موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ الأوَّلُ: الضَّرَرُ لا يَكونُ قديمًا


أوَّلًا: صِيغةُ القاعِدةِ
استُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ المذكورَة: "الضَّرَرُ لا يَكونُ قديمًا" [973] يُنظر: ((مجلة الأحكام العدلية)) (ص: 17)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 101)، ((قواعد الفقهـ)) للبركتي (ص: 88)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/254). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ
الضَّرَرُ القديمُ كالضَّرَرِ الحَديثِ في الحُكمِ، فلا يُراعى قِدَمُه ولا يُعتَبَرُ، بَل تَجِبُ إزالتُه؛ لأنَّ العِلَّةَ الضَّرَرُ، والشَّرعُ لا يُقِرُّه. والمُرادُ بالقِدَمِ ما لا يُعرَفُ مُبتَدَؤه. وليسَ المُرادُ أنَّه لا يُتَصَوَّرُ تَقادُمٌ عليه بحَيثُ لا يوجَدُ مَن يَعرِفُ أوَّلَه [974] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/24)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 101)، ((موسوعة القواعد)) للبورنو (6/258)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/254). ، ولا بُدَّ مِن شَهادةِ أهلِ المَعرِفةِ في قِدَمِ الضَّرَرِ وحُدوثِه [975] يُنظر: ((المقدمات الممهدات)) لابن رشد الجد (2/273)، ((تبصرة الحكام)) لابن فرحون (1/244). .
وهذه القاعِدةُ تُفيدُ حُكمَ قاعِدةِ (القديمُ يُترَكُ على قِدَمِهـ) إلَّا أنَّ هذه قَيَّدَت تلك، وبَيَّنَت أنَّ القديمَ الذي يُعتَبَرُ هو القديمُ غَيرُ المُضِرِّ، فلو كان ضَرَرًا فإنَّه يُزالُ ولا عِبرةَ بقِدَمِه؛ وذلك لأنَّ القديمَ إنَّما اعتُبِرَ لغَلَبةِ الظَّنِّ بأنَّه ما وُضِعَ إلَّا بوجهٍ شَرعيٍّ، فإذا كان مُضِرًّا يَكونُ ضَرَرُه دَليلًا على أنَّه لم يوضَعْ بوَجهٍ شَرعيٍّ؛ إذ لا وَجهَ شَرعيًّا يُجَوِّزُ الإضرارَ بالغَيرِ، فالقديمُ المُخالِفُ للشَّرعِ لا اعتِبارَ له [976] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/24)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 101). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ عنِ القاعِدةِ الأُمِّ: (الضَّرَرُ يُزالُ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ الضَّرَرَ تَجِبُ إزالتُه على كُلِّ حالٍ، سَواءٌ كان قديمًا أو حَديثًا.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ
مُستَنَدُ هذه القاعِدةِ ما ورَدَ مِن أدِلَّةٍ تَمنَعُ الإضرارَ مُطلقًا [977] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/254). ؛ ولذلك يُستَدَلُّ لها بأدِلَّةِ القاعِدةِ الأُمِّ: (الضَّرَرُ يُزالُ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- حُقوقُ المَرافِقِ العامَّةِ إذا ثَبَتَت تَبقى ما لم يَتَرَتَّبْ على بَقائِها ضَرَرٌ بالغَيرِ، فإن تَرَتَّبَ عليها ضَرَرٌ أو أذًى وجَبَ إزالتُها [978] يُنظر: ((الفقه الإسلامي)) لوهبة الزحيلي (6/4560). .
2- يُمنَعُ سَيرُ السَّيَّارةِ في الشَّارِعِ العامِّ إذا تَرَتَّبَ عليها ضَرَرٌ، كالسَّيرِ بسُرعةٍ فائِقةٍ، أو في الاتِّجاهِ المُعاكِسِ؛ لأنَّ المُرورَ في الطَّريقِ العامِّ مُقَيَّدٌ بشَرطِ السَّلامةِ فيما يُمكِنُ الاحتِرازُ عنه، ولأنَّ الضَّرَرَ لا يَكونُ قديمًا [979] يُنظر: ((الفقه الإسلامي)) لوهبة الزحيلي (6/4560). .
3- حَقُّ صاحِبِ الأرضِ البَعيدةِ عن مَجرى الماءِ في إجراءِ الماءِ إلى أرضِه لسَقيِها، فحَقُّ المَجرى إن كان قديمًا في أرضِ الغَيرِ يُترَكُ على حالِه، عَمَلًا بقاعِدةِ (القديمُ يُترَكُ على قِدَمِهـ) ولا يُزالُ إلَّا إذا كان فيه ضَرَرٌ على صاحِبِ الأرضِ، عَمَلًا بقاعِدةِ (الضَّرَرُ لا يَكونُ قديمًا) [980] يُنظر: ((الفقه الإسلامي)) لوهبة الزحيلي (6/4675). .
4- إذا كان للدَّارِ مَسيلُ ماءٍ أو أقذارٍ على الطَّريقِ العامِّ يَضُرُّ بالعامَّةِ المارِّينَ، أو غُرفةٌ بارِزةٌ وطيئةٌ تَمنَعُ النَّاسَ مِنَ المُرورِ تَحتَها لتَسَفُّلِها، فإنَّ ذلك الضَّرَرَ يُزالُ مَهما كان قديمًا؛ لأنَّه غَيرُ مَشروعِ الأصلِ؛ إذِ الشَّرعُ لا يُقِرُّ لأحَدٍ بوجهٍ ما حَقًّا يَضُرُّ بالأُمَّةِ [981] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/24)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/255). .

انظر أيضا: