موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ السَّابعُ: إذا تَولَّدَ الشَّيءُ بَين مَضمونٍ وغَيرِ مَضمونٍ فهَل يُعطى جَميعُه حُكمَ الضَّمانِ؟


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "إذا تَولَّدَ الشَّيءُ بَين مَضمونٍ وغَيرِ مَضمونٍ فهَل يُعطى جَميعُه حُكمَ الضَّمانِ؟" [4116] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/148). ، وصيغةِ: "المُتَولِّدُ مِن مَضمونٍ وغَيرِ مَضمونٍ فيه خِلافٌ، والأصَحُّ أنَّ لكُلٍّ حُكمَه غالبًا" [4117] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/164). ، وصيغةِ: "إذا حَصَلَ التَّلَفُ مِن فِعلَين أحَدُهما مَأذونٌ فيه، والآخَرُ غَيرُ مَأذونٍ فيه، وجَبَ الضَّمانُ كامِلًا على الصَّحيحِ" [4118] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/198). ، وصيغةِ: "إذا تَولَّدَ الشَّيءُ مِن مَضمونٍ وغَيرِ مَضمونٍ فهَل يُغَلَّبُ فيه جانِبُ الضَّمانِ؟" [4119] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/259). ، وصيغةِ: "الجِنايةُ إذا حَصَلَت مِن فِعل مَضمونٍ ومُهدَرٍ سَقَطَ ما يُقابِلُ المُهدَرَ، واعتُبِرَ ما يُقابلُ المَضمونَ" [4120] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (2/319). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
إذا خَرَجَ الشَّيءُ عن أن يَكونَ مُنتَفَعًا به الانتِفاعَ المَطلوبَ مِنه، وكان سَبَبُ عَدَمِ الانتِفاعِ فِعلَينِ أحَدُهما أذِنَ الشَّارِعُ بفِعلِه، فلَم يَكُنْ فيه الضَّمانُ، والآخَرُ لَم يَأذَنِ الشَّارِعُ في فِعلِه، فيَجِبُ فيه الضَّمانُ، فهَل يُغَلَّبُ الفِعلُ المَأذونُ فيه فلا يَكونُ في مَجموعِ الفِعلَينِ ضَمانٌ، أو يُغَلَّبُ الثَّاني فيَكونُ فيهما الضَّمانُ؟ في المَسألةِ خِلافٌ، والصَّحيحُ أنَّ لكُلِّ فِعلٍ حُكمَه، فالضَّمانُ يَكونُ بحَسَبِ الفِعلِ المَضمونِ فحَسْبُ ولا يَتَعَدَّاه، وتُعتَبرُ هذه القاعِدةُ تَطبيقًا لقاعِدةِ (الضَّمانُ بقَدرِ التَّلَفِ) [4121] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/148)، ((المنثور)) للزركشي (3/164)، ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (2/319)، ((القواعد)) لابن رجب (1/198)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/259). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ المَعقولُ:
وهو أنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بفِعلٍ مُستَحَقٍّ وغَيرِ مُستَحَقٍّ، أو مَضمونٍ وغَيرِ مَضمونٍ؛ فوُزِّعَ ضَمانُه عليهما [4122] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (2/266) و (3/196)، ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (17/411). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- لَوِ اشتَرَكَ مُحْرِمٌ وحَلَالٌ في قَتلِ صَيدٍ لَزِمَ المُحرِمَ نِصفُ الجَزاءِ، ولا شَيءَ على الحَلالِ [4123] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/164)، ((القواعد)) لابن رجب (1/200). .
2- إذا ضَرَبَ الإمامُ في الخَمرِ أكثَرَ مِن أربَعينَ فماتَ المَضروبُ، ففيه قَولانِ: أحَدُهما: أنَّه يَضمَنُ نِصفَ ديَتِه؛ لأنَّه ماتَ مِن مَضمونٍ وغَيرِ مَضمونٍ، فضَمِنَ نِصفَ ديَتِه، كما لَو جَرَحَه واحِدٌ جِراحةً وجَرَح نَفسَه جِراحاتٍ، والثَّاني: أنَّه يَضمَنُ جُزءًا مِن أحَدٍ وأربَعينَ جُزءًا مِنَ الدِّيةِ؛ لأنَّ الأسواطَ مُتَماثِلةٌ، فقُسِّطَتِ الدِّيةُ على عَدَدِها، وتُخالفُ الجِراحاتِ؛ فإنَّها لا تَتَماثَلُ، وقد يَموتُ مِن جِراحةٍ ولا يَموتُ مِن جِراحاتٍ، ولا يَجوزُ أن يَموتَ مِن سَوطٍ ويَعيشَ مِن أسواطٍ [4124] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (3/371). .
3- إن وجَبَ على شَخصٍ القِصاصُ في طَرَفٍ مِن أطرافِه فاقتُصَّ مِنَ الطَّرَفِ بحَديدةٍ مَسمومةٍ فماتَ، لَم يَجِبِ القِصاصُ؛ لأنَّه تَلِفَ مِن جائِزٍ وغَيرِ جائِزٍ، ويَجِبُ نِصفُ الدِّيةِ؛ لأنَّه هَلَكَ مِن مَضمونٍ وغَيرِ مَضمونٍ، فسَقَطَ النِّصفُ ووجَبَ النِّصفُ [4125] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (3/196). .

انظر أيضا: