موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الثَّاني عَشَرَ: إذا اجتَمَعَ في العِبادةِ جانِبُ الحَضَرِ والسَّفَرِ غُلِّبَ جانِبُ الحَضَرِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "إذا اجتَمَعَ في العِبادةِ جانِبُ الحَضَرِ والسَّفَرِ غُلِّبَ جانِبُ الحَضَرِ" [6177] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/123). ويُنظر أيضًا: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 113). ، وصيغةِ: "العِبادةُ إذا اجتَمَعَ فيها الحَضَرُ والسَّفَرُ يُغَلَّبُ حُكمُ الحَضَرِ على حُكمِ السَّفَرِ" [6178] يُنظر: ((التعليقة)) للقاضي حسين (2/1109)، ((العزيز)) للرافعي (1/286). ، وصيغةِ: "العِبادةُ إذا اشتَرَكَ فيها السَّفَرُ والحَضَرُ يُغَلَّبُ حُكمُ الحَضَرِ" [6179] يُنظر: ((التهذيب)) للشيرازي (2/307). ، وصيغةِ: "العِبادةُ التي يَختَلِفُ حُكمُها في الحَضَرِ والسَّفَرِ، إذا وُجِدَ أحَدُ طَرَفَيها في الحَضَرِ غُلِّبَ حُكمُ الحَضَرِ" [6180] يُنظر: ((شرح المقنع)) (1/210)، ((العدة)) (ص: 38) كلاهما للبهاء المقدسي. ، وصيغةِ: "العِبادةُ التي تَختَلِفُ بالحَضَرِ والسَّفَرِ، إذا تُلُبِّسَ بها في الحَضَرِ غُلِّبَ حُكمُ الحَضَرِ" [6181] يُنظر: ((شرح المقنع)) للبهاء المقدسي (2/202). ، وصيغةِ: "اجتِماعُ الحَضَرِ والسَّفَرِ في العِبادةِ يوجِبُ تَغليبَ حُكمِ الحَضَرِ" [6182] يُنظر: ((المجموع)) للنووي (4/352)، ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (1/465). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّه إذا اجتَمَعَ في العِبادةِ التي تَختَلِفُ بالحَضَرِ والسَّفَرِ جانِبُ الحَضَرِ وجانِبُ السَّفَرِ، غُلِّبَ جانِبُ الحَضَرِ على السَّفَرِ؛ لأنَّ الحَضَرَ هو الأصلُ، كما أنَّه قدِ اجتَمَعَ المُبيحُ والمُحَرِّمُ، فغُلِّبَ المُحَرِّمُ؛ حَيثُ إنَّه قدِ اجتَمَعَ في العِبادةِ المُبيحُ للرُّخصةِ والمُحَرِّمُ لَها، فغُلِّبَ المُحَرِّمُ.
ولا يُمكِنُ الجَمعُ في العِبادةِ بَينَ جانِبَيِ الحَضَرِ والسَّفَرِ؛ فالجَمعُ بَينَهما مُحالٌ؛ لأنَّه يُؤَدِّي مَثَلًا إلى أن يُصَلِّيَ المُسافِرُ رَكعةً مِنَ الظُّهرِ، ثُمَّ يَنويَ الإقامةَ، فيُضيفَ إلَيها رَكعَتَيه، فيُصَلِّيَ الظُّهرَ ثَلاثًا، وهو خِلافُ الإجماعِ [6183] يُنظر: ((التعليقة)) للقاضي حسين (1/512)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/381)، ((بحر المذهب))) للروياني (1/287)، ((شرح المقنع)) للبهاء المقدسي (1/210)، ((المنثور)) للزركشي (1/123)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 113)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/701). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بأنَّ الحَضَرَ هو الأصلُ [6184] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/123). .
كما يُستَدَلُّ لَها بقاعِدةِ: (إذا اجتَمَعَ المُبيحُ والمُحَرِّمُ غُلِّبَ المُحَرِّمُ) [6185]يُنظَرُ قاعِدةُ (إذا اجتَمَعَ المُبيحُ والمُحَرِّمُ غُلِّبَ المُحَرِّمُ)، ويُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 113)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/701). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- إذا مَسَحَ المُتَوضِّئُ على الخُفَّينِ وهو في الحَضَرِ، ثُمَّ سافَرَ، أو عَكَسَ، أتَمَّ مَسحَ مُقيمٍ؛ تَغليبًا للحَضَرِ لأنَّه ماسِحٌ جَمَعَ بَينَ حَضَرٍ وسَفَرٍ، فوجَبَ أن يُغلَّبَ حُكمُ الحَضَرِ على حُكمِ السَّفَرِ، فإن أقامَ قَبلَ انتِهاءِ يَومٍ ولَيلةٍ أكمَلَها، وإن أقامَ بَعدَ انتِهائِها بَطَلَ حُكمُه [6186] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/359)، ((بحر المذهب))) للروياني (1/287)، ((البيان)) للعمراني (1/151)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/98)، ((الروض المربع)) للبهوتي (1/133). .
2- إذا بَدَأ بتَكبيرةِ الإحرامِ وهو في سَفَرٍ، ثُمَّ أقامَ، كَراكِبِ سَفينةٍ بَلَغَت سَفينَتُه دارَ إقامَتِه وهو في الصَّلاةِ، امتَنَعَ الإتمامُ ولَزِمَه أن يُتِمَّها أربَعًا؛ لأنَّها عِبادةٌ اجتَمَعَ فيها حُكمُ الحَضَرِ والسَّفَرِ، فغُلِّبَ حُكمُ الحَضَرِ؛ فالصَّلاةُ عِبادةٌ تَختَلِفُ بالحَضَرِ والسَّفَرِ، فوجَبَ إذا اجتَمَعَ فيها الحَضَرُ والسَّفَرُ أن يُغلَّبَ حُكمُ الحَضَرِ [6187] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/381)، ((المنثور)) للزركشي (1/123)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/274). .
3- إذا فاتَته صَلاةُ سَفَرٍ، فذَكَرَها في الحَضَرِ، أو بالعَكسِ، حُكِمَ لَها بحُكمِ الحَضَرِ، فيَمتَنِعُ القَصرُ؛ لأنَّه قدِ اجتَمَعَ في العِبادةِ جانِبُ الحَضَرِ والسَّفَرِ، فيُغلَّبُ جانِبُ الحَضَرِ [6188] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/124)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 114). .
4- إذا نَوى الصَّومَ في الحَضَرِ فأصبَحَ صائِمًا في الإقامةِ، ثُمَّ سافَرَ في أثناءِ النَّهارِ، لَم يَجُزْ له الفِطرُ ذلك اليَومَ، وكَذا لَو أصبَحَ صائِمًا في السَّفَرِ ثُمَّ صارَ مُقيمًا؛ تَغليبًا لحُكمِ الحَضَرِ؛ لأنَّها عِبادةٌ تَختَلِفُ بالسَّفَرِ والحَضَرِ، وإذا تَلَبَّسَ بها حاضِرًا، ثُمَّ سافَرَ، وجَبَ أن يُغَلَّبَ حُكمُ الحَضَرِ [6189] يُنظر: ((الإشراف)) للقاضي عبد الوهاب (1/444)، ((المنثور)) للزركشي (1/123)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 114). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استثناءاتٌ:
يُستثنى من القاعِدةِ بعضُ الصُّوَرِ، منها [6190] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/125). :
1- إذا شَرَعَ المُسافِرُ في صَلاتِه بالتَّيَمُّمِ، ثُمَّ نَوى الإقامةَ مِن غَيرِ وِجدانِ الماءِ، مَضى في صَلاتِه؛ لأنَّ نيَّةَ الإقامةِ لَيسَت بأكثَرَ مِن وُجودِ الماءِ.
2- إذا اتَّصَلَتِ السَّفينةُ بدارِ الإقامةِ في أثناءِ الصَّلاةِ بالتَّيَمُّمِ لا تَبطُلُ صَلاتُه ولا تَجِبُ الإعادةُ، وقيلَ: يُعيدُ الصَّلاةَ؛ تَغليبًا لحُكمِ الإقامةِ.

انظر أيضا: