موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: البَدَلُ إنَّما يَظهَرُ حُكمُه عِندَ فواتِ الأصلِ لا مَعَ القُدرةِ على الأصلِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "البَدَلُ إنَّما يَظهَرُ حُكمُه عِندَ فواتِ الأصلِ لا مَعَ القُدرةِ على الأصلِ" [1645] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (12/27). . وصيغةِ: "البَدَلُ الحَقيقيُّ لا يُصارُ إليه مَعَ القُدرةِ على الأصلِ" [1646] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/208). . و"القُدرةُ على الأصلِ قَبلَ إسقاطِ الفرضِ بالبَدَلِ يوجِبُ الانتِقالَ إلى الأصلِ" [1647] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (1/221). . و"القُدرةُ على الأصلِ قَبلَ حُصولِ المَقصودِ بالبَدَلِ يُبطِلُ حُكمَ البَدَلِ" [1648] يُنظر: ((درر الحكام)) لملا خسرو (1/315). . و"لا يَجوزُ المَصيرُ إلى البَدَلِ مَعَ القُدرةِ على الأصلِ" [1649] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (1/65). . و"مَعَ القُدرةِ على الأصلِ لا عِبرةَ للبَدَلِ" [1650] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (7/31). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ البَدَلَ إنَّما يَظهَرُ حُكمُه عِندَ فواتِ الأصلِ، فأمَّا مَعَ القُدرةِ على الأصلِ فلا اعتِبارَ بالبَدَلِ، ولا يَجوزُ المَصيرُ إليه، فالأبدالُ إنَّما يَظهَرُ حُكمُها وجَوازُ استِعمالِها عِندَ عَدَمِ وُجودِ الأصلِ بفِقدانِه أو عَدَمِ القُدرةِ عليه، ولا يَجوزُ استِعمالُ البَدَلِ أوِ الانتِقالُ إليه مَعَ وُجودِ الأصلِ والقُدرةِ على استِعمالِه، وإذا ثَبَتَتِ القُدرةُ على الأصلِ قَبلَ حُصولِ المَقصودِ مِنَ البَدَلِ سَقَطَ حُكمُ البَدَلِ [1651] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (12/27)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (3/455)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (2/25). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (البَدَلُ يَقومُ مَقامَ الأصلِ وحُكمُه حُكمُ الأصلِ)؛ وذلك لأنَّ البَدَلَ إنَّما يَقومُ مَقامَ الأصلِ، ويُعطى حُكمَه عِندَ فواتِه.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ والقَواعِدِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:
عن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كُنَّا في سَفَرٍ مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم... فارتَحَلَ فسارَ غَيرَ بَعيدٍ، ثُمَّ نَزَلَ فدَعا بالوَضوءِ فتَوضَّأ، ونوديَ بالصَّلاةِ فصَلَّى بالنَّاسِ، فلَمَّا انفتَلَ مِن صَلاتِه إذا هو برجُلٍ مُعتَزِلٍ لم يُصَلِّ مَعَ القَومِ، قال: ما مَنعَك يا فُلانُ أن تُصَلِّيَ مَعَ القَومِ؟ قال: أصابَتني جَنابةٌ ولا ماءَ. قال: عليك بالصَّعيدِ؛ فإنَّه يَكفيك )) [1652] أخرجه البخاري (344) واللفظ له، ومسلم (682). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أباحَ له التَّيَمُّمَ لفَواتِ الأصلِ، وهو الماءُ [1653] يُنظر: ((المحلى)) لابن حزم (1/352)، ((المغني)) لابن قدامة (1/335)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/245). .
2- مِنَ القَواعِدِ:
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (البَدَلُ يَقومُ مَقامَ الأصلِ، وحُكمُه حُكمُ الأصلِ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- لا يَجوزُ التَّيَمُّمُ بالتُّرابِ مَعَ القُدرةِ على الأصلِ، وهو الماءُ؛ لأنَّه لا عِبرةَ بالخَلَفِ مَعَ القُدرةِ على الأصلِ [1654] يُنظر: ((طريقة الخلاف)) للأسمندي (ص: 89)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/173). .
2- لا يَجوزُ الصِّيامُ مَعَ القُدرةِ على الهَديِ للمُتَمَتِّعِ في الحَجِّ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى جَعَل صيامَ ثَلاثةِ أيَّامٍ بَدَلًا عنِ الهَديِ عِندَ عَدَمِ القُدرةِ على الأصلِ [1655] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/173). .
3- المُعتَدَّةُ بالأشهُرِ إذا رَأتِ الدَّمَ لا تَعتَدُّ بالأشهرِ، وإنَّما تَعتَدُّ بالأقراءِ؛ لأنَّ الشَّهرَ قائِمٌ مَقامَ الحَيضِ في العِدَّةِ، والقُدرةُ على الأصلِ قَبلَ حُصولِ المَقصودِ بالبَدَلِ يُبطِلُ حُكمَ البَدَلِ، ويوجِبُ الانتِقالَ إلى الأصلِ [1656] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (1/221)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (1/315). .

انظر أيضا: