موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الرَّابِعُ: مَن سَقَطَت عَنه العُقوبةُ لموجِبٍ ضوعِفَ عليه الضَّمانُ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "مَن سَقَطَت عَنه العُقوبةُ لموجِبٍ ضوعِفَ عليه الضَّمانُ" [6564] يُنظر: ((موسوعة الفقه الإسلامي)) لمحمد التويجري (2/311)، ((الدلائل والإشارات)) للعيدان واليتامى (3/418). ، وصيغةِ: "من سَقَطَت عَنه العُقوبةُ لفَواتِ شَرطٍ أو لوُجودِ مانِعٍ ضوعِفَ عليه الغُرمُ" [6565] يُنظر: ((تلقيح الأفهام العلية)) للسعيدان (ص: 321). ، وصيغةِ: "العُقوبةُ إذا سَقَطَت لتَخَلُّفِ شَرطٍ، أو لوُجودِ مانِعٍ فإنَّ الغُرمَ يُضاعَفُ" [6566] يُنظر: ((العقد الثمين)) لخالد المشيقح (ص: 287). ، وصيغةِ: "مَن سَقَطَت عَنه العُقوبةُ بإتلافِ نَفسٍ أو طَرَفٍ -مَعَ قيامِ المُقتَضي له- لمانِعٍ؛ فإنَّه يَتَضاعَفُ عليه الغُرمُ" [6567] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (3/42). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
استُعمِلَت هذه القاعِدةُ عِندَ الحَنابِلةِ، وهيَ تُفيدُ أنَّ مَن سَقَطَت عَنه العُقوبةُ لتَخَلُّفِ شَرطٍ، أو لوُجودِ مانِعٍ، مَعَ قيامِ المُقتَضي له، فإنَّه يَتَضاعَفُ عليه الضَّمانُ، فالأصلُ أنَّ مَنِ ارتَكَبَ المُحَرَّمَ فعليه عُقوبَتُه إذا تَوفَّرَت شُروطُ إقامَتِها وانتَفَت مَوانِعُه، لَكِن إذا ارتَكَبَه الإنسانُ وتَخَلَّفَ فيه شَرطٌ مِنَ الشُّروطِ أو وُجِدَ فيه مانِعٌ حالَ دونَ إقامَتِها فإنَّها تَسقُطُ عَنه العُقوبةُ لَكِن يُعاقَبُ بعُقوبةٍ أُخرى وهيَ مُضاعَفةُ الغُرمِ، أي أنَّه يَضمَنُ الشَّيءَ الذي انتَهَكَه مَرَّتَينِ عُقوبةً له على فِعلِه للمُحَرَّمِ، وكَأنَّ هذه العُقوبةَ قد نَزَلَت مَنزِلةَ البَدَلِ للأصلِ [6568] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (3/42)، ((العقد الثمين)) لخالد المشيقح (ص: 287)، ((تلقيح الأفهام العلية)) للسعيدان (ص: 321). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ:
فعَن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سُئِلَ عَنِ الثَّمَرِ المُعَلَّقِ فقال: ((مَن أصابَ بفيه مِن ذي حاجةٍ غَيرَ مُتَّخِذٍ خُبنةً [6569] أي: ذخيرة. يُنظر: ((شرح المصابيح)) لابن الملك (3/ 513). فلا شَيءَ عليه، ومَن خَرَجَ بشَيءٍ مِنه فعليه غَرامةُ مِثلَيه، والعُقوبةُ، ومَن سَرَقَ مِنه شَيئًا بَعدَ أن يُؤويَه الجَرينُ [6570] المَوضِعُ الذي يُجمَعُ فيه التَّمرُ للتَّجفيفِ. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (6/2356). فبَلَغ ثَمَنَ المِجَنِّ [6571] المِجَنُّ هو: التُّرسُ، والمُرادُ به نِصابُ السَّرِقةِ؛ لأنَّه كان يُساوي في ذلك الزَّمانِ رُبعَ دينارٍ. يُنظر: ((شرح المصابيح)) لابن الملك (3/514). فعليه القَطعُ، ومَن سَرَقَ دونَ ذلك فعليه غَرامةُ مِثلَيه والعُقوبةُ )) [6572] أخرجه أبو داود (1710) واللفظ له، والترمذي (1289)، والنسائي (4958). حسَّنه الترمذي، وابن القيم في ((تهذيب السنن)) (7/282)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (8/654)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1710). وذهب إلى تصحيحه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/257). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الثَّمَرَ المُعَلَّقَ إذا أخَذَ الإنسانُ مِنه شَيئًا وخَرَجَ به فإنَّه في مَنزِلةِ السَّارِقِ، والسَّرِقةُ عُقوبَتُها قَطعُ اليَدِ، لَكِنَّ هذا سَقَطَ عَنه القَطعُ؛ لأنَّه لَم يَأخُذِ المالَ مِن حِرزِه، والثَّمَرُ ما دامَ على رُؤوسِ الشَّجَرِ فلَيسَ في حِرزٍ، فلَمَّا سَقَطَت عَنه العُقوبةُ ضوعِفَ عليه الغُرمُ في قَولِه: (فعليه غَرامةُ مِثلَيهـ) أي عليه ثَمَنُ ما أخَذَه ومِثلُه مَعَه، فدَلَّ على أنَّ العُقوبةَ إذا سَقَطَت لتَخَلُّفِ شَرطٍ، أو لوُجودِ مانِعٍ، فإنَّ الغُرمَ يُضاعَفُ [6573] يُنظر: ((تلقيح الأفهام العلية)) للسعيدان (ص: 321)، ((العقد الثمين)) لخالد المشيقح (ص: 287). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- إذا قَلَعَ الأعورُ عَينَ الصَّحيحِ المُماثِلةَ لعَينِه، فإنَّه لا يُقتَصُّ مِنه؛ لأنَّه بالقِصاصِ يَذهَبُ جَميعُ بَصَرِه، ولَكِن يُضاعَفُ عليه الغُرمُ، فيَلزَمُه الدِّيةُ كامِلةً. وإذا قَلَعَ صَحيحُ العَينَينِ عَينَ الأعورِ الصَّحيحةَ وجَبَ عليه ديةٌ كامِلةٌ، وهيَ ديةُ ذَهابِ البَصَرِ كُلِّه [6574] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (3/43)، ((موسوعة الفقه الإسلامي)) لمحمد التويجري (2/311). .
2- السَّارِقُ إذا سَرَقَ مِن غَيرِ حِرزٍ سَقَطَت عَنه العُقوبةُ لتَخَلُّفِ شَرطِ القَطعِ، وهو كَونُ السَّرِقةِ مِن غَيرِ حِرزٍ، لَكِن تُضاعَفُ عليه قيمةُ المَسروقِ، فيَجِبُ عليه أن يَأتيَ بالمَسروقِ وقيمَتِه فإنِ استَهلَكَ المَسروقَ فإنَّه تَجِبُ عليه القيمةُ مَرَّتَينِ [6575] يُنظر: ((العقد الثمين)) لخالد المشيقح (ص: 288). .
3- إذا قَتَلَ مُسلِمٌ ذِمِّيًّا عَمدًا، لَم يُقتَصَّ مِنه؛ لتَخَلُّفِ شَرطِ المُكافَأةِ، وهو شَرطٌ مِن شُروطِ وُجوبِ القِصاصِ فالذِّمِّيُّ ليس مُكافِئًا للمُسلِمِ، لَكِن إذا قَتَلَه عَمدًا تُضاعَفُ عليه الدِّيةُ مَرَّتَينِ، فيَضمَنُه بديةِ مُسلِمٍ [6576] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (3/42)، ((موسوعة الفقه الإسلامي)) لمحمد التويجري (2/311)، ((شرح تحفة أهل الطلب)) لعبد الكريم اللاحم (ص: 436)، ((العقد الثمين)) لخالد المشيقح (ص: 289). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استثناءٌ:
ليس مِن هذه القاعِدةِ تَغليظُ الدِّيةِ بقَتلِ ذي الرَّحِمِ المُحَرَّمِ عَمدًا؛ لأنَّ القِصاصَ فيه قد يَكونُ واجِبًا في قَتلِ غَيرِ الابنِ، وإنَّما هو لزيادةِ حُرمةِ الجِنايةِ؛ فهو كالتَّضعيفِ بالقَتلِ في الحَرَمِ والإحرامِ [6577] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (3/44). .

انظر أيضا: