موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ السَّادِسُ: بَقاءُ النِّيابةِ يَستَدعي بَقاءَ أهليَّةِ المَنوبِ عنه


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "بَقاءُ النِّيابةِ يَستَدعي بَقاءَ أهليَّةِ المَنوبِ عنه" [6700] يُنظر: ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (4/288). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ بَقاءَ النِّيابةِ بَينَ النَّائِبِ والمَنوبِ عَنه يَستَدعي بَقاءَ أهليَّةِ المَنوبِ عَنه، وهذا في شَيءٍ يَقبَلُ العَزلَ، فإذا جُنَّ الموكِّلُ بَطَلَتِ الوكالةُ؛ لعَدَمِ أهليَّةِ الموكِّلِ، وقد بُنيَت هذه القاعِدةُ على أنَّ شَرطَ صِحَّةِ التَّوكيلِ أهليَّةُ الوكيلِ للتَّصَرُّفِ المَأمورِ به، وأهليَّةُ الموكِّلِ لحُكمِ التَّصَرُّفِ، وهيَ أهليَّةُ ثُبوتِ الحُكمِ له [6701] يُنظر: ((شرح الزيادات)) لقاضي خان (3/1010)، ((الذخيرة)) للقرافي (7/164)، ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (4/288)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (2/174). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بقاعِدةِ الشَّرطِ، وهيَ أنَّ الشَّرطَ: ما يَلزَمُ مِن عَدَمِه العَدَمُ، ولا يَلزَمُ مِن وُجودِه وُجودٌ ولا عَدَمٌ [6702] يُنظر: ((الحدود)) للباجي (ص60)، ((الحدود)) لابن فورك (ص155)، ((رفع النقاب)) للشوشاوي (2/95). .
والنِّيابةُ وكالةٌ، وشَرطُ صِحَّةِ التَّوكيلِ أهليَّةُ الوكيلِ للتَّصَرُّفِ المَأمورِ به، وأهليَّةُ الموكِّلِ لحُكمِ التَّصَرُّفِ، وهيَ أهليَّةُ ثُبوتِ الحُكمِ له، فيُعتَبَرُ لصِحَّةِ التَّوكيلِ أهليَّةُ الوكيلِ للتَّصَرُّفِ، وأهليَّةُ الموكِّلِ لحُكمِ ذلك التَّصَرُّفِ [6703] يُنظر: ((شرح الزيادات)) لقاضي خان (3/1010، 1012). .
وبِناءً على ذلك: إذا عُدِمَ الشَّرطُ، وهو الأهليَّةُ، فقد بَطَلَتِ النِّيابةُ، فدَلَّ على أنَّ بَقاءَ النِّيابةِ يَستَدعي بَقاءَ أهليَّةِ المَنوبِ عنه.
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- إذا جُنَّ الموكِّلُ جُنونًا مُطبِقًا أوِ ارتَدَّ بَطَلَتِ الوكالةُ، وإن رَجَعَ الموكِّلُ مُسلِمًا لَم تَرجِعِ الوكالةُ [6704] يُنظر: ((روضة القضاة)) لابن السمناني (2/662). .
2- إذا وكَّلَ الرَّجُلُ وكيلًا في خُصومةٍ، أو بَيعٍ، أو شِراءِ شَيءٍ، كان له أن يُخرِجَه مِنَ الوكالةِ؛ لأنَّ التَّوكيلَ صَحَّ لحَقِّ الموكِّلِ، فكان له إبطالُه، فإن لَم يُخرِجْه حَتَّى ذَهَبَ عَقلُ الموكِّلِ زَمانًا دائِمًا فقد بَطَلَتِ الوكالةُ، وخَرَجَ الوكيلُ مِنَ الوكالةِ؛ لأنَّ بَقاءَ النِّيابةِ يَستَدعي بَقاءَ أهليَّةِ المَنوبِ عنه [6705] يُنظر: ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (4/288). .
3- إذا جُنَّ أحَدُ الزَّوجَينِ بَعدَ تَحكيمِ الحَكَمَينِ، أو أُغميَ عليه، لَم يَجُزْ للحَكَمَينِ أن يُنفِذا حُكمَ الشِّقاقِ بَينَ الزَّوجَينِ؛ لأنَّه إن قيلَ: إنَّ التَّحكيمَ وكالةٌ، فقد بَطَلَت بجُنونِ الموكِّلِ. وإن قيلَ: إنَّه حُكمٌ، فالجُنونُ قد قَطَعَ الشِّقاقَ [6706] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (9/607)، ((بحر المذهب)) للروياني (9/573). ويُنظر أيضًا: ((المهذب)) للشيرازي (2/488)، ((التهذيب)) للبغوي (5/550)، ((المغني)) لابن قدامة (10/266). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استثناءٌ:
يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ، مِنها: إذا كانتِ الوكالةُ في شَيءٍ لا يَقبَلُ العَزلَ فلا يَبطُلُ، مِثلُ الأمرِ باليَدِ وما أشبَهَه؛ لأنَّ هذا تَصَرُّفٌ لازِمٌ لا يَحتاجُ إلى التَّجديدِ، فلا يُشتَرَطُ بَقاءُ الأهليَّةِ، بخِلافِ التَّصَرُّفِ الجائِزِ؛ لأنَّه يَتَلاشى في كُلِّ ساعةٍ، فاعتُبِرَ بَقاؤُه أهلًا [6707] يُنظر: ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (4/288). .

انظر أيضا: