المَطلَبُ التَّاسِعُ والعِشرونَ: الهَيئاتُ لا تُجبَرُ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الهَيئاتُ لا تُجبَرُ"
[6471] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/142)، ((بحر المذهب)) للروياني (2/159). ، وصيغةِ: "تَركُ الهَيئاتِ لا يوجِبُ العَودَ إلَيها إذا جاوزَ مَحَلَّها"
[6472] يُنظر: ((شرح الرسالة)) للقاضي عبد الوهاب (1/34). ، وصيغةِ: "تَركُ الهَيئاتِ لا توجِبُ الإعادةَ"
[6473] يُنظر: ((الروايتين والوجهين)) لأبي يعلى (1/121). ، وصيغةِ: "الهَيئاتُ لا تُقضى بَعدَ فواتِها ولا سُجودَ للسَّهوِ فيها"
[6474] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/492). ، وصيغةِ: "الهَيئاتُ لا تُقضى في غَيرِ مَحَلِّها"
[6475] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/142). ، وصيغةِ: "مُخالَفةُ الهَيئاتِ لا تَقتَضي الفَسادَ"
[6476] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/58). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.الهَيئاتُ في العِبادةِ هيَ ما عَدا الأبعاضَ والأركان. ورُتبَتُها دونَ رُتبةِ المَسنوناتِ، وذلك كَتَخليلِ الأصابِعِ، والمُبالَغةِ في المَضمَضةِ والاستِنشاقِ، وتَطويلِ الغُرَّةِ. وكَتَكبيرِ الانتِقالاتِ والتَّسبيحاتِ في الصَّلاةِ.
وتُفيدُ القاعِدةُ أنَّ هذه الهَيئاتِ لا تُجبَرُ، فِعلًا كانت أو قَولًا؛ لأنَّ تَركَ الهَيئاتِ ليس فيه إسقاطٌ لأصلِ العَمَلِ، فمَثَلًا تَركُ الرَّمَلِ في الطَّوافِ ليس إسقاطًا لنَفسِ العَمَلِ، وإنَّما هو سُقوطٌ لهَيئةِ العَمَلِ، وإنَّما تُجبَرُ المَسنوناتُ المَقصودةُ.
والفَرقُ بَينَ المَسنوناتِ والهَيئاتِ في الصَّلاةِ: أنَّ المُكَلَّفَ إذا أتى بالهَيئاتِ فقد أكمَلَ صَلاتَه، وإن تَرَكَها لَم يَسجُدْ للسَّهوِ.
وإذا تَرَكَ شَيئًا مِنَ المَسنوناتِ فقد نَقَصَت صَلاتُه، وجَبرُها بسُجودِ السَّهوِ
[6477] يُنظر: ((اللباب)) لابن المحاملي (ص: 200)، ((التعليقة)) للقاضي حسين (2/896)، ((بحر المذهب)) للروياني (2/159 و171)، ((الوسيط)) للغزالي (2/87)، ((البيان)) للعمراني (1/142) و(2/260)، ((أحكام الاضطباع والرمل في الطواف)) للزاحم (ص: 252). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ:
وهو أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَم يُنقَلْ عَنه جَبرُ الهَيئاتِ، وفي ذلك يَقولُ النَّوويُّ: (وأمَّا غَيرُ الأبعاضِ مِنَ السُّنَنِ، كالتَّعَوُّذِ ودُعاءِ الافتِتاحِ ورَفعِ اليَدَينِ والتَّكبيراتِ والتَّسبيحاتِ والدَّعَواتِ والجَهرِ والإسرارِ والتَّورُّكِ والافتِراشِ والسورةِ بَعدَ الفاتِحةِ ووَضعِ اليَدَينِ على الرُّكبَتَينِ وتَكبيراتِ العيدِ الزَّائِدةِ، وسائِرِ الهَيئاتِ المَسنوناتِ غَيرِ الأبعاضِ: فلا يُسجَدُ لَها، سَواءٌ تَرَكَها عَمدًا أو سَهوًا؛ لأنَّه لَم يُنقَلْ عَن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم السُّجودُ لشَيءٍ مِنها، والسُّجودُ زيادةٌ في الصَّلاةِ فلا يَجوزُ إلَّا بتَوقيفٍ)
[6478] ((المجموع)) (4/125). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ:تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- مَن جَهَرَ في مَوضِعِ الإسرارِ، أو أسَرَّ في مَوضِعِ الجَهرِ، فصَلاتُه صَحيحةٌ؛ لأنَّ الجَهرَ والإسرارَ هَيئةٌ، ومُخالَفةُ الهَيئاتِ لا تَقتَضي الفَسادَ فلا تَبطُلُ الصَّلاةُ، ولا توجِبُ السَّهو؛ قياسًا على هَيئاتِ الأفعالِ
[6479] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/58 و150). .
2- إذا تَرَكَ الحاجُّ أوِ المُعتَمِرُ الرَّمَلَ، أوِ الاضطِباعَ، أوِ الاستِلامَ، فقد أساءَ، ولا شَيءَ عليه؛ لأنَّ كُلَّ هذه هَيئاتٌ في الطَّوافِ، والهَيئاتُ لا تُجبَرُ، فلا يَجِبُ بتَركِها إعادةٌ ولا شَيءٌ، كَهَيئاتِ الصَّلاةِ. ولِأنَّه لَو تَرَكَ طَوافَ القُدومِ لَم يَلزَمه جُبرانٌ، فإذا تَرَكَ هَيئتَه أولى ألَّا يَلزَمَه جُبرانٌ
[6480] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/142)، ((بحر المذهب)) للروياني (3/481)، ((المغني)) لابن قدامة (5/222). .