تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ. استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "كُلُّ عِبادةٍ اعتُبِرَ فيها المالُ فإنَّ المُعتَبَرَ مِلكُه، لا القُدرةُ على مِلكِه" [6154] يُنظر: ((شرح عمدة الفقهـ)) لابن تيمية (4/43)، ((الإحكام)) لابن قاسم (2/333)، ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (8/398). ، وصيغةِ: "ما يَتَوقَّفُ عليه وُجوبُ الواجِبِ، فلا يَجِبُ إجماعًا، سَواءٌ كان سَبَبًا، أو شَرطًا، أو انتِفاءَ مانِعٍ" [6155] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/335)، ((البحر المحيط)) للزركشي (1/297). ، وصيغةِ: "التَّسَبُّبُ لإيجابِ العِباداتِ على المُكَلَّفِ لا يَجِبُ" [6156] يُنظر: ((الواضح)) لابن عقيل (2/543). ، وصيغةِ: "ما كان شَرطًا لحُصولِ الوُجوبِ على المُكَلَّفِ لا يَلزَمُه تَحصيلُه، ولا يَجِبُ عليه اكتِسابُه والتَّوصُّلُ إلى تَحصيلِه" [6157] يُنظر: ((الواضح)) لابن عقيل (2/543). . ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ العِباداتِ الواجِبةَ في المالِ إنَّما تَجِبُ على مَن يَمتَلِكُ المالَ حَقيقةً، على الرَّاجِحِ، فكُلُّ عِبادةٍ اعتُبِرَ فيها المالُ فالمُعتَبَرُ مِلكُه لا القُدرةُ على مِلكِه، كَتَحصيلِه بصَنعةٍ أو قَبولِ هبةٍ، أو مَسألةٍ أو أخذٍ مِن صَدَقةٍ أو بَيتِ مالٍ؛ لأنَّ مِلكَ المالِ شَرطٌ لوُجوبِ العِبادةِ الماليَّةِ، وما كان شَرطًا لحُصولِ الوُجوبِ على المُكَلَّفِ فإنَّه لا يَجِبُ على المُكَلَّفِ تَحصيلُه، ولا يَجِبُ عليه اكتِسابُه وتَطَلُّبُه لكَي يَجِبَ عليه الفِعلُ المَشروطُ [6158] يُنظر: ((التقريب والإرشاد)) للباقلاني (2/104)، ((الواضح)) لابن عقيل (2/543)، ((مناهج التحصيل)) للرجراجي (3/250)، ((شرح عمدة الفقهـ)) لابن تيمية (4/43)، ((الإحكام)) لابن قاسم (2/333). . ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ. يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالإجماعِ: فقد حُكيَ الإجماعُ على أنَّ المُكَلَّفَ لا يَجِبُ عليه تَحصيلُ الشَّرطِ وتَطَلُّبُه حَتَّى يَجِبَ عليه المَشروطُ، ومِمَّن حَكاه الباقِلَّانيُّ [6159] قال: (اعلَموا أنَّه لا خِلافَ أنَّ شَرطَ الفِعلِ إذا كان مِن فِعلِ غَيرِ المُكَلَّفِ مِنَ الخَلقِ، فإنَّه لا يَجِبُ على المُكَلَّفِ تَحصيلُه وتَطَلُّبُه لكَي يَجِبَ عَلَيه الفِعلُ المَشروطُ). ((التقريب والإرشاد)) (2/104). ، وابنُ عَقيلٍ [6160] قال: (ما كان شَرطًا لحُصولِ الوُجوبِ على المُكَلَّفِ لا يَلزَمُه تَحصيلُه، ولا يَجِبُ عَلَيه اكتِسابُه والتَّوصُّلُ إلى تَحصيلِه بإجماعِ العُلَماءِ). ((الواضح)) (2/543). ، والرَّجراجيُّ [6161] قال: (أمَّا مَن يَتَسَلَّفُ أو يَسعى حَتَّى يَحصُلَ له ما يَجِبُ فيه الحَقُّ ليُؤَدِّيَه مِنه، فلَيسَ ذلك عَلَيه بواجِبٍ باتِّفاقِ الأُمَّةِ قاطِبةً). ((مناهج التحصيل)) (3/250). . رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ. تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها: 1- الفَقيرُ الذي لا مالَ له لا يَلزَمُه تَطَلُّبُ المالِ والتَّوصُّلُ إلى مِلكِه لكَي تَجِبَ الزَّكاةُ عليه، وإنَّما تَجِبُ الزَّكاةُ إذا اتَّفَقَ حُصولُ المالِ مَعَ مَن يَلزَمُه الفَرضُ، وعَلى صِفةِ مَن تَجِبُ عليه؛ لأنَّه لا يَجِبُ على المُكَلَّفِ تَحصيلُ شَرطِ الفِعلِ وتَطَلُّبُه لكَي يَجِبَ عليه الفِعلُ المَشروطُ [6162] يُنظر: ((التقريب والإرشاد)) للباقلاني (2/104)، ((الواضح)) لابن عقيل (2/543). . 2- لا يَجِبُ الحَجُّ على المُسلِمِ حَتَّى يَملِكَ الزَّادَ والرَّاحِلةَ أو ثَمَنَهما، فأمَّا إن كان قادِرًا على تَحصيلِه بصَنعةٍ، أو قَبولِ هبةٍ، أو وصيَّةٍ، أو مَسألةٍ، أو أخذٍ مِن صَدَقةٍ أو بَيتِ المالِ: لَم يَجِبْ عليه ذلك، سَواءٌ قدَرَ على ذلك في مِصرِه، أو في طَريقِ مَكَّةَ؛ لأنَّ الذي يوجِبُ الحَجَّ: الزَّادُ والرَّاحِلةُ، يَعني وُجودَهما، ولِأنَّ الزَّادَ والرَّاحِلةَ شَرطُ الوُجوبِ، وما كان شَرطًا للوُجوبِ لَم يَجِبْ على المُكَلَّفِ تَحصيلُه؛ لأنَّ الوُجوبَ مُنتَفٍ عِندَ عَدَمِه، ولِأنَّ كُلَّ عِبادةٍ اعتُبِرَ فيها المالُ فإنَّ المُعتَبَرَ مِلكُه لا القُدرةُ على مِلكِه [6163] يُنظر: ((شرح عمدة الفقهـ)) لابن تيمية (4/43). ويُنظر أيضًا: ((التعليقة الكبيرة)) لأبي يعلى، من الاعتكاف للبيوع (1/53). . 3- مَن لا يَملِكُ الإطعامَ، لا يَجِبُ عليه اكتِسابُه ليَحصُلَ الإطعامُ في التَّكفيرِ؛ لأنَّ ما كان شَرطًا لحُصولِ الوُجوبِ على المُكَلَّفِ لا يَلزَمُه تَحصيلُه، ولا يَجِبُ عليه اكتِسابُه والتَّوصُّلُ إلى تَحصيلِه [6164] يُنظر: ((الواضح)) لابن عقيل (2/543). . 4- لا يَلزَمُ الفَقيرَ أن يَتَسَلَّفَ المالَ ليُؤَدِّيَ الأُضحيَّةَ -وذلك على القَولِ بوُجوبِها- لأنَّها على القادِرِ عليها، كَسائِرِ العِباداتِ الواجِبةِ في المالِ؛ فإنَّما تَجِبُ على مَن عِندَه مِنَ المالِ ما يَبيعُ أو يُخرِجُ مِنه ذلك القدرَ، وأمَّا مَن يَتَسَلَّفُ أو يَسعى حَتَّى يَحصُلَ له ما يَجِبُ فيه الحَقُّ ليُؤَدِّيَه مِنه، فلَيسَ ذلك عليه بواجِبٍ [6165] يُنظر: ((مناهج التحصيل)) للرجراجي (3/250). .