرادُ بقولِه: بُكْرَةً وَعَشِيًّا: دوامُ الرِّزقِ، مِن بابِ ذِكرِ الطَّرَفينِ الذي يَشمَلُ الجميعَ، كما تقولُ: أنا عندَ فُلانٍ صباحًا ومَساءً، وبُكرةً وعَشِيًّا. يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجَّاج (3/337)، ((تفسير الرسعني)) (4/440)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة النور)) (ص: 255). .
تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63).
أي: هذه الجنَّةُ العاليةُ القَدرِ التي وصَفْنا بهذه الصِّفاتِ العظيمةِ نُنْزلُها ونُعْطيها مَن كان مِن عبادِنا مُتَّقِيًا لعذابِ اللهِ، بامتثالِ أوامِرِه، واجتنابِ نواهيه [633] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (14/278)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 685)، ((تفسير الخازن)) (3/193)، ((تفسير ابن كثير)) (5/248)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/227). قال الواحدي: (قولُه تعالى: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا في معنى إيراثِ الجنَّةِ قولان للمفسِّرينَ: أحدُهما: أنَّ معناه نُنزِلُ. وهو قولُ الكلبيِّ. وجعَل ذلك كالميراثِ مِن جهةِ أنَّه يُملَكُ بحالٍ استُؤنِفَت عن حالٍ قد انقَضَت مِن أمرِ الدُّنيا، كما ينقضي حالُ الميتِ مِن أمرِ الدُّنيا. القول الثاني: أن الله تعالى يُورِثُ عبادَه المؤمنينَ مِن الجنَّة المساكِنَ التي كانت لأهلِ النارِ لو آمنوا). ((البسيط)) (14/278). وممَّن ذهب إلى القولِ الأوَّل: البغوي، والبيضاوي، والنسفي، والشنقيطي. يُنظر: ((تفسير البغوي)) (3/241)، ((تفسير البيضاوي)) (4/15)، ((تفسير النسفي)) (2/344)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (3/471). قال البقاعي: (نُورِثُ أي: نُعطي عَطاءَ الإرثِ الذي لا نَكَدَ فيه مِن حينِ التأهُّلِ له بالموتِ، ولا كَدَّ ولا استِرجاعَ). ((نظم الدرر)) (12/227). وممَّن ذهَب إلى القولِ الثاني: ابنُ جرير، والرسعني. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/578)، ((تفسير الرسعني)) (4/440). قال الشنقيطي: (قد جاءَ حديثٌ يدُلُّ لِمَا ذُكِر مِنْ أنَّ لكلِّ أحدٍ منزِلًا في الجنَّةِ، ومنزلًا في النَّارِ، إلَّا أنَّ حملَ الآيةِ عليه غيرُ صوابٍ؛ لأنَّ أهلَ الجنَّةِ يَرِثونَ مِن الجنَّةِ منازِلَهم المُعَدَّةَ لهم بأعمالِهم وتَقْواهم، كما قد قالَ تعالَى: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الأعراف: 43] ، ونحوِها مِن الآياتِ، ولو فَرَضْنا أنَّهم يَرِثونَ منازلَ أهلِ النَّارِ فحملُ الآيةِ على ذلك يُوهِمُ أنَّهم ليس لهم في الجنَّةِ إلَّا ما أُورِثوا مِنْ منازلِ أهلِ النَّارِ، والواقعُ بخلافِ ذلك كما ترَى). ((أضواء البيان)) (3/472). .
كما قال سُبحانه: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون: 10، 11].

الفوائد التربوية:

1- إنَّ مِن أهمِّ وأعظَمِ أسبابِ التَّهاونِ في الصَّلاةِ اتِّبَاعَ الشَّهَواتِ؛ ولهذا قرنَ اللهُ تبارك وتعالى إضاعةَ الصَّلاةِ باتِّباعِ الشَّهَواتِ؛ فقال سُبحانَه: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [634] يُنظر: ((فتاوى نور على الدرب)) لابن عثيمين (4/7). .
2- الصَّالحونَ كُلُّهم قَلَّلوا مِن عَيشِ الأجسادِ، وكثَّروا من عيشِ الأرواحِ؛ فإنَّ الأخذَ مِن عَيشِ الأجسادِ أكثَرَ مِن قَدرِ الحاجةِ يُلهي عن اللهِ، ويَشغَلُ عن خِدمتِه، فما تفرَّغ أحدٌ لطَلَبِ عَيشِ الأجسادِ، وأعطَى نفسَه حَظَّها مِن ذلك، إلَّا ونقَص حَظُّه مِن عَيشِ الأرواحِ، وربَّما مات قلبُه مِن غَفلتِه عن الله، وإعراضِه عنه، وقد ذمَّ اللهُ مَن كان كذلك؛ قال الله عزَّ وجلَّ: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا، ثمَّ إنَّ ما حصَّلوه مِن شَهواتِهم ينقَطِعُ ويزولُ بالموتِ، ويَنقُصُ بذلك حظُّهم عندَ الله في الآخرةِ، فإن كان ما حصَّلوه من شهواتِهم مِن حَرامٍ، فذلك هو الخُسرانُ المبينُ؛ فإنَّه يُوجِبُ العقوبةَ الشَّديدةَ في الآخرةِ [635] يُنظر: ((شرح حديث لبيك اللهم لبيك)) لابن رجب (ص: 69-70). .
3- قَولُ الله تعالى: لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا فيه تنبيهٌ ظاهِرٌ على وجوبِ تجنُّبِ اللَّغوِ واتِّقائِه؛ حيثُ نَزَّه اللهُ عنه الدَّارَ التي لا تكليفَ فيها، وما أحسَنَ قولَه سُبحانه: وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا [الفرقان: 72] ، ووَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ [636] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/27)، ((تفسير أبي حيان)) (7/280)، ((تفسير أبي السعود)) (5/273). [القصص: 55] .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- في قَولِه تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا أنَّه إذا كان سبحانه قد تَوعَّدَ بلُقِيِّ الغَيِّ مَن يُضيعُ الصلاةَ عن وقتِها -وذلك على أحدِ الأقوالِ في الآيةِ-، ويَتبعُ الشَّهواتِ، والمُؤَخِّرُ لها عن وَقتِها مُشتَغِلًا بما يَشتَهيه هو مُضيِّعٌ لها، مُتَّبِعٌ لشَهوتِه؛ فدَلَّ ذلك على أنَّه مِن الكبائِرِ؛ إِذْ هذا الوعيدُ لا يكون إلَّا على كبيرةٍ [637] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (22/56). .
2- قولُه تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا استُدِلَّ به على كُفْرِ تاركِ الصلاةِ الكفرَ الأكبرَ المُخْرِجَ عن الملة، ووجهُ الدلالةِ: أنَّ اللهَ قال في المضيِّعينَ للصلاةِ، المتَّبعينَ للشهواتِ: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ فدلَّ على أنَّهم حينَ إضاعتِهم للصلاةِ واتِّبَاعِ الشهواتِ غيرُ مؤمنين [638] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/127). ، فلو كان مضيِّعُ الصلاةِ مؤمنًا لم يُشترَطْ في توبتِه الإيمانُ؛ فإنَّه يكونُ تحصيلًا للحاصلِ [639] يُنظر: ((الصلاة وأحكام تاركها)) لابن القيم (ص: 47). ، وذلك على أنَّ المرادَ بالإضاعةِ: التركُ.
3- في قوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ذمٌّ لمَن تَرَكَ شيئًا مِن واجباتِ الصلاةِ -وإنْ كان في الظاهر مُصَلِّيًا- مثل أنْ يَتْرُكَ الوقتَ الواجبَ، أو يَتْرُكَ تكميلَ الشرائطِ والأركانِ مِن الأعمالِ الظاهرةِ والباطنةِ [640] يُنظر: ((القواعد النورانية)) لابن تيمية (ص: 55). ، وذلك على أحدِ الأقوالِ في الآيةِ.
4- شَرَط الله في قَبولِ التوبةِ ومغفرةِ الذنوبِ بها العملَ الصالحَ، كقوله تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا، وقَولِه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا [طه: 82] ، وقَولِه: فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ [641] يُنظر: ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/437). [القصص: 67] .
5- قال تعالى: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا، قَولُه: نُورِثُ فيه إشارةٌ إلى أنَّها ليست عِوَضًا عن الأعمالِ بوَجهٍ، ولم يأخُذْها أحَدٌ بالاستِحقاقِ، وإنَّما كالوارِثِ الذي أخَذَ كوارِثٍ بغيرِ مُعاوَضةٍ ولا استِحقاقٍ [642] يُنظر: ((تفسير ابن عرفة)) (3/126). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا فُرِّعَ على الثَّناءِ عليهم اعتبارٌ وتَنديدٌ بطائفةٍ من ذُرِّياتِهم لم يَقْتدوا بصالحِ أسلافِهم، وهم الذين عناهم بقولِه: خَلْفٌ [643] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/134). .
- وقولُه: مِنْ بَعْدِهِمْ يشمَلُ طَبقاتٍ وقُرونًا كثيرةً، وليس قيدًا؛ لأنَّ الخلَفَ لا يكونُ إلَّا مِن بعْدِ أصْلِه، وإنَّما ذُكِرَ لاستحضارِ ذَهابِ الصَّالحينَ [644] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/135). .
- قولُه: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ حرْفُ (سَوْفَ) دالٌّ على أنَّ لقاءَهم الغيَّ مُتكرِّرٌ في أزمنةِ المُستقبَلِ؛ مُبالغةً في وعيدِهم، وتَحذيرًا لهم من الإصرارِ على ذلك [645] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/136). .
2- قوله تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا
- جِيءَ في جانبِهم باسمِ الإشارةِ فَأُولَئِكَ؛ إشادةً بهم، وتَنبيهًا لهم؛ للتَّرغيبِ في تَوبتِهم [646] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/136). ؛ فما في اسمِ الإشارةِ فَأُولَئِكَ مِن معنى البُعدِ؛ للإيذانِ بعُلوِّ مَنزلتِهم، أي: فأولئك المَنعوتونَ بالتَّوبةِ والإيمانِ والعملِ الصَّالحِ [647] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/272). .
- قولُه: يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ جِيءَ بالمُضارعِ الدَّالِّ على الحالِ؛ للإشارةِ إلى أنَّهم لا يُمْطَلون في الجَزاءِ [648] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/136). .
- وذِكْرُ شَيْئًا في سياقِ النَّفيِ يفيدُ نفْيَ كلِّ فردٍ من أفرادِ النَّقصِ والإجحافِ والإبطاءِ، فيُعْلَمُ انتفاءُ النَّقصِ القويِّ بالفحوى [649] فحْوَى الخطابِ: ويسمَّى تنبيهَ الخطابِ، ومفهومَ الموافقةِ، وهو إثباتُ حكمِ المنطوقِ به للمسكوتِ عنه بطريقِ الأولَى، كقولِه تعالَى: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء: 23] ، فيه تنبيهٌ على النَّهيِ عن ضربِهما وسَبِّهما؛ لأنَّ الضَّربَ والسَّبَّ أعظمُ مِن التَّأْفيفِ، وكذلك قولُه تعالَى: مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ [آل عمران: 75] ، فيه تنبيهٌ على أنَّه يُؤدِّي ما كانَ دونَ القنطارِ، ففي هذه الآيةِ نَبَّه بالأعلَى على الأدنَى، وفي الآيةِ الأولى نَبَّه بالأدنَى على الأعلَى. يُنظر: ((الفقيه والمتفقه)) للخطيب البغدادي (1/233)، ((تقريب الوصول إلي علم الأصول)) لابن جزي (ص: 163). ؛ دفعًا لِما عسى أنْ يُخالِجَ نُفوسَهم من الانكسارِ بعدَ الإيمانِ، بظَنِّ أنَّ سبْقَ الكُفرِ يحُطُّ من حُسنِ مَصيرِهم [650] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/136). ، ففيه: تنبيهٌ على أنَّ كُفرَهم السَّابقَ لا يضُرُّهم ولا ينقُصُ أُجورَهم [651] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/26)، ((تفسير البيضاوي)) (4/14)، ((تفسير أبي السعود)) (5/272). .
3- قوله تعالى: جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا
- قولُه: جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ جِيءَ بصيغةِ جمْعِ (جنَّاتٍ) مع أنَّ المُبدَلَ منه مُفردٌ؛ لأنَّه يَشتمِلُ على جنَّاتٍ كثيرةٍ [652] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/136). .
- ووُصِفَتِ الجنَّاتُ بـ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ؛ لزيادةِ تَشريفِها وتحسينِها، وفي ذلك إدماجٌ [653] الإدماجُ، لُغةً: الإدخالُ؛ يُقال: أدْمَجَ الشيءَ في ثَوبٍ، إذا لَفَّه فيه. واصطلاحًا: أنْ يُدمِجَ المتكلِّمُ غرضًا في غَرضٍ، أو بديعًا في بديعٍ بحَيثُ لا يَظهرُ في الكلامِ إلَّا أحدُ الغرَضينِ أو أحدُ البَديعينِ، بمعنى: أن يَجعل المتكلِّمُ الكلامَ الذي سِيق لمعنًى -مِن مَدحٍ أو غيرِه- مُتضمِّنًا معنى آخَرَ، كقولِه تعالى: لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ [القصص: 70] ؛ فهذا مِن إدماجِ غرَضٍ في غَرَضٍ؛ فإنَّ الغرَضَ منها تَفرُّدُه تعالى بوصْفِ الحَمدِ، وأُدمِجَ فيه الإشارةُ إلى البعثِ والجزاءِ، وقيل: أُدمِجتِ المبالغةُ في المطابقةِ؛ لأنَّ انفرادَه بالحمدِ في الآخِرَةِ -وهي الوقتُ الذي لا يُحمَدُ فيه سِواه- مبالغةٌ في الوَصفِ بالانفرادِ بالحَمْدِ. يُنظر: ((الإتقان)) للسيوطي (3/298)، ((تفسير ابن عاشور)) (1/339)، ((علوم البلاغة: البيان المعاني البديع)) للمراغي (ص: 344)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (2/427). لتَبشيرِ المُؤمِنين السَّابقينَ في أثناءِ وعْدِ المَدْعوين إلى الإيمانِ [654] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/136-137). .
- والتَّعرُّضُ لعُنوانِ الرَّحمةِ الرَّحْمَنُ؛ للإيذانِ بأنَّ وعْدَها وإنجازَه لكَمالِ سَعةِ رحمَتِه تعالى [655] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/272). .
- قولُه: إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا تعليلٌ لجُملةِ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ، أي: يَدْخلون الجنَّةَ وعْدًا من اللهِ واقعًا، وهذا تحقيقٌ للبِشارةِ [656] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/137). .
- في قولِه: مَأْتِيًّا عُبِّرَ بالإتيانِ عن حُصولِ المطلوبِ المُترقَّبِ؛ تَشبيهًا لمَن يُحصِّلُ الشَّيءَ بعدَ أنْ سعَى لتَحصيلِه بمَن مَشَى إلى مكانٍ حتَّى أتاهُ، وتَشبيهًا للشَّيءِ المُحصَّلِ بالمكانِ المقصودِ [657] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/137). .
4- قولُه تعالى: لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا
- قولُه: لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا كِنايةٌ عن عدَمِ صُدورِ اللَّغوِ عن أهْلِها [658] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/273). ، وكِنايةٌ عن انتفاءِ أقلِّ المُكدِّراتِ في الجنَّةِ، وكِنايةٌ عن جعْلِ مُجازاةِ المُؤمِنين في الجنَّةِ بضِدِّ ما كانوا يُلاقُونَه في الدُّنيا من أذَى المُشرِكين ولَغْوِهم [659] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/137). .
- قولُه: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا جِيءَ بالجُملةِ الاسميَّةِ؛ للدَّلالةِ على ثَباتِ ذلك ودوامِه؛ فيفيدُ التَّكرُّرَ المُستمِرَّ، وهو أخصُّ من التَّكرُّرِ المُفادِ بالفعْلِ المُضارعِ وأكثَرُ [660] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/138). .
- وتَقديمُ الظَّرفِ وَلَهُمْ؛ للاهتمامِ بشأْنِهم. وإضافةُ (رِزْق) إلى ضَميرِهم رِزْقُهُمْ؛ لزيادةِ الاختصاصِ [661] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/138). .
- والجمْعُ بينَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا كِنايةٌ عن استغراقِ الزَّمنِ، أي: لهم رزقُهم غيرَ محصورٍ ولا مُقدَّرٍ، بلْ كلَّما شاؤوا [662] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/28)، ((تفسير البيضاوي)) (4/14)، ((تفسير أبي حيان)) (7/280)، ((تفسير أبي السعود)) (5/273)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/138). ، وذلك على قولٍ في تَفسيرِ الآيةِ.
5- قولُه تعالى: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا الوراثةُ أقْوَى لَفظٍ يُستعمَلُ في التَّملُّكِ والاستحقاقِ؛ من حيثُ إنَّها لا تُعْقَبُ بفسْخٍ ولا استرجاعٍ، ولا تبطلُ برَدٍّ ولا إسقاطٍ، وفيه تَشبيهٌ تَمثيليٌّ بليغٌ؛ فقد شبَّهَ عطاءَ الجنَّةِ لهم بالعَطاءِ الَّذي لا يُرَدُّ، وهو الميراثُ الَّذي يرِثُه الوارثُ؛ فلا يرجِعُ فيه المورِّثُ، أي: نُبْقيها عليهم من ثَمرةِ تَقْواهم، كما يَبْقى على الوارثِ مالُ مُورِّثِه [663] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/28)، ((تفسير أبي حيان)) (7/280)، ((تفسير أبي السعود)) (5/273)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (6/125). وقال ابنُ عاشورٍ: (وحقيقةُ الإرثِ: انتقالُ مالِ القريبِ إلى قَريبِه بعدَ موته؛ لأنه أَوْلى الناس بمالِه؛ فهو انتقالٌ مقيَّد بحالة. واستُعير هنا للعطيةِ المُدَّخرةِ لمُعطاها؛ تشبيهًا بمال الموروث الذي يَصيرُ إلى وارثه آخِرَ الأمرِ). ((تفسير ابن عاشور)) (16/138). .
- وجُملةُ: تِلْكَ الْجَنَّةُ ... مُستأنفةٌ ابتدائيَّةٌ، واسمُ الإشارةِ تِلْكَ لزيادةِ التَّمييزِ؛ تَنويهًا بشأْنِها، وأُجْرِيَت عليها الصِّفةُ بالموصولِ وصِلَتِه الَّتِي نُورِثُ ...؛ تَنويهًا بالمُتَّقينَ، وأنَّهم أهْلُ الجنَّةِ [664] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/138). . وجِيءَ كذلك باسمِ الإشارةِ تِلْكَ؛ لتَعظيمِ شأنِ الجنَّةِ، وتَعيينِ أهْلِها؛ فإنَّ ما في اسمِ الإشارةِ من معنى البُعدِ للإيذانِ ببُعدِ مَنزلتِها، وعُلوِّ رُتبتِها [665] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/273). .
- وقولُه: مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا فيه تشريفٌ لهم مِن جهةِ إضافةِ لفظِ العبادِ إلى الله تعالى، ولأنَّ (تَقِيًّا) أخصُّ مِن (المتَّقي) [666] يُنظر: ((تفسير ابن عرفة)) (3/126). .