موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ السَّابِعُ: الفائِتُ إلى خَلَفٍ كالقائِمِ مَعنًى


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الفائِتُ إلى خَلَفٍ كالقائِمِ مَعنًى" [6708] يُنظر: ((القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير)) لعلي الندوي (ص: 490). ، وصيغةِ: "الفائِتُ إلى خَلَفٍ قائِمٌ مَعنًى" [6709] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/51)، ((الدين الخالص)) لخطاب السبكي (7/358). ، وصيغةِ: "الفائِتُ إلى خَلَفٍ كالقائِمِ حُكمًا" [6710] يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/101). ، وصيغةِ: "الفَواتُ إلى خَلَفٍ كَلا فواتٍ" [6711] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (3/100)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/114)، ((العناية)) للبابرتي (9/351)، ((شرح فتح القدير)) للكمال بن الهمام (1/140)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/546)، ((نتائج الأفكار)) لقاضي زاده (9/352)، ((مجمع الضمانات)) للبغدادي (ص: 283)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (2/735)، ((حاشية ابن عابدين)) (5/347). ، وصيغةِ: "الفائِتُ إلى خَلَفٍ كَلا فائِتٍ" [6712] يُنظر: ((التقرير والتحبير)) لابن أمير الحاج (3/232). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الفائِتَ المُنتَهيَ إذا كان له خَلَفٌ يَقومُ مَقامَه، فلَيسَ في مَعنى الفائِتِ، وإنَّما هو كالقائِمِ مَعنًى؛ لأنَّ الخَلَفَ يَقومُ مَقامَ الأصلِ ويَأخُذُ حُكمَه، كالبَيعِ لَمَّا أزالَ المَبيعَ عَن مِلكِ البائِعِ أدخَلَ الثَّمَنَ في مِلكِه، فكان الثَّمَنُ خَلَفًا عَن ماليَّةِ المَبيعِ [6713] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/51)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/114)، ((العناية)) للبابرتي (9/351)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/101)، ((القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير)) لعلي الندوي (ص: 490). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ، والقَواعِدِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:
عَن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن حَلَفَ على يَمينٍ فرَأى غَيرَها خَيرًا مِنها، فليَأتِ الذي هو خَيرٌ، وليُكَفِّرْ عَن يَمينِه )) [6714] أخرجه مسلم (1650). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ مَن حَلَفَ على يَمينٍ ثُمَّ رَأى غَيرَها خَيرًا مِنها فلَه خَلَفٌ؛ لأنَّ في الحِنثِ فواتَ البِرِّ إلى جابرٍ، والفَواتُ إلى خَلَفٍ كَلا فواتٍ [6715] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/114). .
2- مِنَ القواعِدِ:
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقَواعِدِ الآتيةِ:
- قاعِدةُ: (البَدَلُ يَقومُ مَقامَ الأصلِ وحُكمُه حُكمُ الأصلِ).
- وقاعِدةُ: (إذا تَعَذَّرَ الأصلُ يُصارُ إلى البَدَلِ).
- وقاعِدةُ: (رَدُّ البَدَلِ عِندَ تَعَذُّرِ رَدِّ العَينِ بمَنزِلةِ رَدِّ العَينِ).
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- صَلاةُ الجُمُعةِ إذا فاتَت تُقضى ظُهرًا؛ لأنَّ فرضَ الوقتِ قائِمٌ، وهو الظُّهرُ، وهَكَذا سائِرُ الصَّلَواتِ؛ لأنَّها تَفوتُ إلى خَلَفٍ، وهو القَضاءُ، والفائِتُ إلى خَلَفٍ قائِمٌ مَعنًى [6716] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/51). .
2- إذا شَهدَ شاهدانِ على رَجُلٍ ببَيعِ شَيءٍ بمِثلِ قيمَتِه، فقَضى القاضي به، ثُمَّ رَجَعا لَم يَضمَنا شَيئًا؛ لأنَّ البَيعَ لَمَّا أزالَ المَبيعَ عَن مِلكِ البائِعِ أدخَلَ الثَّمَنَ في مِلكِه، فكان الثَّمَنُ خَلَفًا عَن ماليَّةِ المَبيعِ؛ لاتِّحادِ السَّبَبِ، ولِأنَّ الفَواتَ إلى خَلَفٍ كَلا فواتٍ [6717] يُنظر: ((العناية)) للبابرتي (9/351)، ((نتائج الأفكار)) لقاضي زاده (9/352). .
3- مَن حَلَفَ على مَعصيةٍ، يَجِبُ عليه أن يَحنَثَ ويُكَفِّرَ؛ لأنَّ البِرَّ مَعصيةٌ أيضًا كالحِنثِ؛ لهَتكِ حُرمةِ اسمِ اللهِ تَعالى، فيَجِبُ المَصيرُ إلى أخَفِّهما إثمًا، وهو الحِنثُ؛ لأنَّه مُرَخَّصٌ له شَرعًا، وما يَلزَمُ مِنَ المَعصيةِ في البِرِّ ليس بمُرَخَّصٍ له، فوجَبَ الأخذُ بالمُرَخَّصِ، ولِأنَّ في الحِنثِ فواتَ البِرِّ إلى جابرٍ، وفي البِرِّ لُزومُ المَعصيةِ بلا جابرٍ، فيَجِبُ الحِنثُ؛ لأنَّ الفَواتَ إلى خَلَفٍ كَلا فواتٍ [6718] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/114). .

انظر أيضا: