الفرعُ الثَّامِنَ عَشَرَ: ما أفضى إثباتُه إلى نَفيِه كان باطِلًا
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "ما أفضى إثباتُه إلى نَفيِه كان باطِلًا"
[1062] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (20/170). ، وبصيغةِ: "ما أدَّى إثباتُه إلى نَفيِه بَطَل إثباتُه"
[1063] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (8/217). ، وبصيغةِ: "كُلُّ ما يُؤَدِّي إثباتُه إلى نَفيِه فهو مَنفيٌّ"
[1064] يُنظر: ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (3/444). ، وبصيغةِ: "ما أدَّى إثباتُه إلى إسقاطِه سَقَطَ إثباتُه"
[1065] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (10/219). ، وبصيغةِ: "كُلُّ ما أدَّى إثباتُه إلى نَقضِه باطِلٌ"
[1066] يُنظر: ((طبقات الشافعية الكبرى)) لابن السبكي (4/332)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 384). ، وبصيغةِ: "ما أفضى وُجودُه إلى عَدَمِه فهو مُنتَفٍ"
[1067] يُنظر: ((العناية)) للبابرتي (9/74)، ((البناية)) للعيني (10/238). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.كُلُّ ما أدَّى إثباتُه إلى نَفيِه وإبطالِه فهو مُنتَفٍ مِن أصلِه؛ لأنَّه لا عِبرةَ بوُجودٍ يُفضي إثباتُه إلى نَفيِه، فإذا كان ثُبوتُ الشَّيءِ مُتَوقِّفًا على نَفيِه -لأنَّه لا يَثبُتُ إلَّا إذا انتَفى- فإنَّه يَنتَفي مِن أصلِه ولا يَثبُتُ؛ حتَّى لا يُؤَدِّيَ ذلك إلى الدَّورِ والتَّسَلسُلِ.
قال الوَنْشَريسيُّ: (قد تَقَرَّر في المَعقولاتِ أنَّ كُلَّ ما أدَّى إثباتُه إلى نَفيِه فنَفيُه أَولى)
[1068] ((عدة البروق)) (ص: 642). .
وعِندَ الحَنَفيَّةِ قاعِدةٌ قَريبةٌ هيَ "الأصلُ أنَّ الشَّيءَ يُعتَبَرُ ما لم يَعُدْ على مَوضوعِه بالنَّقضِ والإبطالِ" كالمَحجورِ عليه لا يَجوزُ أن يَتَصَرَّفَ فيما حُجِرَ عليه.
ومِن قَواعِدِ التَّشريعِ: أنَّ المُناسَبةَ التَّشريعيَّةَ لا تُعتَبَرُ إلَّا إذا كانت غَيرَ عائِدةٍ على أصلِها بالإبطالِ، وتَنخَرِمُ إذا لزِمَتها مَفسَدةٌ راجِحةٌ أو مُساويةٌ
[1069] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (20/170)، ((التوضيح)) لخليل (4/413)، ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (1/405)، ((جمهرة مقالات ورسائل الطاهر بن عاشور)) (2/710)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/666). .
وهذه القاعِدةُ تَتَفرَّعُ عن قاعِدةِ (الحُكمُ للغالبِ)؛ لأنَّه إذا أدَّى إثباتُ شَيءٍ إلى نَفيِ أصلِه كان باطِلًا؛ لأنَّ الحُكمَ بأصلِه مُستَمِرٌّ، وهو الغالبُ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ الكَريمِ، ومِن ذلك:
عُمومُ قَولِ اللهِ تعالى:
وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا [النحل: 92] .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ اللَّهَ تعالى نهى أن نَكونَ كمَن نَقَضَ شَيئًا بَعدَ أن أثبَتَه، فدَلَّ على أنَّ كُلَّ ما كان إثباتُه مُؤَدِّيًا إلى نَفيِه وإبطالِه كان باطِلًا
[1070] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (4/189)، ((طبقات الشافعية الكبرى)) لابن السبكي (4/332)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 384). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- إذا دَفعَ إلى فقيرٍ زَكاةً فاستَغنى بها، لم يَستَرجِعْها مِنه؛ لأنَّ الاستِرجاعَ مِنه يوجِبُ دَفعَها ثانيًا؛ لأنَّه يَصيرُ فقيرًا بالاستِرجاعِ
[1071] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 384). .
2- مَن عَدَّله رَجُلانِ، فأرادَ المُعَدَّلُ تَجريحَ أحَدِهما بجَرحٍ قديمٍ على تَعديلِه، لا يُقبَلُ تَجريحُه؛ لأنَّه يَتَرَتَّبُ على قَبولِ تَجريحِه سَلبُ عَدالتِه؛ لأنَّ عَدالتَه لم تَثبُتْ إلَّا عن طَريقِ مَن جَرَّحَه، وإذا سُلِبَت عَدالتُه لم تُقبَلْ شَهادَتُه، فلا يُقبَلُ تَجريحُه أصلًا
[1072] يُنظر: ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (1/406)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/666). .
3- إذا اشتَرى اثنانِ عَقارًا دَفعةً واحِدةً فلا شُفعةَ لأحَدِهما على صاحِبِه؛ لأنَّها لو وجَبَت لأحَدِهما لوجَبَت للآخَرِ، فليسَ أحَدُهما أولى بالشُّفعةِ مِن صاحِبِه، ووُجوبُها لهما مَعًا يُبطِلُها؛ لأنَّ الشَّخصَ الواحِدَ لا يُمكِنُ أن يَكونَ آخِذًا بالشُّفعةِ ومَأخوذًا مِنه في الوقتِ نَفسِه
[1073] يُنظر: ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (1/406)، ((شرح المنهج المنتخب)) لابن المنجور (2/497)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/667). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استِثناءاتٌ:يُستَثنى مِن هذه القاعِدةِ المَسألةُ المُلقَّبةُ بالسُّرَيجيَّةِ، وهو أن يَقولَ الرَّجُلُ لزَوجَتِه: مَتى طَلَّقتُك فأنتِ طالقٌ قَبلَه ثَلاثًا؛ فقد قال بَعضُ الشَّافِعيَّةِ تَطبيقًا للقاعِدةِ: لا يَلزَمُه شَيءٌ؛ لأنَّه لو وقَعَ الطَّلاقُ لوقَعَ مشروطُه -وهو الثَّلاثُ- قَبلَ كَلامِه، ولو وقَعَتِ الثَّلاثُ لامتَنَعَ وُقوعُ طَلاقِها بَعدَه، فإثباتُ الطَّلاقِ يُؤَدِّي إلى نَفيِه، وما أدَّى إثباتُه إلى نَفيِه فنَفيُه أَولى، ولكِنَّ الرَّاجِحَ عِندَ الشَّافِعيَّةِ عَدَمُ وُقوعِ الطَّلاقِ، وفي قَولٍ: يَقَعُ طَلقةٌ، ثُمَّ طَلقَتانِ مِنَ الثَّلاثِ.
وقال المالكيَّةُ: يَقَعُ عليه الطَّلاقُ استِثناءً مِنَ القاعِدةِ، ويُعَدُّ قَولُه "قَبلَه" لغوًا، فيَقَعُ عليه الطَّلاقُ الأوَّلُ، ثُمَّ يُتَمِّمُ الثَّلاثَ مِنَ المُعَلَّقِ
[1074] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/667). وينظر أيضًا: ((الوسيط)) للغزالي (5/444)، ((الفروق)) للقرافي (1/74). .