موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ الثَّالِثُ والعِشرونَ: إذا بطَلَ الأصلُ يُصارُ إلى البَدَلِ


أوَّلًا: صِيغَةُ القاعِدةِ
استُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ المذكورَة: "إذا بَطَل الأصلُ يُصارُ إلى البَدَلِ" [915] يُنظر: ((مجلة الأحكام العدلية)) (ص: 21). ، وصيغةِ: "الفُروعُ والأبدالُ لا يُصارُ إليها إلَّا عِندَ تَعَذُّرِ الأُصولِ" [916] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (5/391). ، وصيغةِ: "لا يَقومُ البَدَلُ حتَّى يَتَعَذَّرَ المُبدَلُ مِنه" [917] يُنظر: ((القواعد)) للمقري (2/469). ، وصيغةِ: "البَدَلُ لا يُصارُ إليه إلَّا عِندَ تَعَذُّرِ المُبدَلِ" [918] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/254). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ
تُفيدُ هذه القاعِدةُ أنَّ الأحكامَ التي لها أصلٌ وبَدَلٌ -كالطَّهارةِ: أصلُها الماءُ، والتُّرابُ بَدَلٌ عنه- فإنَّه لا يُصارُ فيها إلى البَدَلِ إلَّا بَعدَ العَجزِ عنِ الأصلِ، وما دامَ المُكَلَّفُ قادِرًا على الأصلِ فلا يَجوزُ له العُدولُ عنه إلى البَدَلِ [919] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (15/132)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/46) و (7/151)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (1/267). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ
دَلَّ على هذه القاعِدةِ القُرآنُ والسُّنَّةُ:
1- مِنَ القُرآنِ:
- قال اللهُ تعالى: فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [البقرة: 196] .
- وقال اللهُ تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [النساء: 43] .
ووَجهُ الدَّلالةِ مِن هاتَينِ الآيتَينِ ظاهِرٌ في عَدَمِ الانتِقالِ إلى البَدَلِ إلَّا عِندَ تَعَذُّرِ الأصلِ.
2- مِنَ السُّنَّةِ:
عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((مَن رَأى مِنكُم مُنكَرًا فليُغَيِّرْه بيَدِه، فإن لم يَستَطِعْ فبلِسانِه، فإن لم يَستَطِعْ فبقَلبِه، وذلك أضعَفُ الإيمانِ )) [920] أخرجه مسلم (49). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه لا يُنتَقَلُ في تَغييرِ المُنكَرِ مِن خَصلةٍ إلى أُخرى إلَّا بَعدَ العَجزِ عنِ الأولى، وهو يُؤَكِّدُ قاعِدةَ أنَّه لا يُصارُ إلى البَدَلِ إلَّا بَعدَ العَجزِ عنِ الأصلِ [921] يُنظر: ((المفهم)) للقرطبي (1/234)، ((شرح الإلمام بأحاديث الأحكام)) لابن دقيق العيد (2/150). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- يَجِبُ رَدُّ عَينِ المَغصوبِ إن كانت قائِمةً، ولا يُنتَقَلُ إلى مِثلِه أو قيمَتِه إلَّا إذا تَعَذَّرَ رَدُّ عَينِ المَغصوبِ [922] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/151)، ((إرشاد السالك)) لابن عسكر البغدادي (1/102). .
2- ذَكاةُ الاضطِرارِ [923] الذَّكاةُ الاضطِراريَّةُ: هيَ تَذكيةُ الحَيَوانِ بإسالةِ دَمِه بجَرحِ غَيرِ المَوضِعِ الواجِبِ في الذَّكاةِ الاختياريَّةِ، سَواءٌ كان ذلك بعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِن تَذكيةِ الحَيَوانِ إلَّا برَميِه أو طَعنِه -كالبَعيرِ الشَّارِدِ، أوِ المُتَرَدِّي في بئرٍ ونَحوِ ذلك- أو كان باستِعصاءِ الحَيَوانِ عليه، فلم يَقدِرْ على أخذِه وتَذكيَتِه. يُنظر: ((المحلى)) لابن حزم (6/133)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/43)، ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (196/2). لا يُصارُ إليها إلَّا عِندَ العَجزِ عن ذَكاةِ الاختيارِ [924] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (4/350)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/293). .
3- ليس لصاحِبِ الحَقِّ مُطالَبةُ الضَّامِنِ إلَّا إذا تَعَذَّرَ عليه مُطالبةُ المَضمونِ عنه عِندَ بَعضِ الفُقَهاءِ؛ وذلك لأنَّ الضَّامِنَ فرعٌ، والمَضمونُ عنه أصلٌ [925] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (5/391)، ((الدلائل والإشارات)) للعيدان واليتامى (2/303). .

انظر أيضا: