موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ السَّادِسُ: الكَفَّاراتُ لا يَجِبُ شَيءٌ مِنها على الصَّبيِّ والمَجنونِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَت هذه القاعِدةُ بالصِّيغةِ المَذكورةِ: "الكَفَّاراتُ لا يَجِبُ شَيءٌ مِنها على الصَّبيِّ والمَجنونِ" [6596] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/69). ، وصيغةِ: "لا تَجِبُ الكَفَّارةُ على الكافِرِ، والمَجنونِ، والصَّبيِّ" [6597] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/252). ، وصيغةِ: "لا كَفَّارةَ على الصَّبيِّ والمَجنونِ" [6598] يُنظر: ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (6/76)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (13/63). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
استُعمِلَت هذه القاعِدةُ عِندَ الحَنَفيَّةِ، وهيَ تُفيدُ أنَّ الكَفَّارةَ عِبادةٌ مَحضةٌ تَجِبُ بالشَّرعِ، فلا تَجِبُ إلَّا على المُسلِمِ البالِغِ العاقِلِ، ولا تَجِبُ على الصَّبيِّ والمَجنونِ؛ لأنَّهما لا يُخاطَبانِ بالشَّرائِعِ أصلًا، فلا تَجِبُ الكَفَّارةُ عليهما كما لا تَجِبُ عليهما الصَّلاةُ والصِّيامُ. ولِأنَّ الكَفَّاراتِ جَزاءُ الفِعلِ، فلا تَجِبُ على الصَّبيِّ؛ لأنَّه لا يوصَفُ بالتَّقصيرِ. كما أنَّ الكَفَّاراتِ كالحُدودِ قد تَسقُطُ بالشُّبهةِ الدَّارِئةِ؛ لأنَّها عِباداتٌ، ولِذلك لا تَجِبُ على الصَّبيِّ والمَجنونِ إذا فعَلا ما يوجِبُ الكَفَّارةَ على الكَبيرِ والعاقِلِ، وذلك لعَدَمِ القَصدِ والنِّيَّةِ مِنهما، وعَدَمُ القَصدِ شُبهةٌ دارِئةٌ للحَدِّ، وهيَ كذلك شُبهةٌ دارِئةٌ للكَفَّارةِ [6599] يُنظر: ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (6/76)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/252)، ((المغني)) لابن قدامة (12/224)، ((التوضيح)) لصدر الشريعة (2/306)، ((الجنايات)) لحسن الشاذلي (ص: 442)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (8/301)، ((موسوعة الإجماع)) لمجموعة مؤلفين (11/540). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ:
فعَن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((رُفِعَ القَلَمُ عَن ثَلاثٍ: عَنِ الصَّبيِّ حَتَّى يَبلُغَ، وعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَستَيقِظَ، وعَنِ المَجنونِ حَتَّى يُفيقَ)) [6600] أخرجه الطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (3987) واللفظ له، والبيهقي (21624) باختلافٍ يسيرٍ. صحَّحه ابن حزم في ((المحلى)) (9/206)، والنووي في ((المجموع)) (6/253)، وحسَّنه ابن القيم في ((أحكام أهل الذمة)) (2/902)، وصحَّح إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (3987). ورُويَ عَن عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ: لَقد عَلِمت أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القَلَمُ عَن ثَلاثةٍ: عَنِ الصَّبيِّ حَتَّى يَبلُغَ، وعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَستَيقِظَ، وعَنِ المَعتوهِ حَتَّى يَبرَأَ)). أخرجه أبو داود (4402) واللفظ له، وأحمد (1328) بنحوه. صحَّحه ابنُ حزم في ((المحلى)) (9/206)، والنووي في ((المجموع)) (6/253)، والسخاوي في ((الأجوبة المرضية)) (2/767)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4402)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4402). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
يَدُلُّ الحَديثُ على أنَّه لا تَجِبُ الكَفَّارةُ على نائِمٍ، أو صَغيرٍ، أو مَجنونٍ؛ لأنَّ الكَفَّارةَ عِبادةٌ للهِ تَعالى، والصِّغارُ والمَجانينُ لا تَلزَمُهمُ العِباداتُ؛ لأنَّهم لا قَصدَ لهم [6601] يُنظر: ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (6/76)، ((منار السبيل)) لابن ضويان (2/435). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- يُشتَرَطُ لوُجوبِ كَفَّارةِ الفِطرِ في رَمَضانَ: أن يَكونَ الصَّائِمُ مُكَلَّفًا، فلا كَفَّارةَ على صَبيٍّ ومَجنونٍ؛ لأنَّها عُقوبةٌ، وهما لَيسا مِن أهلِها [6602] يُنظر: ((الدين الخالص)) لخطاب السبكي (8/500)، ((الفقه الإسلامي وأدلتهـ)) لوهبة الزحيلي (3/1723). .
2- مِن شُروطِ وُجوبِ كَفَّارةِ اليَمينِ: كَونُ الحالِفِ مُكَلَّفًا، فلا تَجِبُ على الصَّبيِّ والمَجنونِ؛ لأنَّها تَتَعَلَّقُ بالقَولِ، ولا قَولَ لهما [6603] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (12/224)، ((نيل المآرب)) لابن أبي تغلب (2/420)، ((منار السبيل)) لابن ضويان (2/435). .
3- تَجِبُ كَفَّارةُ القَتلِ الخَطَأِ عِندَ وُجودِ شَرائِطِ الوُجوبِ في القاتِلِ، وهيَ الإسلامُ، والعَقلُ، والبُلوغُ، فلا تَجِبُ الكَفَّارةُ على المَجنونِ والصَّبيِّ؛ لأنَّ الكَفَّارةَ عِبادةٌ، والصَّبيُّ والمَجنونُ لا يُخاطَبانِ بالشَّرائِعِ أصلًا [6604] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/252)، ((الجنايات)) لحسن الشاذلي (ص: 442). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استثناءاتٌ:
يَرى الشَّافِعيَّةُ والحَنابِلةُ أنَّ كَفَّارةَ القَتلِ تَجِبُ في مالِ الصَّبيِّ والمَجنونِ، فإذا قَتَلَ الصَّبيُّ والمَجنونُ، وجَبَتِ الكَفَّارةُ في أموالِهما، وكَذلك الكافِرُ؛ لأنَّه حَقٌّ ماليٌّ يَتَعَلَّقُ بالقَتلِ، فتَعَلَّقَت بهم، كالدِّيةِ. وهذه ماليَّةٌ، فأشبَهَت نَفَقاتِ الأقارِبِ. وتُفارِقُ الصَّومَ والصَّلاةَ؛ لأنَّهما عِبادَتانِ بَدَنيَّتانِ [6605] يُنظر: ((حلية العلماء)) للشاشي (7/613)، ((المغني)) لابن قدامة (12/224)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (26/101). .

انظر أيضا: