موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الرَّابعَ عَشَرَ: لا يُدفعُ الضَّرَرُ عن غَيرِ المالِكِ بضَرَرِ المالِكِ


أوَّلًا: صِيغَةُ القاعِدةِ
استعُمِلَت هذه القاعِدةُ بصيغةِ: "المالِكُ أحَقُّ بدَفعِ ضَرَرِه" [1134] يُنظر: ((الدرر السنية)) لمجموعة من العلماء (6/401). ، وصيغةِ: "دَفعُ الضَّرَرِ عنِ المُشتَري إنَّما يُتمَكَّنُ مِنه على وجهٍ لا يُلحِقُ الضَّرَرَ بالبائِعِ" [1135] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (13/115). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ
تُفيدُ هذه القاعِدةُ أنَّه إذا تَعارَضَ ضَرَرُ المالكِ مَعَ ضَرَرِ غَيرِه، فالمالِكُ أحَقُّ بدَفعِ الضَّرَرِ عنه مِن غَيرِه، ودَفعُ الضَّرَرِ عن غَيرِ المالكِ لا بُدَّ أن يَكونَ على وجهٍ لا يُلحِقُ الضَّرَرَ بالمالِكِ [1136] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (13/115)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/264)، ((الدرر السنية)) لمجموعة من العلماء (6/401). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ عنِ القاعِدةِ الأُمِّ: (الضَّرَرُ يُزالُ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّه لا تَتَحَقَّقُ إزالةُ الضَّرَرِ إلَّا بدَفعِه عنِ المالِكِ، فإذا لم يُدفَعْ عنه لم يَتَحَقَّقْ مَعنى: الضَّرَرُ يُزالُ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (الضَّرَرُ يُزالُ)، وقاعِدةِ: (الضَّرَرُ لا يُزالُ بضَرَرٍ مِثلِهـ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- إذا وقَعَ التَّفليسُ فالبائِعُ أحَقُّ بسِلعَتِه، وما ذلك إلَّا لنَفيِ الضَّرَرِ عنه. وهاهنا إذا رَفَعنا الضَّرَرَ عنِ المُشتَري بكَونِه لا يَحِلُّ الدَّينُ المُؤَجَّلُ لحِقَ البائِعَ ضَرَرٌ في كَونِ مالِ المُفلسِ يُقَسِّمُه مَن سِواه مِنَ الغُرَماءِ، وإذا حَلَّ الأجَلُ لم يَجِدْ مَرجِعًا، والضَّرَرُ لا يُدفَعُ بالضَّرَرِ [1137] يُنظر: ((شرح التلقين)) للمازري (3/1/303). .
2- الغَبنُ في بَيعِ المُزايَدةِ إن جاءَ عن طَريقِ النَّجشِ؛ حَيثُ يَطرَحُ بَعضُ الأشخاصِ سِعرًا، وليسَ في نيَّتِه الشِّراءُ، وإنَّما في نيَّتِه نَفعُ البائِعِ أوِ الإضرارُ بالمُشتَري، فإذا ثَبَتَ مِثلُ ذلك في بَيعِ المُزايَدةِ ثَبَتَ للمُشتَري الخيارُ.
وإن كان الغَبنُ جاءَ مِن رَجُلٍ زادَ في السِّلعةِ رَغبةً فيها، فحَمل ذلك المُشتَري على الزِّيادةِ بأكثَرَ مِن ثَمَنِها ليَحوزَ السِّلعةَ، فهو قد دَخَل على بَصيرةٍ، فلا يَثبُتُ له خيارٌ، خاصَّةً أنَّ البائِعَ يَتَضَرَّرُ في فسخِ البَيعِ بَعدَ انفِضاضِ النَّاسِ عن سوقِ المَزادِ، ولا يُدفَعُ الضَّرَرُ عنِ المُشتَري إذا كان فيه ضَرَرٌ على البائِعِ، وأحيانًا يَتَطَلَّبُ المَزادُ إعلاناتٍ تِجاريَّةً لجَمعِ الرَّاغِبينَ، فإذا ادَّعى الغَبنَ بَعدَ انصِرافِ النَّاسِ كان في ذلك كُلفةٌ ومَشَقَّةٌ على البائِعِ [1138] يُنظر: ((المعاملات المالية)) للدبيان (7/48). .

انظر أيضا: