الفَرعُ السَّابِعُ: مَن خُيِّر بَينَ شَيئَينِ وأمكَنَه الإتيانُ بنِصفَيهما مَعًا، فهَل يُجزِئُه أم لا؟
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "مَن خُيِّر بَينَ شَيئَينِ وأمكَنَه الإتيانُ بنِصفَيهما مَعًا، فهَل يُجزِئُه أم لا؟"
[1702] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (2/288). . وصيغةِ: "مَن أُمِرَ بشَيءٍ وعَجَزَ عنِ الإتيانِ به جُملةً وأمكَنَه الإتيانُ بنِصفَيه مَعًا، هَل يُجزيه؟"
[1703] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/260). . وصيغةِ: "التَّخييرُ في الجُملةِ هَل يَقتَضي التَّخييرَ في الأبعاضِ أم لا؟"
[1704] يُنظر: ((التوضيح)) لخليل (1/356)، ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (1/104). . وصيغةِ: "مَن خُيِّر بَينَ شَيئَينِ لا يَجوزُ له تَبعيضُهما"
[1705] يُنظر: ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (3/217). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ مَن خُيِّرَ في الشَّرعِ بَينَ شَيئَينِ -أو أكثَرَ- ولَم يُمكِنْه الإتيانُ بالواحِدِ الكامِلِ مِن هذه الأشياءِ، وأمكَنه الإتيانُ بنِصفِ كُلِّ واحِدٍ مِنهما مَعًا، فهَل يُجزِئُه عنِ الواحِدِ الكامِلِ أم لا؟ في هذه القاعِدةِ خِلافٌ بَينَ الفُقَهاءِ، فقيلَ: يُجزِئُه، وقيلَ: لا يُجزِئُه. وذلك بناءً على أنَّه إن كَمَلَ المَقصودُ بذلك فيما الشَّرعُ مُتَشَوِّفٌ لتَكميلِه، أجزَأه، وإن لم يَكُنْ كذلك امتَنَعَ
[1706] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (2/288)، ((المنثور)) للزركشي (1/260)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/1062)، ((شرح تحفة أهل الطلب)) لعبد الكريم اللاحم (ص: 336). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (البَدَلُ يَقومُ مَقامَ الأصلِ وحُكمُه حُكمُ الأصلِ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّه على القَولِ بالإجزاءِ فإنَّ مَن أتى بنِصفَيهما مَعًا فإنَّ النِّصفَينِ بَدَلٌ عنِ الواحِدِ الكامِلِ، ويَقومانِ مَقامَه؛ فكَأنَّه أخرَجَ واحِدًا كامِلًا مِنَ المُخَيَّرِ فيه.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقَواعِدِ التَّاليةِ:
1- يُستَدَلُّ للقائِلِ بالإجزاءِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (البَدَلُ يَقومُ مَقامَ الأصلِ وحُكمُه حُكمُ الأصلِ).
2- يُستَدَلُّ للقائِلِ بعَدَمِ الإجزاءِ بقاعِدةِ: (ما جازَ على البَدَلِ لا يَدخُلُه تَبعيضٌ فيهما).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- لو أخرَجَ في الزَّكاةِ نِصفَي شاتَينِ، أو أهدى للحَرَمِ نِصفَي شاتَينِ، ففيه قَولانِ بناءً على القاعِدةِ، ومَن جَوَّزَ فبِاعتِبارِ أنَّ المَقصودَ مِنَ الهَديِ اللَّحمُ، وقد حَصَلَ المَقصودُ بالنِّصفينِ
[1707] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (2/288)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/1062). .
2- لو أخرَجَ في زَكاةِ الفِطرِ صاعًا مِن جِنسَينِ، كَأن أخرَجَ نِصفَ صاعٍ مِن بُرٍّ، ونِصفَ صاعٍ مِن غَيرِه؛ فالمَذهَبُ عِندَ الحَنابِلةِ الإجزاءُ
[1708] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (2/289)، ((شرح تحفة أهل الطلب)) لعبد الكريم اللاحم (ص: 336). .
3- لو كَفَّرَ في مَحظوراتِ الحَجِّ بصيامِ يَومٍ، وإطعامِ أربَعةِ مَساكينَ؛ فالأظهَرُ عِندَ الحَنابِلةِ مَنعُه؛ لأنَّ الصِّيامَ بَدَنيٌّ والإطعامَ ماليٌّ، فلا يُلَفَّقُ مِنهما، بخِلافِ الإطعامِ والكِسوةِ فإنَّهما ماليَّانِ. وقيلَ: يُحتَمَلُ الجَوازُ؛ لأنَّها على التَّخييرِ، بخِلافِ كَفَّارةِ اليَمينِ؛ لأنَّ الصِّيامَ في كَفَّارةِ اليَمينِ ليسَ على التَّخييرِ مَعَ بَقيَّةِ خِصالِها، بخِلافِ الصِّيامِ في فِديةِ الأذى؛ فإنَّه يُخَيَّرُ بَينَه وبَينَ الإطعامِ
[1709] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (2/289). .
4- أنَّ مَن عليه كَفَّارةُ يَمينٍ وكَفَّرَ بإطعامِ خَمسةِ مَساكينَ، وكِسوةِ خَمسةِ مَساكينَ، فقيلَ: يَجوزُ. وقيلَ: لا يَجوزُ؛ لأنَّ مَن خُيِّر بَينَ شَيئَينِ لا يَجوزُ له تَبعيضُهما
[1710] يُنظر: ((التوضيح)) لخليل (1/356)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (3/217)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/1063). .