موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الرَّابِعَ عَشَرَ: لا يُسَلَّمُ للمَرءِ بَدَلانِ عن شَيءٍ واحِدٍ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "لا يُسَلَّمُ للمَرءِ بَدَلانِ عن شَيءٍ واحِدٍ" [1759] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (23/195). . وصيغةِ: "لا يَجتَمِعُ بَدَلانِ عن مُبدَلٍ واحِدٍ" [1760] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (11/6018). . وصيغةِ: "لا يَصِحُّ في شَريعةٍ الجَمعُ بَينَ بَدَلَينِ في مَوضِعٍ ما" [1761] يُنظر: ((عيون الأدلة)) لابن القصار (4/449). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
هذه القاعِدةُ تُمَثِّلُ جانِبًا مُهِمًّا مِن جَوانِبِ العَدالةِ في التَّكليفاتِ الشَّرعيَّةِ؛ فتُفيدُ أنَّ البَدَلَ إذا كان قائِمًا مَقامَ الأصلِ فلا يُسَلَّمُ غَيرُه مَعَه عن نَفسِ الأصلِ، فإذا تَمَّ البَدَلُ عنِ الأصلِ فلا يُطالَبُ المَرءُ ببَدَلٍ آخَرَ، وإذا فاتَ البَدَلُ وَجَبَ الرُّجوعُ إلى الأصلِ [1762] يُنظر: ((عيون الأدلة)) لابن القصار (4/449)، ((المبسوط)) للسرخسي (23/195)، ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (1/364)، ((الجامع)) للدبيان (2/376). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (البَدَلُ يَقومُ مَقامَ الأصلِ وحُكمُه حُكمُ الأصلِ)؛ لأنَّ البَدَلَ فرعُ الأصلِ، ويَقومُ مَقامَه، فلا يُسَلَّمُ للمَرءِ بَدَلانِ عن أصلٍ واحِدٍ؛ حَيثُ لا يَكونُ للأصلِ الواحِدِ بَدَلانِ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ السُّنَّةُ والقَواعِدُ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:
- عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن نَسِيَ صَلاةً فليُصَلِّ إذا ذَكَرَها، لا كَفَّارةَ لها إلَّا ذلك: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)) [1763] أخرجه البخاري (597) واللَّفظُ له، ومسلم (684). .
وفي رِوايةٍ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا رَقدَ أحَدُكُم عنِ الصَّلاةِ أو غَفلَ عنها، فليُصَلِّها إذا ذَكَرَها؛ فإنَّ اللَّهَ يَقولُ: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)) [1764] أخرجها مسلم (684). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ قَولَه: ((لا كَفَّارةَ لها إلَّا ذلك)) يَدُلُّ على أنَّه لا يُكَفِّرُها غَيرُ قَضائِها فقَط، ولا يَجوزُ تَركُها إلى بَدَلٍ آخَرَ، ولا يَلزَمُه مَعَ ذلك شَيءٌ آخَرُ، مِثلُ كَفَّارةٍ مِن صَدَقةٍ ونَحوِها [1765] يُنظر: ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (2/670)، ((شرح سنن أبي داود)) للعيني (2/335). .
- وعن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((فمَن قُتِلَ فهو بخَيرِ النَّظَرَينِ: إمَّا أن يُعقَلَ، وإمَّا أن يُقادَ أهلُ القَتيلِ )) [1766] أخرجه البخاري (112) واللفظ له، ومسلم (1355). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ الحَديثُ على أنَّ للنَّفسِ بَدَلَينِ: القَوَدُ، والدِّيةُ، ويُخيَّرُ بَينَهما، ولا يُجمَعُ بَينَ القِصاصِ والدِّيةِ في نَفسٍ واحِدةٍ في قَتلٍ واحِدٍ [1767] يُنظر: ((المعونة)) للقاضي عبد الوهاب (3/1307)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/167). .
2- مِنَ القَواعِدِ:
يُستَدَلُّ لها بالقاعِدةِ الأُمِّ: (البَدَلُ يَقومُ مَقامَ الأصلِ وحُكمُه حُكمُ الأصلِ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ:
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- المُتَوضِّئُ يَمسَحُ على الجَبيرةِ، ولا يَتَيَمَّمُ؛ لأنَّه أتى عَمَّا تَحتَ الجَبيرةِ ببَدَلٍ، وهو مَسحُ الجَبيرةِ؛ فلا يَلزَمُه بَدَلٌ آخَرُ [1768] يُنظر: ((التهذيب)) للبغوي (1/418). .
2- إذا اشتَرى سَيَّارةً بخَمسينَ ألفَ ريالٍ وسَلَّمها للبائِعِ، وأرادَ البائِعُ بَعدَ تَمامِ العَقدِ أن يَستَوليَ على سَيَّارةٍ للمُشتَري قديمةٍ أو مُتَوسِّطةٍ أو جَديدةٍ ليَجعَلَها أيضًا في مُقابَلةِ السَّيَّارةِ المَبيعةِ، فلَيسَ له ذلك؛ لأنَّ بَدَلَ السَّيَّارةِ ثَمَنُها، وهو الخَمسونَ ألفًا، ولا حَقَّ له في سَيَّارةِ المُشتَري الثَّانيةِ، ولأنَّه لا يُسَلَّمُ للشَّخصِ بَدَلانِ عن شَيءٍ واحِدٍ، إلَّا إذا اشتَرَطَ البائِعُ السَّيَّارةَ القديمةَ مَعَ الخَمسينَ ألفًا، فيَكونانِ بمَثابةِ ثَمَنٍ واحِدٍ وبَدَلٍ واحِدٍ للسَّيَّارةِ المُشتَراةِ [1769] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (8/1026). .

انظر أيضا: