موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الرَّابِعُ: البَدَلُ يَجِبُ بالسَّبَبِ الذي وجَبَ به الأصلُ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "البَدَلُ يَجِبُ بالسَّبَبِ الذي وجَبَ به الأصلُ" [1667] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (20/96). . وصيغةِ: "البَدَلُ إنَّما يَجِبُ عِندَ عَدَمِ الأصلِ بما يَجِبُ به الأصلُ" [1668] يُنظر: ((أصول السرخسي)) (2/181). . وكذلك صيغةُ: "الخَلَفُ يَجِبُ بالسَّبَبِ الذي يَجِبُ به الأصلُ" [1669] يُنظر: ((البناية)) للعيني (11/185)، ((التقرير والتحبير)) لابن أمير الحاج (2/192)، ((تيسير التحرير)) لأمير بادشاه (2/287). . وصيغةِ: "الخَلَفُ إنَّما يَجِبُ بالسَّبَبِ الذي يَجِبُ به الأصلُ" [1670] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/50)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (1/171)، ((البناية)) للعيني (11/185). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ البَدَلَ إنَّما يَجِبُ عِندَ عَدَمِ الأصلِ بما يَجِبُ به الأصلُ، أي: أنَّ الأصلَ لا بُدَّ أن يَكونَ قائِمًا ليَثبُتَ البَدَلُ به أوَّلًا، ثُمَّ يُقامَ مَقامَ الأصلِ؛ لأنَّ شَرطَ كَونِه خَلَفًا أن يَنعَقِدَ السَّبَبُ موجِبًا للأصلِ؛ لمُصادَفتِه مَحلَّه، ثُمَّ بالعَجزِ عنه يَتَحَوَّلُ الحُكمُ إلى الخَلَفِ، وإذا لم يَنعَقِدِ السَّبَبُ موجِبًا للأصلِ باعتِبارِ أنَّه لم يُصادِفْ مَحلَّه، لا يَكونُ موجِبًا للخَلفِ [1671] يُنظر: ((أصول السرخسي)) (2/181)، ((الكافي)) للسغناقي (4/2024)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (2/357) و(4/328). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (البَدَلُ يَقومُ مَقامَ الأصلِ وحُكمُه حُكمُ الأصلِ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ البَدَلَ لمَّا كان قائِمًا مَقامَ الأصلِ فإنَّه لا يَثبُتُ إلَّا بالسَّبَبِ الذي وجَبَ به الأصلُ؛ لأنَّه خَلَفٌ عنه، وحُكمُه حُكمُه.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ والقَواعِدِ:
1- مِنَ القُرآنِ الكَريمِ:
قَولُ اللهِ تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [المائدة: 6] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ وُجوبَ التَّيَمُّمِ -الذي هو بَدَلٌ- إنَّما تَعَلَّقَ بما يَجِبُ به الأصلُ، فتَعيَّنَ أنَّ المُرادَ بصَدرِ الآيةِ: إذا قُمتُم وأنتُم مُحدِثونَ، ولَكِن سَقَطَ ذِكرُ الحَدَثِ اختِصارًا؛ لِما في الآيةِ ممَّا يَدُلُّ عليه، على ما عليه لسانُ العَرَبِ [1672] يُنظر: ((تقويم الأدلة)) للدبوسي (ص: 307)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (3/370). .
2- مِنَ القَواعِدِ:
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (البَدَلُ يَقومُ مَقامَ الأصلِ وحُكمُه حُكمُ الأصلِ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- الصِّيامُ عِندَ عَدَمِ القُدرةِ على الأصلِ في كَفَّارةِ اليَمينِ، وهو العِتقُ أوِ الإطعامُ أوِ الكِسوةُ. فالصِّيامُ مُسَبَّبٌ عن وُجوبِ الكَفَّارةِ لليَمينِ عِندَ الحِنثِ، فهو واجِبٌ كَوُجوبِ أصلِه، وقائِمٌ مُقامَ أصلِه في الوفاءِ [1673] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (2/29). .
2- مَن غَصَبَ شَيئًا مِمَّا له مِثلٌ فهَلَكَ في يَدِه، ثُمَّ انقَطَعَ مِثلُه، فلَم يَقدِرْ عليه، فعِند أبي يوسُفَ مِنَ الحَنَفيَّةِ: يَجِبُ قيمَتُه يَومَ الغَصبِ؛ لأنَّه لمَّا انقَطَعَ المِثلُ التَحَقَ بما لا مِثلَ له، والخَلَفُ إنَّما يَجِبُ بالسَّبَبِ الذي وجَبَ به الأصلُ، وهو الغَصبُ، فتُعتَبَرُ قيمَتُه يَومَ الغَصبِ [1674] يُنظر: ((مختصر القدوري)) (ص: 129)، ((المبسوط)) للسرخسي (11/50)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (1/171)، ((التلويح)) للتفتازاني (1/327)، ((البناية)) للعيني (11/185). .

انظر أيضا: