موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الثَّامِنُ: مَن تَصَرَّفَ في مَحَلِّ وِلايَتِه لَم يَبطُلْ تَصَرُّفُه بمَوتِه أو عَزلِه


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "مَن تَصَرَّفَ في مَحَلِّ وِلايَتِه لَم يَبطُلْ تَصَرُّفُه بمَوتِه أو عَزلِه" [6719] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (8/47)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (14/349)، ((فتح العلام)) لمحمد البعداني (7/58). ، وصيغةِ: "من تَصَرَّفَ وهو مِن أهلِ التَّصَرُّفِ فيما له الوِلايةُ عليه لَم يَبطُلْ تَصَرُّفُه بزَوالِ وِلايَتِه" [6720] يُنظر: ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (3/621)، ((الأسئلة والأجوبة)) لعبدالعزيز السلمان (5/275). ، وصيغةِ: "العَقدُ الذي صَحَّ مِنَ المَولَّى وانبَرَمَ، لا يَرتَفِعُ بزَوالِ وِلايَتِه عنه" [6721] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (7/3675). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
هذه القاعِدةُ مُهمَّةٌ في حِفظِ حُقوقِ النَّاسِ، واستِقرارِ مِلكيَّتِهم عليها، فهيَ تُفيدُ أنَّ مَن تَصَرَّفَ في مَحَلِّ وِلايَتِه، وهو مِن أهلِ التَّصَرُّفِ، لَم يَبطُلْ تَصَرُّفُه بمَوتِه أو عَزلِه، كما لَو ماتَ ناظِرُ الوقفِ أو عُزِلَ، أو ماتَ الحاكِمُ بَعدَ تَصَرُّفِه فيما له النَّظَرُ فيه، فيُنَفَّذُ تَصَرُّفُه فيما بَعدُ [6722] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (8/47)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (14/349)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (6/66)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (15/28). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالإجماعِ:
فقد حُكيَ الإجماعُ في بَعضِ صورِ القاعِدةِ، ومِن ذلك: نَفيُ الخِلافِ في عَدَمِ جَوازِ نَقضِ قَضاءِ القاضي لمَن سَبَقَه في المَسائِلِ الخِلافيَّةِ، وقد حَكاه الرَّجراجيُّ [6723] قال: (إنَّما الذي لا يَرجِعُ فيما قَضى به القُضاةُ: مِمَّا اختَلَفَ النَّاسُ فيه... فإن كان اختِلافًا مَشهورًا فلا خِلافَ فيما يَأتي بَعدَه أنَّه لا يَجوزُ أن يَنقُضَه، ولا التَّعَرُّضَ لأقضيَتِهـ). ((مناهج التحصيل)) (8/98). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- التَّصَرُّفاتُ التي قامَ بها ناظِرُ الوقفِ بموجِبِ وِلايَتِه قَبلَ أن يُعزَلَ؛ فهيَ صَحيحةٌ نافِذةٌ ويَبني النَّاظِرُ اللَّاحِقُ عليها؛ لأنَّه تَصَرَّفَ وهو مِن أهلِ التَّصَرُّفِ في مَحَلِّ وِلايَتِه، فلَم يَبطُلْ تَصَرُّفُه بمَوتِه أو عَزلِه [6724] يُنظر: ((مدونة أحكام الوقف)) لمجموعة مؤلفين (2/535). .
2- إذا تَصَرَّفَ الوارِثُ في التَّرِكةِ ببَيعٍ أو غَيرِه، ولَم يَكُنْ ثَمَّ دَينٌ، ثُمَّ حَدَثَ بَعدَ التَّصَرُّفِ دَينٌ، كالرَّدِّ بعَيبٍ في المَبيعِ، أو بخيارٍ ونَحوِه، أو كان المَيِّتُ قد حَفَرَ بئرًا عُدوانًا ثُمَّ ماتَ، وتَصَرَّفَ وارِثُه في تَرِكَتِه، ثُمَّ تَرَدَّى بالبِئرِ إنسانٌ فماتَ، لَم يَبطُلْ تَصَرُّفُه؛ لأنَّه كان سائِغًا له شَرعًا. ويَلزَمُ الوارِثَ أقَلُّ الأمرَينِ: مِنَ الدَّينِ، ومِن قدرِ التَّرِكةِ [6725] يُنظر: ((شرح الفصول المهمة)) للمارديني (1/94). .
3- إذا قدَّرَ القاضي نَفَقةً أو كِسوةً أو نَحوهما، ثُمَّ ماتَ أو عُزِلَ، لَم يَبطُلْ فرضُه في المُستَقبَلِ بمَوتِه، ولا بعَزلِه، ولا يَجوزُ لأحَدٍ تَغييرُه ما لَم يَتَغَيَّرِ السَّبَبُ؛ لأنَّ فرضَه حُكمٌ، وأحكامُه لا تَبطُلُ بالمَوتِ ولا بالعَزلِ [6726] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (15/28). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استثناءٌ:
يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ، مِنها: المُتَولِّي للوقفِ يَنعَزِلُ بمَوتِ الواقِفِ، إلَّا إذا جَعَلَه قَيِّمًا في حَياتِه وبَعدَ مَوتِه؛ لأنَّ القَيِّمَ بمَنزِلةِ الوكيلِ عَنِ الواقِفِ، والوكالةُ تَبطُلُ بالمَوتِ، فيَحتاجُ إلى الاستِنادِ إلَيه في حَياتِه وبَعدَ مَماتِه أيضًا لتَبقى الوكالةُ [6727] وقال مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ: (إنَّ الوِلايةَ لا تَبطُلُ بمَوتِ الواقِفِ؛ لأنَّ المُتَولِّيَ وكيلُ الفُقَراءِ لا وكيلُ الواقِفِ). يُنظر: ((الإسعاف)) للطرابلسي (ص: 34)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 166)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/380). .

انظر أيضا: