موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الثَّامِنُ: النَّادِرُ إذا دامَ يُعطى حُكمَ الغالِبِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "النَّادِرُ إذا دامَ يُعطى حُكمَ الغالِبِ" [958] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/244). ، وبصيغةِ: "النَّادِرُ الدَّائِمُ كالغالِبِ" [959] يُنظر: ((المهمات)) للإسنوي (2/143)، ((تحرير الفتاوى)) لابن العراقي (1/109)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/174). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
النَّادِرُ يَنقَسِمُ إلى ما يَندُرُ ويَدومُ، وإلى ما يَندُرُ ولا يَدومُ. والنَّادِرُ إذا دامَ واستَمَرَّ يُعطى حُكمَ الأعَمِّ الأغلَبِ، كالاستِحاضةِ وسَلَسِ البَولِ؛ لأنَّه لا نُدرةَ مَعَ الدَّوامِ والاستِمرارِ. وإنَّما فُصِل بَينَ النَّادِرَينِ؛ لأنَّه لو كُلِّفتِ المُستَحاضةُ -عِندَ زَوالِ العِلَّةِ- قَضاءَ صَلَواتِ الاستِحاضةِ لعَظُمَ عليها قَضاءُ صَلَواتِ دَهرٍ طَويلٍ، فصارَ النَّادِرُ الدَّائِمُ كالعُذرِ العامِّ، وأمَّا النَّادِرُ الذي لا يَطولُ زَمانُه فلا تَشتَدُّ المَشَقَّةُ فيه على صاحِبِه في قَضاءِ الصَّلواتِ القَليلةِ العَدَدِ [960] يُنظر: ((الجمع والفرق)) لأبي محمد الجويني (1/194)، ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (2/591)، ((التهذيب)) للبغوي (1/419)، ((المجموع)) للنووي (2/334)، ((المنثور)) للزركشي (3/244). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (الحُكمُ للغالبِ)، ووَجهُ ذلك أنَّ النَّادِرَ الذي يَدومُ يَكونُ كالأعَمِّ الغالِبِ، فيُلحَقُ به؛ لأنَّ الحُكمَ للغالبِ وليسَ للنَّادِرِ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (الحُكمُ للغالبِ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- المُستَحاضةُ غَيرُ المُتَحَيِّرةِ لا تَقضي الصَّلاةَ مَعَ الحَدَثِ؛ لأنَّ الاستِحاضةَ وإن كانت نادِرةً لكِنَّها دائِمةٌ، والنَّادِرُ إذا دامَ يُعطى حُكمَ الغالِبِ [961] يُنظر: ((المهمات)) للإسنوي (2/200)، ((المنثور)) للزركشي (3/244). .
قال أبو المعَالي الجُوَيْنِيُّ: (مِمَّا تَمَهَّدَ في الشَّريعةِ أنَّ مَن تَطَرَّقَ الخَلَلُ إلى صَلاتِه بسَبَبِ عُذرٍ نادِرٍ دائِمٍ، كالمُستَحاضةِ، فإنَّ الاستِحاضةَ تَندُرُ، وإذا وقَعَت دامَت وامتَدَّت في الغالِبِ، فلو شُفيَت لم يَلزَمْها قَضاءُ الصَّلواتِ التي أقامَتها مَعَ استِمرارِ الاستِحاضةِ) [962] ((غياث الأمم)) (ص: 458). .
2- سَلَسُ البَولِ إذا وقَعَ دامَ، فلا تَجِبُ إعادةُ الصَّلاةِ عليه؛ لأنَّا لو ألزَمْنا الإعادةَ أدَّى إلى مَشَقَّةٍ عَظيمةٍ، والأمرُ إذا ضاقَ في الشَّرعِ اتَّسَعَ. وكذلك المَذيُ، ومَنِ استَرخَت مَقعَدَتُه يَدومُ خُروجُ الحَدَثِ مِنه، ومَن له جُرحٌ سائِلٌ، أو رُعافٌ دائِمٌ- يُصَلُّونَ مَعَ الحَدَثِ والنَّجاسةِ، ولا إعادةَ عليهم؛ لأنَّ هذه الأعذارَ وإن كانت نادِرةً، ولكِنَّها لمَّا دامَتِ التَحَقَت بالعُذرِ العامِّ؛ لِما يَلحَقُ صاحِبَها مِنَ المَشَقَّةِ في الإعادةِ [963] يُنظر: ((بحر المذهب)) للروياني (1/222)، ((التهذيب)) للبغوي (1/419)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 399). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءاتٌ:
يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ؛ مِنها:
إذا انفتَحَ مَخرَجٌ آخَرُ للإنسانِ ونَقضنا بالخارِجِ مِنه، فهَل يُجزِئُ فيه الحَجَرُ؟ فقيل: لا؛ لأنَّه نادِرٌ، والاقتِصارُ على الحَجَرِ خارِجٌ عنِ القياسِ، فلا يَكونُ في مَعنى السَّبيلينِ، هذا مَعَ أنَّه إذا وقَعَ دامَ [964] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/245). .

انظر أيضا: