موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الثَّالثُ: الجابرُ بقَدرِ الفائِتِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الجابِرُ بقدرِ الفائِتِ" [4077] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (4/435). ، وصيغةِ: "الواجِبُ الأخذُ بقدرِ التَّلَفِ" [4078] يُنظر: ((معونة أولى النهى)) لابن النجار (10/284). ، وصيغةِ: "ضَمانُ المَضمونِ بقدرِ التَّلَفِ" [4079] يُنظر: ((العدة في شرح العمدة)) لابن العطار (2/1106). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
قَضَت أحكامُ الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ بأن يَكونَ التَّعويضُ أوِ الضَّمانُ عنِ النَّقصِ النَّاتِجِ عنِ التَّعَدِّي بقَدرِ الضَّرَرِ والتَّلَفِ لا أكثَرَ ولا أقَلَّ؛ تَحقيقًا للعَدلِ، فإذا تَلِف شَيءٌ تَلَفًا جُزئيًّا فالطَّريقُ إلى جَبرِه -إذا فاتَ- تَحتَ الأيدي الضَّامِنةِ، بما حَدَّدَه الشَّرعُ لضَمانِها إن نُصَّ لَها على حَدٍّ، فإن لَم يَكُنْ لَها حَدٌّ في الشَّرعِ فتُقَوَّمُ العَينُ على أوصافِ كَمالِها، ثُمَّ تُقَوَّمُ على أوصافِ نُقصانِها، فيُجبَرُ التَّفاوُتُ بَينَ الصِّفتَينِ بما بَينَ القيمَتَينِ، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ أخَصَّ مِن قاعِدةِ (الضَّمانُ بقَدرِ التَّلَفِ) [4080] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (4/435)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/173)، ((معونة أولى النهى)) لابن النجار (10/284)، ((العدة في شرح العمدة)) لابن العطار (2/1106). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ: القاعِدةُ الأُمُّ (الضَّمانُ بقَدرِ التَّلَفِ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- يَضمَنُ مالِكُ البَهيمةِ ما أتلَفَته مِنَ الزَّرعِ لَيلًا، ويُقَوِّمُ أهلُ الخِبرةِ والمَعرِفةِ الزَّرعَ على تَقديرِ تَمامِه وسَلامَتِه، وعلى تَقديرٍ تَلَفِه وجائِحتِه، ويَضمَنُ صاحِبُ البَهيمةِ مِقدارَ النَّقصِ بَينَ الثَّمَنَينِ؛ لأنَّ الجَبرَ بقَدرِ التَّلَفِ [4081] يُنظر: ((الجمع والفرق)) لأبي محمد الجويني (3/513)، ((الهداية)) للكلوذاني (ص: 320)، ((اختلاف الأئمة)) لابن هبيرة (2/298)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (13/179). .
2- إذا ضَرَبَ بَطنَ بَهيمةٍ فألقَت جَنينَها مَيِّتًا، فتُقَوَّمُ البَهيمةُ وفي بَطنِها ولَدُها، ثُمَّ تُقَوَّمُ بَعدَ أن تَطرَحَ جَنينَها، فيَكونُ فَضلُ ما بَينَ ذلك على الذي أصابَها حَتَّى طَرَحَت جَنينَها؛ لأنَّ الجَبرَ بقَدرِ التَّلَفِ [4082] يُنظر: ((شرح مشكل الآثار)) للطحاوي (8/425)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (8/2019)، ((المحلى)) لابن حزم (11/249). .
3- إذا هَدَمَ دارًا فإنَّه يُجبَرُ تَأليفُها بما بَينَ قيمَتِها في حالَتَيِ البناءِ والانهدامِ؛ لأنَّ تَأليفَها ليس مِن ذَواتِ الأمثالِ [4083] هذا المِثالُ مُستَفادٌ مِنَ العِزِّ في قَولِه: «وأمَّا صِفاتُ الأموالِ فليست مِن ذَواتِ الأمثالِ، والطَّريقُ إلى جَبرِها إذا فاتَت بسَبَبٍ مُضَمَّنٍ أو فاتَت تَحتَ الأيدي الضَّامِنةِ أن تُقَوَّمَ العَينُ على أوصافِ كَمالِها، ثُمَّ تُقَوَّمَ على أوصافِ نُقصانِها، فيُجبَرُ التَّفاوُتُ بَينَ الصِّفتَينِ بما بَينَ القيمَتَينِ، مِثلُ إن غَصَبَ شابَّةً حَسَنةً فصارَت عِندَه عَجوزًا شَوهاءَ فيَجبُرُ ما فاتَ مِن صِفةِ شَبابها ونَضارَتها بما بَينَ قيمَتَيها، وكَذلك لَو عَيَّب شَيئًا مِنَ الأموالِ فإنَّه يَجبُرُه بما بَينَ قيمَتِه سَليمًا ومَعيبًا، وكَذلك لَو هَدَمَ دارًا فإنَّه يَجبُرُ تَأليفَها بما بَينَ قيمَتِها في حالَتَيِ البناءِ والانهدامِ؛ لَأنَّ تَأليفَها ليس مِن ذَواتِ الأمثالِ». ((قواعد الأحكام)) (1/ 182). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءٌ:
يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ إذا أفضى استيفاءُ القِصاصِ إلى الحَيفِ والاعتِداءِ، وعليه فلا قِصاصَ في جائِفةٍ -وهيَ: الجُرحُ الواصِلُ إلى باطِنِ الجَوفِ- ولا قِصاصَ في قَطعِ القَصَبةِ -أي: قَصَبةِ الأنفِ- ولا قِصاصَ في كَسرِ عَظمٍ غَيرَ سنٍّ وضِرسٍ، أو قَطعِ بَعضِ ساعِدٍ، أو قَطعِ بَعضِ عَضُدٍ أو ساقٍ، أو بَعضِ وَركٍ؛ لأنَّ ذلك كُلَّه لا يُمكِنُ استيفاؤُه بلا حَيفٍ وتعدٍّ، فإنَّه رُبَّما يَأخُذُ أكثَرَ مِنَ الغايةِ، أو يَسري إلى عُضوٍ آخَرَ، أو إلى النَّفسِ فتَهلِكُ، فلَم يَجُزْ؛ لأنَّ الواجِبَ الأخذُ بقدرِ المُتلَفِ لا أكثَرَ مِنه. فإذا أفضى الاستيفاءُ إلى الحَيفِ مُنِعَ مِنه لتَعَذُّرِه، لَكِن إذا أُمِنَ الحَيفُ والتَّعَدِّي جازَ استيفاءُ القِصاصِ بقَدرِ التَّلَفِ والجِنايةِ [4084] يُنظر: ((شرح المنتهى)) لابن النجار (10/ 284)، ((نيل المآرب)) لابن أبي تغلب (2/ 326). .

انظر أيضا: