المَطلَبُ السَّابِعَ عَشَرَ: لا وِلايةَ للذِّمِّيِّ ولا الحَربيِّ على المُسلِمِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "لا وِلايةَ للذِّمِّيِّ ولا الحَربيِّ على المُسلِمِ"
[6835] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (28/25)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/207). ، وصيغةِ: "لا وِلايةَ للذِّمِّيِّ على المُسلِمِ"
[6836] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (25/42)، ((التهذيب)) للبغوي (4/563)، ((البناية)) للعيني (9/154). ، وصيغةِ: "لا وِلايةَ للحَربيِّ على المُسلِمِ"
[6837] يُنظر: ((الجامع الصغير مع النافع الكبير)) للشيباني (ص: 411). ، وصيغةِ: "لا وِلايةَ للحَربيِّ على مَن هو مِن أهلِ دارِنا"
[6838] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (15/70). ، وصيغةِ: "الكافِرُ لا وِلايةَ له على مُسلِمٍ بحالٍ"
[6839] يُنظر: ((أحكام أهل الذمة)) لابن القيم (1/551). ، وصيغةِ: "الكافِرُ ليس مِن أهلِ الوِلايةِ على المُسلِمِ"
[6840] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/239). ، وصيغةِ: "لا وِلايةَ للكافِرِ على المُسلِمِ في شَيءٍ"
[6841] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (2/13)، ((البحر المحيط)) لأبي حيان (3/95). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّه لا وِلايةَ للكافِرِ على المُسلِمِ بحالٍ، سَواءٌ كان ذِمِّيًّا أو حَربيًّا، فولايَتُه بالنِّسبةِ إلى المُسلِمِ مَعدومةٌ؛ لأنَّ الولايةَ تَنفيذُ القَولِ على الغَيرِ، شاءَ أو أبى، ولا يَجوزُ أن يَنفُذَ قَولُ الكافِرِ على المُسلِمِ؛ لأنَّ الشَّرعَ قَطَعَ ولايةَ الكافِرِ على المُسلِمينَ، ولِأنَّ إثباتَ الولايةِ للكافِرِ على المُسلِمِ تُشعِرُ بإذلالِ المُسلِمِ مِن جِهةِ الكافِرِ، وهذا لا يَجوزُ؛ ولِهذا صينَتِ المُسلِمةُ عَن نِكاحِ الكافِرِ
[6842] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (28/25)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/239)، ((أحكام أهل الذمة)) لابن القيم (1/551)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/207)، ((البناية)) للعيني (9/154)، ((فتح باب العناية)) للقاري (2/40). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ:يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ الكريمِ، والسُّنَّةِ، والإجماعِ:
1- مِنَ القُرآنِ:- قال اللهُ تعالى:
وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ للْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء: 141] .
وَجهُ الدَّلالةِ:الآيةُ صَريحةٌ في الدَّلالةِ على أنَّ اللَّهَ سُبحانَه لا يَجعَلُ للكافِرينَ على المُؤمِنينَ سَبيلًا بالشَّرعِ، فتَدُلُّ على أنَّه لا وِلايةَ للذِّمِّيِّ والحَربيِّ على المُسلِمِ؛ فإنَّها تَقتَضي نَفيَ السَّبيلِ مِن كُلِّ وجهٍ؛ لأنَّ النَّكِرةَ في مَوضِعِ النَّفيِ تَعُمُّ، والمُرادُ بها نَفيُ السَّبيلِ حُكمًا، كَقَبولِ الشَّهادةِ، والوِلايةِ، والقَضاءِ، والوِراثةِ
[6843] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/207)، ((فتح باب العناية)) للقاري (2/40)، ((الآراء الفقهية المعاصرة المحكوم عليها بالشذوذ)) للرميحي (2/1384). .
- وقال اللهُ سُبحانَه:
لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ [آل عمران: 28] .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ اللَّهَ تَعالى نَهى عِبادَه المُؤمِنينَ عَنِ اتِّخاذِ الكافِرينَ أولياءَ مِن دونِ المُؤمِنينَ، يَعني مُصاحَبَتَهم، ومُصادَقَتَهم، ومُناصَحَتَهم، وإسرارَ المَودَّةِ إلَيهم، وإفشاءَ أحوالِ المُؤمِنينَ الباطِنةِ إليهم
[6844] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (3/246). .
2- مِنَ السُّنَّةِ:عَن جُنادةَ بنِ أبي أُمَيَّةَ قال: دَخَلنا على عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ وهو مَريضٌ فقُلنا: حَدِّثنا أصلَحَكَ اللهُ بحَديثٍ يَنفَعُ اللهُ به سَمِعتَه مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال:
((دَعانا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فبايَعناه، فكان فيما أخَذَ علينا أن بايَعَنا على: السَّمعِ والطَّاعةِ في مَنشَطِنا ومَكرَهِنا، وعُسرِنا ويُسرِنا، وأثَرةٍ علينا [6845] الاستِئثارُ: الانفِرادُ بالشَّيءِ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/ 22). قال ابنُ حَجَرٍ: (المُرادُ أنَّ طَواعيَتَهم لمَن يَتَولَّى عَلَيهم لا تَتَوقَّفُ على إيصالِهم حُقوقَهم، بَل عَلَيهمُ الطَّاعةُ ولَو مَنَعَهم حَقَّهم). ((فتح الباري)) (13/ 8). ، وأن لا نُنازِعَ الأمرَ أهلَه، إلَّا أن تَرَوا كُفرًا بَواحًا عِندَكُم مِنَ اللهِ فيه بُرهانٌ )) [6846] أخرجه البخاري (7055، 7056)، ومسلم (1709) واللفظ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عَن مُنازَعةِ الأمرِ أهلَه إلَّا إن رَأى المُسلِمونَ كُفرًا، فالإسلامُ شَرطٌ في تَولِّيه، والكُفرُ سَبَبٌ لعَزلِه
[6847] يُنظر: ((الآراء الفقهية المعاصرة المحكوم عليها بالشذوذ)) للرميحي (2/1385). .
3- مِنَ الإجماعِ:ومِمَّن حَكاه: ابنُ المُنذِرِ
[6848] قال: (أجمَعَ كُلُّ مَن نَحفَظُ عَنه مِن أهلِ العِلمِ أنَّ الكافِرَ لا وِلايةَ له على مُسلِمٍ بحالٍ). يُنظر: ((أحكام أهل الذمة)) لابن القيم (1/551). ، وابنُ حَزمٍ
[6849] قال: (اتَّفَقوا أنَّ الإمامةَ لا تَجوزُ لامرَأةٍ ولا لكافِرٍ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 126). ، والقاضي عِياضٌ
[6850] قال: (لا خِلافَ بَينَ المُسلِمينَ أنَّه لا تَنعَقِدُ الإمامةُ للكافِرِ، ولا تَستَديمُ له إذا طَرَأ عليهـ). ((إكمال المعلم)) (6/246). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.مِنَ الأمثلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- الذِّمِّيُّ في إذنِه لابنِه الصَّغيرِ أوِ المَعتوهِ في التِّجارةِ وهو على ذِمِّيَّتِه بمَنزِلةِ المُسلِمِ؛ لثُبوتِ وِلايَتِه عليه، ولَو كان الولَدُ مُسلِمًا بإسلامِ أُمِّه، أو بإسلامِ نَفسِه بأن عَقَلَ فأسلَمَ كان إذنُ الأبِ الذِّمِّيِّ له باطِلًا؛ لأنَّه لا وِلايةَ للذِّمِّيِّ على المُسلِمِ، فصِحَّةُ إذنِه باعتِبارِ وِلايَتِه
[6851] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (25/41). .
2- لا تُقبَلُ شَهادةُ الذِّمِّيِّ على المُسلِمِ؛ لأنَّ الذِّمِّيَّ لا وِلايةَ له على المُسلِمِ، فولايَتُه بالنِّسبةِ إلى المُسلِمِ مَعدومةٌ
[6852] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (3/148)، ((البناية)) للعيني (9/154)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/277). .
3- الإسلامُ شَرطٌ في الحاضِنِ عِندَ جُمهورِ الفُقَهاءِ؛ لأنَّ الحَضانةَ وِلايةٌ، ولا وِلايةَ للكافِرِ على المُسلِمِ، وخَوفًا مِن فِتنةِ المَحضونِ في دينِه بتَعليمِه الكُفرَ وتَربيَتِه عليه، وفي ذلك ضَرَرٌ عليه. وأيضًا: لا حَضانةَ لكافِرٍ على لَقيطٍ مُسلِمٍ؛ لأنَّ الكافِرَ لا وِلايةَ له على مُسلِمٍ، ولا يُؤمَنُ عليه أن يَفتِنَه في دينِه
[6853] يُنظر: ((الفقه الميسر)) لعبد الله الطيار وآخرين (5/195)، ((التسهيل في فقه الإمام أحمد)) لمجموعة من المؤلفين (2/274). .