المَطلَبُ الرَّابِعُ والعِشرونَ: مَن عليه فرضٌ، هَل يَجوزُ له التَّنَفُّلُ قَبلَ أدائِه بجِنسِه أم لا؟
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "مَن عليه فرضٌ، هَل يَجوزُ له التَّنَفُّلُ قَبلَ أدائِه بجِنسِه أم لا؟"
[6402] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/278)، ((القواعد)) لابن رجب (1/97). ، وصيغةِ: "مَن عليه فرضٌ موسَّعُ الوقتِ يَجوزُ له التَّنَفُّلُ -قَبلَ أدائِه- مِن جِنسِه"
[6403] يُنظر: ((القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير)) لعبد الرحمن آل عبد اللطيف (1/491). ، وصيغةِ: "العِبادةُ التي يُتَنَفَّلُ بجِنسِها، يَجوزُ التَّنَفُّلُ بها مَعَ بَقاءِ فرضِها في الذِّمَّةِ"
[6404] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (4/1665). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ مَن عليه فرضٌ: هَل له التَّنَفُّلُ قَبلَ أدائِه بجِنسِه أم لا؟ وهذا نَوعانِ:
1- العِباداتُ المَحضةُ، كالصَّلاةِ والصَّومِ، فإن كانت موسَّعةً جازَ التَّنَفُّلُ مِن جِنسِها قَبلَ أدائِها قَطعًا، سَواءٌ كانت تَكليفًا أصليًّا أم نَذرًا، كالتَّنَفُّلِ بالصَّلاةِ في أوَّلِ وقتِ الفَريضةِ قَبلَ أدائِها. وإن كانتِ العِبادةُ مُضَيَّقةً امتَنَعَ إذا ضاقَ وقتُ الفَرضِ.
2- التَّصَرُّفاتُ الماليَّةُ، كالعِتقِ، والوقفِ، والصَّدَقةِ، والهبةِ، إذا فعَلَها وعليه دَينٌ، ولَم يَكُنْ حُجِرَ عليه، فقيلَ بصِحَّةِ تَصَرُّفِه، وإنِ استَغرَقَ مالَه في ذلك، وقيلَ: يَحرُمُ عليه
[6405] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/278)، ((القواعد)) لابن رجب (1/97)، ((شرح تحفة أهل الطلب)) لعبدالكريم اللاحم (ص: 45)، ((القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير)) لعبد الرحمن آل عبد اللطيف (1/491). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ والإجماعِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:عَن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال:
((حَفِظتُ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَشرَ رَكَعاتٍ: رَكعَتَينِ قَبلَ الظُّهرِ، ورَكعَتَينِ بَعدَها، ورَكعَتَينِ بَعدَ المَغرِبِ في بَيتِه، ورَكعَتَينِ بَعدَ العِشاءِ في بَيتِه، ورَكعَتَينِ قَبلَ صَلاةِ الصُّبحِ، وكانت ساعةً لا يُدخَلُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيها)) [6406] أخرجه البخاري (1180) واللفظ له، ومسلم (729). .
وَجهُ الدَّلالةِ:يَدُلُّ الحَديثُ على فِعلِ نَوافِلِ الصَّلاةِ القَبليَّةِ، وذلك مِن فِعلِه وقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، بَعدَ دُخولِ وقتِ بَعضِ الصَّلَواتِ، مَعَ وُجوبِها على المُسلِمِ وتَعَلُّقِها بذِمَّتِه بمُجَرَّدِ دُخولِ وقتِها وُجوبًا موسَّعًا
[6407] يُنظر: ((القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير)) لعبد الرحمن آل عبد اللطيف (1/494). .
2- مِنَ الإجماعِ:نَقَلَ ابنُ رَجَبٍ الاتِّفاقَ على صورةٍ مِن صورِ القاعِدةِ، وهيَ التَّنَفُّلُ بالصَّلاةِ قَبلَ أدائِها في الواجِبِ الموسَّعِ
[6408] قال: (مَن عَلَيه فرضٌ؛ هَل له أن يَتَنَفَّلَ قَبلَ أدائِه بجِنسِه أم لا؟ هذا نَوعانِ: أحَدُهما: العِباداتُ المَحضةُ: فإن كانت موسَّعةً جازَ التَّنَفُّلُ قَبلَ أدائِها كالصَّلاةِ بالاتِّفاقِ، وقَبلَ قَضائِها أيضًا، كَقَضاءِ رَمَضانَ على الأصَحِّ). ((القواعد)) (1/97). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.مِنَ الأمثلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا شَرَعَ المُؤَذِّنُ في الإقامةِ، فإنَّ المُصَلِّيَ لا يَبتَدِئُ النَّافِلةَ، وفي مَعنى الشُّروعِ قُربُ إقامَتِها
[6409] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/278)، ((القواعد)) لابن رجب (1/97). .
2- جَوازُ التَّنَفُّلِ بالصَّلاةِ قَبلَ أداءِ الفَرضِ بَعدَ دُخولِ وقتِه إذا كان الوقتُ موسَّعًا كما في السُّنَنِ القَبليَّةِ
[6410] يُنظر: ((القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير)) لعبد الرحمن آل عبد اللطيف (1/498). .
3- ليس للمُكَلَّفِ أن يَتَطَوَّعَ بالحَجِّ قَبلَ أداءِ الفَرضِ، فإذا حَجَّ تَطَوُّعًا قَبلَ حَجَّةِ الإسلامِ لَم يَقَعْ عَنِ التَّطَوُّعِ، وانقَلَبَت عَن حَجَّةِ الإسلامِ
[6411] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/278)، ((القواعد)) لابن رجب (1/98). ويُنظر أيضًا: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/245). .
4- مَن تَبَرَّعَ وعليه نَفَقةٌ واجِبةٌ لوارِثٍ، أو دَينٌ ليس له وفاءٌ: فإنَّه يُرَدُّ
[6412] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/100). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.تنبيهٌ:تَقييدُ جَوازِ ذلك التَّطَوُّعِ بكَونِه مِن جِنسِ الفَرضِ مِن بابِ بَيانِ المَقصودِ مِنَ القاعِدةِ؛ لأنَّ ذلك هو الذي قد يَكونُ مَحَلَّ نَظَرٍ وليس المُرادُ مِنه عَدَمَ جَوازِ التَّطَوُّعِ مِن غَيرِ جِنسِ العِبادةِ الواجِبةِ قَبلَ أدائِها؛ فإنَّه إذا جازَ التَّطَوُّعُ مِن جِنسِ تلك العِبادةِ قَبلَ أدائِها مَعَ عَدَمِ إمكانِ الجَمعِ بَينَ الفِعلَينِ في وقتٍ واحِدٍ فإنَّه يَجوزُ فيما كان مِن غَيرِ جِنسِ تلك العِبادةِ مِن بابِ أَولى؛ إذ لا يَمتَنِعُ الجَمعُ بَينَهما غالِبًا
[6413] يُنظر: ((القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير)) لعبد الرحمن آل عبد اللطيف (1/493). .