موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الخامِسُ والعِشرونَ: النَّفلُ أوسَعُ مِنَ الفَرضِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "النَّفلُ أوسَعُ مِنَ الفَرضِ" [6414] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 154)، ((القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير)) لعبد الرحمن آل عبد اللطيف (2/541)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/751). ، وصيغةِ: "النَّفلُ أوسَعُ بابًا مِنَ الفَرضِ" [6415] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/277). ، وصيغةِ: "حُكمُ النَّفلِ أوسَعُ في بابِه مِنَ الفَرضِ" [6416] يُنظر: ((التعليقة الكبيرة)) لأبي يعلى، من الصلاة للجنائز (2/404). ، وصيغةِ: "حُكمُ النَّفلِ أخَفُّ مِن حُكمِ الفَرضِ" [6417] يُنظر: ((التعليقة)) للقاضي حسين (2/982)، ((التهذيب)) للبغوي (3/141). ، وصيغةِ: "حُكمُ التَّطَوُّعِ أخَفُّ مِن حُكمِ الفَريضةِ" [6418] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (1/183). ، وصيغةِ: "بابُ النَّفلِ أوسَعُ" [6419] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (1/178)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/85)، ((خزانة المفتين)) للسمناقي (ص: 1165)، ((إعلام الساجد)) للزركشي (ص: 101)، ((نخب الأفكار)) للعيني (4/265)، ((لمعات التنقيح)) للدهلوي (4/391)، ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 137)، ((الفتاوى الهندية)) (1/257). ، وصيغةِ: "التَّطَوُّعُ أوسَعُ مِنَ الفَرضِ" [6420] يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/81). ، وصيغةِ: "النَّفلُ أخَفُّ مِنَ الفَرضِ" [6421] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (1/332)، ((المجموع)) للنووي (6/292)، ((تيسير البيان)) لابن نور الدين (1/253)، ((شرح سنن أبي داود)) لابن رسلان (10/594). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الشَّارِعَ يَتَسامَحُ في النَّوافِلِ أكثَرَ مِمَّا يَتَسامَحُ في الفُروضِ -على أنَّ الجَميعَ لا يَخرُجُ عَن مَبدَأِ اليُسرِ- فيَصِحُّ في النَّفلِ ما لا يَصِحُّ في الفَرضِ مِن جِنسِه؛ لكَونِ النَّافِلةِ أخفَضَ دَرَجةً مِنَ الفَرضِ.
ويَظهَرُ وجهُ التَّيسيرِ في هذه القاعِدةِ في أنَّ اللهَ تَعالى شَرَعَ لعِبادِه الفَرائِضَ، وشَرَعَ لَهم مِن جِنسِها نَوافِلَ ليَزدادوا بها تَقَرُّبًا إلَيه تَعالى، وليُكمَلَ بها ما قد يَقَعُ مِنَ الخَلَلِ في الفَريضةِ، وكان مِن لُطفِ اللهِ تَعالى بعِبادِه أن سامَحَ في هذه النَّوافِلِ أو بَعضِها نَوعَ مُسامَحةٍ، فلَم يوجِبْ فيها كُلَّ ما يَجِبُ في الفَرضِ؛ وذلك مِن أجلِ أن يَسهُلَ على المُكَلَّفينَ طَريقُ الازديادِ في الخَيرِ فضلًا مِنَ اللهِ ونِعمةً [6422] يُنظر: ((التعليقة الكبيرة)) لأبي يعلى، من الصلاة للجنائز (2/404)، ((عمدة القاري)) للعيني (7/141)، ((القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير)) لعبد الرحمن آل عبد اللطيف (2/542)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/751). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ:
1- عَن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: (كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصَلِّي في السَّفَرِ على راحِلَتِه حَيثُ تَوجَّهَت به، يومِئُ إيماءً، صَلاةَ اللَّيلِ، إلَّا الفَرائِضَ، ويوتِرُ على راحِلَتِهـ) [6423] أخرجه البخاري (1000) واللفظ له، ومسلم (700). .
2- عَن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُصَلِّي على راحِلَتِه نَحو المَشرِقِ، فإذا أرادَ أن يُصَلِّيَ المَكتوبةَ نَزَلَ فاستَقبَلَ القِبلةَ )) [6424] أخرجه البخاري (1099) واللفظ له، ومسلم (540). .
وَجهُ الدَّلالةِ من الحديثَينِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صَلَّى النَّافِلةَ وهو على الدَّابَّةِ، ولَم يَفعَلْ ذلك في الفَرضِ، لأنَّ اللهَ تَعالى مِن لُطفِه وكَرَمِه جَعَلَ بابَ النَّفلِ أوسَعَ [6425] يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني (7/141). .
3- قالت عائِشةُ رَضِيَ اللهُ عنها: ((لا تَدَعْ قيامَ اللَّيلِ، فإنَّ رَسولَ اللهِ كان لا يَدَعُه، وكان إذا مَرِضَ أو كَسِلَ صَلَّى قاعِدًا )) [6426] أخرجه أبو داود (1307)، وأحمد (26114). صحَّحه ابن خزيمة في ((صحيحهـ)) (2/313)، والحاكم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (1159)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1307)، والوادعي على شرط مسلم في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1597). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
يُستَفادُ مِنَ الحَديثِ جَوازُ صَلاةِ اللَّيلِ قاعِدًا، سَواءٌ كان لضَعفٍ أو كَسَلٍ؛ لأنَّ بابَ النَّفلِ أوسَعُ [6427] يُنظر: ((شرح سنن أبي داود)) للعيني (5/215). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- لا يَجِبُ في النَّفلِ القيامُ ولا استِقبالُ القِبلةِ في السَّفَرِ، ولا يَلزَمُ بالشُّروعِ، بخِلافِ الفَرضِ؛ لأنَّ النَّفلَ أوسَعُ بابًا مِنَ الفَرضِ [6428] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (1/332)، ((المنثور)) للزركشي (3/277)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 154). .
2- يَجوزُ التَّنَفُّلُ في الصَّلاةِ قاعِدًا وراكِبًا مَعَ القُدرةِ على القيامِ والنُّزولِ، ولا يَجوزُ في الفَرضِ؛ لأنَّ النَّفلَ أوسَعُ مِنَ الفَرضِ، وقد سومِحَ في النَّفلِ لتَطَلُّعِ الشَّارِعِ إلى تَكثيرِه وتَطويلِه [6429] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/85)، ((البناية)) للعيني (4/124)، ((الجامع في أحكام صفة الصلاة)) للدبيان (1/441). .
3- صَلاةُ النَّفلِ تُفارِقُ صَلاةَ الفَرضِ فيما يَرجِعُ إلى الانتِقالِ مِنَ النُّقصانِ إلى الكَمالِ، فيَجوزُ أن يُحرِمَ بالصَّلاةِ جالِسًا نافِلةً، ثُمَّ يَقومُ فيَنتَقِلُ مِن نُقصانٍ إلى كَمالٍ، ولا يَجوزُ مِثلُ هذا في الفَرضِ؛ لأنَّ حُكمَ النَّفلِ أوسَعُ في بابِه مِنَ الفَرضِ [6430] يُنظر: ((التعليقة الكبيرة)) لأبي يعلى، من الصلاة للجنائز (2/404). .
4- لا يَجِبُ تَبييتُ النِّيَّةِ في صيامِ النَّفلِ مِنَ اللَّيلِ، وتَصِحُّ بَعدَ الفَجرِ، وبَعدَ طُلوعِ الشَّمسِ حَتَّى قَبلَ الزَّوالِ، ويَجِبُ تَبييتُ نيَّةِ الصِّيامِ مِنَ اللَّيلِ قَبلَ الفَجرِ في الفَرضِ والنَّذرِ [6431] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/751). ويُنظر أيضًا: ((التهذيب)) للبغوي (3/141)، ((المجموع)) للنووي (6/292). .
5- لا تَجري النِّيابةُ في حَجِّ الفَرضِ عِندَ القُدرةِ، وفي الحَجِّ النَّفلِ تَجوزُ الإنابةُ مَعَ القُدرةِ؛ لأنَّ بابَ النَّفلِ أوسَعُ [6432] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (1/178)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/85)، ((البناية)) للعيني (4/471)، ((الفتاوى الهندية)) (1/257). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استثناءاتٌ:
يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ، قد يَضيقُ النَّفلُ فيها، وهيَ تَرجِعُ إلى أصلٍ واحِدٍ، وهو أنَّه إنَّما جازَ في الفَرضِ للضَّرورةِ، فتَرجِعُ إلى قاعِدةِ "ما جازَ للضَّرورةِ يَتَقدَّرُ بقَدرِها"، منها [6433] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/277)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 154)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/751). :
1- وُجوبُ الفَرضِ على فاقِدِ الطَّهورَينِ، ولا يَجوزُ له النَّفلُ، فيَمتَنِعُ النَّفلُ على فاقِدِ الطَّهورَينِ.
2- تُصَلِّي المُستَحاضةُ المُتَحَيِّرةُ الفَرضَ، وتُمنَعُ مِنَ النَّفلِ على وجهٍ قَويٍّ.

انظر أيضا: