موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ الثَّاني والعِشرونَ: الأعذارُ النَّادِرةُ لا تُسقِطُ الفَرضَ


أوَّلًا: صِيغَةُ القاعِدةِ
استُعْمِلَتِ القاعِدةُ بهذِهِ الصِّيغةِ: "لا حَرَجَ في النَّوادِرِ" [907] يُنظر: ((فتح القدير)) لابن الهمام (2/367)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/341)، ((رد المحتار)) لابن عابدين (2/432). ، وصيغةِ: "الرُّخَصُ لا تُقَرَّرُ فيما يَندُرُ" [908] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/184). ، وصيغةِ: "الضَّرورةُ فيما يَكثُرُ لا فيما يَندُرُ" [909] يُنظر: ((رد المحتار)) لابن عابدين (1/336). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ
خَفَّفتِ الشَّريعةُ على المُكَلَّفِ فيما يَشُقُّ عليه ويُسَبِّبُ له حَرَجًا، فشَرَعَتِ الرُّخَصَ تَخفيفًا ورَفعًا للحَرَجِ، وإنَّما يَكونُ الحَرَجُ فيما يَدومُ، فيُسَبِّبُ دَوامُه ضِيقًا، وكَذا فيما عَمَّت المَشَقَّةُ فيه، أمَّا النَّادِرُ الذي يَقِلُّ وُقوعُه فإن وُجِدَت فيه مَشَقَّةٌ ما فإنَّها لا تُسَبِّبُ حَرَجًا، ومِن ثَمَّ قيل: لا حَرَجَ في النَّوادِرِ، أي: لا يوجَدُ حَرَجٌ في النَّوادِرِ حتَّى تَحتاجَ إلى تَخفيفٍ، كَبَقيَّةِ المَشاقِّ، وهو ما فسَّرَته العِبارةُ الأُخرى للقاعِدةِ، وهيَ: الضَّرورةُ فيما يَكثُرُ لا فيما يَندُرُ، وهذه القاعِدةُ تُعتَبَرُ قَيدًا في قاعِدةِ: (المَشَقَّةُ تَجلبُ التَّيسيرَ) واستِثناءً مِنها [910] يُنظر: ((فتح القدير)) لابن الهمام (2/366)، ((التجريد)) للقدوري (1/261)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/341)، ((رد المحتار)) لابن عابدين (1/336)، ((معلمة زايد)) (7/421). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ
دَلَّ على هذه القاعِدةِ الأدِلَّةُ المَذكورةُ في قاعِدةِ: (النَّادِرُ لا حُكمَ لهـ) ويُضافُ إليها مِنَ السُّنَّةِ:
عن مُعاذةَ قالت: (سَألتُ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، فقُلتُ: ما بالُ الحائِضِ تَقضي الصَّومَ ولا تَقضي الصَّلاةَ؟ فقالت: أُحروريَّةٌ أنتِ؟ قُلتُ: لستُ بحروريَّةٍ ولكِنِّي أسألُ. قالت: كان يُصيبُنا ذلك فنُؤمَرُ بقَضاءِ الصَّومِ، ولا نُؤمَرُ بقَضاءِ الصَّلاةِ) [911] أخرجه مسلم (335). وأخرجه البخاري (321) بلفظ: عن مُعاذةَ ((أنَّ امرَأةً قالت لعائِشةَ: أتَجزي إحدانا صَلاتُها إذا طَهُرَت؟ فقالت: أحَروريَّةٌ أنتِ؟ كُنَّا نَحيضُ مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلا يَأمُرُنا به، أو قالت: فلا نَفعَلُهـ)). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ الحَديثُ على أنَّ الحائِضَ تَقضي الصَّومَ ولا تَقضي الصَّلاةَ، والفَرقُ بَينَهما أنَّ الصَّلاةَ كَثيرةٌ مُتَكَرِّرةٌ يَشُقُّ قَضاؤُها، فناسَبَها التَّخفيفُ، بخِلافِ الصَّومِ؛ فإنَّه يَجِبُ في السَّنةِ مَرَّةً واحِدةً، والغالِبُ في الحَيضِ وُقوعُه في أيَّامٍ مَعدودةٍ؛ فليسَ في قَضاءِ الصَّومِ مَشَقَّةٌ [912] يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (4/26)، ((العدة في شرح العمدة)) لابن العطار (1/274). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- لو نامَ رَجُلٌ يَومَينِ أو ثَلاثةَ أيَّامٍ وجَبَ عليه قَضاءُ الصَّلاةِ التي فاتَته في خِلالِ اليَومَينِ أوِ الثَّلاثةِ؛ لأنَّ نَومَ مِثلِ هذه المُدَّةِ نادِرٌ لا يَكادُ يَتَحَقَّقُ، فلا يوجِبُ ذلك تَغَيُّرَ الاعتِبارِ الذي ثَبَتَ في النَّومِ شَرعًا، فلا يُؤَثِّرُ ذلك في إسقاطِ العِبادةِ؛ إذ هو نادِرٌ، ولا حَرَجَ في النَّوادِرِ [913] يُنظر: ((فتح القدير)) لابن الهمام (2/367). .
2- مَن أُغمِيَ عليه في شَهرِ رَمَضانَ وجَبَ عليه أن يَقضيَه؛ لأنَّ حُدوثَ مِثلِ هذا مِنَ النَّوادِرِ، ولا حَرَجَ في النَّوادِرِ، فلا يَلحَقُه بالقَضاءِ حَرَجٌ [914] يُنظر: ((رد المحتار)) لابن عابدين (2/432)، ((اللباب)) للميداني (1/173)، ((الفقه الإسلامي وأدلتهـ)) لوهبة الزحيلي (3/1665). .

انظر أيضا: