موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الرَّابعُ: الإتلافُ الحُكميُّ بمَنزِلةِ الإتلافِ الحَقيقيِّ في إيجابِ الضَّمانِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الإتلافُ الحُكميُّ بمَنزِلةِ الإتلافِ الحَقيقيِّ في إيجابِ الضَّمانِ" [4085] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/95). ، وصيغةِ: "الإتلافُ الحُكميُّ كالحِسِّيِّ" [4086] يُنظر: ((الفواكه العديدة)) للمنقور (1/ 359). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
الإتلافُ الحُكميُّ هو الإضرارُ بالمَنفَعةِ دونَ إهلاكِ العَينِ، وهو يُساوي الإتلافَ الحَقيقيَّ في وُجوبِ الضَّمانِ، فالقاعِدةُ تُسَوِّي بَينَ الإتلافِ المُباشِرِ وغَيرِ المُباشِرِ في الضَّمانِ؛ تَحقيقًا للعَدلِ، وحِفاظًا على حُقوقِ النَّاسِ ومُمتلَكاتِهم، وتُعتَبرُ هذه القاعِدةُ مُكَمِّلةً لقاعِدةِ (الضَّمانُ بقَدرِ التَّلَفِ) [4087] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/95).
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بعدَّةِ قَواعِدَ فِقهيَّةٍ، مِنها:
1- قاعِدةُ: (لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ).
فعُمومُ النَّهيِ عنِ الضَّرَرِ يَشمَلُ حالةَ الإتلافِ الحُكميِّ مِثلَما يَشمَلُ حالةَ الإتلافِ الحَقيقيِّ.
2- قاعِدةُ (الأُمورُ بمَقاصِدِها).
وهذا باعتِبارِ أنَّه لا فرقَ بَين الإتلافينِ؛ إذِ المَقصَدُ واحِدٌ في تَفويتِ الحَقِّ.
3- قاعِدةُ (المَعروفُ عُرفًا كالمَشروطِ شَرطًا).
فالشَّيءُ غَيرُ المَنصوصِ عليه كشَرطٍ قد يُعطى حُكمَ المَنصوصِ عليه، فما ثَبَتَ بالعُرفِ كَأنَّ قائِلَه قد نَصَّ عليه، فيَكونُ مَنصوصًا عليه حُكمًا.
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إنِ اصطادَ المُحرِمُ صَيدًا فحَبَسَه عِندَه حَتَّى ماتَ، فعليه جَزاؤُه وإن لَم يَقتُلْه؛ لأنَّ فيه مَعنى الصَّيديَّةِ حُكمًا بإثباتِ يَدِه عليه، والإتلافُ الحُكميُّ بمَنزِلةِ الإتلافِ الحَقيقيِّ في إيجابِ الضَّمانِ عليه [4088] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/95). .
2- إذا أودَعَ شَخصٌ كيسًا مِنَ الأَرُزِّ وآخَرَ مِنَ القَمحِ عِندَ شَخصٍ آخَرَ، فخَلَطَ المودَعُ النَّوعَينِ خَلطًا لا يُمكِنُ الانتِفاعُ مِنهما مَعًا، أو ضَمَّهما إلى ما يَملِكُه فخَلَطَ الجَميعَ بما لا يَتَمَيَّزُ، فإنَّه يَضمَنُ في الحالَتَينِ؛ لأنَّه إذا كان لا يَتَمَيَّزُ فقد عَجَزَ المالكُ مِنَ الانتِفاعِ بالوديعةِ، فكان الخَلطُ مِنه إتلافًا، فيَضمَنُ [4089] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/ 213). .

انظر أيضا: