المَطلَبُ الحادي عَشَرَ: الزِّيادةُ على المَشروعِ في العِبادةِ كالنَّقصِ منه
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الزِّيادةُ على المَشروعِ في العِبادةِ كالنَّقصِ منه"
[6166] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (10/327). ، وصيغةِ: "ليس إلى العِبادِ إبطالُ قدرِ العِباداتِ الموظَّفةِ عليهم بالزِّيادةِ والنُّقصانِ"
[6167] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/92). ، وصيغةِ: الزِّيادةُ على المَشروعِ بدعةٌ"
[6168] يُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (1/143). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الزِّيادةَ في العِبادةِ غَيرُ مَشروعةٍ، كالنُّقصانِ مِنها، ومِنَ البِدَعِ المُحَرَّمةِ ما يَكونُ مِنَ الزِّيادةِ على العِبادةِ المَشروعةِ، كما لَو زادَ رَكعةً خامِسةً في صَلاةِ الظُّهرِ أوِ العَصرِ مَثَلًا، فمَن عَمِلَ عَمَلًا أصلُه مَشروعٌ وقُربةٌ، ثُمَّ أدخَلَ فيه ما ليس بمَشروعٍ، أو أخَلَّ فيه بمَشروعٍ، فهذا مُخالِفٌ للشَّريعةِ بقدرِ إخلالِه بما أخَلَّ به، أو إدخالِه ما أدخَلَ فيه.
وهَل يَكونُ عَمَلُه مِن أصلِه مَردودًا عليه أم لا؟ فهذا لا يُطلَقُ القَولُ فيه برَدٍّ ولا قَبولٍ، بَل يُنظَرُ فيه:
فإن كان ما أخَلَّ به مِن أجزاءِ العَمَلِ أو شُروطِه موجِبًا لبُطلانِه في الشَّريعةِ، كَمَن أخَلَّ بالطَّهارةِ للصَّلاةِ مَعَ القُدرةِ عليها، أو كَمَن أخَلَّ بالرُّكوعِ أوِ السُّجودِ مَعَ الطُّمَأنينةِ فيهما، فهذا عَمَلٌ مَردودٌ عليه، وعليه إعادَتُه إن كان فرضًا.
وإن كان ما أخَلَّ به لا يوجِبُ بُطلانَ العَمَلِ، كَمَن أخَلَّ بالجَماعةِ للصَّلاةِ المَكتوبةِ عِندَ مَن يوجِبُها ولا يَجعَلُها شَرطًا، فهذا لا يُقالُ: إنَّ عَمَلَه مَردودٌ مِن أصلِه بَل هو ناقِصٌ.
وإن كان قد زادَ في العَمَلِ المَشروعِ ما ليس بمَشروعٍ، فزيادَتُه مَردودةٌ عليه، بمَعنى أنَّها لا تَكونُ قُربةً ولا يُثابُ عليها، ولَكِن تارةً يَبطُلُ بها العَمَلُ مِن أصلِه، فيَكونُ مَردودًا، كَمَن زادَ رَكعةً عَمدًا في صَلاتِه مَثَلًا. وتارةً لا يُبطِلُه ولا يَرُدُّه مِن أصلِه، كَمَن تَوضَّأ أربَعًا أربَعًا، أو صامَ اللَّيلَ مَعَ النَّهارِ وواصَلَ في صيامِه
[6169] يُنظر: ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/179)، ((نور السنة)) لسعيد القحطاني (ص: 276). ويُنظر أيضًا: ((نضرة النعيم)) لمجموعة من المؤلفين (9/4209)، ((توضيح الأحكام)) للبسام (1/104). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ، والقَواعِدِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:- عَن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: جاءَ ثَلاثةُ رَهطٍ إلى بُيوتِ أزواجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يَسألونَ عَن عِبادةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلَمَّا أُخبِروا كَأنَّهم تَقالُّوها، فقالوا: وأينَ نَحنُ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! قد غُفِرَ له ما تَقدَّمَ مِن ذَنبِه وما تَأخَّرَ، قال أحَدُهم: أمَّا أنا فإنِّي أُصَلِّي اللَّيلَ أبَدًا، وقال آخَرُ: أنا أصومُ الدَّهرَ ولا أُفطِرُ. وقال آخَرُ: أنا أعتَزِلُ النِّساءَ فلا أتَزَوَّجُ أبَدًا. فجاءَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال:
((أأنتُمُ الذينَ قُلتُم كَذا وكَذا؟ أما واللهِ إنِّي لَأخشاكُم للهِ وأتقاكُم له، لَكِنِّي أصومُ وأُفطِرُ، وأُصَلِّي وأرقُدُ، وأتَزَوَّجُ النِّساءَ، فمَن رَغِبَ عَن سُنَّتي فلَيسَ مِنِّي )) [6170] أخرجه البخاري (5063) واللفظ له، ومسلم (1401). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَيَّنَ لَهم أنَّ الزِّيادةَ على المَشروعِ ضَرَرٌ على صاحِبِها وسَبَبٌ لخُروجِه عَنِ الصِّراطِ المُستَقيمِ
[6171] يُنظر: ((مجموعة رسائل وفتاوى)) لمجموعة من العلماء (ص: 31). .
- وعَن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا تَقدَّموا رَمَضانَ بصَومِ يَومٍ ولا يَومَينِ، إلَّا رَجُلٌ كان يَصومُ صَومًا فليَصُمْه )) [6172] أخرجه مسلم (1082). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد نَهى عَنِ الصِّيامِ قَبلَ الرُّؤيةِ أو إكمالِ العِدَّةِ، ونَهى عَنِ استِقبالِه باليَومِ، والاحتياطُ في ذلك غَيرُ مَشروعٍ؛ لأنَّ في ذلك مَفسَدةً، وهيَ الزِّيادةُ على المَشروعِ
[6173] يُنظر: ((جامع المسائل)) لابن تيمية (7/68). .
3- مِنَ القواعِدِ:يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بقاعِدةِ: (الأصلُ في العِباداتِ التَّوقيفُ).
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.مِنَ الأمثلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- الاعتِداءُ في الطُّهورِ مَنهيٌّ عَنه، وهو الزِّيادةُ على المَشروعِ
[6174] يُنظر: ((مختصر الفتاوى المصرية)) للبعلي (1/351). .
2- مِنَ البِدَعِ المُحَرَّمةِ: بدعةُ الزِّيادةِ في العِبادةِ المَشروعةِ كَزيادةِ الشِّيعةِ (أشهَدُ أنَّ عَليًّا وليُّ اللهِ) في الأذانِ، أوِ النَّقصِ مِنَ المَشروعِ كَذِكرِ اللهِ بالاسمِ المُفرَدِ كما يَفعَلُه الصُّوفيَّةُ
[6175] يُنظر: ((ابن رجب الحنبلي وأثره في توضيح عقيدة السلف)) لعبدالله الغفيلي (ص: 426). .
3- يَجِبُ الاقتِصارُ على الألفاظِ النَّبَويَّةِ كما ورَدَت في الصَّلاةِ الإبراهيميَّةِ، دونَ لَفظِ (سَيِّدِنا) في الصَّلاةِ
[6176] يُنظر: ((فتاوى يسألونك)) لحسام عفانة (6/307). .