موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الرَّابِعُ: استِنباطُ القاعِدةِ الفِقهيَّةِ مِنَ السُّنَّةِ


يُعَدُّ الاستِنباطُ مِنَ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ أحَدَ المَصادِرِ المُهِمَّةِ للقَواعِدِ الفِقهيَّةِ، ومِن هذه القَواعِدِ:
1- قاعِدةُ "الأُمورُ بمَقاصِدِها":
فهذه القاعِدةُ مُستَنبَطةٌ مِنَ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ، والأصلُ فيها قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ)) [314] أخرجه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907) من حديثِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه. ، وحَديثُ: ((إنَّكَ لن تُنفِقَ نَفَقةً تَبتَغي بها وجهَ اللهِ إلَّا أُجِرتَ بها حَتَّى ما تَجعَلُ في في امرَأتِكَ )) [315] أخرجه البخاري (1295) واللفظ له، ومسلم (1628). ، وحَديثُ: ((ولَكِنْ جِهادٌ ونيَّةٌ )) [316] أخرجه البخاري (1834)، ومسلم (1353) مِن حَديثِ عَبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما، ولَفظُ البُخاريِّ: عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَومَ افتَتَحَ مَكَّةَ: لا هِجرةَ، ولَكِن جِهادٌ ونيَّةٌ، وإذا استُنفِرتُم فانفِروا، فإنَّ هذا بَلَدٌ حَرَّمَه اللهُ يَومَ خَلَقَ السَّمَواتِ والأرضَ، وهو حَرامٌ بحُرمةِ اللهِ إلى يَومِ القيامةِ، وإنَّه لم يَحِلَّ القِتالُ فيه لأحَدٍ قَبلي، ولَم يَحِلَّ لي إلَّا ساعةً مِن نَهارٍ، فهو حَرامٌ بحُرمةِ اللهِ إلى يَومِ القيامةِ، لا يُعضَدُ شَوكُه، ولا يُنَفَّرُ صَيدُه، ولا يَلتَقِطُ لُقَطَتَه إلَّا مَن عَرَّفَها، ولا يُختَلى خَلاها. قال العَبَّاسُ: يا رَسولَ اللهِ، إلَّا الإذخِرَ؛ فإنَّه لقَينِهم ولِبُيوتِهم، قال: قال: إلَّا الإذخِرَ.   وغيرُها [317] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 8). .
2- قاعِدةُ "ما ثَبَتَ بيَقينٍ لا يَرتَفِعُ إلَّا بيَقينٍ":
فهذه القاعِدةُ مُستَنبَطةٌ مِنَ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ، قال الزَّركَشيُّ: (هذه القاعِدةُ استَنبَطَها الإمامُ الشَّافِعيُّ رَضيَ اللهُ عنه مِن قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقد سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُخَيَّلُ إليه الشَّيءُ في الصَّلاةِ ((لا يَنصَرِفْ حَتَّى يَسمَعَ صَوتًا أو يَجِدَ ريحًا )) [318] أخرجه البخاري (177)، ومسلم (361) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه. ، وبَنى عليها فُروعًا كَثيرةً) [319] ((المنثور)) (3/ 135). ويُنظر أيضًا: ((الأم)) للشافعي (5/279) و(7/250). .
3- قاعِدةُ "المَيسورُ لا يَسقُطُ بالمَعسورِ":
وهذه القاعِدةُ الفِقهيَّةُ مُستَنبَطةٌ مِنَ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ، مِن قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وإذا أمَرتُكُم بأمرٍ فأْتوا مِنه ما استَطَعتُم )) [320] لفظُه: عَن أبي هرَيرةَ، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: دَعوني ما تَرَكتُكُم؛ إنَّما هَلَكَ مَن كانَ قَبلَكُم بسُؤالِهم واختِلافِهم على أنبيائِهم، فإذا نَهَيتُكُم عَن شَيءٍ فاجتَنِبوه، وإذا أمَرتُكُم بأمرٍ فأْتوا مِنه ما استَطَعتُم . أخرجه البخاري (7288) واللفظ له، ومسلم (1337). [321] يُنظر: ((طبقات الشافعية الكبرى)) (4/398)، ((الأشباه والنظائر)) (1/155)، كلاهما لابن السبكي، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/174)، ((فتح الباري)) لابن حجر (13/262). .
4- قاعِدةُ "ما كانَ أكثَرَ فِعلًا كانَ أكثَرَ فضلًا":
وهيَ قاعِدةٌ فِقهيَّةٌ مُستَنبَطةٌ مِنَ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ [322] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 143)، ((التيسير)) للمناوي (1/ 339). ، وذلك مِن قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها: ((أجرُكِ على قَدرِ نَصَبِكِ)) [323] لفظُه: عَن عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لها في عُمرَتِها: إنَّ لكِ مِنَ الأجرِ على قدرِ نَصَبِكِ ونَفَقَتِكِ أخرجه الدارقطني (3/350)، والحاكم (1754). صحَّحه الحاكم وقال: على شرط الشيخين، والألباني في ((صحيح الترغيب)) (1116). وأخرجه البخاري (1787)، ومسلم (1211) دونَ ذِكرِ لفظِ الأجرِ، ولَفظُ البُخاريِّ: عَنِ القاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ والأسودِ بنِ يَزيدَ قالا: قالت عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها: يا رَسولَ اللهِ، يَصدُرُ النَّاسُ بنُسُكَينِ، وأصدُرُ بنُسُكٍ؟ فقيلَ لها: انتَظِري، فإذا طَهُرتِ فاخرُجي إلى التَّنعيمِ، فأهِلِّي ثُمَّ ائتينا بمَكانِ كَذا، ولَكِنَّها على قَدرِ نَفَقَتِكِ أو نَصَبِكِ. ، وهو مَعنًى أيَّدَته أحاديثُ مُتَعَدِّدةٌ، كَقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ أعظَمَ النَّاسِ أجرًا في الصَّلاةِ أبعَدُهم إليها مَمشًى )) [324] أخرجه البخاري (651)، ومسلم (662) واللَّفظُ له مِن حَديثِ أبي موسى الأشعَريِّ رَضيَ اللهُ عنه. .

انظر أيضا: