المَطلَبُ الثَّامِنُ والعِشرونَ: مَبنى الشَّعائِرِ على الإشهارِ والإظهارِ دونَ الإخفاءِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "مَبنى الشَّعائِرِ على الإشهارِ والإظهارِ دونَ الإخفاءِ"
[6456] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/224). ، وصيغةِ: "إظهارُ الشَّعائِرِ هو مَعنى الدِّينِ"
[6457] يُنظر: ((القبس)) لابن العربي (ص: 582). ، وصيغةِ: "إظهارُ شَعائِرِ الإسلامِ واجِبٌ"
[6458] يُنظر: ((مفاتيح الغيب)) للرازي (10/163). ، وصيغةِ: "السَّبيلُ في الشَّعائِرِ إشهارُها"
[6459] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/152). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الأصلَ هو المُبادَرةُ بإظهارِ الشَّعائِرِ
[6460] الشَّعائِرُ جَمعُ شَعيرةٍ، وهيَ التي تَكونُ عَلَمًا في الدِّينِ، أي: مِن مَعالِمِ الدِّينِ الظَّاهرةِ؛ لأنَّ العِباداتِ مِنها خَفيَّةٌ: بَينَ الإنسانِ ورَبِّه، ومِنها أشياءُ تَكونُ ظاهرةً بَيِّنةً، وهيَ الشَّعائِرُ. يُنظر: ((تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة)) (2/ 184). ، فشَعائِرُ الإسلامِ مَبناها على الإشهارِ والإظهارِ دونَ الإخفاءِ؛ ولِذلك كان كُلُّ ما شُرِعَ فيه الجَماعةُ فالمَسجِدُ فيه أفضَلُ لما اشتَمَلَ عليه مِن شَرَفِ المَكانِ، وإظهارِ الشَّعائِرِ، وتَكثيرِ سَوادِ المُسلِمينَ، وائتِلافِ قُلوبِهم؛ فيَجِبُ على كُلِّ مُسلِمٍ إظهارُ شَعائِرِ الإسلامِ، وإشهارُ الشَّريعةِ في مُقابَلةِ ذلك، لتَقوى عَقائِدُ العامَّةِ؛ فإنَّ في إظهارِ شَعائِرِ الإسلامِ إصلاحَ الخَلقِ مَعاشًا ومَعادًا
[6461] يُنظر: ((القبس)) لابن العربي (ص: 582)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/224)، ((غمز عيون البصائر)) للحموي (2/30)، ((الشرح الكبير)) للدردير (1/504)، ((نهاية الرتبة)) لابن بسام (ص: 368)، ((غاية المرام)) للآمدي (ص: 366). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ الكريمِ، والسُّنَّةِ:
1- مِنَ القُرآنِ:- قال اللهُ تعالى:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة: 114] .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ تَعطيلَ المَساجِدِ عَنِ الصَّلاةِ وإظهارِ شَعائِرِ الإسلامِ فيها خَرابٌ لَها، وفي ذلك قَطعٌ بالمُسلِمينَ في إظهارِ شَعائِرِهم وتَأليفِ كَلِمَتِهم. وفي هذه الآيةِ تَعظيمُ أمرِ الصَّلاةِ؛ فإنَّها لَمَّا كانت أفضَلَ الأعمالِ وأعظَمَها أجرًا كان مَنعُها أعظَمَ إثمًا
[6462] يُنظر: ((أحكام القرآن)) لابن العربي (1/50)، ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (2/77). .
- وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ:
وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة: 185] .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ المَعنى: لتُكمِلوا عِدَّةَ رَمَضانَ، ولِتُكَبِّروا اللهَ عِندَ إكمالِه على ما هَداكُم، ومَعنى إظهارِ التَّكبيرِ: رَفعُ الصَّوتِ به، وقدِ استُحِبَّ ذلك لِما فيه مِن إظهارِ شَعائِرِ الإسلامِ، وتَذكيرِ الغَيرِ
[6463] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/255)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (5/367). .
2- مِنَ السُّنَّةِ:عَنِ السَّائِبِ بنِ خَلَّادٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((أتاني جِبريلُ فأمَرَني أن آمُرَ أصحابي أن يَرفَعوا أصواتَهم بالإهلالِ والتَّلبيةِ )) [6464] أخرجه أبو داود (1814)، والترمذي (829) واللفظ له، وابن ماجه (2922). صحَّحه ابن خزيمة في ((صحيحهـ)) (4/295)، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (2/258)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/152)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (829)، وقال الترمذي: حسن صحيح .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ مِن شَعائِرِ الحَجِّ رَفعَ الأصواتِ بالتَّلبيةِ، فأمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم برَفعِ الصَّوتِ بها
[6465] يُنظر: ((شرح مشكل الآثار)) للطحاوي (14/499)، ((المبسوط)) للسرخسي (4/6). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- الأذانُ شُرِعَ للإعلامِ، ويَحصُلُ مِنَ الأذانِ الإعلامُ بدُخولِ وقتِ الصَّلاةِ ومَكانِها، والدُّعاءُ إلى الجَماعةِ، فالغَرَضُ به إظهارُ الشَّعائِرِ، والتَّعريفُ بأنَّ الدَّارَ دارُ الإسلامِ، وكَونُه بصَوتٍ عالٍ أظهَرُ في حُصولِ المَقصودِ
[6466] يُنظر: ((إكمال المعلم)) للمازري (2/239)، ((الذخيرة)) للقرافي (2/58)، ((حاشية الجمل على شرح المنهج)) (1/305)، ((الحرز الثمين)) للقاري (2/682). .
2- صَلاةُ الجَماعةِ في المَسجِدِ لغَيرِ المَرأةِ أفضَلُ مِنها في غَيرِ المَسجِدِ كالبَيتِ؛ إذ يَحصُلُ بذلك إظهارُ شَعائِرِ الإسلامِ في الجُملةِ
[6467] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (2/366)، ((الإقناع)) للخطيب الشربيني (1/163)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (15/80). .
3- يُستَحَبُّ رَفعُ الصَّوتِ بالتَّكبيرِ في العيدَينِ في طَريقِ المُصَلِّي؛ لأنَّ التَّكبيرَ فيه مِنَ الشَّعائِرِ، ومَبناها على الإشهارِ والإظهارِ دونَ الإخفاءِ
[6468] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/224)، ((التوضيح)) لخليل (2/87). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.تنبيهٌ:لا يَدخُلُ في إظهارِ الشَّعائِرِ ما يَتَعَلَّقُ بالبِدَعِ، كَبِدَعِ المَولِدِ؛ فإنَّ ما أحدَثَه بَعضُ النَّاسِ مِنَ البِدَعِ مَعَ اعتِقادِهم أنَّ ذلك مِن أكبَرِ العِباداتِ وإظهارِ الشَّعائِرِ ما يَفعَلونَه في شَهرِ رَبيعٍ الأوَّلِ مِنَ المَولِدِ، وقدِ احتَوى ذلك على بدَعٍ ومُحَرَّماتٍ مُتَعَدِّدةٍ
[6469] يُنظر: ((الحاوي)) للسيوطي (1/226). .
استثناءٌ:يُستَثنى مِن وُجوبِ إظهارِ شَعائِرِ الإسلامِ: حالةُ الاستِضعافِ للمُسلِمِ؛ فإنَّ كِتمانَ الإيمانِ وإخفاءَ شَعائِرِه رُخصةٌ للمُستَضعَفِ، فيَجوزُ إخفاؤُها في تلك الحالِ، ومَتى ما أظهَرَ المُستَضعَفُ الشَّعائِرَ بنيَّةِ إعزازِ دينِ اللَّهِ وإن كان يَعلَمُ بأنَّه سَيَعودُ عليه بالضَّرَرِ أوِ التَّلَفِ كان مَأجورًا على ذلك ومُثابًا عليه، وهو الأولى مَعَ مُراعاةِ ما يَلي:
1- قوةُ إيمانِ الشَّخصِ وقُدرَتُه على الصَّبرِ، وتَحَمُّلُ تَبِعاتِ إظهارِه للشَّعائِرِ.
2- وُجودُ الأعوانِ أوِ الحِمايةِ سَواءٌ أكانت مِن مُسلِمٍ أو كافِرٍ.
3- أن يَكونَ في الإظهارِ إعزازٌ حَقيقيٌّ لدينِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ
[6470] يُنظر: ((الاستضعاف)) للمشوخي (ص: 364). .