المَطلبُ الثَّاني: الضَّرَرُ يُدفَعُ بقَدرِ الإمكانِ
أوَّلًا: صِيغَةُ القاعِدةِاستُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ المذكورَة: "الضَّرَرُ يُدفَعُ بقَدرِ الإمكانِ"
[982] يُنظر: ((مجلة الأحكام العدلية)) (ص: 19)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 207)، ((قواعد الفقهـ)) للبركتي (ص: 88)، ((الوجيز)) للبورنو (ص: 256)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/208). ، وصيغةِ: "دَفعُ الضَّرَرِ واجِبٌ بحَسَبِ الإمكانِ"
[983] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/94). ، وصيغةِ: "دَفعُ الظُّلمِ واجِبٌ بحَسَبِ الإمكانِ"
[984] يُنظر: ((شرح السير الكبير)) للسرخسي (ص: 1752). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.إنَّ الضَّرَرَ يُدفَعُ شَرعًا، فإن أمكَنَ دَفعُه بدونِ ضَرَرٍ أصلًا، وإلَّا فيُتَوسَّلُ لدَفعِه بالقَدرِ المُمكِنِ؛ لأنَّ الضَّرَرَ لا يُقِرُّه الشَّرعُ نِهائيًّا، ويَجِبُ دَفعُه قَبلَ وُقوعِه ما أمكَنَ؛ لأنَّ الوِقايةَ خَيرٌ مِنَ العِلاجِ، كَما يُدفَعُ الضَّرَرُ بقَدرِ الإمكانِ كُلِّيًّا إن أمكَنَ، وإلَّا فبقَدرِ ما يُمكِنُ؛ فمَثَلًا لو دَخَل سارِقٌ على أحَدٍ فعليه أن يَدفَعَه عنه بقَدرِ إمكانِه، فإن كان يَندَفِعُ بالعَصا فلا يَدفَعه بالسَّيفِ
[985] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/42)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 207)، ((الوجيز)) للبورنو (ص: 256)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/208). .
وهذه القاعِدةُ تُفيدُ وُجوبَ دَفعِ الضَّرَرِ قَبلَ وُقوعِه بكُلِّ الوسائِلِ والإمكانيَّاتِ المُتاحةِ، وَفقًا لقاعِدةِ المَصالِحِ المُرسَلةِ والسِّياسةِ الشَّرعيَّةِ، وذلك بقَدرِ الاستِطاعةِ؛ إذِ التَّكليفُ الشَّرعيُّ مُقتَرِنٌ بالقُدرةِ على التَّنفيذِ
[986] يُنظر: ((الوجيز)) للبورنو (ص: 256). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالأثَرِ، والقَواعِدِ:
1- مِنَ الأثَرِ:عن عبدِاللهِ بنِ عُمَرَ (أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه كَتَبَ إلى أُمَراءِ الأجنادِ في رِجالٍ غابوا عن نِسائِهم، فأمَرَهم بأن يَأخُذوهم بأن يُنفِقوا، أو يُطَلِّقوا، فإن طَلَّقوا بَعَثوا بنَفقةِ ما حَبَسوا)
[987] أخرجه الشافعي في ((الأم)) (8/276) واللفظ له، والبيهقي (15803)، والبغوي في ((شرح السنة)) (2396). صَحَّحه الألبانيُّ في ((إرواء الغليل)) (2159)، وصَحَّحَ إسنادَه ابنُ المُلقِّنِ في ((خلاصة البدر المنير)) (1/438)، وجَوَّدَه ابنُ كثير في ((إرشاد الفقيهـ)) (2/243)، وحَسَّنه ابنُ حَجَرٍ في ((بلوغ المرام)) (343)، وذَكَر ثُبوتَه ابنُ المُنذِر في ((الأوسط)) (9/63). .
وَجهُ الدَّلالةِ:في الأثَرِ دَلالةٌ على جَوازِ التَّفريقِ للغَيبةِ إذا طالت، وتَضَرَّرَتِ الزَّوجةُ بها، ولو تَرَكَ لها الزَّوجُ مالًا تُنفِقُ مِنه أثناءَ الغيابِ؛ لأنَّ الزَّوجةَ تَتَضَرَّرُ مِنَ الغَيبةِ ضَرَرًا بالغًا، والضَّرَرُ يُدفَعُ بقَدرِ الإمكانِ
[988] يُنظر: ((الفقه الإسلامي)) لوهبة الزحيلي (9/7066). .
2- مِنَ القَواعِدِ:يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بأدِلَّةِ القاعِدةِ الأُمِّ: (الضَّرَرُ يُزالُ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِتَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- إذا حَصَل عَيبٌ حادِثٌ في المَبيعِ عِندَ المُشتَري، ثُمَّ ظَهَرَ عَيبٌ له قديمٌ، فلأنَّ العَيبَ الحادِثَ مانِعٌ للمُشتَري مِن أن يَرُدَّ المَبيعَ بالعَيبِ القديمِ، فيُزالُ الضَّرَرُ بقَدرِ الإمكانِ، وذلك بأن يَرجِعَ المُشتَري على البائِعِ بنُقصانِ الثَّمَنِ
[989] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/42). .
2- الأجيرُ الذي لعَمَلِه أثَرٌ في العَينِ، كالصَّبغِ مَثَلًا أوِ الخياطةِ، إذا حَبَسَها لقَبضِ الأُجرةِ فهَلكَت، يَلزَمُه الضَّمانُ لكِنَّ له الأجرَ؛ لأنَّ الضَّرَرَ يُدفَعُ بقَدرِ الإمكانِ
[990] يُنظر: ((الوجيز)) للبورنو (ص: 257). .
3- إذا كانتِ المَرأةُ المُرضِعُ مُصابةً بفيروسِ الإيدزِ ومرتضَعُها سَليمًا، فلا يَجوزُ للمُصابةِ بالإيدزِ إرضاعُ مَن كان سَليمًا إذا أمكَنَ الاستِغناءُ عنها بغَيرِها، أمَّا إذا لم يوجَدْ بَديلٌ مِنَ المَراضِعِ السَّليمةِ أوِ الحَليبِ المُجَفَّفِ، فيَجوزُ الإرضاعُ حالتَئِذٍ مِنَ المُصابةِ بالإيدزِ إذا خيف الهَلاكُ على الطِّفلِ؛ لأنَّ الأصلَ في الشَّريعةِ أنَّ الضَّرَرَ يُدفَعُ بقَدرِ المُستَطاعِ
[991] يُنظر: ((النوازل في الرضاع)) لعبد الله الأحمد (ص: 495). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِاستِثنَاءاتٌ:يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الأمثِلةِ؛ مِنها:
إذا لم يُمكِنْ دَفعُ الضَّرَرِ بالكُلِّيَّةِ، ولا جَبرُه، فإنَّه يُترَكُ على حالِه، كَما إذا أخرج المُشتَري المَبيعَ عن مِلكِه، ولم يَكُنْ حَدَث عِندَه ما يَمنَعُ الرَّدَّ، ثُمَّ اطَّلعَ على عَيبٍ قديمٍ فيه فإنَّه لا يَرجِعُ بنُقصانِ العَيبِ؛ للقاعِدةِ الفِقهيَّةِ الأُخرى (تَبَدُّلُ سَبَبِ المِلكِ كَتَبَدُّلِ الذَّاتِ) أمَّا لو هَلكَ بيَدِه أو وقَفَه فإنَّه يَرجِعُ بنُقصانِ العَيبِ
[992] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/209). .