موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ التَّاسِعُ: يَجوزُ أداءُ العِبادةِ قَبلَ الوُجوبِ بَعدَ وُجودِ سَبَبِ الوُجوبِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "يَجوزُ أداءُ العِبادةِ قَبلَ الوُجوبِ بَعدَ وُجودِ سَبَبِ الوُجوبِ" [6139] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/51). ، وصيغةِ: "تَعجيلُ الحُكمِ قَبلَ الوُجوبِ بَعدَ وُجودِ سَبَبِ الوُجوبِ جائِزٌ" [6140] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/203). ، وصيغةِ: "أداءُ الحَقِّ الماليِّ بَعدَ وُجودِ سَبَبِ الوُجوبِ قَبلَ الوُجوبِ جائِزٌ" [6141] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (8/147). ، وصيغةِ: "أداءُ العِبادةِ البَدَنيَّةِ بَعدَ وُجودِ سَبَبِ وُجوبِها جائِزٌ" [6142] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/181). ، وصيغةِ: "العِباداتُ كُلُّها -سَواءٌ كانت بَدَنيَّةً، أو ماليَّةً، أو مُرَكَّبةً مِنهما- لا يَجوزُ تَقديمُها على سَبَبِ وُجوبِها، ويَجوزُ تَقديمُها بَعدَ سَبَبِ الوُجوبِ وقَبلَ الوُجوبِ، أو قَبلَ شَرطِ الوُجوبِ" [6143] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/70). ، وصيغةِ: "إسقاطُ الحَقِّ بَعدَ وُجودِ سَبَبِ الوُجوبِ جائِزٌ" [6144] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/202). ، وصيغةِ: "إسقاطُ الحَقِّ بَعدَ وُجودِ سَبَبِ الوُجوبِ قَبلَ الوُجوبِ صَحيحٌ" [6145] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (21/10). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّه لا يَجوزُ تَقديمُ العِبادةِ على سَبَبِ الوُجوبِ، ويَجوزُ تَقديمُها بَعدَ وُجودِ السَّبَبِ وقَبلَ شَرطِ الوُجوبِ وتَحَقُّقِه؛ فإنَّ كُلَّ عِبادةٍ مِنَ العِباداتِ التي فرَضَها اللهُ عَزَّ وجَلَّ على عِبادِه لَها سَبَبُ وُجوبٍ، فإذا وُجِدَ شُغِلَتِ الذِّمَّةُ بها، فلا تَبرَأُ الذِّمَّةُ إلَّا بأدائِها، أي أنَّ الاعتِمادَ في هذا على تَحَقُّقِ سَبَبِ الوُجوبِ [6146] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/70)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (1/1/210)، ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عثيمين (3/58)، ((العقد الثمين)) لخالد المشيقح (ص: 124)، ((شرح القواعد السعدية)) لعبدالمحسن الزامل (ص: 221). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يَدُلُّ على هذه القاعِدةِ القُرآنُ والسُّنَّةُ والقياسُ:
1- مِنَ القُرآنِ:
قولُ اللهِ تعالى: قَدۡ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمۡ تَحِلَّةَ أَيۡمَٰنِكُمۡۚ [التحريم: 2] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ تَحِلَّةَ اليَمينِ هيَ الكَفَّارةُ قَبلَ الحِنثِ. بمَعنى أنَّه خَرَجَ مِن يَمينِه قَبلَ أن يَفعَلَ ما حَلَفَ على تَركِه أو تَرَكَ ما حَلَفَ على فِعلِه.
قال ابنُ تيميَّةَ (سَمَّاه اللهُ تَحِلَّةً، وتَحليلُها قَبلَ الحِنثِ أوكَدُ، لَكِن إنَّما يَجِبُ إذا حَنِثَ) [6147] ((الرد على السبكي في مسألة تعليق الطلاق)) (2/ 529). .
2- مِنَ السُّنَّةِ:
عَن عَديٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا حَلَفَ أحَدُكُم على اليَمينِ، فرَأى خَيرًا مِنها، فليُكَفِّرْها، وليَأتِ الذي هو خَيرٌ)) [6148] أخرجه مسلم (1651). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
ما ورَدَ مِن تَقديمٍ وتَأخيرٍ في لَفظِ هذا الحَديثِ فعَلى هذه الرِّوايةِ يَقومُ الدَّليلُ على الحِنثِ بَعدَ وُجودِ السَّبَبِ وقَبلَ الوُجوبِ. فيُكَفِّرُ عَن يَمينِه بَعدَ عَقدِها [6149] يُنظر: ((الإشراف)) للقاضي عبدالوهاب (2/ 884). .
3- مِنَ القياسِ:
وذلك بقياسِ أداءِ الحَقِّ الواجِبِ في الذِّمَّةِ بَعدَ وُجودِ سَبَبِ الوُجوبِ وقَبلَ الوُجوبِ بأداءِ الزَّكاةِ بَعدَ بُلوغِها النِّصابَ، وقَبلَ أن يَحِلَّ مَوعِدُ أدائِها [6150] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (8/ 147)، ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عثيمين (3/ 58- 59). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- يَجوزُ تَعجيلُ الزَّكاةِ بَعدَ اكتِمالِ النِّصابِ، وقَبلَ الحَولِ؛ لأنَّه أُدِّيَ بَعدَ وُجودِ سَبَبِ الوُجوبِ، وإن كان لا وُجوبَ قَبلَ الحَولِ، لَكِنَّ سَبَبَ الوُجوبِ مَوجودٌ، وهو مِلكُ النِّصابِ [6151] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/51)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (2/267)، ((شرح تحفة أهل الطلب)) لعبدالكريم اللاحم (ص: 22). .
2- يَجوزُ تَعجيلُ الأُجرةِ في الإجارةِ، كما لَو كان عليه دَينٌ مُؤَجَّلٌ فعَجَّلَه؛ لأنَّ العَقدَ سَبَبُ استِحقاقِ الأُجرةِ، فالاستِحقاقُ وإن لَم يَثبُتْ فقدِ انعَقدَ سَبَبُه [6152] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/203). .
3- يَجوزُ تَقديمُ كَفَّارةِ اليَمينِ بَعدَ عَقدِ اليَمينِ، وقَبلَ الحِنثِ؛ لأنَّ فِعلَ العِبادةِ بَعدَ وُجودِ سَبَبِ وُجوبِها صَحيحٌ، ولَو كان قَبلَ وُجوبِها، أو قَبلَ شَرطِ وُجوبِها [6153] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/19)، ((شرح تحفة أهل الطلب)) لعبدالكريم اللاحم (ص: 22). .

انظر أيضا: